ملامح الأدب المهجري الجديد

موسى الزعيم  

 

في تاريخ الأدب العربي المعاصر، ُيطلق مصطلح الأدب المهجريّ على نتاج الأدباء العرب الذين أجبرتهم ظروفهم “السياسية والاقتصادية  والدينية والتجنيد الإجباري في الحرب وغيرها” على ترك بلادهم ، هؤلاء الأدباء الذين هاجروا في نهاية القرن التاسع عش وبداية القرن العشرين، استطاعوا رفد الأدب العربي الحديث  بنتاج إبداعي جديدٍ  شعراً ونثراً ،  كان له بصمةً واضحةً  على صعيد الشكل و المضمون والتأثر بالمدارس الأدبية العالمية في تلك الفترة ، مما  أكسبه استقلالية في دراساته النقدية..كما أنّه من المعروف قيام هؤلاء الأدباء بتأسيس جمعيات ونوادٍ أدبية في بلاد المهجر مثل جماعة /أبولو أو العصبة الأندلسية أو  الرابطة القلمية/  فمن منّا لم يقرأ لجبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، ورشيد سليم الخوري و إيليا أبو ماضي وغيرهم .

يأتي الحديث هنا عن الأدب المهجري لتشابهِ الظروف بينه وبين ما يُكتب اليوم خارج الوطن ، بسبب موجة الهجرة الكبيرة التي شهدتها بعض البلدان العربية  في السنواتِ الأخيرةِ بسبب الظروف ” سياسية واقتصادية وغيرها” التي قد تبدو مشابهة للظروف التي دفعتْ أدباء المهجر لتركِ أوطانهم يوماً ما .

 

والسؤال هنا: هل ثمّة رافد أدبي جديدٍ بدأت ملامحهُ تتوضحُ  في منشورات الأدباء العرب الشباب الذين هاجروا ؟

هؤلاء الأدباء عندما خرجوا من  بلدانهم لم يحملوا في قلوبهم  سوى الحرف النبيل وعشقهم للوطن وخيباتهم وهم  يرون كيف تضيع أحلامهم وتغدوا في مهب الريح تأكلها نار الحرب ..

هل سنقرأ نصوصاً مشبعةً بالحنين إلى الوطن  تتحدث عن ألم الغربة  وصعوبة العيش المجتمع الجديد أو ثمة موضوعات جديدة كطريق الهجرة الطويل ومخيمات النزوح وانكسار منظومة الثقة بالآخر وتجارب البشر عبر طرق الموت هل سنقرأ ذلك وغيره  بتقنيات فنية إبداعية ستدخل مضمار النص الأدبي الجديد من خلال مدارس أدبية حديثة ربما تعرف إليها الكاتب المهاجر في أوربا ؟

العدد الأكبر من هؤلاء الأدباء في السنوات الأخيرة  قصدَ أوربا وخاصة ألمانيا، تقول إحدى الإحصائيات في عام 2015 أن ما يقارب ألفَ مبدعٍ وصل إليها بين كاتبٍ وفنانٍ وصحفي ومن المؤكد أيضاً أنّ هناك أعداداً لا بأس بها في دول أوربية أخرى ومن المعروف أيضاً أّنه في وقت سابق  سلكَ طريقَ الهجرة العراقي والفلسطيني واللبناني أيضاً  ومن المؤكد أن هذا العدد تضاعف .

في الحقيقة لا يمكن دراسة الأدب  كظاهرةٍ، إلّا من خلال تراكم الكمّ النوعي وليس العدديّ  في الطّباعة والنّشر، بعدها ُيمكن تقييم هذه الظّاهرة، هل هي فعلًا وصلت إلى مرحلةٍ  جديدةٍ لها ما يميزها عن سابقاتها من سماتٍ وخصائص على صعيدِ الشّكل والمضمون،  وخاصةً إذا عرفنا أن الرواية اليوم هي سيّدة الموقف الأدبي لما تحمله من كمّ هائلٍ من الرؤيا التسجيلية  في رصدِ التّصدعات الحاصلة اليوم في المجتمع العربي.

 

من هنا يأتي السّؤال الجديد هل نحن أمامَ ملامح أدبٍ مهجري جديد ؟

 إذا تأملنا قليلاً ما يحصل الآن نجد أنّ الكاتب العربيّ  في منفاه وبسبب تقنيات وسائل الاتصال ما زال حاضراً في وطنه روحاً و ذاكرة رغم ابتعادهِ عنه جسداً. لم يستطع حتّى اللّحظة تقبّل فكرةِ  الحياة الجديدةٍ، فمازالت مخيلةُ الكاتبِ تغرفِ من بحرِ ذكرياته الأليمةِ في وطنهِ  في سنواتِه الأخيرة ، ففكرة الحنين  لم تختمر عنده  بعد، وذلك لقرب العهد بالهجرة ولأن الأسباب التي دفعته إلى مغادرة وطنه مازالت قائمة، فآلة الحرب مازالت تعمل في أغلب البلدان العربية ، من جهة أخرى  نجد انقشاعَ  الضّباب عن صورة أوربا الحلم التي رسمها الكاتب في مخيلتهِ قبل الهجرة، فهو لم يختبرها بعد، مازال يعيش هول الصدمة ومرارةِ الوصول، مازال  يحمل في ذاته جرحاً طريا ً ينزف ألماً على وطنه .

بالعودة إلى الحركة الأدبية العربية  في أوروبا في  السنوات الأخيرة  نجد أنّ مجموعة من الإصدارات بدأت ترى النور لكن حتى الآن ليس هناك إحصائية دقيقة حول عدد هذه الإصدارات ففي ألمانيا على سبيل المثال  أصدر الكاتب د. حامد فضل الله العديد من الكتب، كذلك اصدارات د. أمير حمد والكاتب عبد الحكيم شباط ، وأصدر الشاعر حسن ابراهيم الحسن ثلاثة دواوين شعرية ومحمد المطرود  ديواناً واحد ورامي العاشق ديوانين و لينا عطفة ديواناً واحداً وعساف العساف مجموعة قصصية  وابراهيم الجبين رواية  وغيرهم…

 كما بدأ هؤلاء الأدباء بتأسيس نواد ٍوجمعيات ٍأدبية ٍ كجماعة حالة الأدبية، وصار هناك نوادٍ أدبية عربية ومكتبات  صغيرة  تضمّ أحدث الإصدارات و منابر أدبية عربية في  أغلب المدن الألمانية وخاصة برلين .

هذا كلّه يسوقنا إلى تلّمس المسؤولية الملقاة على عاتقِ الكاتبِ العربي المهاجر في تحسين الصورة النمطية المرسومة عن الإنسان العربي  والتي تبدو إلى حدّ ما ضبابية عند الغرب  ..

قديماً  قال الرئيس الأميركي روزفلت إلى مخاطباً جبران خليل جبران ” أنت أوّل عاصفة انطلقت من الشرق واكتسحت الغرب، ولكنها لم تحمل إلى شواطئنا إلاّ الزهور”.

وفي ألمانيا استطاع الكاتب رفيق شامي و من خلال إبداعه باللغتين العربية والألمانية  الدخول  إلى أغلب البيوت الألمانية …

ننتظر في قادم الأيام  أدباً عربياً بصبغةٍ جديدةٍ  يتلمس الهمّ  العربي المعاصر ويحجز له مقعداً متقدما ًعلى خارطة الآداب العالمية .

اترك تعليقاً