لبنان في قلب الحدث

.

عاطف عبد العظيم

بين صراعاتٍ مستمرة، وصراعات جديدة متوقَّعة، وهدوءٍ في بعض المناطق، وانتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، وانتخاباتٍ جديدة قد تغيِّر مسار السياسة في العالم، ماذا يمكن حقًا أن يشهده العام 2019؟

حرب الشرق الأوسط الكبرى

ذكر المحلل السياسي، ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مايكل آيزنشتات، في تحليله المنشور على موقع المعهد، أنَّ هناك مخاوف عدة، قد تتحول إلى توقعات حول اندلاع حرب في الشرق الأوسط في عام 2019، وهي الحرب التي أطلقا عليها اسم «حرب الشرق الأوسط الكبرى»، والتي توقعا أن تكون بين إسرائيل وحزب الله، طرفين رئيسيين، مع انضمام أطراف مختلفة وفاعلين آخرين إلى كل منهما؛ إذ قد لا تقتصر الحرب على المشاركين الأصليين فحسب، بل قد تشمل مجموعة من المليشيات الشيعية وحتى نظام الأسد نفسه، كما يمكن أن تمتد إلى كافة أرجاء المنطقة.

ويأتي هذا في سياق التوترات التي ازدادت خلال شهر أغسطس (أب) من العام المنصرم، على الحدود الشمالية لإسرائيل؛ إذ أُثيرت مخاوف بشأن مواجهة أخرى بين إسرائيل وحزب الله، أو اندلاع حربٍ بين إسرائيل وإيران في سوريا، بحسب المحللين.

التخوفات الإسرائيلية تأتي بسبب عاملين رئيسيين؛ يتمثَّل العامل الأول في الجهود التي يبذلها حزب الله وسوريا بمساعدة إيرانية، لإنتاج صواريخ عالية الدقة في لبنان وسوريا، والتي يمكن لها أن تُعطِّل البنية التحتية الحيوية لإسرائيل.

وأمَّا العامل الثاني فيتمثَّل في جهود إيران لتحويل سوريا إلى نقطة انطلاق للعمليات العسكرية ضد إسرائيل، ومنصة لإبراز القوة في بلاد المشرق من جهة أخرى، بحسب المحللين.

وبالرغم من تأكيد المحللين على أن إسرائيل عازمة على تجنُّب الحرب، إلا أنه في الوقت نفسه يمكننا أن نجد أن أفعالها تظهر استعدادها لقبول خطر التصعيد لمواجهة هذه التهديدات الإيرانية في أي وقت، مستشهدين بما حدث من قبل؛ فمنذ عام 2013، نفذت إسرائيل أكثر من 130 ضربة في سوريا ضد شحنات من الأسلحة الموجهة لحزب الله، ومنذ أواخر عام 2017، عملت إسرائيل أيضًا على استهداف المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا.

مخاطر عدم تشكيل حكومة لبنانية

تُعَدُّ لبنان دولةً صغيرةً نسبيًا من حيث المساحة وتعداد السكان، لكنَّها تعيش حياةً سياسيةً مُعقَّدةً وصراعاتٍ طائفيةً تعصف بها منذ أمدٍ بعيد. وليست الأزمات السياسية الأخيرة التي ضربت البلاد بجديدةٍ على السياسة اللبنانية، بل يُمكننا القول إنَّها أصبحت أمرًا معتادًا بالنسبة للمواطن اللبناني العادي، وإن تعذَّر فهمه بعض الشيء على المُتابعين الأجانب.

وترى مجلة «الإيكونومست» البريطانية في تقريرٍ نشرته عن الوضع اللبناني أنَّ مشاكل هذا البلد ترجع إلى التقدم البطيء في حياته السياسية.

تشير المجلة إلى أنَّ لبنان استغرقت عامين ونصف العام لانتخاب رئيسها الحالي، وتسعة أعوامٍ لإجراء الانتخابات البرلمانية، و12 عامًا لتمرير مشروع الميزانية. ويبدو أنَّ تشكيل الحكومة يتبع نفس القاعدة الزمنية.

إذ قضت لبنان قرابة العامين ونصف العام في آخر 13 عامًا دون حكومة، وامتدت محادثات تشكيل الحكومة الجديدة لأكثر من سبعة أشهر. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي قال سعد الحريري رئيس الوزراء إنَّه يأمل في الانتهاء من تشكيل الحكومة الجديدة قبل نهاية العام.

وبحسب التقرير، السبب الرئيسي في هذا الجمود هو النظام السياسي الطائفي في لبنان. إذ تُقسَّم مقاعد البرلمان بالتناسب بين الجماعات الدينية الثمانية عشر في البلاد، بناءً على اتفاقية تقاسم السُلطة التي يعود تاريخها إلى حقبة الاستعمار الفرنسي. وتُقسَّم المناصب الحكومية ووظائف القطاع العام بين الطوائف. ويكون الرئيس دائمًا مسيحيًا مارونيًا، ورئيس الوزراء مُسلما سُنِّييا، ورئيس البرلمان مُسلما شيعيا. وتُمرَّر قرارات الحكومة بأغلبية ثُلثي المجلس، لكنَّ حزب الله ضمن الحصول على ثُلث الحقائب الوزارية مع حلفائه بموجب اتفاقيةٍ أُجرِيت عام 2008، مما يمنحه حق الفيتو. ويتطلَّب التوصُّل إلى توافقٍ بشأنٍ أي قرار مثل تشكيل الحكومة أن تضع الجماعات الطائفية خلافاتها جانبًا. ويستغرق هذا الأمر وقتًا طويلًا داخل مجتمعٍ تقسمه الخطوط الطائفية.

وتنفي «الإيكونومست» أن تكون أسباب الأزمة السياسية الأخيرة مختلفةً كثيرًا. لكن تجمع المُشادة هذه المرة بين الحريري وحزب الله.

رئيس للوزراء مع وقف التنفيذ

لقد مُنِيَ تكتل الحريري، المُؤيِّد للغرب والمدعوم من المملكة العربية السعودية، بهزيمةٍ ساحقةٍ في انتخابات شهر مايو (أيار)، خسر على إثرها ثُلث مقاعده. في حين يُطالب حزب الله الحريري بتسليم إحدى حقائبه الوزارية إلى برلمانيٍ سُنِّي من معسكر حزب الله، وهي الخطوة التي تُقوض مزاعم الحريري بأنَّه الزعيم الوحيد الذي يُمثِّل السنة اللبنانيين، في حين تُعزِّز من نفوذ حزب الله وحلفائه بحسب المجلة.

ويرى البعض الدور الخفي الذي تلعبه الأيادي الغربية. إذ يُرجِّحون أنَّ إيران تستخدم حزب الله للرد على أمريكا، التي أعادت فرض العقوبات على إيران مؤخرًا، وذلك بالمماطلة في تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة والحد من قدرة لبنان على التصرُّف باعتبارها حصنًا ضد ما وصفته المجلة بـ«التشدَّد» و«الإرهاب».

وتُؤكِّد «الإيكونومست» أنَّ لبنان ليس بمقدورها أن تتحمل قضاء فترةٍ طويلةٍ بدون حكومة. رغم أنَّها فعلت ذلك في السابق، لكنَّ الثقة في الاقتصاد المُضطرب ضعيفةٌ في الفترة الحالية بالفعل. هذا فضلًا عن المخاوف المتزايدة من اندلاع حربٍ مع إسرائيل، نظرًا لاستمرار الأخيرة في قصف الأهداف التابعة لإيران وحزب الله في سوريا، وإطلاقها مشروعًا لتدمير ما تزعم أنَّه أنفاقٌ تابعة لحزب الله على الحدود اللبنانية. وربما تتسبب هذه المخاوف في إضعاف تدفُّق الحوالات المالية التي تعتمد عليها لبنان في سد عجزها المالي، مما قد يُؤدِّي إلى تخلُّف لبنان عن سداد ديونها في النهاية، إذ تمتلك واحدةً من أكبر نسب الديون مقارنةً بإجمالي الناتج المحلي في العالم.

وتعهَّدت مؤسساتٌ مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية بتقديم مساعداتٍ قيمتها 11 مليار دولار في صورة قروضٍ ومِنَحٍ مُيسَّرة. لكن بدون حكومة، ستفشل لبنان في تطبيق الإصلاحات اللازمة للحصول على الأموال. وتكمُن الخطورة هنا في أنَّ التشاحن بشأن الحقائب الوزارية ربما يستمر في عام 2019، مما سيُؤدي إلى انهيار الاقتصاد قبل تشكيل الحكومة.