فئة تهاجر .. وفئة تستعد للهجرة .. وفئة تطلب القوت

د. زاحم محمد الشمري /        

فيما كان الصهاينة منهمكين في مناقشة خططهم لمجابهة أعداء اسرائيل على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وإذا بأحدهم ينهض ويصيح بصوت عال سمعه الجميع قائلا: “ماذا أعددتم للعرب؟”، فرد عليه أحدهم مطمئناً بالقول: “فئة تهاجر … وفئة تستعد للهجرة… وفئة تطلب القوت فما تجد فتموت.”

يتضح مما تقدم أن الصهيونية العالمية بنت أفكارها على هذ الأساس وبشكل علني دون خوف او تردد في محاربة أعداءها العرب من خلال اضعافهم وتشتيت شملهم بمساعدة دول الغرب، الذين جزءوا ارض العرب وصادروا قرارهم السياسي الموحد وربطه بالقرار السياسي الغربي المنحاز الى اسرائيل علناً …

وعليه فقد أضحى العرب يتحدثون عن المؤامرة وكيف تحاك ضدهم من قبل ما يسمونهم أعداء الأمة، في الوقت الذي لم تكن هناك أية مبادرة لجمع شمل العرب وتوحيد صفهم لمواجهة تلك التحديات، وبقي الجميع ينتظر متى ينفذ أعداء الأمة مخططاتهم للإطاحة بعروش الزعماء وتدمير البنى التحتية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات العربية.

الغريب في الامر ان العرب أنفسهم أصبحوا أدوات التدمير والتخريب المريبة ببلدانهم، بحيث اصبح الجميع متبرعين في تنفيذ مخططات الأعداء بحرفية ومهنية عالية، وهم يتحدثون في ذات الوقت عن مؤامرات الأعداء ضد هذه الأمة وشعبها الجريح. وأخذ الجميع يتفنن في تصفية خصومه سياسياً وطائفياً وعرقياً، أي العمل على تفتيت اللحمة والنسيج الاجتماعي لأبناء الوطن الواحد، وتعم الفوضى ارجاء المعمورة … في الوقت الذي يتحدثون عن نظرية المؤامرة!!

بل تعدى الامر الى ابعد من ذلك بعد ان طالت المؤامرة تصفية العلماء والمفكرين ورجالات الدولة والدين، وتم في ذات الوقت تهجير الناس من مناطق سكناهم الى مناطق اخرى داخل وخارج الوطن الواحد تحت ذرائع واهية … وما زلنا نتحدث عن نظرية المؤامرة ونتائجها المستقبلية الوخيمة!!

اصبح المواطن مطاردا في داره، يُقتل الرجال بدم بارد وتلقى جثههم على قارعة الطريق وفي المزابل، وتُسبى النساء، ويموت الطفل البرىء في حجر أمه ويحرم من التعليم وممارسة أبسط حقوقه في الحياة … ونحن نتحدث عن المؤامرة!!

ترحل العقول من البلدان العربية الى ملاذ آمن لها في الغرب في خضم اكبر مأساة تهجير في التاريخ للعوائل التي فقدت الأمن والأمان في أوطانها … ونحن نتحدث عن المؤامرة!!

يصبح العربي المسلم شخص غير مرغوب فيه في كل دول العالم وملعونا حيثما حل … ونحن نتحدث عن المؤامرة!!

فصائل من الناس تهاجر وأخرى تستعد للهجرة وثالثة تطلب القوت فما تجد فتموت كما قالها الصهاينة … ونحن نتحدث عن نظرية المؤامرة!!

فمنهم من يُكفر ومنهم من يُحرض على العنف وضرب الأعناق … ونحن نتحدث عن المؤامرة!!

هُدمت المدن ودُمرت المدارس وأصبح أهلها يلتحفون الارض في العراء يتصدق عليهم الأعداء برغيف الخبز … ونحن ما نزال نتحدث عن المؤامرة وسبل مواجهتها!!

يستشري المرض في أجساد الناس ويتمترس الخوف في عقولهم من المستقبل المجهول، وينخر الفساد الاداري والاخلاقي في جسد مؤسسات الدول العربية، وتُنهب الأموال وتُبيض وتُصبح البلدان الغنية مدينة وعواصمها التاريخية خاوية على عروشها وعبارة عن جبال من القمامة والأنقاض نتيجة الحروب الأهلية الدامية والاهمال المستمر … رغم كل ذلك ونحن لم نعترف بأننا ألد أعداء أوطاننا وأكثرهم شراسة في التدمير والقتل!!

وقد أصاب الأجيال ما أصابها من التخلف الفكري والثقافي والعلمي بحيث وصلت النسبة الى اكثر من  ٨٨٪ بين صفوف المتعلمين … وما نزال نتحدث عن نظرية المؤامرة ونبحث الاجراءات الكفيلة لمواجهتها!!

وقد وصل الحال الى الحديث عن اعادة تقسيم المنطقة العربية من جديد الى دويلات متناحرة فيما بينها … وما تزال فينا نفس تتحدث عن نظرية المؤامرة!!

فأي مؤامرة غبية تلك التي زرعت في أذهاننا وأي عدو جبان يتربص بنا ونحن من يتآمر ويقتل ويدمر ويكفر ويعيث في الارض والحرث فساداً… فالويل لنا من لعنة الله والتاريخ .

.