شيخ الأزهر: الأديان السماوية جميعاً بريئة من الإرهاب

من أرض الكنانة مصر، أطلق العديد من القيادات الدينية رسائل «السلام»، حيث انعقدت فعاليات اليوم الأول من مؤتمر الأزهر الشريف العالمي للسلام، برئاسة الإمام الأكبر فضيلة شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب (رئيس مجلس حكماء المسلمين).

حيث أكد أن الأديان بريئة من تُهمة الإرهاب وأن الإرهاب الأسود الذي يحصد أرواح المسلمين في الشرق، أيّاً كان اسمه، لا تعود أسبابه إلى شريعة الإسلام ولا إلى قرآن المسلمين، وإنما ترجع أسبابه البعيدة إلى سياسات كبرى جائرة اعتادت التسلُّط والهيمنة والكيل بمكيالين.

فيما ألقت خلاله رئيسة المجلس الوطني الاتحادي بالدولة، الدكتورة أمل القبيسي، كلمة استعرضت خلالها تجربة الإمارات في التسامح والتعايش السلمي، والعوامل الداعمة لنجاح تلك التجربة البارزة والمميزة في المنطقة.

وشارك في الجلسة الافتتاحية، إلى جانب فضيلة الإمام الأكبر، عدد من القيادات والشخصيات الدينية البارزة، من بينهم: القس الدكتور أولاف فيكس، الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي.

والقس الدكتور جيم وينكلر، الأمين العام للمجلس الوطني للكنائس بالولايات المتحدة، والأنبا بولا، ممثلاً عن البابا تواضروس الثاني، والبطريريك برثلماوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية، والدكتور محمد العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

البحث

وقال شيخ الأزهر الشريف «هل من الممكن أن نستغل هذا المؤتمر لنعلن للناس جميعاً أن الأديان بريئة من تُهمة الإرهاب؟. وهل ممكن أن نشير في مؤتمرنا إلى أن الإرهاب الأسود الذي يحصد أرواح المسلمين والمسيحيين لا تعود أسبابه إلى شريعة الإسلام ولا إلى قرآن المسلمين، وإنما ترجع أسبابه البعيدة إلى سياسات كبرى جائرة نعرفها واعتادت التسلُّط والهيمنة والكيل بمكيالين؟».

وأضاف في كلمته بالجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأزهر العالمي للسلام: «إذا كانت نصوص الإسلام تكشف عن انفتاح هذا الدين على الأديان الأخرى، فكيف يوصف بأنه دين الإرهاب، ولماذا الإصرار على إبقاء الإسلام سجيناً وحيداً في سجن الإسلاموفوبيا، فالأديان جميعاً بريئة من تهمة الإرهاب».

وتابع إن «الإسلام دين سلام وليس دين عدوان. ونقول مرة ثانية إن الأديان الإلهية كلها سواء في هذا التأصيل المحوري لقضية السلام».

معوقات السلام

وألقت قيادات دينية مسيحية بارزة كلمات في الجلسة الافتتاحية حيث توجه الدكتور فليب بوردين، رئيس الجامعة الكاثوليكية بباريس في كلمته تحت عنوان «معوقات السلام في العالم المعاصر.. المخاطر والتحديات» بالشكر لفضيلة الإمام الأكبر على جهوده الدائمة لإرساء السلام في العالم.

وقال فليب: إن التعليم الأخلاقي قادر على احتواء فكر الشباب حتى لا يصبح أداة سهلة للجماعات الإرهابية وهو ما يتطلب منا إعداد جيل من المعلمين قادرين على احتواء الشباب، مضيفًا أنه يجب أن يكون هناك حوار جماعي يجعلنا مسئولين أمام أنفسنا وضمائرنا وكرامتنا حتى نستطيع أن نفرق بين الخير والشر.

واختتم كلمته بأن هناك طاقات هائلة لدى الشباب يجب أن يستغلها المسئولون ابتداء من المراحل التعليمية الأساسية حتى نستطيع بناء شباب غير قابل للانحراف ورافض للفكر الذي يدعو إلى العنف.

من جهته، قال الدكتور عبدالعزيز التويجري، مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»: إن آيات القرآن الكريم تدل على أن الأصل في التعامل مع غير المسلمين هو السلام والتفاهم، لا الحرب والتخاصم.

وقد وردت كلمة السلام بمشتقاتها في القرآن الكريم مئة وأربعين مرة، بينما وردت كلمة الحرب بمشتقاتها ست مرات فقط، مذكرًا بقول الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في رسالته إلى مالك بن الأشتر عندما ولاّه مصر: «الناس صنفان، إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخَلق».

وأوضح التويجري أن ثقافة السلام هي القاعدة العريضة لثقافة الحوار على مختلف الأصعدة، النابعة من الأديان السماوية، وأن السلام هو الغاية المبتغاة من جميع البشر لا فرق بين المسلمين وبين غيرهم من أتباع الأديان الأخرى، فكلهم سواسية في الجنوح للسلم.

من جهته قال البطريريك برثلماوس الأول، رئيس أساقفة القسطنطينية: إنه خلال عقدين شهدت البشرية هجمات مستمرة تسببت في الموت والأذى لملايين الأشخاص وأصبح التهديد الأخطر في المجتمع المعاصر هو تهديد الإرهاب، ما أسفر عن اتهام -ودائمًا- الأديان صراحةً بالتحريض على الإرهاب والعنف، والأديان من ذلك براء.

مؤكدًا أنه يجب أن نُرَوِّج للحوار في مواجهة العنف والهجمات على الكنائس القبطية، من أجل تحقيق التعايش المشترك بين الشعوب.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن الإسلام لا يوازي الإرهاب ولا يجب ربط الدين بالجوانب السلبية، بل يجب تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك بين البشرية، فالأديان يمكنها أن تكون جسورًا للتعاون والاحترام وتعزيز السلم والتعايش والتعاون بين كافة الأعراق من خلال الحوار بين الأديان.

والعنف باسم الدين مرفوض، والأصولية هي مجرد حماسة متزايدة ليست مبنية على المعرفة، والسلام لا يتحقق من خلال القوة بل من خلال الحب والإيثاروالتعايش

في الاثناء، قال الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي: إن السلام مكسب عظيم للعالم أجمع وهو مبدأ دين الإسلام، لافتًا النظر إلى أنه لا يمكن أن يتحقق بمجرد الحوارات التي تتم بين وقت وآخر، ولكن بالإصرار على تنفيذ الأطروحات والتوصيات.

مؤكدًا أنه لا سلام إذا ازدوجت المعايير، ولا سلام إذا هيمنت قوى وحدها لتطبيقه، ولكن السلام يأتي بصفاء الوجدان حتى يكون سلامًا حقيقيًّا ينبذ خلق الكراهية البغيض.

المواطنة

الى ذلك، لفت الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، القس أولاف فيكس، إلى مبدأ المواطنة «باعتباره وسيلة للتعايش السلمي، على اعتبار أن للجميع نفس الحقوق والواجبات، الأمر الذي يضمن الاستقرار للمجتمع». ووصف السلام بأنه «عمل إلهي»، وأن كل من يسعى ويعمل من أجل السلام، فهو يعمل إلى الله.

وثمن وأشاد بما لمسه في مصر على صعيد مبدأ «المواطنة» بين المصريين، كما أشاد بدور الأزهر الشريف.

اندماج

ودعا فيكس إلى احترام جميع المواطنين في الدول الغربية التي تشهد موجات هجرة متزايدة، وأن يكون هنالك اندماج إيجابي بين جميع المواطنين في تلك البلاد.

وأن تكفل لهم حرية العقيدة، مبدياً إعجابه بما رآه في مصر من أمثلة مذهلة، تعكس معاني التعايش بين أبنائها، من خلال صور المسلمين وهم يحمون الكنائس ضد العنف، وصور المسيحيين وهم يقدمون المساعدات للفقراء بغض النظر عن دينهم.

قيمة السلام

من جهتها، تحدثت رئيسة المجلس الوطني الاتحادي بالدولة، الدكتورة أمل القبيسي، خلال فعاليات المؤتمر، عن قيمة «السلام» الذي رأت أنه لا يمكن تحقيقه إلا بتحمل المسؤولية تجاه الاختلافات الإنسانية، من خلال السعي عن المشترك بين المختلفين لتحقيق السلام، مشددة على أهمية قيم التعايش السلمي والمواطنة.

وسلطت الضوء في السياق ذاته على تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في ذلك الصدد، التي يعيش فيها أكثر من مئتي جنسية، بما يؤكد قيم الانفتاح والتعايش والسلام في الدولة.

التخطيط والإرادة

وفي معرض استعراضها للتجربة الإماراتية وأدوات تحقيقها، قالت إن ذلك لم يكن يتحقق إلا من خلال عدد من الخطوات الضرورية، على رأسها التخطيط والإرادة، وكذلك التشريعات والقوانين المنظمة.

لافتة إلى استحداث الدولة لوزارتي السعادة والتسامح، وقيام الدولة بدعم العديد من المبادرات والمؤسسات العاملة في إطار التسامح والتعايش السلمي، من بينها مجلس حكماء المسلمين، الذي يقدم صورة حيوية للإسلام في أنحاء العالم كافة.

كما لفتت في السياق ذاته إلى «إعلان أبوظبي» للتسامح، الذي أكد ضرورة تعزيز الحوار الدولي من أجل السلام. وقالت إن «احترام الآخر والتعايش وقبول الاختلاف، هي ثوابت تنطبق على الأفراد وعلاقاتهم مثلما تنطبق على الدول»، باعتبار أن السلام لم يعد مفهوماً سياسياً بين الدول فقط.

كما أوضحت أن التعايش السلمي والحوار، قيم ضرورية من أجل توفير بيئة عمل وإبداع مناسبة، تعتبر حقاً من حقوق الشعوب. وأشارت القبيسي إلى الآثار السلبية التي خلفها التطرف بالإساءة إلى الإسلام، الأمر الذي يدفع ضريبته المسلمون.

وقالت إنه من الضروري التأكيد على أهمية الفصل بين الإسلام والتطرف بصورة واضحة. ولفتت إلى مساعي الإرهاب لإثارة صراع هويات بين عناصر المجتمع الواحد، وهو ما بدأ يظهر فعلياً في بعض الدول.

إشادة

وتم خلال المؤتمر، تسليط الضوء على التجربة الإماراتية، باعتبارها تجربة رائدة ومميزة في المنطقة، من حيث التسامح والعيش المشترك، وفي ضوء حرص قيادات الدولة على تعزيز تلك القيم الإنسانية المُهمة.

وثمن عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين في جامعة الأزهر، الدكتور عبد المنعم فؤاد، التجربة الإماراتية في التعايش السلمي والتسامح الذي تتمتع به الدولة، باعتبارها «تجربة ملهمة».

وقال: «إن الإمارات من أفضل البلدان في احتواء سكانها، وجاءت وزارة السعادة التي استحدثتها الدولة، كانعكاس طبيعي لمردودات تلك التجربة المميزة، التي تنطلق فيها الدولة من اعتبارات عدم التفرقة، ومبدأ المواطنة، وأنه لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح». واعتبر.

في تصريحات لـ«البيان» على هامش المؤتمر، تلك التجربة بأنها امتداد لسياسة ورؤية المغفور له بإذن الله، مؤسس الدولة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان دائماً ما يُجمّع الناس ولا يفرق، وكان سباقاً بالخير في كل مكان.

4 محاور

ناقش المؤتمر أربعة محاور رئيسة، تتمثل في: «معوقات السلام في العالم المعاصر.. المخاطر والتحديات»، و«إساءة التأويل للنصوص الدينية وأثره على السلم العالمي»، و«الفقر والمرض بين الحرمان والاستغلال وأثرهما على السلام»، و«ثقافة السلام في الأديان بين الواقع والمأمول».

عمرو موسى: المؤتمر«وقفة قوية في مواجهة الإرهاب»

أشاد الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، بمؤتمر الأزهر العالمي للسلام، واعتبره بمثابة «وقفة قوية في مواجهة الإرهاب»، مثمناً كلمات القيادات الدينية في افتتاح المؤتمر، التي قاموا خلالها بتبرئة الدين الإسلامي من الإرهاب والعنف والتطرف، والتأكيد على عدم علاقة الإسلام بالإرهاب.

وقال موسى، في كلمة له خلال المؤتمر، إن هنالك العديد من العوامل التي تستخدمها الجماعات والعناصر المتطرفة الإرهابية، من أجل تغذية فكرهم واستقطاب الشباب، من بينها الجهل والفقر، وجميعها عوامل معيقة للتنمية، وتعرقل جهود الدول في التنمية، كما تعرقل مسيرة السلام.

وشدد موسى على أهمية دور المؤسسات الدينية والقيادات الدينية المختلفة، وضرورة أن يكون هنالك حوار ومناقشة مستمرة، والتباحث حول أسباب الفكر المتطرف لمواجهتها، في إطار السعي نحو تحقيق سلام شامل، بما يدعم جهود تحقيق التنمية المستدامة.

وقال إن مؤتمر الأزهر العالمي، يأتي في توقيت مهم للغاية، في إطار التوترات التي تشهدها العديد من الدول، واصفاً موضوع السلام بـ «المعقد»، وكان من الضروري طرحه في مثل ذلك المؤتمر، الذي قدّم الشكر للأزهر الشريف، ولفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، على الدعوة إليه.

وأشار لما أثاره تنظيم الدولة «داعش» والجماعات الإرهابية في المنطقة من تساؤلات واسعة حول أسباب انتشار التطرف والإرهاب في المنطقة، والأسباب التي أسهمت في تغلغل تلك الجماعات الإرهابية، فضلاً عن تساؤلات بشأن داعميها وآليات التعامل والمواجهة.

اترك تعليقاً