الصين في الشرق الأوسط

عادل فهمي

كانت السنوات الأخيرة قد شهدت صعوداً صينياً لافتاً في منطقة الشرق الأوسط، وبينما تركز النفوذ الصيني في السابق على الجوانب الاقتصادية، فإن السنوات الأخيرة شهدت تمظهراً جديداً لهذا النفوذ، متزامناً مع تعاظم التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة، شمل الجوانب العسكرية والدبلوماسية والجيوسياسية.

في الوقت نفسه، تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة بشكل لافت منذ تولي جو بايدن المسؤولية، وبدأت واشنطن في تركيز سياستها الخارجية على صراع القوى الكبرى، سواء مع روسيا أو الصين.

نفوذ الصين في الشرق الأوسط

وتُعد منطقة الشرق الأوسط من أهم المناطق الجيواقتصادية بالنسبة للصين، سواء بحكم وارداتها النفطية منها أو كون هذه المنطقة ركناً أساسياً في مبادرة الحزام والطريق، حيث تضم المنطقة معظم الممرات البحرية اللازمة لإنجاز هكذا مشاريع، سواء قناة السويس أو مضائق البوسفور، الدردنيل، باب المندب، وهرمز.

وبشكل عام، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط خلال العام 2022 قرابة 507 مليارات دولار، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً، بزيادة 35.7%، مقارنة بعام 2021، ليتصدر الشرق الأوسط قائمة شركاء الصين الكبار.

كما تبلغ القيمة التراكمية للاستثمار الصيني في منطقة الشرق الأوسط ككل 213.9 مليار دولار ، بين عامي 2005 و2021. وتأتي معظم هذه الاستثمارات في إطار ما يُعرف بمبادرة الحزام والطريق، والتي ترتكز على الاستثمار في خطوط النقل التجارية والبنية التحتية المسهلة للتجارة الدولية.

ثم جاء نجاح الوساطة الصينية بين السعودية وإيران، والتي أدت إلى تطبيع العلاقات بينهما، كدليل دامغ على أن النفوذ الصيني في المنطقة يتعدى حدود الاقتصاد والتبادل التجاري، إلى مجالات السياسة والتأثير الإيجابي.

غضب أمريكا من النفوذ الصيني

وعلى الرغم من أن واشنطن كانت الطرف الذي تخلى طواعية عن منطقة نفوذه، إلا أن تسارع الحضور الصيني في الشرق الأوسط بدأ يدق ناقوس الخطر في أروقة السياسة الأمريكية.

 بحسب تحليل لمجلة National Interest، إنه “على الولايات المتحدة أن تعيد النظر في معارضتها الحالية لتمديد الصين نفوذها في الشرق الأوسط، وأن تعمد بدلاً من ذلك إلى استغلال الفرصة السانحة لها من الأمر: تعريض الصين لارتكاب أخطاء باهظة الثمن”، وهو ما يكشف عن وجود “معارضة” أمريكية حالية للتمدد الصيني في المنطقة.

ويعتبر الأمن البحري من أكبر هموم الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لاسيما الأمن البحري في مضيق هرمز، إذ تمر فيه ناقلات نفط تنقل ما يقرب من 17 مليون برميل نفط يومياً. ولحماية هذه المصالح الحيوية، حرصت أمريكا دائماً على وجود منشآتها العسكرية وآلاف من القوات الأمريكية في منطقة الخليج.

لكن تزايد الحضور البحري الصيني في الخليج دفع بعض المراقبين في واشنطن إلى القول بأن دول الخليج بدأت تبتعد عن نفوذ الولايات المتحدة وتميل نحو بكين. ويرى هؤلاء أن الصين ستحاول ترسيخ هيمنتها المستجدة في الخليج -على غرار ما تحاول فعله في بحر الصين الجنوبي- ثم تهديد مصالح الطاقة الأمريكية في المنطقة، وإلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد الأمريكي.

مع ذلك، ترى المجلة الأمريكية أنه على واشنطن ألا ترى في الحضور الصيني المتزايد بالمنطقة تهديداً لها، بل إن “الجدير بها أن تدرك أن الحضور قد يعود بالفائدة عليها من عدة أوجه: منها الاستقرار الإقليمي، علاوة على ذلك، فإن أزمات الشرق الأوسط ربما تصبح عبئاً مالياً وعسكرياً على بكين، ومن ثم تفتح للولايات المتحدة باباً للسبق على غريمتها دوائر النفوذ التي ستنشغل عنها.

فالصين إذا تورطت في صراعات الشرق الأوسط، فإن ذلك سيستنزف مواردها ويقلل من قدرتها على تحدي النفوذ الأمريكي في غير تلك الجبهات. والواقع أن الصين استثمرت قرابة 200 مليار دولار في أمريكا اللاتينية، لتوسيع قدرتها على التأثير في السياسة الإقليمية. وهي تلح على دول أمريكا الجنوبية – وخاصة الأرجنتين- للسماح لها بإنشاء قواعد عسكرية على أراضيها. ولكن إذا انشغلت الصين بأزمات الشرق الأوسط، فإن ذلك قد يجبرها على تقليل اهتمامها بمشروعات النفوذ الأخرى.

هل ستكرر الصين أخطاء أمريكا؟

يرى بعض الأمريكيين أن بوادر هذا التورط الصيني قد بدأت في الظهور؛ فعلى سبيل المثال، أدى اضطهاد الصين للمسلمين على أراضيها إلى ظهور العشرات من الجماعات المتشددة الصينية المسلحة في سوريا والعراق وأفغانستان؛ ووقعت تفجيرات وهجمات على مواطنين صينيين في أفغانستان وباكستان؛ وأعلن “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش) أن الصين صارت في مرمى هجماته.

في الوقت نفسه، فإن المخاوف من استغلال الصين لنفوذها المستجد في الإقليم للإضرار بالمصالح الاقتصادية الأمريكية ليست بالتي يُعتد بها. فالولايات المتحدة مندمجة اندماجاً راسخاً في التجارة العالمية، ومن ثم فإن أي ضرر يلحق بأمن الطاقة البحرية الأمريكية في الإقليم، أو أمن الطاقة عموماً سيضر بغيرها من الجهات الفاعلة التي تحاول الصين تعزيز العلاقات معها.

ولذلك، فإن أي تهديد مباشر لأمريكا من هذا السبيل يتعارض مع أهداف الصين نفسها.

الخلاصة هنا هي أن تحليل المجلة يرى أن الولايات المتحدة عليها أن تعيد النظر في معارضتها الحالية لتمديد الصين نفوذها في الشرق الأوسط، وأن تستغل الفرصة السانحة لها في هذا السياق، وهي تعريض الصين لارتكاب أخطاء باهظة الثمن. وينبغي لواشنطن أن تقرَّ بأن كل ما تنوي الصين فعله في المنطقة لا يهدد المصالح الأمريكية، وأن بعض مبادرات بكين قد تجلب الاستقرار لبعض المناطق التي لطالما عجزت أمريكا عن تحقيق الاستقرار فيها.

وفي غضون ذلك، يمكن لواشنطن أن تغتنم انشغال الصين بهذه الأعباء للتقدم عليها في أمور أخرى؛ وأن تبتعد عن تصرفات الحسم، إلا إذا وقعت المصالح الأمريكية تحت التهديد المباشر.

لكن البعض يرى أن هناك اختلافات جوهرية بين اللحظة الصينية الحالية من تمدد النفوذ في المنطقة وبين طبيعة النفوذ الأمريكي الذي كان، فارتباط أمريكا بالمنطقة جاء في ظروف أخرى مختلفة تماماً، ارتكزت أساساً على دعم إسرائيل وإقامة علاقات مع بعض الأنظمة ضماناً لمصالح واشنطن الاقتصادية بالأساس.