دعاء جدتي .. ووصية ناجي العلي

في ذاك اليوم إجتمعنا عند الحاجة أم الكل في سهرة جميلة، وبسبب إنقطاع الكهرباء رجعنا الى الماضي مستخدمين السراج الذي يعمل بالكاز، ينعكس الضوء على أجسامنا وتبدو رؤوسنا على الحائط أكبر بكثير من حجمها، ويدور الحديث عن أيام زمان ونتحسر عليها، لما فيها من ذكريات جميلة، ثم نعود على الحدث القائم الآن في القدس والاقصى وما يقوم به الإحتلال من إستفزاز للمصلين.

وهنا يتدخل الأخ الأكبر بالحديث عن أهالي القدس ووقوفهم أمام المحتل ورفضهم لكل هذه المحاولات للاستيلاء على المسجد وكيف أنهم وقفوا وقفة رجل واحد خلف مشايخهم ورجال الدين موحدين ومتوحدين بكلمة واحدة: القدس والأقصى مساجد إسلامية ولا حق لغير المسلمين بها.

ومضى يتحدث: وبهذه الوحدة إنتصر أهل القدس وإنتصر معهم كل من رفع يديه ودعا لهم بالنصر وكل من صرخ وهتف للاقصى في كل مكان دون إستثناء. كما تكلم عن العمل الجامع الذي شارك فيه الكبير والصغير والرجال والنساء وهو ما شهدناه على شاشات التلفاز.

هنا تدخل أحد الجيران بغضب صارخاً: أين القيادة، وأين العرب وأين المسلمين؟!!! الحمد لله وربنا يبارك بأهل القدس بكل أطيافه بصمودهم وإنتصارهم التاريخي وإنكسرت حكومة الإحتلال وإنهزم معها كل من تواطأ معها، وكل من إعتقد أن الشعب الفلسطيني لا يستطيع الدفاع عن مقدساته وحقوقه الوطنية.

 

هنا تململت الحاجة أم الكل بإشارة النعاس، وفهمنا أنها تريد أن تنام، لكننا برغم ذلك أحببنا أن نسألها عن رأيها في ما كنا نخوض فيه! نظرت الينا بعمق… ولم تجب! ساعدتها إلى فراشها، وذهب الجميع إلى بيوتهم، خففت ضوء السراج وإطمأنيت على الحاجة وأخذت طريقي أنا كذلك إلى النوم…

وعلى نداء صلاة الفجر تحركت الحاجة من فراشها ورفعت اللحاف عنها وجلست تجمع قواها وبدأت بحك رأسها حتى تستفيق، ونزلت من سريرها وتحركت باتجاه المكان المخصص للوضوء وهي صاحبة البيت تتحرك دون حاجة للإضاءة. وبعد الوضوء دخلت الغرفة الثانية للصلاة، وعلى غير العادة تأخرت الحاجة وبدأ قلقي عليها. هل أصابها مكروه؟ إنتظرت قليلاً ونهضت من فراشي ودخلت الغرفة التي كانت تصلي بها.

كانت جالسة على الكرسي رافعة يديها إلى السماء وتتمايل. سألتها: مالك يا حاجة؟ تأخرت في صلاتك! نظرت إلي وقالت: صليت والحمد لله. لكن الدعاء متعثر معي. خير يا حاجة: تساءلت. حديثكم في السهرة خوفني وعثر معي الدعاء. أجابت وأكملت: ماذا أقول؟ أدعو على العرب؟! ما إحنا عرب وعدونا واحد… أدعو يارب توحدنا… ما إحنا أخوة وعدونا واحد…!

بس يا حاجة الدعاء مطلوب، قلت لها.

في هذه اللحظة أتاها الإلهام ورفعت يديها إلى السماء  بالدعاء! يارب بيض وجوه أهلنا في فلسطين… يارب ثبتهم على وحدتهم… يارب وحد المختلفين بالمنظمة حتى لا يشمت بنا الأعداء… يارب سود وجوه كل من تواطأ مع الاحتلال…

طيب يا حاجة وإحنا الذين بالمهجر نسيتينا بالدعاء؟

نظرت إلي وقالت: إنتوا مشكلتكم فيكم. وحسب ما حكيتلي حيرتني… أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، من مواليد فلسطين وبعرف فلسطين وحدة، يعني: غزة فلسطين، الضفة فلسطين، رام الله فلسطين، والقدس فلسطين، وكل المناطق فلسطين موحدة… بس أنتم الذين مشيتوا ورا فرق تسد وأنتم متغربين عن الوطن وعن اللغة، وبصراحة، أنتم بأيدكم تتوحدوا بهدف واحد: فلسطين فوق كل شئ… وتجربة الإنتصار في القدس أكبر دليل!

رفعت يدي إلى السماء داعياً: يارب توحد المغتربين وتحببهم ببعض وتنزل عليهم السكينة وتصفي نواياهم وتبعد عنهم الوسواس الخناس يارب العالمين، آمين…آمين…

إبتسمت الحاجة وإرتاحت بعد الدعاء، رجعت الى فراشها ومضت تسبح وتتمتم.

اترك تعليقاً