الهجرة … أم المشاكل

د/ أمير حمد

ها هي ألمانيا تستعد لانتخابات الرابطة الأوروبية نهاية الشهر، هذا وتعقبها انتخابات برلمانية لولايات الشرق الألماني ساكسن ، ساكسن أنهالت وبراندنبورج، الأمر الذي يضع حزب ميركل الحاكم CDU وكذلك الأحزاب الكبرى في تحد أشبه بتقرير المصير في الساحة السياسية الألمانية والأوروبية معا.

هذا كما تستعد الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل الحزب البديل AFD لتقليص نسب نجاح الأحزاب الكبرى، وذلك بتأجيجها لأزمة اللاجئين وشحن مواطني أوروبا وألمانيا بأوهام هجوم العرب المسلمين على أوروبا للانقضاض على حضارتها وشرور الاسلاموية والإرهاب. كذلك يدعون بتغيير منظومة الغرب المسيحية الديمقراطية وتضييق فرص العمل هذا إلى جانب تكسب اللاجئين من المساعدات الاجتماعية.

مجتمعات موازية

في نفس السياق نبهت وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية إلى مجابهة حملات الدعوة إلى المجتمعات الموازية المقصية للاندماج والانفتاح على المجتمع الألماني والديمقراطي.

يقول متحدث وزارة الأسرة في إذاعة “انفو” بأن كثيرا من الشباب والفتيات يتحدثون سرا عبر الشبكات الاجتماعية لإقامة دولة خاصة بهم، لا تختلف كثيرا عن دعوات الارهاب والاسلاموية القائمة على بث الحقد والإحساس بالظلم وتضييع الحقوق الأساسية.

بهذا يكون قد فتح ملف بلدية نويكولن وفيدينغ أكثر المناطق المأهولة بالأجانب واللاجئين.

لم تتعلم ألمانيا بعد من تجاربها السابقة بزج هذه الأحياء بأعداد أضافية من الأجانب واللاجئين وتحولها بالتالي مستعمرات أوطان في المغترب الأوروبي. فلا غرابة إذا أن يتدنى مستوى التعليم وتعلم اللغة والانفتاح على الألمان والمجتمعات الأجنبية الأخرى وأن يجد التطرف وجذب الشباب إلى الإرهاب أرضا خصبة.

يقول زيهوفر وزير الداخلية “حزب CDU المسيحي الاشتراكي” أن انخفاض نسبة الجرائم في ألمانيا بفضل رقابة الشرطة لا يمنع من تتبع ومحاربة الارهاب وحملات الانترنت لإقامة المجتمعات الموازية، لاسيما بعد دخول أكثر من مليون لاجئ إلى ألمانيا معظمهم من المسلمين المنحدرين من ثقافات ومنظومة شرقية. هذا كما استدرك زيهوفر قائلا بأن هذا لا يعني غياب شريحة واسعة من الأجانب واللاجئين الذين استطاعوا الاندماج والحفاظ على هويتهم والعيش بسلام وتسامح مع الألمان والمجتمعات الأخرى بألمانيا.

يقول متحدث حزب الخضر المعارض بأن زيهوفر وزير داخلية عاجز لم يقدم مقترحات جادة، فقط يبادر بالهجوم ونقد باللاجئين وتحذير الألمان من الإسلام ومغبة وجودهم كشريحة متحوصلة مغذية للعنف والإرهاب.

وكما أشرنا من قبل في سلسلة عين على اللاجئين فإن قضية الللجوء لم تعد قضية تخص ألمانيا وحدها بل طغت على الرابطة الأوروبية وأمريكا، التي هدد ترامب رئيسها بإغلاق الحدود الجنوبية المتاخمة للمكسيك بعد أن رفض الحزب الديمقراطي المعارض تمويل جدارا لكبح الهجرة السرية للاجئين .وقد  أثنى ترامب على رئيس المكسيك مجددا بعد أن أبقى على كثير من اللاجئين في المكسيك كمحطة لمراجعة طلبات لجوئهم والموافقة عليها أو رفضها من قبل الادارة الأمريكية للهجرة واللجوء.

كما أثنى ترامب على المستشارة ميركل أثر تصميمها لرفع ميزانية ألمانيا لدعم قوات الناتو من 1.2 % إلى 1.5% من ميزانية ألمانيا. يقول ترامب بأن أبيه ينحدر من جذور ألمانية وأن أمريكا لا تنسى جهود ألمانيا لإيقاف الحروب والجهود المكثفة لتنمية مناطق الشدة ودعم قوات حفظ السلام.

الهجرة .. أم المشاكل

يقول محلل سياسي في تلفزيون CNN بأن ألمانيا الوجه المقابل لأمريكا في قضية اللاجئين اذ تمثل ظاهرة أوروبية “انفتاح على الأجانب واللاجئين” المشردين جراء الحروب، فيما يغلق ترامب أمريكا في وجوههم ويخطط لإيقاف دعم دولهم ان لم يوقفوا هجرتهم إلى أمريكا.

وذكر مواصلا بأن أهم أسباب خروج انجلترا من الرابطة الأوروبية يتمثل في سيطرة البرلمان الأوروبي على سياسة دول الرابطة، فانجلترا تعتبر من كبرى الدول العسكرية والاقتصادية ولا ترغب ان تنتزع سيطرتها وهيمنتها على ملف قضية الأجانب واللجوء وحدودها هذا إلى جانب الاقتصاد والقضاء.

يقول “ماكرون” رئيس فرنسا بأن خروج انجلترا من الرابطة الأوروبية سيعود بضرر كبير لها لأن بلاده تحملت أكثر من 50 مليون يورو لتأمين الممر المائي بين الدولتين واستقبال اللاجئين الراجعين من انجلترا.

نعم أن فضية اللاجئين خارطة واسعة تحركها الحروب وتجارة السلاح لاسيما من قبل أمريكا وأوروبا.

ذكرت ميركل سابقا فيما يخص اللجوء ” لا أحد يغادر موطنه برغبة منه” نعم، أنها تجارة السلاح والحروب وفساد الحكام.

ولأنها أم المشاكل .. فقد  حذرت فرنسا في مؤتمر قمة السبعة من احتمال وصول موجات لاجئين كبيرة من تركيا سيرا على الأقدام وأخرى ضخمة من سواحل ليبيا بعد اشتداد القتل بين القوات الليبية وجيش حفتر.

جاء هذا التحذير مواكبا لآخر تطورات اشتداد تهريب السلاح في افريقيا وتوسع دوائر مهربين اللاجئين إلى أوروبا.

كان وقد شارك زيهوفر وزير داخلية ألمانيا في مؤتمر وزراء داخلية الرابطة الأوروبية وناقش مثل هذه التطورات الطارئة واقترح مجددا ضرورة العمل المشترك بين دول الرابطة لإيقاف هجرة اللاجئين وإفشال تجارة تهريبهم والقبض على المهربين وتسليمهم للعدالة. واقترح زيهوفر في هذا الشأن بألا تعيد ألمانيا الدواعش الألمان إلى ألمانيا لمحاسبتهم وسحب الجنسية منهم، بل أن يمثلوا لمحاكم الدول التي يقيمون فيها وألا يعدموا لرفض الرابطة الأوروبية لهذه العقوبة اللاإنسانية.

من ناحية أخرى ناقش البرلمان الألماني قوانين اللجوء الأخيرة ابتداء بدفع ما لا يقل عن نصف مليار يورو لتشييد سكنات للاجئين، وألا يمنح اللاجئين الجدد دعما حاليا نقدا في مراكز التسجيل فقط أن يستلموا ملابس وأغذية وضرورات خاصة بهم تعادل دعمهم المالي الشهري. هذا إلى جانب تشغيل وتوظيف الكوادر الطبية كأيدي مساعدة لتطبيب اللاجئين والإسراع في البت بقبول طلبات اللجوء أو رفضها وكذلك تعجيل تسفير اللاجئين المرفوضين.

وانتقدت المعارضة زيهوفر، اذ اعتبرته وزيرا يمارس سياسة العصا مع اللاجئين المستضعفين ولا يأتي بأي تصورات وإجراءات جديدة لحل قضية اللجوء، وكل عمله هو تكثيف رفض اللاجئين وتقليص عددهم وتخويف الألمان منهم كجسم غريب صعب دمجه وتهييجه.

ألمانيا والرابطة الأوروبية

لقد تغير وضع ألمانيا داخل الرابطة الأوروبية فهي تارة “سور أوروبا العظيم” وتارة “عدو شرق أوروبا” و الآن الناتو يلزمها دفع 2% من ميزانيتها كما فعلت بولندا مثلا.

نقول هذا ونذكر بأن نمو ألمانيا الاقتصادي هبط من نسبة 1.9% إلى 1% فقط بسبب الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا وخروج انجلترا من الرابطة وصرفها على المساعدات الاجتماعية واللاجئين.

كما انتقد وزير داخلية ايطاليا ـ الرافض للاجئين ـ ألمانيا مجددا لاستقطابها للاجئين جدد، اذ قال بأن بلاده لن تكون ادارة أو مستعمرة ألمانية، نحن نفرض شروط وخطط استقبال اللاجئين في ايطاليا ومالطا. جاء هذا التصريح بعد أن أوقف نشاط سفن انقاذ اللاجئين. وقال بأن ألمانيا تدعى “القلب المسيحي الرحيم” المنقذ للاجئين والمرحب بهم فليكن ذلك ولكن دون رسو سفينة لاجئين أو قارب واحد على شواطئ ايطاليا ولو ظلوا يبحرون العمر كله قرب موانئ إيطاليا طلبا للنجاة !!!

وأجري لقاء مع بعض برلمانيي الأحزاب المحافظة الحاكمة وحزب AFD المتطرف في قناة “دراي سات” فوضح متحدث الحزب الأخير بأن فرصة نجاح واتساع الأحزاب اليمينية في انتخابات البرلمان الأوروبي في نهاية مايو كبيرة جدا لتبنيها لقضية إيقاف وتسفير اللاجئين واهتمامها بدعم حقوق المواطنين الأوروبيين بدلا من هدر ميزانية طائلة على اللاجئين. قال بأن أوروبا ليست بحوجة لشريحة عاجزة من اللاجئين فالأولى أن تنقذهم وتؤمن حياتهم في بلادهم.

ألمانيا والتطورات الراهنة

الذي يعيش في ألمانيا أو يتابع مجريات تطورها لحظة بلحظة يصعب عليه الوقوف على قضية معينة كقضية اللاجئين المتشعبة والعالمية في حد ذاتها، فألمانيا شهدت وشاركت في شهر ابريل كعضو شبه دائم في مجلس الأمن واحتفت بمرور 70 عام على ميلاد الناتو وتشرفت بزيارة أوباما الداعي إلى الحفاظ على البيئة والمناخ.

وقد زار الرئيس الأمريكي السابق أوباما مدينتي كولون وبرلين وتحدث عن أهمية دور زعامة الدول والأمم ومدى تأثير القيادة على تشكيل الشعوب وبنية أجيال بأثرها. وكتبت بعض الصحف الأمريكية معلقة على زيارة أوباما هذه فذكرت احتفاء واستقبال الألمان له، استقبال يحلم به ترامب، الذي رد قائلا بأن الأمريكيين يحبونه ولا يهمه الأوروبيين المتعاطفين مع الأجانب واللاجئين رغم تضررهم الواضح جراء فتح الحدود .

من المعروف أن قضية اللاجئين هي المحور الأساسي  والدفة الذهبية الرابحة التي تتنافس عليها الأحزاب الأوروبية. يقول بونكة رئيس الرابطة الأوروبية بأن الرابطة فشلت في حل قضية اللاجئين من ناحية انسانية لتكتل الأحزاب اليمينية وحملتها العشوائية الشرسة اللامبررة وإغلاق ايطاليا ومالطا لموانيها رغم سعي دول الرابطة كألمانيا لاستقطابهم.

وطالب حزب AFD بأن تتولى كل دولة من الرابطة سياستها الخاصة باللاجئين ” قبولهم أو رفضهم “وليس رئاسة الرابطة في بروكسل، هذا كما حاول أن يصوب الشائعات حول حزبه بأن ذكر في البرلمان الألماني أن سياسة هذا الحزب لا تدعو إلى حل الرابطة الأوروبية وإنما تصحيح سياسته المركزية وإتاحة فرصة أكبر للبرلمانات القطرية “كل دولة على حدة”.

من جانب آخر اعترض حزب CDU الحاكم على الاتهامات المقدمة له كإهماله لقضايا أساسية أخرى تعني بالمواطنين وانشغاله بدلا عنها بقضية اللاجئين. وذكرت ميركل في تصريح لها وكذلك كارنباور رئيسة الحزب الحاكم بأن ألمانيا تعني بكل القضايا الأساسية الماسة وليس اللجوء وحده، إذ ناقشت مطلب المظاهرات الضخمة لتحويل الشركات السكنية الكبرى أكثر من 30 ألف شقة لملكية الدولة مقابل تعويضات لها رغم رفض هذه الشركات، كما اهتمت برفع المعاشات وتقليل نسبة البطالة والتحول التدريجي إلى الطاقة البديلة وتعويض ولايات مناجم الفحم الحجري في ساكسن وساكسن أنهالت.

تقول كارينباور بأن اهتمام ألمانيا بحل قضية اللاجئين يأتي بالدرجة الأساسية وفقا لتأمين سلامة الشعب الألماني وسرعة دمج اللاجئين المقبولين وتعجيل تسفير المرفوضين منهم.

ومن المعروف بأن ألمانيا المستفيد الأول من الرابطة الأوروبية اذ أن 60% من صادراتها  تباع وتصل الاتحاد الأروبي، وهذا هو أحد وأهم أسباب موافقة حزب AFD مثلا في البقاء في الرابطة وإلا فأنه لا يبالي بمستقبل ميركل وحزبه وأكثر من مليون لاجئ في ألمانيا!

إذا هما شهران متتاليان أبريل ـ ميلاد هتلر وانتفاء النازية، ومايو ـ انتخابات الرابطة الأوروبية بوصلة توجه الرابطة وسط الأزمة الداخلية وترصد ترامب وروسيا بإفشالها. فهل ستكمل ميركل دورتها الرابعة بنجاح وتغادر مرفوعة الرأس كما تتمنى وأعربت في أكثر من لقاء إعلامي ؟؟

.