في مسألة الإسلام السياسي: المعركة القادمة

ـ مسألة الحكم في الإسلام لا تتجاوز أن يأتي الحكام بالانتخاب لا  التزوير

ـ ما من دولة إسلامية واحدة تطبق الشريعة الإسلامية في الوقت الراهن بل وفي  العصور السابقة.

ـ النمط الغربي للحياة تحول الآن إلى قلعة مسلحة ترفض أي منافس أو بديل.

.

د. أمير حمد /

تظل ذكرى د. مصطفى محمود مرتبطة ببرنامجه التلفزيوني (العلم والإيمان)، وهو عنوان  حد ذاته يدل على  منهج ورؤية مقدمه، كاتبنا الذي كان يطابق الاسلام بالتأمل والفكر السليم وهو منهج شبيه بمنهج “غارودي” المفكر الفرنسي. كلا الكاتبان تحولا من الإلحاد والشك إلى الإسلام كدين حضاري متقدم يتماشى وينافس مستجدات العلوم العصرية .

كان وقد انتقد بعض شيوخ الأزهر هذا المنهج العلمي لتفسير القرآن واعتبروه إقحام للنص القرآني في مستجدات الابتكارات العلمية المتجددة يوما بعد يوم. يقولون بان العلم الحديث يبتكر ويجدد الا انه سراعا ما ينتقد ما استخلصه من أفكار، وعليه لايمكن اقحام النص القراني في متاهة العلم الحديث المتقلبة والهامدة !

إذا فالإسلام منهج اجتماعي تربوي بالدرجة الأولى كما  يرى الإمام محمد عبده .

نناقش هنا كتاب “الاسلام السياسي والمعركة القادمة” للدكتور مصطفى محمود السابق لعصره. كتاب تناول امكانية تطبيق  الشريعة الاسلامية انطلاقا من انها نظام ديمقراطي قابل للتحديث، اذ انها في الاصل نظام شورى وانتخاب. تحدث الكتاب عن قضايا الإسلام السياسي وقضايا أخرى كخصوصية نساء النبي واستثناءات لم ترد بالقرآن كتعطيل الحدود لظروف حرجة كما حدث في عهد النبوة وحكم الخليفة عمر بن الخطاب: انه كتاب معني  بفهم النص القرآني والحوار الحضاري .

توصل د. مصطفى محمود في  مؤلفه هذا إلى قضية مهمة سابقة لأوانها، قبل ان تندلع وتخيم الفتن الاسلامية على الساحة، وقت ان كانت في “طور الشرنقة”. إنها قضية “الإسلام السياسي” وكذلك شك المسلمين في مبدأ الديمقراطية واعتبارها كفر؟ هذا من جانب ومن جانب آخر وضع الغرب للشرق المسلم في بوتقة محظورة، في حين أن هذا العالم الاسلامي ظل  تتهدده الأيدلوجيات السياسية المختلفة وسقوط مصداقية أمريكا .

نعم أكثر من مليار  فرد من شتى أصقاع العالم من أقصى غرب اندونيسيا شرقا إلى السنغال غربا ومن شمال أوروبا الى جنوب آسيا مسلمون من شتى الملل والثقافات والمنظومات الاجتماعية الأسيوية والإفريقية والأوروبية والأمريكية مما يصبغ الإسلام بطابع التعددية وتباين الرؤى الحياتية”. غير أن هذا كله لم يخدم قضية الإسلام والمسلمين اليوم !!

ووفقا لرأي د. مصطفى محمود فإن أسس الإسلام نفسها نابعة من العدالة ومبدا الانتخاب الحر “الشورى ـ الديمقراطية” ” . يقول بعد أن خرج  المسلمون من مأساة الاستعمار- طبقت عليهم ايدلوجيا “الماركسية” والحروب الداخلية وأزمة الهوية فعادت القبلية كما كانت في العصر الجاهلي.

ومن منظوره  أن سقوط الاتحاد السوفيتي لم يعن  سقوط الفكر الماركسي في الشرق المسلم بل جند أكثر وتحول من توجه أيدلوجي معني بالحياة نفسها إلى توجه سياسي أخطر مما قبل. هذا الى جاءت  الليبرالية الجديدة والعلمانية الرافضة للدولة الدينية. ان الليبرالية غسل للذهنية المسلمة عن طريق الهلع المادي والتوجه اللأخلاقي المتطرف في تعامله مع الحياة، لأنها في منأى تام عن سلوكيات الإسلام . أما العلمانية فهي النظام الرافض للتدخل الديني في السياسية. أي (نعم للعقيدة وممارسة الشعائر ولا للشريعة) على أحسن الفروض.

” ما لقيصر لقيصر  وما لله لله ” يقول د. مصطفى محمود “والمعركة ما زالت دائرة ونحن في غياب …… والراية هذه المرة راية الإسلام السياسي . تكون أو لا تكون، وهم ما زالوا يمكرون بنا. فإن خروج الإسلام من الحياة سوف يعقبه خروج الإسلام من المسجد ثم من هزيمته الكاملة. فالإسلام منهج حياة ولا يمكن أن يكون له نصف حياة أو أن يسجن في صومعة … ولكي يكسبوا المعركة جعلوا الإسلام السياسي خصما للديمقراطية ووقع السذج في ذلك واعتبروه كفرا ..” إذا فرأي الكاتب يفسر توفر مبادئ الانتخاب  والشورى والبيعة والاستماع إلى الرأي الآخر” في المنظومة الإسلامية وهذا الضد تماما لدكتاتورية الرأي والتصدي لاتهام انتفاء الديمقراطية في الإسلام ” .

يقول د. مصطفى محمود مسترسلا ” يجب أن يفهم كل مسلم أين يقف ومع من وضد من؟”

لقد حورب الرسول الكريم منذ البدء لخروجه على  المنظومة التقليدية السائدة  آنذاك واعتبروه (مختلفا) وخطرا جسيما على معتقداتهم وعاداتهم الجاهلية السائدة. جاء القرآن داعيا ومؤكدا على القيم الحضارية كسلمية الحوار وتقبل وجهات النظر المتباينة وتنفيدها منطقيا. فدعوة الإسلام هي دعوة الحوار والسلم والتأمل والتفكير يقول تعالى “وجادلهم بالتي هي أحسن” وفي آية أخرى”فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.” وفي آية اخرى “إنما أنت مذكر ولست عليهم بمسيطر”. يقول د.مصطفى محمود “هذه هي الأصول الحقيقة للديمقراطية…” أما مسألة الحكم في الإسلام فلا تتجاوز أن يأتي الحكام بالانتخاب لا  التزوير”. نعم أسس الاسلام على الشورى والعدل واحترام الحرية  الفردية للإنسان وكرامته.

لقد عني د. مصطفى محمود بالإسلام السياسي ” تطبيق الشريعة الإسلامية ” وهو ما يراه كثير من الباحثين والمفكرين الإسلاميين شريطة الابتعاد عن  التعقيدات والالتزام بتطوير وتحديث المنظومة الإسلامية .

ولكن .. ما من دولة إسلامية واحدة تطبق الشريعة الإسلامية في الوقت الراهن بل وفي  العصور السابقة، اذ كانت الشريعة ـ في اغلب الحالات ـ مطبقة باستقطاع  جزء منها، كإقامة الحدود أو الفهم الخاطئ لمبدأ الخلافة الإسلامية ( قدسية الخليفة باعتباره مقدسا حاكما باسم الله على الارض ) .

في موضع آخر يقول د. مصطفى محمود بأن معادة الغرب للإسلام كدين، لا ينبع من معاداته كدين ( إقامة للشعائر والطقوس الإسلامية) وإنما من تحول الإسلام إلى ” إسلام سياسي”.

يقول محددا لطرحه ازاء دول الغرب وأمريكا (لا مانع عندهم أن يكون لنا الآخرة كلها)، أما  الإسلام السياسي – الإسلام الذي ينازعهم السلطة في توجيه العالم وفق قيم ورؤى مغايرة لرؤاهم وقيمهم وممارستهم الحياتية والسياسية  فلا يمكن ان يقبلوه مطلقا. مع التنويه إلى أن  د. مصطفى محمود في فترة لم تشتعل فيه حروبا “الإرهاب وتفجير المسلمين لمنشأت الغرب وقتلهم لغير المسلمين  كرد على تنكر وعداء الغرب للإسلام” .

هنا تظل إقامة الشريعة الإسلامية أكثر التباسا من قبل، لأن إقامتها يكون تأكيدا على شراسة وتخلف الإسلام وتأكيدا لارتباطه  بالعنف والإرهاب .  لقد حاول د. مصطفى محمود أن يشرح ويعضد من مفهوم الشريعة الإسلامية كنظام سياسي متقدم يمكن تطبيقه، ولكن  في اعتقادنا أن ما ذهب إليه المؤلف يستند إلى الشريعة المتوفرة في الكتب الإسلامية التنويرية وفق مفهوم جمالي أخلاقي أقرب إلى المثالي” أي أنه حاول جعل “الشريعة” مطابقة لديمقراطية حداثوية وهذا ما لا يتوافق  مع معطيات الرسالة الاسلامية نفسها .أي أماني شخصية منشودة  .

تعرض المؤلف في مناقشة التيارات الغربية المناوئة للإسلام كالليبرالية الجديدة والأخرى المقيده بأداء الشعائر الدينية فحسب كالطرق الصوفية (المسجد والتقوقع فيه). اعتبر المؤلف كل هذه التيارات امتدادات اعتمد الغرب عليها في إبقاء الإسلام قيد حيز “ممارسة الشعائر” وتكبيله في حيز ضيق  بمنأى عن الإسلام السياسي . هذا ما يسعى الغرب اليه من وجهة نظر الكاتب أي دعم تيارات داخلية للوقوف مع توجهه الليبرالي الحديث ضد الإسلام السياسي.

إلى جانب هذا التيار الداخلي “التقوقع في المسجد والطرق الصوفية” يطل التيار العلماني كامتداد خطير لمحاربة الدولة الإسلامية. يقول المؤلف (النمط الغربي للحياة تحول الآن إلى قلعة مسلحة ترفض أي منافس أو بديل)، قلعة لها جاذبيتها ولها مريديها أحيانا من المسلمين أنفسهم …. فالكثير منهم يتعود على تلك الحياة السهلة… وظن أنها ضرورة لن تقوم بدونها  نهضة علمية ولا تقدم تكنولوجي ..هذا هو تصور إخواننا العلمانيين )”.

من الملاحظ في تحليل وخطاب المؤلف أنه يرى تغلغل الغرب وأمريكا في حياة المسلمين وجذبهم إلى ركب “الحضارة “عن طريق المكتشفات والحداثة ليسقط من يسقط واهما بأن الحضارة الصناعية هي التي تسير وتغير كذلك للمنظومات العقائدية – كالإسلام .

لقد أدرك عالمنا الإسلامي اليوم عدم مصداقية الغرب تجاهه مما اضطره الى ضرورة الرد ولكن بكل الوسائل، ولو متطرفة كالاختطاف والقتل بأبشع الطرق والتفجير واستخدام شتى وسائل العنف والإرهاب. غير أن هذا الرد دخيل على الإسلام !!

قليلا ما عرج المؤلف إلى مناقشة مأساة المسلمين أنفسهم  لفهمهم الخاطئ للإسلام وشرذمتهم  تباعا للملل والطوائف الإسلامية .

تناول المؤلف موقف  الغرب وأمريكا من الإسلام بشكل عام  وخوفهم من تسيسه وهو تناول أحادي الطرف، لأن الغرب وأمريكا لم تستهدف المسلمين إلا لضعفهم وتفككهم، فأغرتهم  بالأيدلوجيات الغربية والاشتراكية  بدلا من  تحديث وتأويل النص القرآني.

يلاحظ المتتبع لسلسلة أفكار المؤلف في كتابه هذا بأنه حاول عرض صورة الإسلام السياسي كصورة مهددة بالتمزق طوال العقود السابقة إلى أن تمزقت في نهاية المطاف: علت  صوت التيارات الناقدة للإسلام باعتباره دين غير حداثوي  وسياسته ليست سياسة ديمقراطيه، أما مبادئ الشورى والانتخاب ومفهوم التراضي فهي في منظور الغرب الليبرالي شعارات قيد الكتب الدينية فقط لأن الواقع الحياتي الراهن في منآى عنها . يقول د. مصطفى محمود “والله أراد بالإسلام أن تكون له رأيه في الأرض وليس فقط أن يكون هداية للأفراد في ذواتهم ..” أي أن يكون الإسلام رسالة هدايا وتنوير وأن يكون كذلك دولة، إلا أن الأخيرة هي العدو اللدود ومبعث مخاوف الغرب المسيحي الليبرالي والعلمانيين ومسلمي الغرب.

لقد جاء المؤلف بكتابه هذا في القرن الماضي لمنافشة (الإسلام السياسي) فكانت آراؤه معنية في جزء كبيرمنها باستهداف الإسلام من قبل الغرب وأمريكا وسقوط  مصداقيتهما إزاء الشرق المسلم، غير أن التطورات الراهنة (حولت) توجه  هذا الكتاب لاسباب عدة كفشل المسلمين أنفسهم وصعود التيار الإسلامية المتطرفة ودعهما ماليا من قبل دول مسلمة لنشر تيار إسلامي معين ـ الوهابي مثلا ـ والإبقاء عليه. تطورات وضعت الإسلام والمسلمين في موضع التخلف والعنف والإرهاب فتحولوا من كفة المستضعفين المثيرين لتعاطف كثير من دول العالم الصناعي إلى ارهابيين ومتخلفين ووباء وعبأ على العالم المتحضر.

ولكن  رغم هذه التطورات التي لم يعشها المؤلف، جاء كتابه هنا سابقا لعصره لطول بعد نظره واستشرافه للمستقبل. فلنقرأ مثلا ما كتب هنا ( واليوم يشرع التاريخ في إعادة نفسه. وهذه المرة .. إسرائيل ستكون رأس الحرية .. والإنجليكية الأمريكية التي اخترقتها الصهيونية من ورائها ..).

سقوط مصداقية أمريكا الشرق المسلم :

عندما سأل جورج بوش عن تفاقم السلاح في أمريكا رد سرعة وجرأة (مزيد من السلاح مزيد من الموت). أما جورج بوش الابن فقد اعلن  الحرب الصليبية على الإسلام، غزا العراق بلا مشروعية تدخل . قال: سأعلنها حربا صليبية جديدة .نعم حرب تشن على الدول الإسلامية لا من عدو صريح واحد كإسرائيل بل من المسلمين انفسهم المنساقين الى التيارات والايدلوجيات الغربية والماركسية الموجهة ضد الاسلام .. وهكذا تظل امريكا تتصارع مع الغرب “الدبلوماسي” على الهيمنة على دول العالم الإسلامي. أما مصداقية المعسكر الغربي مجرد برتوكولات مكتوبة موضوعة تحت الطاولة لا تنفذ إلا لماما. مصداقيته تعني مصلحته وأمنه الاستراتيجي وحماية اسرائيل ودعم اقتصادها وتسليحها.  مصداقية تقف مع مشروع توسيع  المستوطنات في فلسطين، تشجيع وشق الشارع الإسلامي باستغلال ثورات الربيع العربي، انتهاءً بسوريا وليبيا ومصر، ومهاجمة مشروع تخصيب اليورانيوم الإيراني !!! لماذا يجوز لإسرائيل  خرق البرتوكولات العالمية الرافضة للتسليح النووي وتهدد إيران مثلا بالهجوم العسكري إن ملكت أسلحة نووية، مع العلم إنها محاصرة اقتصاديا بعنف وإجحاف منقطع النظير. 

يقول د. مصطفى محمود بأن أكثر من 31 دولة إسلامية تعيش تحت مستوى الفقر مع العلم بأن ثمة دول منها مصدرة للنفط متمتعة بالرفاهية والثراء. دول تحت قيادة ساسة فاسدين حكموا ليفقروا شعوبهم وليتركوا مسلمي البوسنة تحت رحمة الصرب وروسيا وصمت الغرب الدبلوماسي وامريكا !!

هذا جانب ومن جانب آخر يقف الوحش الإسرائيلي بمخططاته وبرتوكولاته ليسيطر على الخارطة العالمية رويدا رويدا، بدءا بالقضاء على البابوية،  يقول البرتوكول الخامس من بروتوكولات حكماء صهيون (وحيثما تأتي النهاية ويأتي الأوان بتحطيم البلاط البابوي .. حينئذ سنظهر نحن على البلاط ونصل إلى قلبه عندئذ، لن تستطيع قوة على الأرض أن تخرجنا منه حتى تدمر السلطة البابوية ونسويها بالتراب..)

ان سقوط مصداقية أمريكا نابع من تخليها عن المسيحية وتمسكها بالليبرالية والتعاطف مع الصهاينة في آن معا، دون اكتراث باختلال موازين العدل في العالم. ولكن يظل السؤال قائما: ماذا افاد اسلام اتساع خارطته وتنوعه في كل اصقاع العالم !! . ماذا يفيد اذا كان المسلمون أنفسهم متناحرين. يقول د. مصطفى محمود (لقد كف الضعف والعجز والتخلف أيدينا ) .

الإسلام السياسي  :

تحدث المؤلف  عن دور الأصوليات “وهو مصطلح قديم حل محله مصطلح الأيديولوجيات”  المعادية للإسلام بدءً بالصهيونية

وكذلك الفاشية والماركسية وشرع  من ثم  لتفكيك وعرض  التجارب التاريخية، كالاستعمار وتجنيد الأيديولوجيات الخادمة لهدفه  لتفكيك الشعوب الاسلامية المستعمرة وإقحامها وإلهاءها  بفوضى المال (كما تفعل الليبرالية الحديثة) هذا الى جانب الأيديولوجية “الماركسية” الرافضة للديانات باعتبارها مقيدة للذهنية المنتجة، وافيون مغيب للواقع الحسي مستبدلا له بعوالم اخروية مثالية  (والنتيجة عالم عجيب يتصارع .. يحدث ما لم يرده أحد، والموقف الوحيد المطلوب من الجماهير هو موقف الاستسلام .. تحت القصف المستمر لأجهزة الإعلام والدعاية الموجهة وبرنامج غسل المخ ..).

هذا ما يحث اليوم ولكن ليس من الغرب وحده وإنما من قنوات المسلمين أنفسهم المكتظة بالفتاوى وتهويل عذاب اليوم الآخر والدعوة إلى الجهاد بتفجير الأبرياء غير المسلمين !! لقد نشأت الأيديولوجية الإسلامية الحديثة كرد على الاستعمار ومن ثم على الشيوعية، أما الان فهي  بنية وإعلام خطير موجه لصالح الدول الأقوى كالسعودية ـ التي تمول التيار الوهابي وأنصار السنة ـ لتأكيد وفرض أيديولوجيتها هي .

لم تنجح هذه الحركة منذ نشأتها، اذ قامت أصلا على مفهوم المعارضة وادعاء تنقية الإسلام من  الشوائب والبدع السارية، لاسيما عند الصوفية .. وبلغ بها ما بلغ فقد هدمت قباب الأولياء وحرقت المكاتب الاثرية وحرضت على تقويض التماثيل والمعابد التاريخية كما تفعل حركة (انصار الدين مالي) ونظام طالبان الافغاني المنبثق من هذا التيار السلفي المتشدد الصارم.

وضح المؤلف في كتابه هذا تورط أمريكا في حروب المنطقة العربية المسلمة. أما الان فأمريكا تعد لاسقاط  النظام الإسلامي الإيراني وتحاول تغيره إلى إسلام حداثوي، على احسن الفروض، احتذاءً بتجربة تركيا “.

نبع فشل مصداقية أمريكا من ميولاتها وتقلباتها السياسية، فصدام حسين مثلا جاء من قبلها إلى الحكم، إلا أنه انتفض عليها عندما توطد حكمه فانتفضت عليه حفاظا على مصلحتها الاقتصادية والنفط العراقي وتجارة الأسلحة.

فلنقرأ معا ما ذكره  مؤسس دولة إسرائيل (سيكون تأسيس دولة إسرائيل تحقيقا لمصالح دول أوروبا كلها وإن إسرائيل ستكون الحصن المنيع المتقدم للحضارة الغربية في مواجهة البربرية الشرقية) .الى جانب هذا الخطر الصهيوني يطل التيار الاسلاموي السلفي كخطر ذي حدين، إذ أخذ يتوسع داخل المنظومة الاسلامية بتوجهه المتخلف الصارم، أما الخطر الثاني فهو ارتباط الاسلام باسمه في الخارج بل اصبح ، وللأسف، الممثل الرسمي له والناطق باسمه .

الحركة الوهابية  :

جاء ابن تيمية وابن قيم الجوزية في القرن الثالث عشر الميلادي بنقد البدع الصوفية ( المستحدثات)،  فكانا أول من انتقد التطورات الدخيلة في الإسلام وذلك باقسى وأرهب طرق الوعظ  كالاتهام بالخروج من الاسلام والفسوق والدجل والتضليل.

لم يغال ابن تيمية كثيرا كابن الجوزية بل فكان معجبا بعبد القادر الجيلاني شيخ الطريق القادرية، فميز بين الأئمة الصادقين وبين المريدين المغالين. جاء من بعدهما محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر فغالي متتطرفا في محاربة الصوفية وتوالت بعده  الحركات الموالية لفكره وتوسعت لتصبح حركات سياسية، كما في الوقت الراهن.  لم يكن التصوف  خارجا عن الإسلام كما ذهب النقد الوهابي الحالي فالتصوف حب وتسامح وسلم، غير أن هذا كله لم يجد لدي الحركة الوهابية مبررا  فتمسكت بالقشور والظاهر. إن الفكر الوهابي يكفر كل ما لا يطابق القرآن والسنة باعتباره بدعا لم يأت بها الأولين من الصحابة والتابعين، لذا سارع هذا الفكر الوهابي باطلاق فتاوى التكفير وهدر دماء وتقويض أضرحة الأولياء. تحولت الوهابية إلى أيدلوجية إسلام سياسي بعد أن كانت حركة نقدية. تطورت هذه الحركة في السعودية موطنها الأم وأصبحت الآن أيدلوجية (مفروضة) على الشعوب الفقيرة، ايدلوجية تدعم بالأموال الطائلة.

لا يختلف هذا التنظيم  عن تيار الإخوان المسلمين “المتطرف الآن ” في مصر، الذي فر أعضائه إلى السعودية أيام جمال عبد الناصر وعادوا منها إلى مصر في حكم السادات.

كتب د.مصطفى محمود في كتابه هذا عن الحزب الناصري وحرب الخليج وكتاب هيكل ومشكلة التعليم  لتوضيح توفر مبدأ الديمقراطية في الإسلام وسهولة تطبيق الشريعة الإسلامية في الوقت الراهن، وهذا عينه خلافنا معه كما ذكرنا سابقا.  

نعم تتمتع الرسالة الإسلامية بمبادئ الشورى والانتخاب والتراضي. أسس من قوام الديمقراطية، غير ان السؤال يظل قائما من تطبيق الشريعة الإسلامية ووفق أي مذهب إسلامي وبأي تصورات وفروض واجتهادات، وهل ستقبل المذاهب الإسلامية المتباينة الاخرى بأجندة المشرع الجديد !!

لقد تغير عالمنا اليوم تماما مما حرك  “غارودي ” المفكر الفرنسي المسلم لأن يقول بأن هتلر استحوذ على ألمانيا بالقضاء على سوق البطالة وحول الألمان إلى جنود ثم إلى جثث ..” هذا هو الخوف عينه حينما يصبح  تطبيق الشريعة حربا بين النحل والملل الإسلامية  !!!

يظل الحوار والاتصال بالفكر الآخر المختلف أيا كان سلبيا أو إلحاديا البينة الأساسية للتفاهم والاتفاق على وثيقة نهائية ترضي كل الأطراف المشاركة .

حينما أسس مؤتمر الاسلام الألماني بدعوة من شويبله وزير الداخلية وقتها قال موجها حديثه الى ممثلي المسلمين في المانيا (لا أدري من منكم يمثل الاسلام !! وهل ستقبل الاطراف الاخرى اطروحاته ورؤيته وتوجهه !!).

وما أوسع خارطة العالم الإسلامي الممزق بين الإسلام السياسي وأماني الشعوب المستضعفة من قبل حكامها وأطِباق الغرب وأمريكا على حدودها وأنفاسها. !!

.