نساءٌ مصرّيّات حديثات، الموضة والايمان، تمثّلات وخطابات”

Modern  Egyptian  Women, Fashion and Faith:Discourses and  Representations

موسى الزعيم

عنوان الكتاب الذي سيصدر قريباً عن دار بلغراف ماكميلان باللغة الإنكليزية في بريطانيا للباحثة المصرية الدكتورة أماني الصيفي، يأتي الكتاب ضمن سياق الدراسات الاجتماعية من منظورها التاريخيّ والأدبيّ، لرصد قضيّة لها أهميتها، كونّها تتطرّق لموضوع لباس المرأة والموضة، ليس فقط ضمن الإطار الشكلاني وإنما من خلال فاعلية السياقات التاريخية والسياسية والاقتصادية في إعادة تشكيل مفهوم وممارسة ” التدين” وتأثيره على موضوع لباس المرأة وحضورها في المجال العمومي وفاعليتها في المجتمع.

ففي الجزء الأوّل من الكتاب  والذي جاء تحت عنوان “نظريّات العالميّة وسياقات محليّة:

“آنذاك والآن” تنطلقُ الباحثةُ من النظريّات والمفاهيم الأساسية المُتعلقة بمفهوم ” الموضة ” وعلاقتها بالسرديات والنقاشات حول فعاليّة المرأة المُسلمة في الخطابات السائدة في الأدبيات التي جاءت في سياق الاستعمار الأوربي للمجتمعات العربية والمسلمة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما تلاها من خطابات تمثّلات النّخبة من المسلمين بعد الاستعمار، والتي ظلّت في معظمها تؤكّد روايات استشراقية/ استعماريّة حول العلاقة بين  زيّ “إسلامي” ”  كرمز “تخلّف” وقمع المرأة المُسلمة وخروجها من عالم الموضة، في مقابل زيّ غربيّ يرمز للتحرر والأناقة، دون التركيز على دراسة سياقٍ اقتصاديّ وسياسيّ، يتجذّر فيه تهميشُ المرأة المُسلمة ودعم ثقافة “بطرياركية” وهنا تعتمدُ الباحثة أساساً على منظورٍ نسويّ تقاطعيّ  تتشابك فيه القِوى والعوامل التي تؤدي لدعم ثقافة “بطرياركية” من خلال العودة إلى طروحات عالمة الاجتماع  والنسويّة المغربيّة “فاطمة المرنيسي” من جهة، ومن جهة أخرى تسلّط الضوء على جماليّات” التغيرات في  ملامح” الأزياء “المسلمة” ودلالة هذه الجماليات التي اختلفت من حقبة إلى أخرى حسب الوضع الاقتصادي والتوجهات السياسية / الأيديولوجية للحكام، مُمثلةً على ذلك بنشأة مفهوم الموضة في الغرب وعلاقته بتاريخ المرأة المسلمة/ المصرية قبل القرن التاسع عشر الالتقاء الثقافي / الاستعماري بين الشرق والغرب.

أمّا الجزء الثاني من الكتاب فيقع  في أربعة فصول ويتناول المرأة المصرية (الحديثة) وعلاقتها بالهويّة الإسلامية، والموضة الغربيّة والقوانين الداعمة لحضور المرأة في المجال  العمومي، تستخدم الباحثة مصطلح الحديثة كدلالة على عموم المرأة المصرية، في الريف والمدينة.

ويتناول هذا الفصل المُناقشات حول موقف ومكانة المرأة المصريّة في المجتمع المصري الحديث، وكيف تأثّرت هذه المواقف بالاستعمار الغربي منذ القرن التاسع عشر. وهنا يستعرض الكتاب التداخل بين السياسة والطبقة الاجتماعية والقومية وسياسات الدولة الاقتصادية التي شكّلت تمثيل المرأة المسلمة في مجتمع ما بعد الاستعمار في الفترة الليبرالية ( 1919-1952). تستند الباحثة إلى شخصيتين نسويتين بارزتين كان لهما الأثر في تشكيل الذّوق العام النسوي في مصر: وهما “هدى شعراوي وملك حفني ناصِف”.

بعد ذلك تنتقل الباحثة في الفصل التالي إلى مناقشة موقف الدولة المصرية في مرحلة ما بعد الاستعمار تجاه دور الدين في المجال العمومي وإعادة هيكلة المساحات والأدوار الجندرية في المجتمع في عهد الرئيس جمال عبد الناصر. يُسلِّط هذا النقاش الضوء على الموقف المُتردد للدولة في مسألة الأصالة فيما يخصّ الحدود في العلاقة بين الجنسين في  المجال الخاص”الأسرة” والمجال العمومي، ودمج القيم الحداثية الداعمة لحضور المرأة  المصريّة في المجال العمومي في المجتمع المصري. وهنا يتناول الكتاب التمثيلات والخطابات الرسمية حول شخصيتين مصريتين بارزتين من خارج النخبة الاقتصادية والسياسية وهما (دريّة شفيق وأم كلثوم) من خلال هذه الشخصيات العامة، تسلّط الكاتبة الضوء على سلطة الصورة والشكل كخطاب لتوجيه الجمهور تجاه زيّ مُمثلاً لشكلٍ معيّن. فبينما كان للشخصيات النسوية مثل هدى شعراوي وملك حفني ناصف حضوراً ممثلاً في المؤتمرات النسائية والأعمال الخيرية والفعاليات المجتمعية والمجلات الواسعة الانتشار التي مثلت توجهاتهما النسوية المختلفة وحاولت ترسيخها في المجتمع، إلاّ أنّ العامل الاقتصادي والتوجه السياسي الرسمي يظلّ حاسمًا بتغليب وجهة ” نسويّة” على  أخرى بما يمتلكه من مؤسسات لها القدرة على ترسخ توجه معين وتتجاهل توجهات أخرى.

تُجادل الباحثة هنا في هذه القضية أن جسد المرأة وشكل حضورها في المجال العمومي قد ظلّ تحت هيمنة  نظام  سياسيّ اقتصاديّ بطرياركي رغم الخطابات السائدة نحو ترسيخ ثقافة تحرير وحداثة المرأة المصرية وقوانين تتناقض، تمنح المرأة منذ أن نزعت هدى شعراوي هانم غطاء وجهها عام 1923. وترتكز هنا خصوصًا على شخصيّة النسوية المصرية ” دريّة شفيق ” (1908-1975) ومصيرها المأساوي بعد اصطدامها مع  السلطة  السياسية في عهد الرئيس جمال  عبد الناصر واستخدام جسدها ومظهرها الأنيق كأداة لاغتيالها معنويًا. الناشطة النسوية والاجتماعية والشاعرة والكاتبة وأول سيّدة مصرية تحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة وأول امرأة مصرية مسلمة تشارك في مسابقة الجمال في مصر، والتي كان يُطلق عليها “الزعيمة الجميلة” أو “قطعة المارون جلاسيه” هي كذلك أهمّ رائدات الحركة النسوية في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، ويرجع لها الفضل في حصول المرأة المصرية على حقّ الانتخاب في البرلمان، بالإضافة إلى دفاعها عن رفع الظلم عن المرأة المصرية بكلّ أشكاله. وتعد دُرية شفيق من أكثر النسويات العرب اللاتي دافعن ومثلت حياتهن الشخصية والعامة أنموذجاً نسوياً إنسانياً مستنداً لقيم الديمقراطية والمواطنة والقيم الإنسانية المستمدّة من إسلامٍ يُحقق العدالة الاجتماعية للجميع في المجتمع الحديث.

في الفصل الأخير من هذا الجزء ، تناقشُ الباحثة ما تعتبره “عَلمنة من الأسفل” وتحدي للنخبة السياسية والاقتصادية حول ممارسة  التدين، وشكل الزيّ الأنيق في المجتمع المصري وكذلك حضور جسد المرأة المصرية في المجال  العمومي. إذ لا تعتمد على شخصيّة نسائية مُحددة، بل تتبع تأثير السياق الاجتماعي والسياسي المُحافظ مترافقاً مع هيمنة النزعة الاستهلاكية على المجتمع منذُ عهد الرئيس السادات على نمط الأزياء التي ترتديها المرأة المصرية ودلالاتها في سياق نظرية ما بعد الاستعمار. تتبع دور الدولة في الـتأثير من خلال حضور النخبة المتدينة “في وسائل الإعلام بداية من “الشيخ الشعراوي و د.مصطفى محمود” ووصولًا إلى الداعية الأنيق عمرو خالد وغيره ممن أطلق عليهم” الدعاة الجدد”. ينتهي الفصل، بتحديّات التحرير من سلطة الخطاب والقوانين البطرياركية (الشرقية والغربية) من خلال  فتيات شابات “عاديات” ساعيات لتصميم زيّ وشكلٍ من تدينٍ فرديّ، يجمع بين الأناقة والهوية. بدأ هذا  التوجّة الذي بدأ منذ بداية الألفية مدعومًا بالنزعة الاستهلاكية السائدة ووصل أوجه في سياق ثوره يناير2011.

وعموماً يرى هذا الجزء من الكتاب أنّه لا أحد يمكنه إنكار أنّ المرأة المصرية قد تمكنت على مدى عقود من تحقيق الكثير من المكاسب التي مكنتها من (التعليم، والعمل، وشغل وظائف هامة في الدولة) تمثلت مؤخراً على سبيل المثال لا الحصر في تعيين امرأة “محافظًا” وأخرى مستشارًا للأمن القومي لرئيس الجمهورية، وثالثة نائبة لمحافظ البنك المركزي، ورابعة قاضيةً تتولى رئاسة محكمة في مصر، وبالإضافة إلى زيادة نسبة النساء كوزيرات إلى 20٪ كذلك يقوم المجلس القومي للمرأة بالعديد من الجهود لتمكين المرأة وتحسين وضعها الاجتماعي من خلال العديد من المبادرات. ومع  ذلك فبعيدًا عن التوصيات الحكومية والتوجه الرسمي لإتاحة الفرص لتمكين المرأة في المجال العام والخاص، إلاّ أنّ هناك الكثير من العوائق التي لا زالت تُعيق تنفيذ هذا التوجه وتحقيق المساواة بين الجنسين في المجال العام، وأهمّها انتشار الفقر، ونقص الخدمات، والثقافة الذكورية الراسخة التي ترسخها قنوات الـتأثير في المجتمع من إعلام ومناهج تعليميّة لدور المرأة النمطيّ، وتفضيل الذكور على الإناث في التعليم، وخصوصًا بين الطبقات البسيطة والمناطق الريفية. من جهةٍ أخرى لا زالت المرأة  المصرية  تحت  سرديّة  تمثلها ضمن صورتين  في  المجال العموميّ وهما: المرأة الأنيقة غير المُحجّبة والتي يعتقد أنّها أعلى في  مستوى  التعليم و الطبقات الاجتماعية  في  مقابل امرأة  محجّبة “جاهلة”  ريفية أو من الأحياء الفقيرة حتى وإن كانت المحجبة ترتدي  أصلا  زيا أوربيّا ” تنورة وبلوزه أو سروال  وبلوزة” وتضع من  مساحيق  التجميل  ما يراه المحافظون ” تفريغا للدين من محتواه” وأضيف إلى  هذه  الصورة  للمرأة  المحجبة في  مصر بعداً ثالثًا هو المرأة  المحجبة التي  تنتمي فكرياً / سياسياً لأيدلوجية  دينية  وخصوصاً من يرتدين الخمار أو النقاب وهذا في سياق الصراع  السياسي  بين الأخوان المسلمين والأحزاب  السياسية ” الليبرالية”.

 الجزء الثالث من  الكتاب “المرأة المسلمة بعد الاستعمار تناقش قضية “الملبس” في الأدب: تمثيلات خارج أنموذج كونيّ”  يقع في  ثلاثة  فصول. وهنا تعتمد الدراسة منهج النقد الأدبيّ فتقوم الباحثة بتحليل دور لباس المرأة المسلمة/ المصريّة في السياقات الاجتماعية والسياسيّة من خلال النصوص الأدبيّة من منظور نسويّ والعلاقة بين الشرق والغرب مُعتمدة على  صورة المرأة المسلمة في أعمال أدبية غربية شهيرة قبل القرن التاسع عشر والتي تتحدّى الصورة النمطية السائدة للمرأة المُسلمة في الكتابات الاستشراقية، بعد ذلك تنتقل إلى أعمال عربيّة مُعاصرة تتناول معاني وصور مختلفة لأزياء المرأة المصريّة تُحلل فيها العلاقة بين الحداثة و النسويّة والموضة في أعمال الكاتبة الروائية المصرية ليلى أبو العُلا “الهدهد إن حكى” و”حارة المغني “.

وعموماً يتناول هذا الكتاب زيّ المرأة المصرية خصوصاً والمسلمة عموماً كدلالة اجتماعية وسياسيّة وفكريّة على التحول في التوجهات والمواقف تجاه الحداثة الغربية وقيمها من جهة والثقافة “الاسلامية” من جهة أخرى، إذ يستخدم الكتاب أنماط ملابس النساء كفعل نسويّ مستعرضًا رؤى ثريّة حول قوّة ومحدوديّة التشريعات القانونية وسلطة الخطابات المهينة في بناء حدود جنسانية وثقافية في المجال العام المصري الحديث. علاوة على ذلك، من خلال ذلك تعمد إلى إبراز نماذج مهمّشة، ولكن ذات أهميّة، تاريخية إذ تشكّل ملامح تاريخية فارقة في التبادل الثقافي بين الثقافات المسلمة والغربية من خلال لباس النساء.

وهدفه الرئيسي هو تقديم  قصص تاريخية وسرديّات مُهمشة ولكن أهميتها تكمن  في تجاوز النموذج الثنائي المتخيّل لامرأة مسلمة تقليدية محتشمة ومقموعة مقابل امرأة غربية حديثة مستقلة أنيقة، في الخطاب السردي للتمثيلات السائدة منذ القرن التاسع عشر.

من جهة أخرى جاء الكتاب باللغة الإنكليزية من أجل إجلاء الصورة النمطية المرسخة في الذهنية الغربية عن واقع المرأة العربية والمسلمة فيما يتعلق بالنظرة النمطية لها والحكم عليها من خلال الشكل أو “اللباس” كدليل على المضمون.

كما يأتي هذا الكتاب ليسدّ نقصاً في المكتبة الأوربية التي تضم أطناناً من المؤلفات والورقيات والخطابات الصفراء التي تتحدث عن المرأة العربية المسلمة من خلال صورة دونية على انها مستلبة الإرادة وخاصة فيما يتعلق “بأدب الحريم” في مرحلة ما بعد الاستعمار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 يذكر أنّ الدكتورة أماني الصيفي كاتبةٌ وباحثةٌ من أصل مصري مقيمة في برلين. حصلت على درجة الماجستير في.Englisch Literature and Culture من جامعة بوتسدام، ألمانيا في عام 2015،  ومؤخرًا درجة الدكتوراه في الفلسفة في الدراسات الأدبية والثقافية من جامعة برلين الحرّة. وهي تعمل الآن على إعداد مشروع ما بعد الدكتوراة “معايير الجمال والبيئة في نصوص أدبيّة لنسويّات مصريّات” تشمل اهتماماتها البحثية مجالات متنوعة مثل دراسات النوع الاجتماعي، أدب ما بعد الكولونيالية، نظرية العلمنة، ونظريات الموضة، والنقد البيئي.

نشرت الصيفي العديد من المقالات والأوراق البحثية ومراجعات الكتب في مجلات محكمة مرموقة باللغتين الإنجليزية والعربية كما شاركت في  العديد من المؤتمرات الدولية في  جامعات في عدد من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا، وقدمت محاضرات في العديد منها الجامعات الألمانية منها جامعة بوتسدام وجامعة هومبولت.