الجالية العربية في برلين .. أوجاع ومشاكل

عبير حميد مناجد

.

لا فرق  جوهري  بين من أمضى ردحا وعقودا من الزمن في ألمانيا وبين من مضى على وجوده هنا بضعة سنوات فقط ، فجميع أبناء الجاليات العربية بشكل عام يعانون لأي سبب قهري او طوعي أو عاطفي كان …! 

من جملة مشاكل وأزمات اجتماعية وعاطفية تعصف بهم يوميا وتنغص عليهم سبل التنعم  بعيش الحياة الحرة الكريمة التي يكفلها الدستور القوانين وحقوق الإنسان هنا، وتحول بينهم وبين التمتع بكل مزايا الرفاهية المتاحة في أهم دولة أوربية، والتي قد تكون مفقودة في اوطانهم الأم.  

.

أحلم أن يكون لنا نادي اجتماعي بعيدا عن أي صبغة سياسية او دينية ويوحدنا جميعا

سألت السيد عمار الذي يقيم في ألمانيا منذ عشرين عاما  عن أبرز المشاكل التي يعانيها  هو وعائلته هنا فقال :

– أستطيع ان اتحدث لك عن مشاكل الجاليات العربية وعن مشاكل الجالية  العراقية والتي انا واحد منها. أقيم منذ فترة طويلة والتي مازال أعانيها هنا وهي من وجهة نظري خاصة بنا كعرب لأنني شخصيا لا أعاني من أي مشاكل مع الألمان ربما بفعل قلة الاحتكاك. أصحاب الشهادات والمهن العالية مثل الطبيب والمهندس والصيدلي والمدرس …. هنا من يستطيعون ان يتكلموا لك أفضل مني عن معاناتهم  بسبب الوظائف والقوانين والدوائر والمؤسسات الحكومية مثل الجوب سنتر والرات هاوس  أو من خلال الاحتكاك والتعايش والاندماج مع المجتمع  الألماني، فقط اسمع أن الأجنبي يصعب عليه إيجاد فرص عمل في هذه الدوائر تحديدا لكن كمجتمع عربي موجود هنا هو أصلا مجتمع مفكك، يعني يمكننا ان نقول (ان كل عازل وحاصر نفسه بنفسه) بمعنى ان العراقيين معزولين عن اللبنانيين والمصريين معزولين عن جاليات المغرب العربي والسوريين في عزلة عن الفلسطينيين وهكذا …كل جالية عربية  معزولة بنفسها عن الأخرى حتى الجالية الواحدة أحيانا تكون منقسمة على نفسها وهذا برأيي (أكبر غلط ) أن تكون الجاليات العربية هنا تابعة لدولها الام ومنعزلة وغير مندمجة في المجتمع وبالتالي ليس لها أي صوت او تأثير يذكر على صاحب القرار الألماني، لان الجالية العربية لو توحدت وابتعدت عن تأثير سياسات وحكومات الدول العربية عليها ولم تنجر خلف سياساتها على سبيل المثال في مقاطعة الحكومة الألمانية لأي سبب سياسي كان أو في نقد الحكومة هنا سلبا او إيجابا، فمثلا لو ايدت الحكومة الألمانية دولة لبنان فسوف يؤيدها اللبنانيين المقيمين هنا ويصوتون لها في الانتخابات وإذا انتقدت الحكومة الألمانية حزب الله اللبناني أو اعترضت على سياسة الحكومة اللبنانية فتجد اللبنانيين المقيمين هنا ضد ألمانيا، وكذلك سيفعل العراقيين والمصريين والسودانيين وكل الجاليات العربية أي يكون موقفه من الحكومة الألمانية بحسب مواقفها من حكومة وسياسات بلده الأم. وأوجه كلامي للعرب المقيمين هنا أنتم هنا ألمان من أصول عربية يفترض بكم ان تشكلوا( لوبي عربي) قوي وضاغط مثل ( اللوبي التركي) هنا أو الهندي في بريطانياا فسوف يؤثر في صناعة القرار الألماني وسوف يتيح لنا التعرف على البرامج الانتخابية للمرشحين السياسيين ، ويؤثر فيهم  ويوصل صوتنا بشكل واضح . لا بد أن تكون لنا مركزية ومرجع واحد وانتخابات موحدة  لهذه الجاليات العربية ومن يمثلها ويوصل صوتها للحكومة الألمانية في الأحداث المهمة دون الالتفات للاختلافات الدينية أو الطائفية وهذه برأيي نقطة رئيسية ومهمة جدا وعلينا ان نبدأ بها.

أما إذا أردت ان أحدثك عن مشاكلي كعراقي فهو عدم وجود  نادي اجتماعي يجمعنا ولا حتى مركز ثقافي واحد  وكل ما هو متاح  أمامنا عبارة عن منتديات لها صفة خاصة مثلا هذا قومي وذلك بعثي والآخر شيوعي وغيره إسلامي، مع أن أي مركز أو منتدى ثقافي يفترض به ان يكون بعيدا جدا عن كل هذه المسميات ويجمعنا كلنا في المناسبات والأعياد حتى يتسنى لنا التعارف مع بعضنا  البعض.  

–  تقصد ان المشكلة عندنا في الجاليات العربية وليس مع الحكومة او المجتمع الألماني لأنه لا يقهر حرياتكم او حقكم في التعبير؟

ـ  قطعا، بل بالعكس الحكومة والمجتمع الألماني يشجعنا على ذلك ويدافعون عن حرية الرأي والتعبير شرط التزام المعايير القانونية والانضباط، بل لا اشك انهم  سيدعموننا أيضا في  تأسيس نادي اجتماعي  خاص بالحالية لو طلبنا منهم ذلك وسيكون فرصة لتبادل الثقافات والخبرات بيننا وبينهم. وربما سيخدمنا مثل هذا النادي في القضايا السياسية والترشيح وفترة الانتخابات أيضا فمن خلاله يمكننا اللقاء بالمسؤولين والنواب الألمان ومعرفة برامجهم السياسية ومناقشتها وطرح مشاكلنا عليهم ويسمعون صوتنا مثلا.

ـ  أستطيع ان افهم ان هذا يمثل المشكلة العامة بالنسبة لك، فما هي المشكلة الخاصة التي تعانيها هنا بصفتك أب ورب عائلة وعندك أبناء بعمر المدارس .. ما هي ابرز القوانين والصعوبات التي تصطدم بها في حياتك اليومية  ؟

ـ  لا أستطيع ان ادخل لك في صلب القوانين فلست ضليعا بها ولكن  أصارحك انني اشعر بقلق كبير جدا على ابنائي في المدرسة خاصة الأولاد وذلك بسبب تفاقم مشاكل المخدرات المتفشية في المدارس، وهناك فوضى داخل بعض المدارس كل شخص يستطيع الدخول او الخروج منها وقتما  يشاء.

.

أخشى على مستقبل ابنائي  هنا من تفشي العنصرية ورفض وجود الأجانب فلا هم عرب ولا هم ألمان

غادة 40  عاما … لخصت مشاكلها بعد عشرين عاما من وجودها  في ألمانيا سواء لمن يقيمون منذ فترة طويلة او ممن قدموا مؤخرا  بأهم عامل من وجهة نظرها وهي اللغة وهي العقدة الأساسية لكل اجنبي كما وصفتها وأضافت أن عدم  وجود لغة  ألمانية سليمة  لدى الجاليات العربية ستعرقل الكثير من الفرص امام اندماجهم  في المجتمع الألماني وأهمها فرصة الحصول  على عمل جيد وبراتب جيد، وأنا  نفسي ضحية عدم إكمال الدراسة والحصول على عمل وفق تخصصي وما تعلمته لمدة طويلة في بلدي الام  برغم حصولي على كورسات في تطوير وتحسين اللغة. أغلب الألمان لا يحبون الاختلاط أو عقد صداقات معنا وهذا يعيق تمرسنا في اللغة لهذا نرى أغلبية الأجانب خاصة النساءفي حالة تراجع في مستوى إتقان اللغة بسبب عدم ممارستها على ارض الواقع  وبالتالي نسيانه.ا

لم افهم لماذا لا تعتبرين ( كورسات اللغة)  كافية لتعلم اللغة والانخراط في العمل !؟   

ـ  لا اقصد انها لا تعلمنا جيدا هم يعلمونا اللغة جيدا، لكن هذه الكلمات يجب ان تتعلمين كيفية استخدامها في الحياة ومع الناس وليس فقط مجرد حفظها عن ظهر قلب وإحراز نتائج  جيدة  في الامتحان وانتهى الأمر، ناهيك عن ان الكثير عندهم خجل في التحدث بالألمانية خارج نطاق محيطه العربي خشية ان يخطئ في الكلام ويتعرض للإحراج ولهذا لا يفضلون الاختلاط لأنهم يفتقدون الى الجرأة في الاختلاط  والتحدث . 

ـ  من ناحية أخرى صعوبة في معادلة شهاداتنا العليا التي حصلنا عليها في بلدنا الام او إكمال الدراسة الجامعية او العليا هنا  بالنسبة لمن يطمح لذلك، وحتى لو حصل تبقى فرصة الحصول على عمل وفق التخصص والدراسة التي درسها وتعلمها الأجنبي نادرة جدا

–  رغم تعلمي للغة واختلاطي  الكبير بالألمان لكن حتى الأن لم احصل على فرصة عمل حقيقية ودائمة وكلما أقدم على عمل أواجه بالرفض رغم ان لغتي جيدة، عدا ذلك نواجه خلال حياتنا اليومية اختلاف الثقافات بين المجتمع العربي والألماني، واختلاف العادات والذي بات يشكل تحديا حتى ضمن نطاق الأسرة الواحدة، فنحن أنجبنا ابناءنا  نشئوا ودرسوا وكبروا هنا وصاروا ألماناً وهناك اختلاف في الثقافات بيننا كآباء وأمهات وبينهم كألمان، وهذا يشكل تحدي يومي لنا. هذه صعوبة أخرى من نوع مختلف والقلق على مصيرهم بعد ان يكبروا ويستقيلوا بحياتهم هل سيحافظون على دينهم وعاداتهم وتقاليدهم ام سيتخلون عنها؟ هل سيعانون من التفرقة والعنصرية التي عانينا منها نحن قبلهم؟

ـ  فيما يخص القوانين التي تخص الأجانب والاندماج وتبادل الثقافات والأديان هل تعتقدين انها عالجت كل تفاصيل الحياة المهمة، وهل انت راضية عنها ؟

ـ  فيما يخص القوانين التي تتعلق بالأجانب اجدها منصفة جدا وعادلة وأعطتنا كامل الحقوق، واعرف الكثير من العائلات العربية الذين مروا بظروف نفسية ومشاكل اجتماعية قاسية وصعبة حدا بسبب عدم اندماجهم في المجتمع وهناك من يعانون من الاضطهاد والعنصرية بشكل واضح خاصة تجاه (النساء المحجبات) والأجانب  الذين يعيشون في مناطق أطراف برلين او ذات الأغلبية الألمانية .

.

(الجوب سنتر ) مهتم بما يجده هو مناسب لنا وليس بما نريده  نحن

أمل  27 سنة من سوريا موجودة منذ العام 2015  اختصرت مشاكلها في (ِِAusbildung) وهي حاصلة على شهادة ( B2) تقول رغم تطوري في الدراسة مازلت أبحث عن فرصة عمل في مجال تخصصي وكلما نجحت في درجة في اللغة  يطلبون مني درجة جديدة الان يطلبون مني ( C1 )، ونحن السوريين الذين وصلنا لألمانيا منذ بضعة سنوات تنحصر مشاكلنا في تعلم اللغة وانعدام  فرص العمل خاصة وان( الجوب سنتر) يكون مصرا على رأيه ويعمل الذي هو مرتاح له وما يرونه هم مناسب لك وليس ما تجدينه انت مناسبا لك ولعملك وتخصصك، وأنا عرضت على (الجوب سنتر) اكثر من فرصة عمل متاحة لي ورفضها وأصر على ان يقدموا لي العمل الذي يجدونه هم مناسبا لي، وكنت اريد ان أتخصص في مجال( IT ) في الكومبيوتر قالوا لي انه باهظ الكلفة  ولا يستطيعون التكفل بثمن الكورس لهذا رفضوه، هذا عدا عن المشاكل الاجتماعية العادية التي تصادفنا كلنا هنا وهي أننا نريد ان نحقق ذواتنا ونتعلم اللغة ونعمل ونربي أسرتنا دون الحاجة لأي مساعدات حكومية ومهما تعلمنا في المدارس لا نستطيع  تطبيق ما تعلمتاه على ارض الواقع إلا من خلال التواصل مع الألمان في العمل.

كسيدة عربية شابة متزوجة وعندك أسرة ما هي مشاكلك الاجتماعية هنا ؟

مشاكلي مثل كل المشاكل التي تواجهها  الأسر العربية الشابة هنا وليس عندي مشكلة محددة وغالبا مشاكلي انا هو قلقي على  أمي وابي في سوريا من الأوضاع الأمنية المتدهورة هناك جراء الحرب وتفاقم المشاكل السياسية والاقتصادية وبعدي  انا وأطفالي عنهما عدا ذلك فزوجي وطفلي هنا (كله تمام) وانتظر ان يبلغ طفلي سن الست سنوات كي اقدم له الإقامة .

.

 اندماج الثقافات مجرد خرافة … والألمان ليسوا ( نازيين) كما يشاع عنهم

(أبو صبحي) مقيم في ألمانيا منذ ثلاثة  وعشرون عاما قال انه لا يعاني من أي مشكلة وحين سألته كيف يعقل ألا تكون لديك أي مشكلة بعد كل هذه السنوات الطويلة للتي قضيتها في ألمانيا فأجاب:

– بصراحة ليس عندي أي مشاكل والشعب الألماني شعب محترم جدا وعكس ما يروج عنه بأن فيهم الكثير من (النازية) ويبغضون  الأجانب وهذا الكلام بعيد عن الصحة، في أي دائرة أو مؤسسة حكومية بلا تفرقة وهذا ما لمسته بنفسي وليس عندي أي مشاكل قانونية،  لا أنا ولا أبنائي في المدارس، ربما فقط فيما يخص العمل كون دراستنا في بلداننا الام في مجالات ماجستير لغات وتاريخ وهذا الموضوع لم يخدمني هنا فاضطررت الى العمل في الاعمال الحرة، ربما بعض الجاليات العربية الوافدة حديثا لألمانيا تعاني من مشاكل في الحصول على الإقامة أو العمل لكن بعد فترة ستجد أن الأمور المعيشية هنا أفضل كثيرا عما هي في بلداننا، لذلك  ليس عندي مشكلة لا مع الألمان ولا مع جيراني وأولادي  لا يعانون من أي مشكلة وربما هذا يرجع الى كوني  قليل الاختلاط في المجتمع الألماني.

ولماذا لا تفضل الاختلاط ، هل هناك معوقات ما تحول دون اندماجك بشكل افضل؟

ـ  أولا اسمحي لي أن أوضح أنه ليس هناك شيء اسمه ( الاندماج) هذا خرافة ولا يمكن ان يحدث وكل ما نسميه عن اندماج الثقافات مجرد كلام لن يطبق لا في بلداننا ولا هنا هذا أمر مستحيل، لأننا لن نستطيع التخلي عن ديننا و تقاليدنا وعاداتنا ولا الألمان سيفعلون،  يمكن ان تحدث علاقات طيبة وتفاهم بيننا وبينهم لكن ان نندمج فهذا يعني اما انهم يتحولون الى ثقافتنا او نحن نتحول الى ثقافتهم  وهذا شيء لا احد يرضاه وصعب جدا والأفضل ان يحتفظ كل بثقافته وتكون هناك علاقات تفاهم واحترام بيننا  (وخلص) وهذه هي وجهة نظري الشخصية بكل أمانة . 

.

لولا ضغط الجالية التركية واليهودية لما كنا كجاليات عربية نستطيع  ممارسة شعيرة (ختان الذكور)

يس لبناني من أصول فلسطينية، في البداية قال انه هو أيضا لا يعاني من أي مشاكل وان الدولة الألمانية توفر كل القوانين التي تخدم الناس هنا دون تفرقة او تحيز، وحين قلت له ألا يوجد ما يضايقه هنا اطرق التفكير قليلا ثم قال: قد يتلخص الامر بمشكلة  (ختان الذكور) التي تعاني منها الجاليات العربية، وهي الشعيرة الدينية المهمة بالنسبة للمسلمين ان (يختنوا أولادهم الذكور) وفق الشريعة الإسلامية وقال انه يعيش منذ سنوات طويلة هنا وكان هذا الامر يشكل معوقا كبيرا امام اندماج الجاليات العربية المسلمة هنا لكن من تصدى لحل هذه المشكلة هي الجالية التركية والجالية اليهودية (القوية جدا) وليس الجاليات العربية بعد ان مارست ضغوط على الحكومة الألمانية كيف تعترف بأحقية الجاليات اليهودية والمسلمة ومنها العربية بتطبيق هذه الشعيرة الدينية المهمة وأضاف مثل هذه المشكلة البسيطة لم تستطع حلها الجاليات العربية وحدتها الجالية التركية واليهودية ببساطة وهذا يدل على ضعف وفرقة الجاليات العربية هنا وعدم تأثيرها على الحكومة الألمانية والضغط عليها لاستخراج القوانين التي تتلاءم مع ديانتها وتقاليدها وبالتالي ضعف  تأثيرها في المجتمع  الألماني بشكل عام،  وليس هذا فقط بل هناك اختلاف حتى في الجالية العربية الواحدة اختلاف طائفي نلمسه بشكل واضح في المساجد وهي بيوت الله التي يفترض ألا تحمل أي صبغة سياسية بل تكون لكل العرب والمسلمين دون تمييز لكن هذا للأسف غير موجود. وجود جالية عربية موحدة وقوية كان سيحل كل هذه المشاكل وأكثر ويجعل الصبغة الإسلامية والعربية الوحدة على كل المساجد ودور العبادة في كل ألمانيا.

هذا فيما يتعلق بمشاكل الجالية، هل  تعاني من مشاكل ربما على الصعيد الشخصي ؟

ـ  نعم طبعا ولا اعرف كيف اشرحه لك لكن انا من بلد محتل وهو فلسطين وحين أصادف مواطنا عربيا مهاجرا من بلده رغم ان بلده ليس محتلا اشعر بالحزن الشديد، لو أن بلدي ليس محتلا لكان بإمكاني التنقل بحرية، لهذا لا أتصور أي مواطن عربي يترك بلده طواعية ويفضل الغربة على البقاء في وطنه الأصلي ووجود العديد من الجاليات العربية من بلدن تعتبر آمنة ومستقرة امر يثير استغرابي وأمر غير مفهوم بالنسبة لي.

.

مشكلتي هي الحنين للوطن …أشتاق لعائلتي ومرابع الطفولة والصبا كتير 

السيد لقمان 60 عاما من أكراد سوريا مترجم محلف ومقيم في ألمانيا منذ أكثر من ثلاثين عاما، لخص مشاكل الجاليات العربية من خلال خبرته الطويلة ولقاءه المستمر بأبناء الجالية قائلا مشكلة جالياتنا تتلخص في الحصول على إقامة والعثور على السكن المناسب  لان أغلبية الشركات لا تمنحهم السكن عندها  و(الجنوب سنتر) غالبا ما يتصل  بي لأحل مشكلة عوائل من الأكراد أومن الطائفة  الأيزيدية تبحث عن سكن لأن كل خمسة أو ستة أشخاص منهم يعيشون في غرفة واحدة وهذا وضع صعب جدا وزادت هذه المشكلة خلال العامين الماضيين كثيرا جدا.

كونك تعمل في مجال تقديم النصح والاستشارة في احد المراكز المعنية بالاندماج  ومواصلة التعليم والحصول على الإقامة، ما هي ابرز المشاكل الأخرى ؟

ـ اعمل كمرشد قانوني ومترجم محلف ومترجم اجتماعي وعملت لخمسة عشر عاما في المحكمة في قضايا الاستشارات القانونية  التي تخص الأجانب وفي حالات رفض منحهم الإقامة مثلا كان من حقي ان اكتب لهم طعنا في هذه  الأحكام  وأوصلها للمحكمة العليا وأحاول مساعدتهم قدر الإمكان.

ـ هذا فيما يخص مشاكل الآخرين وماذا عن مشاكلك أنت، هل عندك مشاكل معينة رغم  فترة إقامتك الطويلة هنا وعملك الجيد واندماجك في المجتمع الألماني  ؟

ـ  يسرح لفترة للتفكير ثم يقول ليس عندي أي مشاكل  قانونية أو من تلك التي تتعلق بالاندماج ربما يعود السبب لأنني تأقلمت من بداية حياتي هنا مع الألمان وتزوجت في المرتين من سيدة ألمانية، واندمجت في الحياة بشكل كامل وتعلمت اللغة وواصلت التعليم والعمل وأحب جدا حياة الانضباط والنظام  واحترام العمل، مشاكلي ربما تكون من نوع مختلف مشاكل عاطفية على نحو ما تتلخص في حنيني لعيش حياتي الأولى في وطني الام لأنني منذ وصلت لألمانيا عشت مع عائلة  ألمانية من اجل إتقان اللغة وتأثرت بعاداتهم وتقاليدهم كليا وتزوجت منهم  ولا أزال أعيش حياتي على النمط الألماني، وأحيانا اشعر بالحنين الى عيش حياتي كما كنت  في طفولتي وبدايات شبابي واشتاق للعيش مع  عائلتي الأصلية وممارسة طقوسي وعاداتي العربية.

 قد لا تبدو هذه مشكلة كبيرة لكن هذا فقط ما أعانيه وليس عندي أي مشاكل أخرى تعيق اندماجي وتقبلي للمجتمع الألماني وتقبلهم لي.

يقول  بابتسامة وبراحة .. رغم انني هنا منذ نحو خمسة وثلاثين عاما لكن اشعر براحة نفسية  كبيرة عندما ازور وطني الأصلي.      

.

رغم الحرب والدمار في سوريا كنا افضل حالا كأسرة مما نحن فيه الان 

(أم محمود ) من أكراد  سوريا من حلب وصلت لألمانيا عن طريق الهجرة غيرالشرعية هربا من الحرب السورية قبل عام، قالت تصف معاناتها ومشاكلها كونها مازالت هي وعائلتها تعيش في ( نُزل للاجئين)

–  حصلت على إقامة ومعي ولدين أحدهما خمسة عشرة عاما والآخر سبعة عشرة عاما ومعي زوجي( صار لنا سنة وما في هون بيوت) قدمت على سكن بعد حصولي على الإقامة ما في بيوت ونعيش في مكان للاجئين وقدمت على ( الجوب سنتر) وليس هناك بيوت وبعض السماسرة للبيوت يطلبون مبالغ كبيرة كي يجدوا لنا سكنا (مشان يأمنولنا بيت). 

كأسرة وصلت منذ فترة قليلة الى هنا، ما هي معاناتكم ؟

–  معاناتي انا كأم ومعي أسرة أعيش بلا خصوصية في مكان للاجئين أولادي حين يعودون من المدرسة يرمون حقائبهم ولا يفتحون الكتب للمذاكرة بسبب ضيق الوقت وكثرة الموجودين ليس هناك وقت كافي بين عودتهم من المدرسة وبين أن يأتوا الى النوم ربما   اربع ساعات فقط، أصبت بتوتر مستمر في الأعصاب ( ماعم بحسن نام وارتاح) وزوجي وأنا في شجار مستمر بسبب الضغوط التي نعيش فيها  (وهون منا في البيت اقدر احكي معه كلمتين وبيهدأ … حتى الولاد ما فيني اقدر أتكلم معهم كلمتين بيع لوا وبيفلو)  خاصة وأنهم في عمر المراهقة (هلا فصلوا بين لشباب والعوائل بس بالأول ما كان فاصلين كنا كلنا سوا)

–  هل هناك عوائل  تأثرت كثيرا بهذه الظروف النفسية الصعبة وادى بها للانفصال والإطلاق ؟

–  سمعت ان هناك حالات طلاق  حصلت كان هناك عاىلة سورية مقربة منا والأب ضرب ابنه الصغير فاشتكت عليه الأم عند المسؤولين وحضرت الشرطة ومنعوه من الإقامة مع عائلته ولا اعرف بعدها ماذا حصل بينهم أظنهم انفصلوا ، كما تحصل خلافات بين الشباب هنا والمراهقين على الروتين اليومي ووجبات الطعام وهذا شيء وارد طبعا.

–  وكيف هي الخدمات وتعاطي الإدارة معكم هنا ؟  

–  ماشي الحال ومشكلتنا ليست مع الإدارة بل مع الإقامة هنا نريد ان نخرج في بيت مستقل لنا كعائلة وكلما نسأل يقولون لنا فترة مؤقتة فقط والفترة الموقتة ( طولت)  ونحن كعوائل  حين جئنا الى هنا لم نتوقع ان نعيش هذه الحياة ( في الملاجئ )

انا سورية من حلب وكل اخواتي هنا في ألمانيا وبقي والدي ووالدتي  فقط في حلب ونطمئن عليهم بالهاتف كل فترة وبين قلقي على عائلتي في حلب وظروفي النفسية المرهقة هنا أعاني كثيرا .

–  ما هي طموحاتك لنفسك ولعائلتك في المستقبل عدا العثور على مكان مناسب للسكن ؟

–  طموحاتي ان أتقن اللغة الألمانية وأؤسس وضعي وأضم أولادي ليتعلموا جيدا، وأرجو ان يجد زوجي فرصة عمل لائقة ولا يعتمد على المساعدات الحكومية.

.

أطفالنا يتعرضون للتنمر في المدارس وهناك فرق كبير بين تربيتنا الشرقية المحافظة وبين الواقع الألماني الذي يعيشونه هنا

(ميرا) لبنانية جامعية وأم لطفلين ولدتهما في ألمانيا مقيمة في برلين منذ تسع سنوات، قالت تصف لي مشاكل ا أبناء الجاليات العربية تقول:

–  نحن هنا ما زلنا  نربي أطفالنا مثل الطريقة التي تربينا فيها نحن  في بلادنا العربية، وهذا برأيي خطأ اقصد أننا نربيهم وفق القيم والمبادئ والاحترام التي تعلمناها نحن في بلادنا وأحيانا يصطدم الأطفال بالواقع ويجدون أن طريقة التربية هذه مغايرة لما هو موجود في المجتمع الألماني وأحيانا تأتي بالضد تماما عما يتعلموه هنا وهذا يخلق عندهم صراعات نفسية حادة .

ماذا تقصدين تحديدا وما هي أوجه الخلاف بين التربية العربية والتربية الألمانية ؟

–  اقصد أننا مازلنا نربي أطفالنا  البنات وحتى  الصبية منهم  نربيهم ان يكون عندهم (أخلاق ومهذبين ومرتبين وبس يروحوا  على المدرسة يكتشفوا ان الي عنده اخلاق (عم يعتبروه ضعيف وعم يتكاتفوا عليه الطلاب الألمان وعم يضربوه كمان) وهو ما يحدث مع ابني وعمره ستة سنوات  يتعرض لهجوم من صبية اكبر منه في الصف السادس ويتعرضون له بالإهانة والضرب.

–  هل اشتكيت لإدارة المدرسة عن تعرض ابنك للتنمر الدائم من قبل بعض طلاب المدرسة ؟

–  اكيد تشكيت للإدارة وقلت لهم ان أمامهم يومين فقط اذا لم ينصفوا ابني ويعاقبوا الطلاب  الذين ضربوه فسوف الجأ الى (junged Amt ) اذا لم يتخذوا اجراء حاسم ويوقفوا التنمر ضد الطلاب وسأبلغ حتى الشرطة (هذا الشئ ما بينسكت عنه، ان يضرب ولاد كبار ولد صغير ويسيئون لنفسيته بهذا الشكل).

–  لكن ظاهرة التنمر رغم انها ظاهرة همجية ومرفوضة طبعا لكنها موجودة في كل مدارس  العالم حتى في بلداننا العربية؟

–  صحيح انا معك لكن في لبنان مثلا اذا حدثت مشكلة من هذا النوع ما ان يشتكي الأهل لإدارة المدرسة او لأولياء أمور الطلبة المتنمرين حتى  يتدخلوا مباشرة لحلها ويسمحوا للأهل المتضررين من ظاهرة التنمر ان يتكلموا مع الطلاب المتنمرين ويحذروهم من عواقب هذه الأفعال السيئة وينصحونهم، ومثل هذه المشاكل التي قد يعتبرها البعض سهلة، هي مرهقة جدا للأهل وتسبب لهم قلقا دائما على أطفالهم في المدارس، هناك الكثير من التصرفات في المجتمع الألماني التي تندرج ضمن إطار الحرية الشخصية لكني لا اسمح لأولادي بفعلها.

–  هذا فيما يخص مشاكل الأولاد  ماذا بخصوص مشاكلك انت وزوجك ومعاناتكم هنا ؟

–  بالنسبة لي عندما جئت الى هنا شعرت بالغربة لكن ارتحت كثيرا للنظام وطبيعة القوانين هنا وسهولة وانتظام السير وطرق المواصلات وهناك نظافة وترتيب واحترام كبير في الشارع من قبل كل الناس وهناك قوانين تضمن حقوق المرأة والطفل وتكافل اجتماعي جيد وحرية في ممارسة الأديان وحق التعبيرعن الرأي، لكن بعض الصعوبات التي واجهتها في البداية كانت حول طبيعة الطعام وفي تعلم  اللغة وهذه برأيي صعوبات ومشاكل عادية يواجهها أي شخص في حال انتقاله من دولة لدولة أخرى كما اننا  (متعودين  بلبنان ان العائلة كلها تكون حد بعضها، انا هون لحالي اذا مرضت لحالي اذا تألمت لحالي اذا فرحت لحالي ..)  ناهيك عن كل ما تعلمناه لسنوات طويلة في لبنان وجدناه هنا بلا قيمة ليس هذا هو ما يحتاجه المجتمع هنا  مثلا انا تعلمت (الأدب العربي) وحصلت على درجة البكالوريوس في لبنان وادرس حاليا لأحصل على ( شهادة الماجستير في العلوم السياسية) لكن أعلم جيدا أن دراسات مثل هذه لن أستفيد بها شيئا هنا والكثير من مثل هذه الدراسات الشرقية لا اظنها ستفيد المجتمع الأوربي.

–  هل أكملت دراستك هنا؟

–  درست اللغة الألمانية فقط، اما دراسة الماجستير سجلتها في لبنان وكتبتها هنا في ألمانيا واستفدت من بعض المصادر القليلة  المتاحة في المكتبات، وسأجري المناقشة في لبنان وأيضا  عدم التمكن الجيد من اللغة، التي تيح لي دراسة وكتابة (  Master Arbeit ) باللغة الألمانية حالا دون إتمامي لدراستي هنا، لكن بعد حصولي على الشهادة سأعادلها هنا ولن اخسر شيء من درجتي العلمية كما فعلت مع شهادتي للبكالوريوس حين عادلتها وأصبحت معترف بها لأنني نلتها من الجامعة اللبنانية وهذا سيتيح لي ان  احصل على فرصة عمل جيدة بعد معادلة الشهادة  حيث سأتمكن من  العمل  في المؤسسات والهيئات الحكومية الألمانية.

–  بالنسبة لموضوع معادلة الشهادات العلمية لأصحاب الكفاءات حملة الشهادات العليا من أبناء الجاليات العربية هل هذا يعتبر تعويض جيد من قبل الحكومة الألمانية للاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم وانخراطهم في سوق العمل ؟

–  طبعا بالتأكيد وأنا قلت لك أنتي نجحت في معادلة شهادتي ومنحوني الاعتراف الرسمي  بها لنفس الدرجة بل وقدروها جيدا ( وانبسطوا فيها)  كوني درست العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية وهم لا يعطون الاعتراف إلا للجامعات العربية الرسمية المعترف بها دوليا وأمامي أسبوعين قبل ان  (انزل لبنان لمناقشة الرسالة) ثم اعود لمعادلتها هنا ثم ابحث عن عمل وفق شهادتي للماجستير  وأيضا كوني حصلت على الجنسية الألمانية لم يعد امامي عائق.                        

.

مقيم في المانيا منذ 16 سنة وحاصل على الجنسية الالمانية، لكن بالله عليك اي مستقبل ينتظرني هنا؟ 

ـ  حيدر مقيم في المانيا منذ 17 سنة ومتجنس احب ان يشاركني برأيه سألته

ـ  ما الذي يضايقك في وجودك هنا بعد ان عشت في المانيا كل هذه السنوات الطويلة؟

لا اعرف من اين ابدا معك أنا مقيم في المانيا منذ 16 سنة وحاصل على الجنسية الالمانية لكن بالله عليك اي مستقبل ينتظرني هنا؟ 

فلا هو نفس المجتمع الذي تربينا ونشأنا فيه، ولا هو من ناحية تربية الاطفال الذين نفقد السيطرة عليهم ونخسرهم تدريجيا، المشكلة هي أن أغلبنا جئنا هنا كبارا مثل الشجرة التي نبتت في مكان وخضرت ثم تنقلينها في مكان آخر لا هي عاشت في التربة الجديدة ولا هي صارت صالحة لتعيدين زراعتها في تربتها الأصلية وأطفالنا يعانون من نفس المشكلة فلا هم المان ولا هم عرب صاروا منقسمين.

ـ هل عندك اطفال وتعاني معهم مثل هذه المشكلة ؟

ـ نعم عندي اطفال وهذه هي المشكلة الرئيسية التي اعانيها معهم والمشكلة أن اطفالي مثل كثير من ابناء المهاجرين هنا يتكلمون الالمانية بطلاقة وطبيعتهم اقرب إلى الألمان منها الى بلدان آباءهم ويتكلمون اللغة العربية لغتهم الأم بشكل ركيك (عربي مكسر) وبالتأكيد سيجدون صعوبة كبيرة في التأقلم مع الوطن الأم اذا حاولت ان اعيدهم، وهذه هي مشكلتي الان  (اروح هناك وين اكعدهم  ؟) فليس عندي سكن ولا عمل لأنني خرجت في بدايات الشباب. وأتعجب من اللاجئين العراقيين الذي يفدون لأوربا بالآلاف ومن قصص بعضهم  التي رووها لك، لأن الشباب هناك يتصورن أن أوروبا هي أرض الأحلام والجنة الموعودة وشيء اقرب الى الخيال وحين يأتون الى هنا يصدمون بالواقع. صحيح أن ألمانيا و أوروبا فيها جمال  وعمران وطبيعة  خلابة، والاهم من ذلك الأمان والعيش الكريم، لكنهم يشعرون بالوحدة والحنين القاتل لأهلهم و لبلدهم  ولمجتمعهم الذي ولدوا وكبروا فيه وعندنا مثل يقول ” جنة بلا ناس ما تنداس ” واغلب العراقيين يفضل أن يعيش في الصحراء بين اهله وناسه على ان يعيش في جنة وحيدا غريبا.

.

أنا وأخوتي نبكي يوميا ونطلب من والدي ان يعيدنا الى العراق، نشعر بغربة قاتلة واشتقنا الى أهلنا  وأصدقائنا هناك، نحن هنا نعيش بذل.   

 امير 15 سنة وأخوه ايمن 16 سنة من منطقة الحرية في بغداد .. وصلوا الى المانيا مع والدهم عن طريق اليونان بالبحر مع والدهم  كما قال أكبرهم: صار لنا هنا سنة وقررنا العودة الآن وسوف أريك  الكثير من العائلات التي تريد الرجوع ولم يمض على بقاءها هنا مدة طويلة. 

ـ ولكنكم مازلتم صغارا والمستقبل امامكم هنا يبشر بالخير وبإمكانكم ان تكملوا تعليمكم وتنجحوا في التأقلم مع المجتمع الألماني بعد فترة قليلة، ما الذي يجبركم على العودة حيث انعدام الأمن وتدهور الأوضاع الأمنية خاصة بالنسبة للأطفال؟

ـ لا (هنا موخوش وضعية  اريد ارجع لبلدي  معزز مكرم هنانة مذلولين ذلة …ما ردت شي وصار علمرام ) نعود الى وطننا افضل وأكرم لنا لأننا نعيش هنا بذل ، لأننا منذ وصلنا هنا ونحن نواجه المشاكل والمعوقات والحياة الصعبة.

ـ لكن هذه اجراءات روتينية  ومؤقتة ريثما تستقر اقامتكم هنا وتحصلون على حقوق اللجوء والإقامة؟

ـ نحن استلمنا شقة بالفعل  (وذبونا) .. رموا بنا على حدود بعيدة جدا عن برلين، وأنا وأخي نبكي يوميا ونطلب من والدي ان يعيدنا الى العراق، احسسنا بغربة قاتلة هنا واشتقت الى أهلي وأصدقائي.

.

– (الدليل) تعد قراءها أن تواصل اللقاءات والتحقيقات الصحفية حول أبرز مشاكل وهموم أفراد الجالية ومعوقات اندماجهم بالشكل المطلوب وإيصالها للرأي العام خلال الإعداد القادمة.    

.