هل استقلّت الدّول الأفريقية والعربيّة تمامًا؟

.

سعيد طاهر

من العجب أنّ الدّول الأفريقية تحتفل في كلّ عام باستقلال بلادها على اختلاف الزمان والمكان، والسؤال المطروح أعلاه يحتاج إلى إجابة منطقية لا سياسية. لأنّه إذا أردنا أن نجيب على هذا السؤال سياسيًا فسوف نخوض في أمواج لجية العمق ونضيع في أوساطها بالغموض.

لماذا أقول ذلك؟ لأنّ أسباب الاستعمار قد اختفت ظاهريًا لكنها موجودة في دماء بل ودماغ المنتدبين للمستعمِر في البلاد الأفريقية والعربيّة، يعني ظاهريًّا لا بندقيّة ترفع على ظهر أحد ليقوم بعمل قهري ما سمّي ذلك بالاستقلال، ولا عمل مجاني دون رواتب اسم هذه العبارة «حقوق الإنسان»، ولا بيع ولا شراء للبشرية باسم «الحرية»، ولكن هل لم تحلّ محل هذه الظواهر أنماط جديدة لا ترى بالعين وإنّما تفهم بالمنطق؟

ولا يدرك ذلك إلا من يفهم معنى كلمة «الانتداب» لأنّ المستعمِرين ليسوا موجودين في أفريقيا مباشرة ولكن جلّ الذين يحكمون البلاد هم البيض أنفسهم بالامتياز، والدليل على ذلك أنّهم درسوا لغة المستعمر وفهموها فهمًا وخاضوا في مجالات معرفية متنوّعة مثل اللغة المنطوقة أوّلًا، ثمّ الإدارة والقانون، ناهيك عن الدراسات الاقتصادية والتخطيط العمراني وغيرها، بيد أنّ وعاء الثقافة والعادات والتقاليد والقيم هو اللغة.

إذًا الاستعمار في البلاد المعنية أصبح بين مواطني كلّ دولة فالعالم يستعمر الجاهل أو القوي منهم فوق الضعيف، فتكمن أسباب الاستعمار الظاهري المباشر إلى حالات صعبة وغير مباشرة.

أوّلًا: إذا لم يرفع على ظهرك أحد بندقيّة لتقوم بعمل قهريّ ما، لا شك أن ظروفك الخاصة والعامة هي التي ستدفعك إلى عمل شاق للغاية، لأنّك إن لم تقم به سوف تموت دون بندقيّة، لكن من الجوع أو المرض بفقد العلاج، أين الاستقلال؟

ثانيًا: البطالة، الخريج لعشر سنوات دون عمل، في الأخير سيقوم بعمل ولو لم يدفع ربع رواتبه لأنّه إذا ما رضي بذلك سوف يشيب قبل عمره لعدم استطاعته إجابة متطلبات حياته لأدنى درجة، وإذا كان الأمر كذلك، أين حقوق الإنسان؟

ثالثًا: في هذه الأعوام الأخيرة كثرت حركة هجرة الشباب الأفريقي إلى خارج بلادهم وبعضهم يتعرضون إلى خواطر رهيبة وبعضهم يفقدون أرواحهم الغالية عبر الطريق، وإن لم يشترهم أحد ظاهريًّا بالمال فلا شكّ أنّهم باعوا أرواحهم لطلب الفضيلة وحسن التعايش، فأين الحريّة؟

أهي أن تقوم بفعل شيء كرهًا؟ أظنّ لا.

الآن السؤال الذي يطرح نفسه، ما الشيء الذي تريده الدّول النامية حاليًا؟

وهل المستعمر الذي خرج من البلاد وما زال يسيطر على أنظمتها السياسية والاقتصادية لا يعرف مشكلة القارة؟

الحلّ أن شباب البلاد النّامية يحتاجون إلى عمل أكثر مما يحتاجون للتفاهات الدّيمقراطية أو الليبرالية أو الشيوعية وغيرها من المسمّيات الأيديولوجية التي لا يفهم بالضبط مراميها وأغراضها منطقيًّا.

فالشباب منطقيا لا يريدون الفقر، ولا الجهل، والأمراض، والحروب الأهلية، انظروا الويلات في ليبيريا سابقًا، وساحل العاج، والعراق، وليبيا، والسودان، وراهنًا في سوريا، ورواندا والصومال، والذلّ أيًّا كان نوعه أبدًا حتى تسبب في النزوح أو الهجرة قهرًا خارج بلادهم الحلوة وعاداتها وثقافاتها وقيمها، بل لغاتها الأم التي تذكّرهم بأجدادهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم وأصدقائهم وجيرانهم وأهل قراهم الطيبة، وأخلاقهم بل وطفولتهم التاريخية، ناهيك عن غابات مناطقهم الممطرة والكثيفة، وأنهارها وبحيراتها الجارية النظيفة، وسواحلها الواسعة وجبالها العالية، ودوابها الغنية وعصافيرها المغردة ورقصاتها المتحركة الجذابة، وتقاليدها الممتعة في الملابس والتحايا مهما بلغ رشدًا.

يريدون إلى بلاد غيرهم طوعًا «الذهاب والعودة للزيارة وتبادل الثقافات» لا كرهًا بإزهاق الأرواح في الغابات أو اليم، من هنا تتجلّى مشكلة الدول النّامية عامة والقارة الأفريقية خاصة.

النداء إلى أصحاب النيات الحسنة من البلاد الكبرى إلى التعاطف مع الدّول النّامية ومساعدتها إنسانيًا حتى تخرج من هذا المأزق، والإنسان الأوّل المدعوّ إلى هذا الطرح هو شباب وذوي أفكار هذه الدّول أنفسهم، ساعدوا أنفسكم ليساعدكم غيركم دون شروط.