ميركل باقية حتى آخر لحظة

عادل فهمي

ربما اعتقد البعض أن المستشارة أنجيلا ميركل قد تتنحى عن منصبها على رأس الحكومة، بعد تنازلها عن رئاسة حزبها، إلا أنها قد تبقى أطول مما يظن البعض.

وكان إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عدم خوضها انتخابات رئاسة حزبها الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بمثابة إشارة واضحة إلى بداية النهاية السياسية لميركل، والتي قد تصل إلى فصلها الأخير بالتنحي عن الحكومة بعد أقل من عام على تشكيلها. وبات تخمين مدى طول الفترة التي ستبقى المستشارة أنجيلا ميركل خلالها في السلطة أمرًا يجذب العديد من الأوساط السياسية داخل ألمانيا وخارجها للتوقع، خاصة أن كثيرين من اليمين يودون رؤيتها وهي تتنحى، كما تعب العديد من اليساريين من قيادتها كذلك.

وحتى البعض في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي “CDU”، كانت لديهم توقعات بالتنحي عن رئاسة الحكومة في المستقبل، ولكن تلك الأماني قد تصطدم بإمكانية بقاء ميركل إلى ما هو أبعد من عام 2020، حسب ما جاء في صحيفة دير شبيجل الألمانية.

وفي الذكرى الأولى لتأسيس حكومتها الحالية، والاقتران مع الاشتراكيين الديمقراطيين “SPD” في ائتلاف كبير، كانت التوقعات تشير إلى إمكانية التنحي قبل انتخابات البرلمان الأوروبي في نهاية مايو، أو حتى قبل معترك انتخابات الولاية في براندنبورج وساكسونيا في أوائل سبتمبر، إلا أن الخيار الأكثر بروزًا في الوقت الحالي هو أن ميركل ستبقى مستشارة حتى عام 2020 وربما 2021.

ومن الواضح أنها لن ترشح نفسها لفترة ولاية أخرى في انتخابات 2021، خاصة بعد أن قالت في نهاية شهر أكتوبر: “إن فترة رئاستي الرابعة ستكون الأخيرة كمستشارة لألمانيا”، لكنها رفضت القول ما إذا كانت ستقضي فترة ولايتها الرابعة حتى النهاية.

وبات من المؤكد أنها لم تتعب من هذا المنصب، حتى وإن كانت قد تركت منصبها كرئيسة للحزب، وعلى الرغم من أنها بدت وكأنها فقدت بريقها السياسي، يبدو أن التخلي عن منصب قيادة الحزب قد منحها حياة جديدة، حسب الصحيفة الألمانية.

وبغض النظر عن مقدار رغبة المستشارة في مساعدة حزبها في الانتقال إلى مناصب عليا في مرحلة ما، فإنها بالتأكيد لن ترمي كل كروتها السياسية الخاصة، والتي على رأسها البقاء في منصب المستشارية، وهو الذي كانت قد أكدت أنه يصعب تركه.

على النقيض من الخلافات السياسية التي أدت في فترات مختلفة من الأزمنة السياسية لتنحي المستشارين الألمان عن مناصبهم، تظل حكومة ميركل سليمة وموحدة، لتتضح إن كانت هناك محاولات لدفعها عن منصبها أو حتى للتقاعد الكامل، فإنها تميل إلى أن تأتي من داخل معسكرها المحافظ.

ومن جانبه، الحزب الديمقراطي الاشتراكي ليس لديه ما يربحه، ومن المرجح أن يخسر الكثير في الانتخابات الجديدة، وقد قال الحزب أيضًا إنه إذا ذهبت المستشارة فقد انتهى الائتلاف الحاكم لألمانيا.

ووفقًا لتحليل دير شبيجل، فإن اتحاد المسيحيين (cdu/csu) لن يقوم بتقديم أي دعم لنفسه إذا حث المستشارة على التنحي، مع الأخذ في الاعتبار مؤشرات ميركل المرتفعة من حيث الشعبية.

وأظهرت دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة استطلاع الرأي “فورسا” أن ثلثي الألمان يرغبون في رؤية ميركل تظل في منصبها حتى نهاية فترة ولايتها، وهو الأمر الذي يؤكد مدى الشعبية التي تتمتع بها المستشارة الألمانية في البلاد.

بشكل إجمالي، فإن المصالح المتشابكة لدى الأحزاب قد يكون لها تأثيرها الواضح على مجريات العديد من الأحداث السياسية، إلا أن المؤكد هو أن رحيل ميركل عن المستشارية لن يكون في صف معظم تلك الأحزاب، وهو الأمر الذي يجعل عملية التمسك بميركل أمرا حاسما على كل المستويات السياسية في ألمانيا.

ألمانيا قائدة

وتتخذ ألمانيا خطوات فعلية من أجل تأمين دور أكبر لها على مستوى الساحة السياسية الأوروبية خلال الفترة المقبلة، وذلك بغض النظر عن مدى التطور الذي يصاحب عملية التفاوض بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بشأن البريكست خلال الأشهر القليلة المقبلة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخلق مساحة أكبر لبرلين من أجل توسيع نطاق دورها السياسي، لا سيما أنها بالفعل القوة الاقتصادية الكبرى بين الدول الأعضاء بالمنظمة.

وخلال الوقت الحالي، الذي يشهد نظرة فريدة من أوروبا إلى ألمانيا، بدت برلين مُطالبة بتحمل المزيد من الأعباء السياسية لزيادة دورها الفعال على مستوى القيادة السياسية في أوروبا، مما يضع مزيدا من الأعباء على كاهل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

وقالت ميركل، الشهر الماضي: “النظام العالمي يتعرض لضغوط، هذا تحد لبرلين، فمسؤولية ألمانيا آخذة في النمو، وهي لديها المزيد من العمل للقيام به”.

وفي هذا السياق، تُركز ميركل، على تأمين رئاسة المفوضية الأوروبية للمرشح الألماني، بدلا من دعم رئيس البنك المركزي الألماني ينس ويدمان، لخلافة ماريو دراجي على رأس البنك المركزي الأوروبي، وذلك حسبما نقلت صحيفة هاندلسبلات الألمانية.

وتريد معظم الدول الأوروبية من ألمانيا، أن تفعل المزيد لزيادة النفوذ الأوروبي وحماية جيرانها الشرقيين الذين يشعرون بالتوتر من التعدي الروسي، وهو الأمر الذي يصطدم بالمناحي الاقتصادية لألمانيا، والتي لطالما اعتمدت على القدرات الاقتصادية في اكتساب أهميتها السياسية والدبلوماسية على مستوى العالم. ميركل تسعى في الوقت الحالي لاحتواء معارضة مواقفها السياسية والاقتصادية، غير أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يمثل مزيدًا من الأعباء على ألمانيا، والتي اهتمت على مدى سنوات طويلة بالجوانب الاقتصادية.

.

.