ما الذي يفعله المسلمون في الغرب؟

ـ لم يعد السؤال ‘هل تقبل أوروبا بالمسلمين مواطنين؟’ بل صار السؤال ‘هل يقبل المسلمون بأوروبا وطنا نهائيا لهم؟’

ـ ما يحظى به المسلمون في أوروبا من حقوق لا يمكن توقع الحصول على جزء صغير منه في أية دولة اسلامية

ـ لقد صنعت كل جالية وطنا مصغرا لها داخل بلدان اللجوء أو الهجرة

 فاروق يوسف

أن تكون مسلما في الغرب (أوروبا بالتحديد) فهو امر لم يعد مستهجنا بالنسبة للغالبية من الاوروبيين. هناك اليوم الملايين من المسلمين الذين يعيشون في الغرب باطمئنان وأمان باعتبارهم مواطنين، يتمتعون بكل الحقوق التي تنص عليها قوانين الدول التي يعيشون فيها.

بل ان هناك اجيالا مسلمة ولدت وترعرعت هناك، وهي لا تعرف عن اوطانها الاصلية إلا نزرا متفاوتا في صدقه وشفافيته من الحكايات والأقوال والأغاني والذكريات التي نقلت إليها عن طريق التلقين.

بمعنى ان هناك اليوم مسلمين هم اوربيون بحكم الولادة والنشأة. اي أنهم لا يعرفون وطنا ثانيا لهم سوى ذلك الوطن الذي ولدوا فيه ويتكلمون لغته باعتبارها لغتهم الأم ويحملون أوراقه الثبوتية. إنهم اوروبيون مسلمون. مثلما هناك اوروبيون مسيحيون ويهود وأوروبيون من غير دين.

وقد يبدو غريبا لدى للبعض اذا ما قلت ان الغرب كان دائما كريما مع مواطنيه المسلمين. بل أني لا أبالغ إذا ما قلت ان ما يحظى به المسلمون في أوروبا من حقوق لا يمكن توقع الحصول على جزء صغير منه في أية دولة اسلامية.

هذا هو واقع الحال الذي يجب علينا أن لا نغمض عيوننا عنه وعلينا أن نعترف به.

فالغرب يحتضن المسلمين، المهاجرين إليه والذين ولدوا في مستشفياته على حد سواء باعتبارهم مواطنين أصليين وليسوا مجرد ضيوف عابرين.

وقد يكون نافعا في هذا السياق أن نعرف أن ربع سكان مدن رئيسة مثل امستردام ومالمو (جنوب السويد) ومرسليا (جنوب فرنسا) وبرلين هم من المسلمين وأن هناك خمسة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا ومثلهم في بريطانيا وأربعة ملايين في ألمانيا. وقد يكون العدد الحقيقي أكثر مما تشير إليه الاحصائيات الرسمية.

ولكن هل يتناسب ذلك الحجم السكاني للمسلمين مع حجم تمثيلهم في الحياة العامة (السياسية والاقتصادية والإعلامية والعلمية على وجه خاص)؟

نسمع بين حين وآخر أخبارا عن وزير من أصول عربية أو كردية. عن نائبة من أصول شرق أوسطية. عن زعيم حزب من أصل تركي صار يحقق تقدما في الحياة السياسية الالمانية.

في الجانب العلمي هناك مفاجآت هي ليست في الحسبان، كما حدث مع ذلك الفتى العراقي المقيم في السويد الذي حل مسألة رياضية، عجز العلماء عن حلها عبر أكثر من مائتي سنة. ولكن تلك المفاجآت تظل عزيزة ونادرة.

اما في الجانبين الاقتصادي والإعلامي فان المسلمين اخترعوا تجارة هي التعبير الامثل عن عكوفهم على عالمهم القديم. العالم الذي يفهمون لغته التجارية الخفية، وهو عالم يقيم خارج حدود قوانين الضريبة.

لقد صنعت كل جالية من جالياتهم وطنا مصغرا لها داخل بلدان اللجوء أو الهجرة، الأمر الذي يعكسه تفكير البعض بالليرة السورية أو الدينار العراقي أو التومان الايراني في قياس تعاملاتهم الاقتصادية اليومية، في الوقت الذي تحمل فيه أيديهم العملة الاوروبية الموحدة أو الكرونا السويدية أو الدنمركية.

في منطق تلك العزلات لم يعد السؤال: “هل تقبل أوروبا بالمسلمين مواطنين ؟” بل صار السؤال “هل يقبل المسلمون بأوروبا وطنا نهائيا لهم؟”

لا مجال للنقاش هنا في أسباب فشل اندماج المسلمين بمجتمعاتهم الجديدة. وهي أسباب يرتد معظمها على ثقافات اللاجئين والمهاجرين باللوم. ذلك لأنها ثقافات يغلب عليها طابع الخوف والريبة والتقية وسوء الفهم والتمييز والعنصرية والنظر إلى الآخر باعتباره عدوا مؤجلا.

لقد فشل المسلمون في أن يكونوا أوروبيين، إلا في أوراقهم الثبوتية وفي حقوقهم التي صاروا يعرفون أدق تفاصيلها. أما حيويتهم في المجتمعات الحية التي يعيشون فيها فتكاد لا ترى إلا على صعيد المطاعم والمقاهي التي صار الاوروبيون يرتادونها، رغبة منهم في التغيير.

ولكني على يقين من أن ذلك الحكم لن يكون نهائيا.

هناك أجيال مسلمة سترى في أوروبيتها مصيرا لا يتعارض مع انتمائها إلى الغرب.

.