كتاب الجّليل “الأرضُ والإنسان” بين التوثيق التراثيّ والصحفي

موسى الزعيم 

منذُ أكثرً من سبعين عاماً، مازالت فلسطين، بأرضها وشعبها وتراثها الماديّ والمعنويّ تتعرّضُ للنّهب والقتل والتّشريد، هذا الاستهداف في الداخل والخارج، غرضهُ إنهاء الشعب الفلسطيني وتمييعُ قضيتّه في أذهان الأجيال العربية والفلسطينية القادمة.. ولعل ذلك كلّه يلخّص نظرة الاحتلال وتطبيق مقولة بن غوريون ” الكبار يموتون والصغار ينسون ” هذه المقولة تجسّد أساس وجوهر الاستهداف المنظّم للإنسان العربي والفلسطيني سواء في فلسطين أو الشتّات، والغرض الأساسي من كلّ ذلك تفريغ الذاكرة الجمعيّة الفلسطينية من مخزونها الثقافيّ والفكريّ والتراثي وبالتالي القضاء على الهوية الفلسطينية.

من هنا تأتي أهميّة الحفاظِ على التّراث، ليس من باب التّوثيق فقط وإنّما من باب المسؤولية التاريخيّة أمام الأجيالِ القادمة، بحيثُ لا تصبح قضيّة نقل التّراث قضيّة توثيقية تدوينيّة  فقط وإنّما تندرجُ في إطار المقاومة من أجلِ تثبيتِ تراثِ الأرض وجذورها في خزّان الذّاكرة   الجمعيّ الفلسطينيّ، وعليه فإنّ نقل التراث للأجيال مهمةٌ لا تقلّ أهميّة عن أيّ مهمةٍ سياسيّة أو عسكريّة.

في إطار ذلك وفي برلين وعن مركز حيفا الثقافيّ صدرت الطبعة الثالثة من كتاب الجليل الأرض والإنسان  للصحفيّ والكاتب الفلسطيني فؤاد عبد النور، والكتاب من القطع المتوسط يقع بحدود 740 صفحة علماً أنّه وقد صدرت الطبعتان الأولى والثانية منه عام  و1990-1992 في القدس وقد أهدى الكاتب هذه الطبعة الصادرة عام 2018

” إلى أبناء وأحفاد أولئك المهجّرين الذين حُرموا ظلما ًمن وطنهم، لعلّهم ينجحونَ في استرداد بعضهِ إنْ لم يكنْ كلّه ”

ويقول المؤلّف في مقدّمة الكتاب “خمسة وستون عاماً وعيوني شاخصةٌ إلى قريتي لوبية، رغم أنّي لم أزرها، ولكنّها تعيش فيّ، وأشعر أنّي أعرفها، وأعرفُ تضاريسها، أعرف شجرها، و حاراتها، وشجر الخروب، والتين والزيتون، أهمّ ما ورثته من أبي كان ذكرياته عن لوبية، عرفتُ منه كلّ شيء عنها، وأرى من واجبي أنْ أنقلَ إلى أولادي هذه المعرفة، حتّى نحتفظ بحقنا في العودة إلى قريتنا لوبية، كما هو من حقّ شعبنا اللاجئ أنْ يعود إلى دياره التي شُرّدَ منها بفعل الهجمة الصهيونيّة”.

 ميزات الطّبعة الثالثة من الكتاب، واختلافها عن الطبعاتِ السابقة:

حاول المؤلّف التوسّع في بحثه التراثي والتوثيقي ليشملَ 265 قريةٍ فلسطينيةٍ من قضاء حيفا

كما حاول ترتيبَ خرائطِ الوصولِ إلى تلك القرى بشكلٍ أفضل، كما استطاع عن طريق الشبكة العنكبوتيّة تحديدَ المُقيم في أرضه مِنَ المطرود منها والمُهاجر، و رصدَ حركةِ المدِّ المُتصاعد من المقاومةِ داخلَ البلادِ في الضّفة الغربيّة وقطاع غزّةَ.

كما حاول – حسبَ قوله- تجنّب التّكرار، والجدّة في طرح الموضوعات بعيداً عن المللِ والنّمطيّة في عرض الأفكار والوثائق.

كذلك اعتمد صيغةً جديدةً في الإشارات والإحالات، فوضعَ نجمة(*) إشارة إلى أنّ هذه القرية مدمرة، وإشارة ضرب( (x مشيراً إلى أن هذه القرية لم تُذكر في الطبعة الأولى.

 يشير المؤلف في كتاب الجليل الأرض والإنسان إلى كتاب أسرى بلا حرب ” المعتقلون الفلسطينيون في المعتقلات الإسرائيليّة الأولى” عام 1946 /1948 يقول: إنّ هذا أوّل كتاب يوثّق لهذهِ القضيّة، صدر في عام 2011 عن مؤسسة الدّراسات الفلسطينيّة.

 بعد ذلك يقسّم المؤلف كتابهُ إلى عدّة فصول أو كما أراد تسميتها “مسارات” فيبدأ بالنّاصرة، وما حولها.

مسارات الكتاب

في بدايةِ المسار الأول يؤكّد المؤلف على إتّباعه وسيلة جديدة في الحصول على المعلومات، فلم يعد يعتمد على الأشخاص بسبب ما يحكمهم من مواقف سابقة يقول:” الآنَ حصلتُ على الانترنت المفتوح، وهو يحتاج فقط وقت وفرز”

 لعلّ المؤلّف فاتهُ في هذهِ النّقطة أنّ المواقع الإلكترونيّة أيضاً يحكمها ما يحكمُها من مواقفَ مشبوهةٍ أو مزاجيّة تقفُ خلفها أحياناً، ولعلّ سمة جمعِ التّراث وخاصّة الشّفاهي تتأتى من الاستماع مباشرةً للرواة وتدوينِ أحاديثهم أو الاستماع إلى ذات القصة أو الحكاية من أكثر من مصدر.

على العموم يعمدُ المؤلف إلى الاستعانة بكلّ ما له صِلة بالحياة الاجتماعية، من مواقع الكترونية، وهواتف وجمعيّات، ومرافقَ عامّةٍ وغيرها، وهو جهدٌ وعملٌ متعبٌ لاشكّ.

 بعد ذلك يبدأ بالمعالم السّياحيّة والدينيّة والمواقع التاريخيّة لكلّ قريةٍ  بشكلٍ منفصلٍ، ومن ثمّ يتحدّث عن هذه المَعالم، وما يدور في أروقتها من أحاديثَ وحكايات، لها صلة بتراث المنطقة أو أهمّ الأحداث الاجتماعية التّي مرّت على تلك المنطقة بالذّات، فمثلاً في الناصرة يتحدّث المؤلف عن أنّها قريةُ الشّاعر الفلسطينيّ المعروف توفيق زيّاد.

في هذا المسار يذكر ويوثّق زيارة الشّاعرة الفلسطينية فدوى طوقان بعد حصولها على جائزة فلسطين للأدب، حيث أقيمَ لها احتفال تكريميّ في مدرسةِ “مار يوسف” الثانوية في النّاصرة وقد استقبلها طلاّب المدرسة وإدارتها.

حيثُ ارتجلَ الشّاعر سعود الأسديّ لحظةَ وصولها  إلى لناصرة قائلاً:

فدوى طوقان ! والنّاصرة شوق وحنين/ بنحب فدوى ع المدى وطول السنين

والنّاصرة يا فدوى ورد وياسمين / بسمات تتفتّح شمال ويمين

كلّ أهل الشّعر في عيني الشّمال / و فدوى لحالها بعيني اليمين

بعد ذلك يذكر المؤلف الأحداث الثقافيّة التّي مرّت على تلك المنطقة من مهرجانات و تكريمات لشخصياتٍ من أبنائها أو من إحدى القرى، كما يثبّت أسماء الكتب التي أرّخت لمدينة النّاصرة، بحيث من يرغب في الاستفاضة في البحث عن تاريخ المنطقة، يمكنه بسهولةٍ ويُسرٍ العودة إلى تلك المراجع.

في مسار الناصرة يؤرّخ المؤلف للقرى التالية /عين ماهل، الرينة، المشهد ،كفركنا، صفوريّة، عيلوط ، يافة الناصرة ، المجيديل ، معلول ..

يتحدّث المؤلف عن الناصرة بيْسان، يوثّق فيه لعدد من القرى  مثل إكسال، دبورية ، عرب الشبلي، أمّ الغَنم ، خانة الجّار والشجرة، و يوثّق لمعركة الشّجرة التّي استشهد فيها الشّاعر الفلسطيني المعروف عبد الرّحيم محمود والتّي يقول فيها:

سأحمل روحي على راحتي ….        وألقي بها في مهاوي الرّدى

فإمّا حياةً تسرّ الصّديق                     وإمّـــا مماتاً يغيظ الــــعِدا

كما أن المؤلف لم ينسَ توثيق حياة فنّان الكاريكاتير المعروف ناجي العلي الذي وُلد أيضاً في قرية الشجرة عام 1937  واغتيل في لندن عام 1987 كما يؤرّخ لولادة شخصية حنظلة المشهورة التي شغلت الصحف العربية لفترةٍ طويلةٍ من الزمن حتّى صارت إيقونة الكاريكاتير العربي..

المُلفت في هذا المسار دخول المؤلف على خطّ السّجال، والاتّهامات الدائرة حول اغتيال ناجي العلي في لندن، فيعرض العديد من المقالات وردود الأفعال الفلسطينية والإسرائيلية والبريطانية، ويسردُ عدداً  من النصوص والمقالات والكتب التي تحدّثت عن ذلك .

 ولا يغفلُ أيضاً عن وجهةِ نظر الطّرف الآخر-الإسرائيلي- في بعض القضايا، فيسرد أحياناً بعض الحكايات والشّهادات والقصص والمقالات المأخوذة عن كتب ومؤلفات الصهاينة بعين المُحلل النّاقد ومنها قوله ” أجرى الناشط  اليهودي “د.أوري ديفيس ” أبحاثاً كثيرةً  للصندوق القومي اليهوديّ  حيثُ يذكر ديفيس “أنّ تشجيرَ أراضي البلاد  لا تنحصر في تجميلِ وتخضيرِ الطّبيعة،  ولكن العمل على إخفاء الإجرام الصهيوني في تدمير القرى وتهجير سكّانها وإخفاءِ معالمها..”

من خلال ذلك يمكن ملاحظة  مدى اعتناء المؤلف  بتاريخ كلّ قريةٍ أو بقعةٍ فلسطينية ، من خلال ذكره في نهاية تأريخ بعض القرى فهو يشير إلى الكتب التي تحدّثت عن هذه القرية سواء في الدّاخل أو الخارج  بعض هذه الكتب بل أغلبها ألّفت، وجُمعت خارج فلسطين في بلدان الشتات.

ففي تأريخه لقرية لوبية وهي مسقط رأسه  يذكر أنّه في طبعته الأولى والثانية لم يعثر على أحد من أهلها، لكن فيما بعد وجد قسماً كبيراً منهم يعيش في العاصمة الألمانية برلين.

في مكان آخر من الكتاب تحتلّ الشخصيات الاعتباريّة بعض الصفحات ومن هذه الشخصيات أنيس الصايغ الذي تحدّث عنه باستفاضةٍ، مبرزاً مواقفه من الكثير من القضايا الفلسطينية، والذين  كتبوا عن الصايغ ورأيهم فيه سلباً أو إيجاباً.

 أمّا المسار الرابع من الكتاب كما يسمية  الناصرة الجديدة والمكر.

كما في بقية المسارات يعود إلى الأصول الكنعانيّة والآراميّة في تسمية القرى والمناطق وعادة ما يأخذ هذه التسميات من الباحث والمؤرخ مصطفى الدباغ.

وكذلك يستهويه سرد قصص وحكايا الشيوخِ وأصحابِ الكرامات، بما تحتويه من خرافات وخوارق وفانتازيا، لكنّها تتخزّن في الذاكرة الجمعيّة الشعبيّة، وتناقلها الألسن على أنّها حقائق أو مسلّمات.

و كذلك يحاولُ جمعَ تلك الحكايات الشعبيّة وما تحويه من عاداتٍ وتقاليدَ موروثة من مثل ضرب العريس من قِبَلِ رفاقه وأصحابه ليلة الدُخلة، وما يتبعها من ضرب العريس لعروسه أيضا مما يستدعي أن تلتزم الفراش لعدة أيام.

ليس فقط كذلك بل يتوسّع الباحث في سرد مصادر حكاياته، التي كان لها النصيب الوافر من الكتاب، حتّى وإنْ كان برنامجاً تلفزيونيا ً أو فلماً وثائقياً أو تسجيلياً أو سينمائياً عن تلك القرى، والبلدات وأحداثها، وحتى لو أنّ قريةً فازت في مباراةٍ كرويةٍ يوماً ما، فإنّه يذكر ذلك  كقرية عليبون التي فازت بكأس الدّولة  لكرةِ الطّائرةِ ، وكذلك يفعل في تأريخه لبعض القضايا الهامة كالمجازر والإشكالات الطّائفية والعائليّة والمصالحات ، مع ذكر سبب المُشكلة وتاريخها والمشاركين فيها ووجهاء الإصلاح الذين حلّوا الخلاف.

 كما يوثّق للشخصيات الهامة ويتتبعُ سيرةَ حياتها ويرصد، مواقفها ففي أحد الفصول  يؤرّخ لحياة نعيم عرايدة  الذي حصل على الدكتوراه في الأدب العبري،  ومن ثمّ أصبحَ سفيراً للكيان الصهيوني لدى النرويج  بين 2012 و2014 .

لكن بعناوين متكررّة وبصيغٍ مختلفةٍ تطالعنا المقالات التالية مثلاً هل رفض الدروز الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي؟ مثال حالة “عمر سعيد نموذجا ً”

 وفي مكان آخر يتوقّف مطوّلاً عند قصيدة  المِرسال للشاعر يوسف حسّون، التي يخاطب فيها ملوك ورؤساء العرب، ويُفرد لكلّ ملكٍ أو رئيسٍ مقطعاً خاصاً به  ويطالبه فيها بنجدةِ فلسطين والسّعي إلى تحريرها، لكن اليأس يخالجه، فينحاز إلى الشعب في آخر القصيدة ويعوّل عليه في تحرير الأرض.

 كذلك يتوقف عند قرية البيرة، مسقط الشاعر الكبير محمود درويش، الذي يتحدث عنه مطولاً، ويذكر تبرير درويش لقصيدة “ريتّا ” التي أثارت جدلاً واسعاً حيث يقول درويش: إنّها فقط مخصصّة للجنود الاسرائيلين في الانتفاضة الثانية!!

وفي المسار الخامس  “النّاصرة محميّة كرادنة”

 يتحدّث المؤلف في هذا المسار عن قرية الهيب و سكّانها، وبأنّهم  من أوائل حلفاء الحركة الصهيونيّة، وقد شكّلوا نواة  فرقة الأقليات  للقتال إلى جانب الصهاينة ضد الجيران العرب.

من جهة أخرى يُغرق المؤلّف في القضايا الصغيرة، ففي قرية شفا عمرو يتحدّث عن تفاصيل وأحداث عابرة فمثلاً في سنة واحدة يذكرُ “إصابة مواطن بطلق ناري،  ومحاولة حرق مدرسة،  إطلاق نار على…” وغيرها من الأحداث الصغيرة.  

كما يتطرّق إلى وجهات النّظر المُختلفة من مقالات الصحف العربية و العالميّة، كرأي الحاج أمين الحُسينيّ في بعض القضايا، يترك المؤلف حديثه عن شفا عمرو، ليغرق في تفاصيل كثيرة تنسينا صُلب الموضوع، وهو القرية وتفاصيلها الجغرافيّة و تاريخها وغيرها من الأحداث.  

ينتقل بعد ذلك ليتحدّث بإسهاب عن موضوع الجريمة المنظمة، والإرهاب في الموضوع على مدى 13 صفحة.

وفي المسار السادس الناصرة حيفا:

يتحدّث في هذا المسار عن التوزيع الديمغرافي للقرى، كعددِ السّكان من مسلمين ومسيحيين و دروز وغيرهم، كما يفرد بحثاً عن ” ميسان حمدان” التي رفضت التجنيد في الجيش الإسرائيلي وراحت تحرّض الشباب على الرّفض ، تحت مقولة  (ارفضْ شعبك يحميك)

بعد ذلك ينتقل المؤلف إلى مدينة حيفا ، فيهتم بالقرارات والتوصيات التي أرّخت  لحيفا قبل عام 1948 ويفرد لها فصلاً خاصاً.

ومن المسار السابع حتّى الحادي عشر يتحدّث عن عكا (عكا ديشوم، وعكا وادي القرن، من عكا إلى عكبرة  وعكا الخالصة)

لعل مسار عكا هو الذي يبدو أكثر منهجيّة، من حيث التّرتيب ففيهِ يبوّب الكاتب فصوله مثل  متاحف عكا وخاناتها وجمعياتها، وكذلك المساجد الكنائس وغيرها.

 في نهاية البحث، يُفرد المؤلف أربعاً وعشرين صفحة لفهارس الكتاب، والتي اشتغل عليها بدقّةٍ وعنايةٍ على طريقة الموسوعات، فهناك فهرس للمصادر والمراجع، و للأعلام وفهرس للأمكنة الجغرافية ، والمواقع الالكترونيّة، والصحف والمجلات التي استقى منها مادته التوثيقيّة والتراثيّة .

في الحقيقة الكتاب جهدٌ كبيرٌ، اشتغل عليه الباحث على مدى ثلاثين عاماً ، حوّله من كتاب إرشاد سياحيّ إلى موسوعةٍ توثيقيّة شاملةٍ، استفاد من خبرتِه الصحفيّة وإطلاعه الواسع على الصحافة العامّة العربيّة والغربيّة، وأغلب ما كُتب فيها عن قضية وطنه فلسطين.

فقد كان يطمح يوماً أن تنتصر الانتفاضة الأولى ويصبح هذا الكتاب المرجع والمرشد لأبناء القرى الذين سيعودون إلى ديارهم.

انتقل المؤلف بعد ذلك إلى مرحلة التوثيق الميداني لثلاث سنوات متواصلةٍ  بجهدٍ وعملٍ يوميّ استمع فيها للأشخاص الذين مازالوا على قيد الحياة، والذين شهدوا تسليم القرى الثلاثين لإسرائيل في اتفاقية رودوس عام 1949 بعد ذلك كرّس ستّ سنوات من العمل  لإخراج الطبعة الثالثة، بما تحتويه من تفاصيل ووثائق عامة.

لكن الكتاب حسب رأيي – وأحاول أن أكون منصفاً- يفتقر إلى خريطة واحدةٍ عامةٍ لفلسطين تشير إلى مواقع المدن و القرى المذكورة في متنه، وإنما أغلب الخرائط كانت عبارة عن مخططات لتموضّع القرى دون تحديد الجهات العامة وموقعها من فلسطين والدول المجاورة لها و لم تكن واضحة بالشكل الكافي، أو دالةً على الموقع بالشكل الأمثل، خاصة للقارئٍ العربي من خارج المنطقة، وكذلك لم يعتمد الكتاب خطّةً منهجيّةً واحدةً في الحديث عن قريةٍ أو منطقةٍ، بل كان يسرد كلّ ما يتعلّق بها من تفاصيل صغيرةٍ أو كبيرةٍ ، مع العلم أنّه أحياناً كانت خطّة المنهج تبدو واضحة في تسلسل وترتب الحديث عن أحد الأمكنة ، لكن يبدو أن الباحث تشغله الفكرة الموسوعيّة الشاملة، وحرصه على تدوين كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ تحتفظ بها ذاكرته ووجدانه.

من جهة أخرى يُسجّل للمؤلف عنايته بتوثيق الأحداث الأدبيّة واهتمامه بالحركة الثقافية والشعراء والكتّاب من أبناء تلك القرى، والذي يمكن أن يكون مشروع كتابٍ مستقلّ يمكن الاشتغال عليه. يُذكر أنّ ريع هذا الكتاب لدعمِ النّشاط الثقافيّ الفلسطينيّ في برلين. lang103