حكومة الخبراء الفلسطينية الجديدة

عز الدين أبو عيشة

في خطوة تبدو وكأنها إقصاء لجميع الفصائل، بدأ رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد مصطفى المكلف تشكيل حكومة خبراء مهماته بشكل رسمي، لكنه لم يجر أي تشاور مع حركة “حماس” التي كانت تدير القطاع بواسطة حكومة تابعة لها.

وبعد بدء حكومة التكنوقراط الفلسطينية أداء مهماتها القائمة على إدارة غزة والضفة الغربية وإعادة إعمار القطاع، عارضت “حماس” الفكرة لأنه لم ينسق معها، واعتبرت أن هذه المؤسسة الرسمية صورية ولا مضمون لها.

“لا فصائل في غزة”

وبشكل واضح أفصح رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد أن حكومته ستتولى زمام إدارة قطاع غزة كما ستفعل في الضفة الغربية، مؤكداً أنه لا فارق جغرافي بين الأراضي الفلسطينية، ويأتي هذا الأمر في وقت لا تعرف “حماس” أي شيء عن مهمات وصلاحيات حكومة “التكنوقراط”.

وجاء حديث مصطفى وكأنه يطوي خلفه حقبة الانقسام الفلسطيني لكن من دون أي مصالحة سياسية بين حركة “حماس” و”فتح”، وفي طيات كلامه يبدو أنه لا يهتم لبواقي أو رواسب حكومة غزة التي كانت تدير القطاع بتوجيه من “حماس”، ولا تزال بعض مكوناتها تملك سلطة على الأرض في القطاع.

ويتعامل مصطفى مع الوضع في غزة على اعتبار أن لا فصيل سياسي أمامه، وأنه سيعمل على إنشاء مؤسسة رسمية بأجهزتها المدنية والأمنية من دون أي عوائق، ويفعل ذلك على اعتبار أنه ملكف تشكيل حكومة خبراء، بغض النظر عن تقسيمات وبنية الشعب الفلسطيني الذي ينتمي إلى طبقات سياسية وفصائل.

لا انتماء سياسي

وبسرعة خصص مصطفى ثمانية حقائب وزارية في حكومته لوزراء من قطاع غزة، لكنه اشترط ألا يكون لهم أية صلة بالفصائل الفلسطينية، بما في ذلك “فتح”، وأن يكونوا أقرب إلى طرازه الغربي، وأبلغهم أن عملهم سيكون بالتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية والإمارات.

وفي أوضح تجاهل لحركة “حماس” وحكمها أو ما بقي منه في غزة، وضع مصطفى خطة أمنية لإدارة غزة وبدأ بتشكيل لجنة لإدارة القطاع، مهمتها حفظ الأمن وبخاصة عند توزيع المساعدات الإنسانية، وسيكون منوطاً بها إنهاء ما بقي من سلطة “حماس”.

كما أعد مصطفى خطة لإعادة إعمار القطاع وتوفير الإغاثة الإنسانية وإعادة ترميم وإصلاح الخدمات الأساس مثل المياه والكهرباء والطرق، وإزالة أنقاض المباني والشروع في اتصالات مع الجهات المانحة لتوفير دعم مالي لإعادة الإعمار، وحظيت أفكاره بتأييد البنك الدولي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبريطانيا.

“حماس” مستفزة وتبدو بلا رأي

وجميع هذه المهمات الإنسانية والإغاثية وإعادة الإعمار كانت تنفذها حكومة “حماس” في غزة، لكن مصطفى لم يتواصل مع أي طرف في هذه المؤسسة السابقة مما أثار غضب الحركة.

وما استفز “حماس” أن مصطفى يعمل من دون تشاور مع أية جهة في غزة، وإعلانه أنه لا يريد أن يضم أي وزير في حكومته ينتمي إلى الحركة، ويتعامل وفق مبدأ أن الحركة انتهت رسمياً في غزة أو في الأقل فقدت سيطرتها.

وبدا غضب حركة “حماس” واضحاً عندما أعلنت رسمياً معارضتها تشكيل حكومة تكنوقراط، وكذلك رفضها شخصية مصطفى تولي زمام الأمور.

وبرزت هذه المعارضة بعد أن كانت “حماس” قد أيدت تشكيل حكومة جديدة تتكون من تقنيين واقتصاديين، ولم تقدم الدعم لحكومة التكنوقراط التي رفض رئيسها أن تشارك فيها بتمثيل مباشر ، وهذا يعني احتمال أن تواجه الحكومة الجديدة تحدياً يتمثل في عدم موافقة الفصائل صاحبة النفوذ في غزة على ممارسة الوزراء صلاحياتهم في القطاع.

“قرار فردي وحكومة شكلية”

وقال المتحدث باسم حركة “حماس” جهاد طه إنه “بقرار فردي ومن دون حتى ابلاغنا بالأمر، جرى تشكيل حكومة تكنوقراط، وهذا قد لا يؤسس لإنهاء الانقسامات الممتدة بين الفلسطينيين، ونحن في ’حماس‘ نرى أن هذه الحكومة شكلية وفارغة من المضمون”.

وأضاف، “الأولوية في الوقت الحالي هي وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ومن السابق لأوانه تشكيل حكومة تكنوقراط، ومن ناحية المبدأ لا نمانع في تشكيل حكومة لكن نريدها حكومة وحدة وطنية يمكنها أن تعيد ترتيب البيت الفلسطيني”.

انتقاد “حماس” هذا فتح الباب لصراع جديد مع “فتح” التي قال المتحدث باسمها عبدالفتاح دولة إنها “تريد ائتلافاً يضمها على رغم أنها تدرك ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط في الأراضي الفلسطينية، وهذا تصرف خاطئ ولن يخدم القضية الفلسطينية”.

وأضاف دولة بلهجة حادة أنه ” لن يكون لـ ’حماس‘ أعضاء في حكومة التكنوقراط، وهذه المؤسسة قائمة على خبراء وليس سياسيين، فلماذا نتشاور مع الفصائل السياسية؟ في الحقيقة تغير المشهد السياسي وانتهى تسلم القرار من الفصائل وعدم سماع الشعب الفلسطيني، وهذا الوقت المناسب لسماع سكان غزة وليس وقت القوى السياسية”.