كِتاباتٌ سودانيّةٌ باللّغةِ الألمانيّةِ ” قصّة، شعر، مقالات”

 

موسى الزعيم                  

               

بعد الطّيّب صالح  في الرواية، و الفيتوري في الشّعر، رافدٌ أدبيّ جديدٌ من الأدب العربيّ السّودانيّ يصبّ في نهرِ الثّقافة الألمانية المُعاصرة، كتابُ (كتاباتٍ سودانيّة) باللغة الألمانية هو عنوانُ الكتاب المُشتركِ الجديدِ  في القصّة والشّعر والمقالة، الصّادر حديثاً عن مؤسسّة الدّليل للطّباعة والنّشر في برلين في مايو / آيار 2018.

يقع الكتابُ في حدودِ 210 صفحة من القَطع المُتوسّط، فكرةُ الكتاب للدكتور أمير حمد ناصر، وهو كاتبٌ صحفيّ وشاعرٌ، وباحثٌ في الأدبِ العربيّ، أمّا العمل على إخراج الكتاب فنياً فقدَ قام به الباحث الدكتور حامد فضل الله.

 

 يضمُّ الكتاب بين دفّتيه إبداعاتِ أحدَ عشرَ كاتباً سودانيّاً، بعضهم مازال مُقيماً في ألمانيا، وبعضهم غادرَ بعد إنهاء دراستهِ أوعمله، ولعلّ القاسمَ المُشتركَ بينَ جميعِ نصوصِ الكتّاب، أنَّ ما كُتب فيه كُتبِ على الأرضِ الألمانيّة، وموجّهٌ للألمانِ، برؤيةٍ جديدةٍ، وبأقلامَ عربيّة سودانيّة، هؤلاء الكتّاب استطاعوا بحساسيتهم العاليّةِ، ورهافةِ حسّهم الفنيّ، ووعيهم المعرفي، رصد حالة المجتمعِ مِن حولهم، فكتبوا عمّا عانوه من الغربةِ وصعوبةِ الاِندماجِ في الثقافةِ والحياةِ الجديدةِ، وعن وجهةِ نظرهم في الآخرِ، رسموا بكلماتهم مشروعَ جسرٍ يعبرُ عليه منْ سيأتي بعدهم، خاصةً إذا عرفنا أنّ أغلبهم يمثّل الجيلَ الثّاني من الإيفادِ والدّراسة في أوربا.

ولعلّ التّجربة مختلفةَ قليلاً عن غيرها، لأنّ أغلبَ الأدباء جاؤوا بمحضِ إرادتهم إلى أوربا دارسين ومتعلمين وليسوا لاجئين.

والكتاب يُغطّي فترةً زمنيةً تقدّر بعشرين سنةٍ تقريباً، من بدايةِ التّسعينات إلى الآن، بعض الكتّاب من جيلِ الثمانينات، وبعضهم أقدم بكثير.

 

الكِتاب يحوي مجموعةً من النّصوص الشّعريّة والقصصيّة والمقالة المتنوّعة…

بعض النّصوص كُتبتْ مباشرةً باللّغة الألمانية،  ونُشرت في الصّحافة الألمانية، في فتراتٍ زمنيّة متفرّقة، وهناك نصوص أخرى كتبتْ باللّغة العربيّة، ونُشرتْ أيضاً في الصّحافة العربيّة، هذه النّصوص تمّ ترجمتها إلى اللّغة الألمانية.

وكذلك يحوي الكتابُ عدداً من رسوماتِ الفنّان التّشكيلي السّوداني، حسن موسى المّقيم في فرنسا، والفنان من مواليدِ السّودان عام 1951 تخرّجَ من كلّية الفنونِ الجّميلةِ في الخرطوم ثم نالَ شهادةَ الدكتوراه في تاريخ الفنون من جامعة مونبيلية في فرنسا، ومنذ السبعينات يعرضُ الفنّان لوحاتهِ في جميعِ أنحاءِ العالمِ، كما عملَ في مختلفِ الصّحف ووسائل  الإعلامِ كناقدٍ فنّي، داخل السودان وخارجها.

تمّ اختيار لوحةٍ فنّية للفنّان لكلِّ مادّة أدبيّة في الكتاب، على أن تُقاربَ اللّوحة فنّياً النّص المرافق.

قدّم للكتاب البروفيسورة أنجليكا نويفرت، وهي أستاذةُ ومديرةُ معهدِ الدّراساتِ العربيّةِ السّابقة في جامعةِ برلين الحرّة، والمديرةُ السّابقة لمعهدِ الشّرقِ التّابعِ للجمعيةِ الشرقيّة الألمانيّة في بيروت واسطنبول، ولديها العديد ُمن الأبحاث والدّراسات والكتب فيما يخصّ القرآن الكريم و الأدب العربيّ.

 

في الشّعر

باعتبارِ أنّ الشّعر هوَ الأقربُ إلى حالةِ البوحِ الإنسانيّ، والأقدرُ على حملِ الكمّ الكبيرِ من المشاعرِ الجيّاشة، والعواطفِ الصّادقة في ذاتِ الشّاعر، وربّما هو الأقربُ إلى النّفسِ البشريّة – في حالة الغربة- من الفنونِ الأدبيّة الأخرى، فيحاولُ الشّاعر السّوداني تلمّسَ أوجاعِ غربته، وبعده عن وطنه وشوقه لأهلهِ، يحاولُ أنْ يقرأَ بحساسيتهِ العاليةِ واقعَ المجتمعِ المحيطِ به، يُصغي لخلجاتِ القلوبِ، ونظراتِ العيونِ الغريبةِ المحدّقة في ملامحهِ،  فيطلقُ العِنان لمخيلتهِ التي تحملهُ على جناحِ لغة جديدةِ  يُجربُ أن يعتلي صهوتها، وينجح في اختبارِ الشّعر.

يضمّ الكتابُ عدداً من القصائدِ الشّعرية، منها قصائدُ للشّاعر الكبير محمد الفيتوري، والذي يعدّ بحقٍّ من أهمّ شعراء السّودان المعاصرين، وقد تمّتْ مشاركتهُ في الكتابِ باعتبارهِ رمزاً شعرياً عربيّاً معروفاً لدى الألمان، فقد سبق وأن تُرجمتْ قصائدهُ إلى اللّغة الألمانية، وعرفاناً بالجميلِ لما قدّمه الفيتوري من دعم أدبيّ معنويّ للكتّاب السّودانيين في أوربا.

 وكذلك يَضمّ الكتاب عدداً من القصائد الحديثة أو الحداثيّة زمانيّاً وفنيّاً  للشّعراء صلاح يوسف، مصطفى بحيري، أمير حمد ناصر.

القصائد الشّعرية المشاركة، تنتمي إلى الشّعر الحديث الحرّ أو قصيدةِ النّثر وقد تُرجمتْ أوّل مرّة إلى اللّغة الألمانيّة.

أغلبُ القصائد الشّعريّة في الكتاب، تعالجُ قضيّة الاندماجِ في الحياةِ الجديدةِ في ألمانيا وكذلك صعوبة الحياة في نمطها الجديد، من جهةٍ أُخرى بعضُ القصائدِ تحملُ نبرة الحنين إلى موطن الصّبا.

 

في القصّة القصيرة

 القصّة هي فنّ اصطيادُ اللّحظةِ الهاربةِ من روتينِ الحياةِ اليوميّة، وإعادةِ تشكيلها أدباً خلاّقاً هادفاً ممتعاً، بغضّ النّظر عن المدارسِ الأدبيّة المتداولةِ في تلك المرحلةِ أو غيرها ما يهمّ في قصصِ الكتاب كيفَ استطاعَ الكاتبُ السودانيّ رصدَ حراكِ المجتمعِ الألمانيّ من حولهِ، صاغَ المواقفَ التّي هزّت مخيلتهُ قصصاً، ليقدّمها بالطّريقة التي يجدُّ القارئ الألماني إليها سبيلاً، والقصص في الكتاب لا تخاطبُ  المُجتمع السّوداني، وإنّما أبطالها وشخوصها وأمكنتها حدثتْ بنكهةٍ ألمانيّة مأخوذة من واقع حياته، لكنّ عينَ الرّاصد مختلفةٌ عمّا اعتادهُ القارئ.

وقد تنوّعت المُشاركاتُ القصصيّة بينَ القصّةِ والقصّة القصيرةِ جداً، إذ أنّ هناكَ ثلاثَ عشرةَ قصّة قصيرة جداً، تتباين في أسلوبها، وفكرتها وبنائها الفني، بعضُ القصص تميلُ إلى الأسلوب العبثي وبعضها تعكسُ تجاربَ نفسيّةٍ وحياتيّةٍ للكاتب.

في القّصة نقرأ لعددٍ من الكُتّاب مثل: حامد فضل الله، عفاف عدنان، محمد محمود، أمير حمد ناصر

فيما يتعلق بالقّصة يقول الدكتور حامد فضل الله: إنَّ أغلبَ قصصي المشاركة في الكتاب موجّهة للألمان،وقد اخترتُ موضوعات قصصي من خلالِ تجربتي العمليّة لمدةِ 45 عاماً طبيباً أخصائيا في أمراضِ النّساء والتّوليد والعقم  في ألمانيا، أغلبُ القصص كانتْ تدورُ حول المشاكلِ الجنسيّة للنّساء الألمانيات والقصص تركز على الجانب العاطفي والنّفسي وهي تنتمي فنيّاً للمذهبِ الواقعي.

 

 و الكُتّاب في قصصهم قلّما يتعرّضون لبيئة بلدهم، والحياة فيها، لعلهم انشغلوا بالمشاكل الأكثرَ قرباً إليهم، والتي تعايشوا معها، حتّى صارتْ من صلبِ حياتهم الجديدةِ.

من جهةٍ أخرى هي محاولةُ إثباتِ وجود في شتّى مناحي الحياةِ، التي نجح في اقتحامها على الصعيد العلميّ والمهنيّ ،ومنها الأدب، هي محاولة الخوضِ في الواقعِ الأدبيّ الألمانيّ، بأقلامٍ سودانيّة عربيّة، والنّصوص موجّهة للألمان وليس للسودانيين والعرب، تخاطب القارئ الألماني بلغتهِ، وبموضوعاتٍ من بيئتهِ، لكنْ برؤيةٍ جديدةٍ ومعالجةٍ فنيّةٍ مختلفةٍ عمّا اعتادَ عليهِ الألمانيّ.

في الكتاب أيضاً مجموعة من القصص الموجّهة للأطفال للكاتب: حسن حميدة

منها ما هو موجّهٌ للأطفالِ السّودانيين المقيمينَ هنا، تتحدث القصص عن الحيوانات أو على لسانها في الوطن الأم السودان.

لكن مضمونَ بعضِ القصصِ موجّه أيضاً للبالغين الشّباب، ومن خلال تجارب الكتّاب تتحدثُ القصص عن صعوبةِ الحياةِ في الغُربةِ ومشكلاتها.

عن هذه النقطة يقول الأديب حامد فضل الله إنّ أغلبَ الكتّاب السودانيين متزوجون من نساءٍ ألمانيات، ولديهم أطفال هنا وأغلبُ من تزوجَ من امرأةٍ سودانيّة عادَ إلى السّودان بعدَ إنهاءِ دراستهِ الجامعيّة.

من أسماء بعض القصص: عَنبر دُقدق، مُكالمة، حكايةُ الرّجل الذّي لم يصدّق قصّة النّملة، شرق وغرب.

 

في المقالة

 المقالةُ تعكسُ رؤيةَ الكاتبِ الفكرية التّحليليةِ للواقعِ حوله، من هنا انطلقَ الكاتبُ السّوداني لمقاربةِ الواقعِ، راحَ يبحثُ في سلبياتهِ وايجابياتهِ، يحاولُ إضاءةَ الجوانبَ التّي خفيتْ على الآخر، ويسلّطُ الضّوءَ على بعض القضايا، وخاصةً ما كان يتعلّق بوطنهِ من قضايا سياسيّة وفكرية، ولعل القضيّة الأهمّ التّي كانتْ تشغلُ بالَ الكتّابِ قضيّة الاندماجِ والدخول في المجتمعِ الجديدِ والعوائقِ والصعوباتِ التّي كانتْ ومازالتْ تواجهُ الفرد.

وكذلك تسلّط الضّوء على شخصياتٍ لها حضورها أو انجازها وتأثيرها في المجتمع بشكل عام..

في بابِ المقالاتِ يمكنُ أن تقرأَ لكلٍّ من الكُتّاب: مجدي الجزولي، أسرار أحمد، محجوب الطّيب، حامد فضل الله وصلاح يوسف.

موضوعاتٍ متعددةٍ مثلاً نقرأُ عن السبّاحة السودانيّة “سارة جاد الله “التي ولدتْ معاقةً ولكن رغمَ إعاقتها حققتَ أرقاماً قياسيّةً في بطولاتِ السّباحةِ.

وكذلك مقالٌ لطبيبٍ يحكي عن علاقتهِ بالأدبِ الألمانيّ ووجهةُ نظرهِ في ذلكَ.

بعضُ المقالاتِ تتحدثُ عن شهاداتٍ مواقفَ ذاتيّة، ومعاناةِ المغتربِ السّوداني.. هذه المقالات تحملُ روحَ البوحِ الذّاتيّ، والتّجربة الشّخصيّة، لكن كلّ مقال يمثّل حالةً متفرّدةً مختلفةً تبعاً لتجربة كاتبها، لكنّها في المحصلة تضيف إرثاً ثقافياً بشرياً.

هناك من يشعر بالغبن في حياته في ألمانيا، وهناك من هو متوازن في حياته، يعرف كيف يدير دفّة أموره، لكن الفكرةَ الأساسيّة من المقالات إظهارُ الأوجهِ المتعددةِ للحياة تبعاً لموقف كلّ كاتب في ألمانيا.

حيثُ نُشرِتْ في الصّحافة الألمانيّة وتُرجمتْ إلى العربية لتنشرَ في الصّحافة العربيّة، والآن تنشر في الكتاب بالألمانية.

بعض المقالات نُشرت في صحيفة “السّوداني” والتّي كانتْ تواكبُ الحركةَ الأدبيّة والإبداعيّة للكتّاب السّودانيين في ألمانيا.

يقول الدكتور حامد فضل الله: نشرتُ في السّوداني 12 مقالاً صحفياً تتحدثُ عن دراساتٍ وأبحاثٍ سياسيّةٍ فكريّة وكتب صدرت في ألمانيا تتعلّق بالعرب عامةً والسّودان خاصةً.

أمّا عن العملِ على إخراج الكِتاب يقول الدكتور حامد فضل الله: بعد أن طرحَ علينا الدكتور أمير حمد ناصر فكرةَ الكتابِ، وجدنا أنّه من الأسهل والأهمّ عملُ كتابٍ جماعيّ بغيةَ تعريفِ القارئ الألمانيّ بالأدبِ السّودانيّ، الذي كُتبَ على أرضِ ألمانيا.

من جهةِ أخرى نسعى لسدِّ النّقصِ في المكتبةِ الألمانيّة التّي تفتقرُ للكتاباتِ السّودانيّة، إذ أنّ أغلبَ الترجماتِ إلى الألمانية كانت تمرّ عبرَ لغةٍ ثالثةٍ كالفرنسيّة، والانكليزية، وغيرها.

بدأنا العمل على جمعِ النّصوص الأدبيّة من الكتّاب السّودانيين في ألمانيا، طلبنا من كلّ كاتبٍ أنْ يرشّح لنا أكثرّ من نصّ بعدها اخترنا منها ما يتّسقُ مع فكرةِ الكِتاب وهي توصيل الأدبِ السّودانيّ إلى القارئ الألماني بشكلٍ عامٍ، أو ضمنَ الفِكرة القائلةِ ” ماذا يقولُ السّودانيون أدباً هنا ”

رغمَ أنّ هذه النّصوص لا ترتبطُ غالباً بالسّودان، إلا أنّها تعكسُ وجهةَ نظرِ السودانيّ الذي يعيشُ في ألمانيا، ورؤيتهِ للحياةِ هنا.

 و قد كانت عملية فرز واختيار النصوص الشعريّة صعبةً إلى حدٍّ ما، ربّما لعدم تمكّن بعض الشّعراء من الأدواتِ الفنيّة الشّعرية للشّعر الألمانيّ، وخاصةً من يكتب باللغة الألمانيّة مباشرة.

 تمّ ترجمةُ النّصوص التّي كُتبت بالعربيّة إلى اللغة ألمانية من قِبَلي ومن قِبل كلّ من المترجمين أحمد عزالدين وهو مترجم معروف درس علم الاجتماع وهو مؤسس منظمة حوار الشرق والغرب.

والمترجمة  والدكتورة عبير بشناق “التي درستْ اللغة الانجليزية والعلومَ الإسلاميّة وهي عضو الهيئة الاستشاريّة لمؤسسة ابن رشد للفكر الحرّ.

بعد ذلك أَرسلنا النصوص باللغة الألمانية إلى كاتبٍ ألمانيّ متخصصٍ قامَ بعملية التّنقيحِ والمراجعةِ اللّغويّة والأدبيّة لها.

وقد استغرقَ العملُ على انجاز الكتاب ستةَ أشهرٍ تقريباً. 

بقي أنّ نقولَ: إنّ إصدارَ كتابٍ لأقلام إبداعيّة عربيّة سودانيّة عايشت المجتمع الألماني ورصدت تغيراته لمدّة ربعِ قرنٍ، أو أكثرَ يعدُّ خطوةً جريئةً، خاصةً وأنّ الكتابَ يأتي باللغة الألمانيّة، يحملُ همومَ، وتطلعاتِ، وأحلام مبدعيّن عاشوا على هذه الأرض، اختبروا الأيام حلوها ومرّها، ذلك بالتأكيد مكسبٌ هامٌ للمكتبة العامّة وبارقةُ نورٍ يهتدي بها مَن أرادَ السيرَ على منوالِها، وجهدٌ لابدّ مِن شكرهم عليه.