جائزة ابن رشد للفكر الحرّ لنشرِ “مبدأ الحريّات  الدينية”

موسى الزعيم /

تعدّ مؤسسة ابن رشد للفكر الحرّ من المؤسسات العربيّة الرائدة في أوروبا، وقد دأبتْ على تقديم جائزتها السنوية في أحد مجالات الإبداع و الفكر  المعاصر، هذه الجائزة تمنح لشخصية لها إسهامها الرائد في أحد هذه المجالات.

 مجلّة الدليل في ألمانيا، التقتِ الدكتورة أماني الصيفي وهي عضو مجلس ادارة مؤسسة ابن رشد للفكر الحرّ منذ عام 2016 حيث تشارك في تنظيم وإدارة اللقاءات الاكاديمية والثقافية التي تعقدها المؤسسة  وهي كذلك كاتبةٌ وباحثةٌ  في تخصص الدراسات الأدبيّة والثقافيّة، ومهتمّة بنظريات الحداثة وما بعد الاستعمار وخصوصاً نظرية العَلمنة وما بعد العلمانيّة فيما يخص ّحضور المرأة المسلمةِ في المجال العموميّ، وتمثيل المرأة العربية في أدب ما بعد الاستعمار، وهي حاصلةٌ على درجة الماجستير في الدراسات الأدبيّة والثقافيّة من جامعة بوتسدام 2015  عن بحثها “الدين في عصر علماني ” الحالة التونسية ” ودرجة الدكتوراة عن أطروحة بعنوان “سياسات الاشتباك : المرأة المصريّة المسلمة والحداثة والأزياء “قدمت لمعهد اللغة الإنكليزية بجامعة برلين الحّرة في فبراير الماضي.

حول  مؤسسة ابن رشد وجائزتها لهذا العام وأنشطتها، كان لنا معها الحوار التالي .

 لنعود إلى البدايات والتأسيس، في أيّ سنةٍ نحن الآن من عُمر جائزة ابن رشد؟  

تأسستْ  مؤسسة  ابن  رشد  للفكر الحرّ على يدِ مجموعة من الشباب العرب والألمان  المقيمين  في  ألمانيا في عام  1998  ومنحتْ  أوّل جائزة، والتي خصصت حينها  للصحافة والإعلام في العالَم العربي ونالتها قناة  الجزيرة الفضائية في  عام  1999. و تُمنح جائزة ابن رشد  للفكر  الحرّ لأشخاص أو مؤسسات قدّمت إسهاماتٍ مهمَّةً لحرّية التفكير في العالم العربي في  مختلف  التخصصات. وقد مُنحتِ الجائزة  حتى  الآن في  المجالات التالية: حقوق المرأة، حقوق الإنسان، العمل البرلمانيّ، الأدب الملتزم، الإصلاح الديني، الإخراج السينمائي، التنوير، التنمية الاقتصادية، مدوّنات الإنترنت، الموسيقا السياسيّة، الإسلام والمجتمع المدنيّ، أدب السجون، مُكافحة الفساد، وفنّ الكاريكاتير.

ومن  الشخصيات التي نالت جائزة  ابن رشد للفكر الحرّ ، عصام  عبد الهادي ( فلسطين) محمود أمين  العالم (مصر) عزمي  بشارة (فلسطين) محمد  أركون (الجزائر/ فرنسا) في مجال  الفلسفة، الروائي صنع  الله  ابراهيم (مصر) نصر حامد  أبو  زيد (مصر)  فاطمة  أحمد  ابراهيم (السودان) نوري  أبو  زيد (تونس)   محمد عابد الجابري (المغرب) سمير أمين (مصر)  سهام  بن  سدرين (تونس)  ريم  بنّا  (فلسطين) رزان  زيتونة (سوريا) راشد  غنوشي (تونس)  الحداثة، الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) ( فلسطين) سارة  قائد (البحرين) عائشة عودة (فلسطين) أحمد المرزوقي(المغرب) و مصطفى خليفة (سوريا) .

من  المؤسسين د. نبيل  بشناق، د. عبير  بشناق والسيدة  كورا  يوستينج و  المهندس  حكمت  بشناق ، د. إبراهيم لدعة، د. علي حشيشو، د. جوزيف عون، د. خيري قطاوي ومفتاح شريف.

 إلى جانب جائزة  ابن  رشد السنوية، تنظّم مؤسسة ابن رشد فعاليّات في مختلف المجالات – محاضرات  يقدمها نخبة من  المفكرين والباحثين من العرب وغيرهم ومناقشات فلسفية (ديوان  الفلسفة) ، كذلك عروض كتب و أفلام ،وغيرها. تهدف كلّ هذه الأنشطة إلى تعزيز حريّة الفكر والتعددية ليس فقط في العالم العربي، ولكن أيضًا في الغرب. كان من بين أخر مشاريعنا الثقافية  “مهرجان زيت وزعتر” و “جاليري عيون على غزة” للتعريف بوجه أخر للحياة في غزة  تختلف النظرة السائدة التي تنقل صورة الحرب والصراعات، وكذلك “مشروع  أفضل  ما  قرأتُ” وهو مشروع يهدف لتشجيع  القراءة  وموجّه للجمهور القارئ  باللغة العربية. شارك  في انجاز المشروع  28 مثقف عربي (وأجنبي واحد). يستعرض الكتاب” أفضل ما قرأت” في 412 صفحة عدد 378 كتاباً مقترحاً للقراءة: 234 عملاً أدبيا، و144 عملًا غير أدبي. تم طبع الكتاب في عام 2021 ويمكن تحميل بعض مواضيع الكتاب إلكترونياً من خلال موقع مؤسسة .

أهمية ابن رشد كمؤسسة عربية وسط أوربا ما دورها هنا خاصة في المانيا ؟

المؤسسة هي مشروع يهدف أساسًا  لترسيخ  الحوار العقلاني بين الثقافات والتعددية  والديمقراطية ونبذ العنف. بدأت  المؤسسة نشاطها في  عام  1998،  أي قبل الغزو الأمريكي الثاني للعراق والانقسام  الأيديولوجي المزعوم بين الشرق ” الثقافة العربية الاسلامية وقيمها ” والغرب” الثقافة المسيحية /  العلمانية وقيمها ) ورغم أن عمل المؤسسة هو عمل ثقافي وفكريّ و ليس سياسياً، إلاّ أنّ ما تعرضه المؤسسة من  نشاطات للتعبير عن الحرية والعمل كجسر ثقافي بين الثقافة في العالم العربي والغرب يعتبر رسالة في  السياقين السياسي والثقافي الحالي. إذ تضمّن المحاضرات والنشاطات المختلفة تعريف المهاجرين  من  العالم  العربي خصوصًا بالثقافة الألمانية وترسيخ الاندماج في ألمانيا والمجتمع الأوربي بصفة عامة من جهة والاعتراف بالاختلافات الثقافية ودعم التنوع ، بعيدًا عن الخطابات الاقصائية والتي كثيرًا ما يكون لها دوافع سياسية من جهة أخرى.

مما لا شكّ فيه أن جائزة ابن رشد والتي تحمل اسمه لن تكون بعيدةً عن سياقه المعرفي، ما لإضافة التي تقدمها هذه الجائزة في المشهد الثقافي العربي.

تأسست مؤسسة  ابن  رشد   للفكر  الحرّ في  الذكرى  800 لوفاة  الفيلسوف ابن  رشد واختارت  اسم ” ابن  رشد  خصوصاً ”  كونه يعد من  أهم  الفلاسفة  المسلمين، لما له من اسهامات في مختلف التخصصات، فقد كان طبيبًا وفيلسوفًا وقاضيًا وفلكيًا وفيزيائيًا، من ناحية  ومن  ناحية  أخرى ،  فقد كان اختياره بسبب دفاعه عن الفلسفة والمنطق. ومن ناحية ثالثة فابن رشد يعدّ همزة  وصل بين  الحضارة الاسلامية والغربية من حيث الثقافة والمنشأ. 
أمّا عن القيمة المعنوية  للجائزة  فهي الاحتفاء بجهود أشخاص  ومؤسسات تساهم في  ترسيخ  الفكر الحر ّو التعددية وهو ما يدعم  ويشجع على الاقتداء بهذه النماذج في بلادنا، من ناحية أخرى للجائزة قيمة معنوية  كبيرة  لأعضاء المؤسسة والداعمين لها، فتكاليف الجائزة  ممولة بالكامل من رسوم العضوية ودعم  المهتمين بترسيخ مبادئ المؤسسة، ولا تتلقي المؤسسة أي دعم ماديّ من أيّة جهة حكومية سواء كانت عربيّة أو أجنبيّة.

وهذا العام تمنح الجائزة للمرة  العشرين وهذا يكشف عن الايمان الراسخ والدعم المستمر لفئات واسعة من المثقفين والمفكرين  العرب بانتشار هذه القيم الانسانية وثقافة الحوار والتسامح  وحريّة  التعبير في المجتمعات العربية وخارجها.

ما هي آلية اختيار الفائزين ؟ وما المعايير التي تتبعها لجنة التحكيم ؟

في بداية العام، يختار أعضاء مؤسسة ابن  رشد للفكر الحرّ موضوع الجائزة من ضمن قائمة من المواضيع المقترحة. بعد الإعلان العام عن موضوع الجائزة، تفتح المؤسسة باب الترشيح لكل المهتمين. وفي هذه الأثناء، تنتخب المؤسسة لجنة تحكيم تتألف من 4 إلى 5 أعضاء متخصصين في موضوع الجائزة، من بلدان عربيّة مختلفة، على أن يكون بينهم سيدتان على الأقل. وعمل اللجنة هو عملٌ تطوعيٌّ، ومستقلٌ، استقلالًا كاملًا عن  مؤسسة  ابن رشد.

من هم الفائزون هذا العام؟ هل لك أن تعرفينا بهم وبإسهامهم  المعرفي ؟

تمنح جائزة هذا العام لكلّ من البروفسورة نايلا طبّارة من لبنان مع مؤسستها “مؤسسة أديان” والدكتور سعد سلّوم من العراق مع مؤسسته مسارات” تقديرًا للجهود الكبيرة التي يواصلان بذلها في مجتمعاتهما اللبنانية والعراقية على التوالي وخارجها في العالم العربي عموماً، نحو ترسيخ الممارسة الفعلية لحرية العقيدة والتضامن بين الأفراد من مختلف الأديان  ولتعزيز حقوق الإنسان والحقوق المدنية القائمة على الحريات بشكل عام و الحريات الدينية بشكل خاص – وهذا في  بلدين يمزقهما العنف والتعصب الديني والطائفي والانقسامات “اقتباس من تقرير  لجنة التحكيم”.

البروفيسورة نايلا طبارة أستاذةٌ جامعيّة وخبيرة، ومؤلفة، ومحاضرة ومدرّبة، متخصصة في اللاهوت الإسلامي للتنوع الديني، والتصوف الإسلامي والنسويّة الإسلاميّة والمسؤولية الاجتماعية الدينية، كما التربية على التنوع، والعلاقات المابين دينية والما بين ثقافية. وللبروفسورة  نايلا طبارة العديد من المؤلفات  منها “الإسلام بفكّر امرأة” والذي حصد ثلاث جوائز و كتاب “الرحابة الإلهية” الذي ألّفته مع الأب فادي ضو ونشر في 5 لغات. كما أنها أشرفت على العديد من الكتب والأدلّة التربوية ضمن مؤسسة أديان منها: المسؤولية الاجتماعية الإسلامية للمواطنة والعيش معًا – دليل إرشادي للتعليم العالي الإسلامي (2021) و ماذا عن الآخر؟ (سؤال للتربية الما بين ثقافية في القرن الواحد والعشرين 2012) ودليل المدرّب والمدرّبة على المواطَنة الفاعلة والحاضنة للتنوّع (2019).

ومؤسسة أديان التي  ترأسها  البروفسورة نايلا طبارة ، هي جمعية مستقلّة غير حكوميّة وغير ربحيّة تأسسّت في لبنان في آب/ 2006. وتشارك  ” أديان  ”  القيم  الاساسية  التي  تدعمها  مؤسسة  ابن  رشد  للفكر  الحرّ وهو ترسيخ قيم  التعدديّة، والتضامن، والكرامة الإنسانيّة محليّا ودوليّا. كما تهتم  المؤسسة أساسا بدعم “المسؤولية الاجتماعية الدينية والتضامن الروحي، من خلال تعزيز الشراكة الما بين دينية في تقديم الدعم للفئات المهمّشة والتنمية البشريّة والبيئية. وتعمل أيضًا على حريّة الدين والمعتقد وتثمين التنوّع الثقافي والديني بأبعاده النظريّة والعمليّة، وعلى الحماية من التطرف العنيف”.

أما  الدكتور سعد سلوم من العراق فهو باحثٌ وكاتب وأستاذ مساعد للعلاقات الدولية في كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية ببغداد. وله 18 كتاباً عن التنوع الديني والاثني واللغوي في العراق، شارك في تأسيس مبادرة الحوار المسيحي الإسلامي 2010، والمجلس العراقي للحوار بين الأديان 2013، والمركز الوطني لمكافحة خطابات الكراهية 2018، ومعهد دراسات التنوع الديني في بغداد 2019، ومعهد  دعم صحافة التنوع في العراق 2020.

أسس  مؤسسة “مسارات” في عام  2005 وهي مؤسسة غير ربحية معنية بدراسة الأقليات والذاكرة الجماعية وحوار الأديان مسجلة في العراق. تنشر مسارات مجموعة من الكتب والدراسات المتخصصة في مجال التعددية الثقافية والأدب والتاريخ وعلم الاجتماع في سياق أهدافها العامة لتعزيز التنمية الثقافية في العراق والعالم العربي.

يحرص دكتور سلوم في عمل مسارات والمجلّة الثقافية التي يرأس تحريرها ومن خلال مؤلفاته، وعلى وجه الخصوص،  تقدير الصلة بين حركة العدالة الاجتماعية والمساواة العرقيّة والدينية. ولهذه الغاية، يعمل على المستوى الشعبي لتعزيز “ثقافة التنوّع” ومفهوم المواطنة الذي يقوم كليًا على “المساواة الكاملة وغير المشروطة”، وأيضا من خلال النضال بالاعتراف بالأقليات الدينية غير المعترف بها رسمياً.

يشهد العالم نزعات متطرفة “معاصرة ” وكذلك تتفاعل من جديد قضايا العنصرية، ما اسهامات مؤسسة ابن رشد في خلق فكرٍ مضادّ لذلك؟

نبذ العنف وترسيخ ثقافة الحوار ودعم مبادئ الديمقراطية في المجتمعات العربية وكذلك  في  الغرب هي  أهم المبادئ التي  تأسستْ عليها مؤسسة  ابن  رشد للفكر، ولذا تنصبّ المحاضرات  واللقاءات الأدبية والفلسفية والفكرية جميعها في هذا السياق. ولا يمكن لشيء أن يكون أكثر تعبيرًا على دعم هذا الاتجاه من  تخصيص جائزة ابن رشد  للفكر الحرّ لهذا  العام  لنشرِ “مبدأ  الحريات الدينية”. فقد دعت  مؤسسة  ابن رشد  للفكر الحرّ لتكريم شخص أو مؤسسة غير حكومية:ساهم/ت في تعزيز وحماية الحريات الدينية في منطقته/ أو بلده/ بما في ذلك الحرية الشخصيّة في اختيار دين آخر أو الابتعاد عن الدين، (ذلك ليس فقط بهدف مقاومة النزعة الطائفية والتمييز بين المواطنين على أساس ديني، ولكن أيضاً بغرضِ دعم الاعترافِ بالتنوّع من أجل بناء مجتمعٍ يسوده السلم الاجتماع).

وعن برنامج  احتفالية التكريم تقول الدكتورة أماني الصيفي:

ستقاماحتفالية منح جائزة ابن رشد في الثامن من سبتمبر 2022 في متحف “جيمس سايمون سال” في متحف بيرغامون، والمؤتمر المقام  على هامشها  بعنوان “الحريات  الدينية : مؤتمر ابن  رشد حول الدين والسياسة والديموقراطية “في التاسع من سبتمبر في  “فوروم فاكتوري” ببرلين. ويشارك في  الجلسات النقاشية الفائزون بالجائزة وأعضاء من لجنة التحكيم ، وكذلك عددٌ كبيرٌ من الباحثين والباحثات والأكاديميين والأكاديميات من لبنان وسوريا والعراق ومصر وفلسطين والمغرب وتونس وألمانيا والهند وغيرهم. *الدكتورة أماني الصيفي: كاتبة وباحثة مصريّة مقيمة في برلين.

.