انحدار الإمبراطورية الأمريكية

سامي عيد

امتلكت الولايات المتحدة تأثيرا هائلاً وإيجابياً في غالب الأحيان على العالم، وإن شابته في السنوات اللاحقة عملياتها اللامنتهية على الإرهاب وحروبها التدميرية عبر الشرق الأوسط الكبير وأفريقيا، من خلال ثقافتها وأسلحتها.

ستبقى انقلابات وكالة الإستخبارات الأمريكية وحرب فيتنام وفظائع إمبراطورية كثيرة لم تقل ذكريات مؤلمة للسطوة الأمريكية وإن لم نتحدث عن الحرب على الإرهاب في القرن الواحد والعشرين ومواقع “السي اي ايه” السوداء وهجمات الطائرات المسيرة وغيرها

إذاً ما الذي يهم أي فرداً والذي يحمل شكوكاً بقوة أمريكا العالمية ، انحسارها المتسارع ؟

كان المفكر الأمريكي “إيمانويل والرشتاين” العالم في قسم الاجتماع والنظريات الاجتماعية من أوائل المفكّرين الذين توقّعوا انحدار الامبراطورية الأمريكية والتراجع المستمر لقدرتها على السيطرة، وبروز أقطاب دولية أخرى منذ بداية التسعينات، على عكس الرأي الطاغي آنذاك، الذي جزم بأن هذه السيطرة ستكون مطلقة ومديدة. وهو رأى في الأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بالغرب عام 2008 مؤشراً أكيداً إلى دخول النظام الرأسمالي في طور طويل من الاحتضار من دون أن تكون مآلات هذا الاحتضار واضحة.

هل هناك بديل

وتجدر الاشارة هنا، إلى أن “والرشتاين” يعتقد أنه لا توجد قوى كثيرة يمكن أن تحلّ محل أمريكا، كما أنها لا تملك حافزاً للقيام بذلك.

الصين قريبة من أمريكا اقتصادياً، لكن الأمر يحتاج إلى عقود حتى تصل إلى نقطة الهيمنة، وتتمكّن من فرض هيمنتها ونفوذها على العالم. لكن ما سيحدث هو أن الدول القوية، بعد أن ترى نقاط ضعف أمريكا وعدم قدرتها على السيطرة على الوضع في العالم، ستمارس قوتها وستقاتل من أجل السيطرة على الوضع، وهذا الأمر قد يعطل النظام الحالي للعالم.

ويمكن رؤية هذا الأمر في المختبر الدائم للعلاقات الدولية بمنطقة الشرق الأوسط، ففي هذه المنطقة، تتقاتل القوى العالمية والإقليمية، مثل روسيا والصين وإيران والسعودية والكيان الصهيوني وحتى باكستان والهند، لإظهار قوتها وهيمنتها في المنطقة، دون الاكتراث بقوة أمريكا.

في الوقت نفسه، لا تعني عملية انهيار أمريكا، أنها لا تملك القدرة العسكرية على التعامل مع القضايا والتحديات في المنطقة ولكنه بمعنى أن أمريكا لن تكون قادرة على شنّ حرب شاملة في المنطقة ولن تكون قادرة أيضاً على استخدم قواتها العسكرية على نطاق واسع للتأثير على الرأي العام والبلدان في المنطقة.

إن استخدام أمريكا لقواتها البحرية والهجوم الذي نفّذته على سوريا لم يكن له أي تأثير على الوضع الداخلي لهذا البلد.

والوجود الأمريكي في العراق لم يكن ليحقق وضعاً أفضل للشعب العراقي ولم يتمكن من القضاء كلياً على تنظيم داعش الإرهابي.

وفي اليمن، على الرغم من جميع الخدمات اللوجستية والاستخباراتية التي قدّمتها للسعودية وللإمارات، إلا أنها ساعدت فقط في تعقيد الأمور وفشلت في إنهاء الحرب اليمنية التي كان من المفترض أن تفوز فيها السعودية في غضون أيام.

ويرى “والرشتاين” أن انخفاض الهيمنة الأمريكية سوف يكون بسبب تراجع معدل القوة الاقتصادية الأمريكية داخل البلاد وتراجع قيمة الدولار، وهو ما شهدناه في السنوات الأخيرة.

ويعتقد أن تخفيض دور الدولار سيخلق عقبات اقتصادية كبيرة لأمريكا، بما في ذلك تلك المتعلقة بالديون الوطنية الحالية وقد يؤدي أيضاً إلى انخفاض مستويات المعيشة في أمريكا.

تنبؤات مسبقة

ولقد ذكر “والرشتاين” هذا الأمر في مقالة نشرها عام 2006، أي قبل عامين من الأزمة الاقتصادية التي ضربت أمريكا عام 2008.

وأشار إلى أنه قبل سنوات من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على إيران وروسيا والدخول في نزاعات تجارية مع الصين، توصلت الدول الشرقية إلى اعتماد عملات بديلة بدلاً من الدولار في معاملاتها التجارية.

وقال “والرشتاين”: إن “النتائج التي أتى بها لم تكن نبوءات أو توقعات، وإنما جاءت بناءً على دراسة التاريخ وتحليل المجتمعات السابقة والتجارب التي مرّت بها”.

ولقد استخدم “والرشتاين” نماذج للتنبؤ بأحداث سياسية، أهمها نشوب اضطرابات سياسية بأمريكا، بدأت منذ ثلاث سنوات، لكنها ستصل إلى ذروتها عام 2020.

ويضيف “والرشتاين” أن الاضطرابات ستتضمن انخفاضاً في مستوى المعيشة وتردياً للأوضاع الصحية في البلاد، مشيراً إلى أن ظهور أو انهيار الحضارة أمر يمكن التنبؤ به من خلال معادلة بسيطة، وانهيار الحضارة في أمريكا قريباً.

عوامل التراجع

ومن أهم عوامل التراجع والانهيار الأمريكي من وجهة نظر المفكر الأمريكي “والرشتاين” كما ذكرها في المنتدى الاجتماعي العالمي في 4 ديسمبر 2009، وهي كالتالي:

ـ انتفاضة قوى اليمين المتطرف داخل أمريكا.

ـ انفجار الفقاعات الاقتصادية الماضية (معظمها وليس كلها) المتعلقة بديون الحكومة الأمريكية.

ـ الانخفاض الحاد في قيمة الدولار الأمريكي وبالتالي الانتقال إلى اقتصاد عالمي متعدد العملات.

ـ عدم قدرة أمريكا على السيطرة على دول الشرق الأوسط بما في ذلك إيران وسوريا وأفغانستان وباكستان والسعودية والخروج الأمريكي دون أي نصر من العراق وسوريا وأفغانستان.

ـ حدوث انقلاب داخل السعودية وظهور نظام ضعيف يحكمها.

ـ المواجهة العسكرية المحتملة بين إيران وحلفائها مع إسرائيل وعواقبها الخطيرة على الشرق الأوسط.

ـ تعزيز الروابط الجيوسياسية بين الصين وروسيا وكوريا الجنوبية.

.