العنصرية وعدم المساواة داخل الاتحاد الأوروبي

عادل فهمي

يحدث التمييز العنصري والإثني يوميا، فيعيق تقدم الملايين من الناس في كافة أنحاء العالم. وبدءً من حرمان الأفراد من مبادئ المساواة وعدم التمييز الأساسية إلى تغذية الكراهية الإثنية التي قد تؤدي إلى الإبادة الجماعية، تعمل العنصرية والتعصب على تدمير حياة المجتمعات. ويعتبر النضال ضد العنصرية مسألة تتصف بالأولوية للمجتمع الدولي، ويكمن في جوهر عمل المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

لقد كانت الأمم المتحدة معنية بهذه القضية منذ تأسيسها، وحظر التمييز العنصري مذكور في جميع الصكوك الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان. وتلقي هذه الصكوك بالتزامات على عاتق الدول وتكلفها باستئصال شأفة التمييز في النطاقات العامة والخاصة. كما أن مبدأ المساواة يتطلب من الدول أن تعتمد تدابير خاصة للقضاء على الظروف التي تسبب التمييز العنصري أو تساعد على استدامته.

العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء

في تأكيد جديد على تنامي العنصرية في أوروبا، أظهر تقرير أصدرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية أن الأشخاص ذوي البشرة السمراء يواجهون تمييزا “منتشرا” عبر دول الاتحاد. 

ووصف مدير الوكالة خلاصات التقرير بأنها تعبر عن “حقيقة مخزية ومثيرة للغضب؛ فالعنصرية القائمة على لون بشرة المرء تظل محنة منتشرة عبر الاتحاد الأوروبي”. 

وجاء في التقرير أن الأشخاص ذوي الأصول الأفريقية في أوروبا يحصلون على أماكن سكن ووظائف أسوأ من غيرهم، ويعاني الكثير منهم من مضايقات عنصرية وعمليات تفتيش وتدقيق من جانب الشرطة.

ويقول التقرير إن الأشخاص السود الأصغر سنا – تحديدا- عرضة للتمييز في أماكن العمل، وإن ما يصل إلى 76% لا يعملون ولا يتلقون تعليما أو تدريبا في بعض دول الاتحاد الأوروبي، مقارنة بـ8% من السكان ككل.

ويفيد التقرير بأن نحو 45% من الأشخاص السود يعيشون في مساكن مكتظة مقارنة بـ17% من إجمالي السكان، بينما يمتلك 15% فقط منازل، مقابل 70% من إجمالي السكان.  وأبلغ واحد من كل ثلاثة أشخاص سود عن المعاناة جراء مضايقات عنصرية في السنوات الخمس الماضية. وذكر التقرير أن الشرطة أوقفت 24% منهم، وأن من بين هؤلاء الذين أوقفوا انتاب 41% منهم الشعور بأن هذه العملية ترقى إلى تصنيف على أساس عنصري. 

ودعت الوكالة الدول الأعضاء إلى وضع إرشادات عملية لعناصر الشرطة حتى يتجنبوا التصنيف غير القانوني.

والتقرير الذي استخدم بيانات من 12 دولة بالاتحاد الأوروبي مستند إلى مسح جماعي وجمع بيانات من أشخاص من أصول مهاجرة أو أقليات عرقية، بما في ذلك ستة آلاف شخص أسود. 

التمييز تجاه المسلمين

وقال النائب الأول لرئيس المفوضية، فرانس تيمرمانس: إنّ “الدراسات الاستقصائية الأخيرة أكدت أنّ انعدام التسامح تجاه المسلمين ينمو في الاتحاد الأوروبي، وأنّ حماية حقوقهم الأساسية يجري تقليصها”، مؤكداً أنّه “لا يجب أن يوجد مكان للتمييز ضدّ أيّة أقلية”.

وصرّحت المفوضة مسؤولة قطاع العدل: بأنّ “التمييز وأعمال التعصب أو العنصرية ضدّ مسلمون يعيشون في الاتحاد الأوروبي، كلّها عوامل تشكل انتهاكاً للحقوق الأساسية، ويغذي التهميش والانعزال”.

وأوضحت “الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى محاربة هذا التمييز ضدّ المسلمين؛ لأنّ هذه الأمور تجعل المجتمع أكثر ضعفاً وهشاشة”.

وقدّمت وكالة الحقوق الأساسية الأوروبية قاعدة بيانات جديدة تقدم نظرة عامة عن جرائم الكراهية، وخطاب الكراهية والتمييز ضدّ المسلمين في الاتحاد الأوروبي.

الاعتذار عن فترة الاستعمار في أفريقيا

هذا وقد صوت غالبية النواب في البرلمان الأوروبي على قرار يدعو الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء، إلى تقديم اعتذار رسمي عن فترة استعمار أفريقيا واستغلال مواردها وسرقة آثارها.

وأيد 535 عضو الدعوة التي بموجبها يُفترض بالدول الأوروبية أن تعيد الآثار المسروقة أيضا، ومكافحة العنصرية تجاه الأشخاص من أصل أفريقي في أنحاء القارة حيث يوجد قرابة 15 مليون شخص من أصول أوروبية فيما تقل نسبة توظيفهم عن 1% في مؤسسات الاتحاد الأوروبي نفسها .

خلال جلسة، في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، رفض 80 نائبا مشروع قرار بعنوان “الحقوق الأساسية لذوي الأصول الأفريقية في أوروبا”، بينما تغيب 44، بحسب الموقع الإلكتروني للبرلمان.

ودعا النواب، في قرارهم، الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى “تطوير سياسات لمناهضة للعنصرية ووقف التمييز، في قضايا مثل: التعليم، السكن، الصحة، العدالة الجنائية، المشاركة السياسية والهجرة”. كما دعوا إلى “الاعتراف بالمعاناة العنصرية والتمييزية وحالة الكره للأوروبيين من أصل أفريقي”. وشددوا على ضرورة “توفير الحماية المناسبة”، و”التحقيق في جرائم الكراهية وملاحقة مرتكبيها ومعاقبتهم بشكل مناسب”. وأدان النواب “إساءة معاملة المنحدرين من أصل أفريقي في مراكز الشرطة، حيث وقعت حوادث عنف ووفيات عديدة أثناء الاحتجاز”.

وذكر موقع البرلمان الأوروبي أن قرابة 15 مليون شخص من أصل أفريقي يعيشون في أوروبا حاليا، وهم يواجهون تمييزا مستمرا، ويخضعون لقوالب نمطية سلبية.

ودعا النواب مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى تقديم حلول لمعالجة الجرائم ضد الإنسانية، وسياسات عدم المساواة التي ارتكبتها دول أوروبية، خلال الفترة الاستعمارية.

وشددوا على ضرورة دفع الدول الأوروبية تعويضات للحكومات الأفريقية، وتقديم اعتذار، وإعادة كل الآثار المسروقة من دول إفريقية، خلال فترة الاستعمار.

كما حث النواب دول الاتحاد على رفع السرية عن أرشيفها الاستعماري، وتقديم منظور شامل حول الاستعمار والعبودية في المناهج التعليمية. وتلفت تقارير إلى أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل لا يمكن أن ترى غير الموظفين البيض فيما يسمح فقط لعمال التنظيف أن يكونوا من ذوي البشرة السمراء، أما  الوظائف الكبيرة والمتوسطة فهي محصورة بأشخاص من العرق الأبيض.

.