أوروبا تستغل الأزمة المناخية في الدعاية الانتخابية

المحافظة على البيئة

حسن رفاعي

أُفيد بأن الوثيقة التي وضعتها ثماني دول أوروبيّة، لحثّ الاتحاد الأوروبي على “التحرك فوراً” لمعالجة التغير المناخي، قوبلت بعدم الاهتمام من جانب ألمانيا وإيطاليا وبولندا، وذلك في وقت سابق على انعقاد القمة المناخية في رومانيا.

وكان من المقرّر أصلاً إجراء ذلك الاجتماع في مدينة سيبو الرّومانية لتهيئة الفرصة أمام القادة لرسم مسارٍ الاتحاد الأوروبي بعد الانتهاء من البريكست. إلا أن قضية التغير المناخي باتت على رأس جدول أعمال الدول الأوروبية بعدما تم  إرجاء موعد خروج المملكة المتّحدة من الاتحاد حتى أواخر شهر أكتوبر( تشرين الأول).

ونتيجة لذلك، دعت بلجيكا والدانمرك وفرنسا ولوكسمبورغ وهولندا والبرتغال واسبانيا والسّويد، مجتمعة، رؤساء الدّول الأوروبية إلى تحفيز العمل المناخي من خلال التعهّد بتصفير انبعاث الغازات الدفيئة “بحلول العام 2050 على أبعد تقدير”. كما حضّت الاتحاد الأوروبي على تخصيص 25% من ميزانيته للسنوات السبع القادمة لمشاريع ترمي إلى مجابهة تغيّر المناخ.

أوروبا المستهلك الأكبر

وأفاد تقرير بأن دول الاتحاد الأوروبي الثماني والعشرين تستهلك موارد كوكب الأرض بوتيرة أسرع بكثير من تجددها وأن أيا من هذا الدول لا تطبق سياسات مستدامة للاستهلاك وصديقة للبيئة.

جاء التقرير في الوقت الذي يجتمع فيه قادة الاتحاد الأوروبي لبحث أولويات السنوات الخمس المقبلة.

وقال التقرير الذي صدر عن الصندوق العالمي للطبيعة والشبكة العالمية للبصمة البيئية “كل دول الاتحاد الأوروبي تعيش على أكثر مما تسمح به موارد كوكبنا. الاتحاد الأوروبي ومواطنوه يستخدمون مثلي ما تستطيع الأنظمة البيئية في الاتحاد الأوروبي تجديده”.

ويأتي التقرير فيما يجتمع قادة التكتل في بلدة سيبيو الرومانية لتحديد مسار الاتحاد بعد أن تنسحب منه بريطانيا في وقت لاحق هذا العام.

وتأتي حماية البيئة على رأس الأولويات لكن وجهات النظر بشأن التحرك الملموس تختلف من دولة لأخرى وتتأثر بشكل كبير بالصناعات المهيمنة في تلك الدول.

وقال التقرير “الاتحاد الأوروبي يستهلك ما يقرب من 20 بالمئة من الإمكانات الحيوية للأرض رغم أنه يضم سبعة بالمئة فحسب من سكان العالم”.

وأضاف “بعبارة أخرى، سيتطلب الأمر 2.8 كوكب آخر إذا كان استهلاك الجميع بنفس متوسط استهلاك المواطن في الاتحاد الأوروبي. هذا أعلى بكثير من المتوسط العالمي وهو ما يقرب من 1.7 كوكب”.

المناخ والانتخابات

وحماية المناخ والتنمية المستدامة من أهم المواضيع المطروحة خلال حملات الدعاية لانتخابات البرلمان الأوروبي التي ستجرى من 23 إلى 26 مايو/أيار والتي ستحدد ملامح قيادات مؤسسة أوروبية مهمة وبرامجها.

وتضغط المفوضية الأوروبية على دول التكتل لكي تتوقف عن تلويث البيئة بحلول 2050 عن طريق خفض انبعاثات الكربون التي قد تتسبب في ارتفاع متوسط درجات حرارة كوكب الأرض، الأمر الذي ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الدولي وسبل العيش.

وتراهن العديد من الدول على اعتماد طاقة نظيفة ومتجددة وصديقة للبيئة على غرار بريطانيا التي عاشت فترة نادرة في تاريخها بمقاطعتها الفحم لمدة أسبوع.

وكان عام 2017 العام الأكثر صداقة للبيئة في بريطانيا، حيث حطمت 13 رقماً قياسياً في مجال الطاقة الصديقة للبيئة.

للمرة الأولى منذ الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، عاشت بريطانيا، مهد الكهرباء المولدة من الفحم، سبعة أيام دون استهلاك كهرباء من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، حسبما أفادت الشركة المشغلة لشبكات الكهرباء في البلاد.

وكانت بريطانيا موطن أول محطة للكهرباء تعمل بطاقة الفحم في العالم في ثمانينيات القرن التاسع عشر وكان الفحم أهم مصدر لتوليد الكهرباء وعاملا مهما في النمو الاقتصادي خلال القرن التالي.

لكن المحطات التي تدار بالفحم تتسبب في انبعاث ما يقرب من ضعف كمية غاز ثاني أكسيد الكربون التي تنتجها محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز. ونُقلت هذه المحطات خارج المدن البريطانية منذ خمسينيات القرن الماضي للحد من تلوث الهواء.

وفي إطار مساعي بريطانيا لتحقيق هدف خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال العقود الثلاثة المقبلة بواقع 80 في المئة مقارنة بمستويات عام 1990، تعتزم وقف العمل تماما بمحطات الكهرباء التي تعمل بالفحم بحلول عام 2025.

ومع انخفاض أسعار الكهرباء وفرض رسوم على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أصبح أيضا تشغيل المحطات التي تعمل بالفحم عملية غير مربحة، ولاسيما في ظل زيادة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وقالت الشبكة الوطنية للكهرباء إن عدم تشغيل المحطات التي تعمل بالفحم مثلما حدث سيصبح أمرا معتادا مع زيادة اعتماد النظام على الطاقة المتجددة.

و أوصت اللجنة المعنية بتغير المناخ، وهي جهة استشارية مستقلة، برفع هدف البلاد ليصبح القضاء تماما على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول 2050.

ويتطلب ذلك زيادة إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة والتخلص التدريجي مبكرا من السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين والديزل وتغيير نمط الحياة مثل تقليل استهلاك اللحوم.

وقال دوج بار مدير السياسات بجماعة السلام الأخضر (جرينبيس) “قبل بضع سنوات فقط كانوا يقولون لنا إن من المستحيل أن تضاء أنوار بريطانيا دون حرق الفحم… والآن يصبح الفحم سريعا خارج السياق، وهو ما يصب في صالح مناخنا ونوعية هوائنا”.

وتتطلب إقامة التوربينات البحرية الضخمة لتوليد الطاقة من الرياح مهارات هندسية استثنائية، لكن الطاقة التي تنتجها تعد نظيفة ورخيصة أيضا.  وتستثمر بريطانيا أموالا طائلة في توليد الكهرباء من الرياح، وقد غدت الآن رائدة في هذا المجال.

.