الدليل القانونيّ للمقيمين في ألمانيا

موسى الزعيم

.

من التحدّيات الكبيرة التي واجهتْ استقرارِ القادمين الجُدد إلى ألمانيا، التحدّي القانونيّ، ويتجلّى ذلك في فهم قوانين البلد المُضيف والمُحاولة قدر الإمكان الابتعاد عن الوقوع  في المشاكل القانونيّة، لما لها من تأثيرٍ سلبيّ على إقامة القادم الجديد إلى ألمانيا، من جهة أخرى فإنّ الفهم القانونيّ يرتبط دائماً بمستوى الفهم اللغويّ، إذ أن هذه القضايا مكمّلة لبعضها، وفي جميع الأحول ليس المطلوب من القادم الجديد الفهم العميق أو الحرفيّ للقوانين العامّة، بقدر فهمهِ للقوانين المُرتبطة بالقضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والإداريّة المُتعلقة بشكل مباشر بإقامته وأسرته وبالتالي عمله، وهذه القضايا المفصليّة خلال السنوات الأخيرة كانت محلّ تساؤلات كثيرة وأخذ وردّ  في الشارع والصحافة ووسائل الإعلام بعضها وصل  إلى دوائر القرار الألمانيّ كقضية لم الشمل مثلاً.

 ونتيجة ذلك كانت هناك الكثير من المبادرات الفرديّة والجماعيّة التي تهدف إلى تبسيط وتيسير هذه القضايا وإيصالها  للعرب المقيمين الجُدد في ألمانيا بأبسط وأيسر طريق، ومن ضمن المبادرات الهادفة

يواصل المحامي السوري الأستاذ جلال أمين، تقديم خدماته واستشاراته القانونية للوافدين الجُدد، فبعد إصداره ” قاموس المُصطلحات القانونيّة” ثلاثي اللغات عربيّ ألمانيّ كرديّ، ضمن هذا السياق يُصدر مؤخراً  “الدليل القانونيّ للمقيمين في ألمانيا ” وهو شروحات في القانون الألماني، مع شرح بعض الطلبات الخاصّة باللاجئين، وهو صادر عن دار الدليل للطباعة والنشر في برلين.

 يتألف الدليل القانوني من مئة وستين صفحة من القطع المتوسط ويقسم إلى قسمين:

الأول: عبارة عن مجموعة من المقالات المُبسطة، كان المحامي جلال أمين قد دأب على نشرها في زاويته القانونية في صحيفة أبواب، والتي يشرح  قضيّة ما تتعلّق بحياة القادمين الجُدد وبعض القوانين التي لها علاقة مباشرة مع حياتهم، وأهم القضايا التي تعترضُ سير حياتهم، وخاصّة وأنّ هذه القوانين والقضايا الجديدة التي تصادفهم تفرض عليهم لالتزام بها قسم كبير منها يختلف اختلافاً جذرياً عن منظومة القوانين التي يعرفونها ويتعاملون معها في بلدانهم وقد امتد هذا القسم من الصفحة الأولى حتى الصفحة84.

 أمّا القسم الثاني: “قسم الوثائق القانونيّة والإداريّة”  فقد حرص فيه السيّد أمين على نشر مجموعة من أهمّ المُراسلات البريديّة بين الفرد والدوائر الرسميّة هذه الرسائل تمّت ترجمتها والتّعليق عليها مع بعض الشروحات بأسلوب سهل مبسّطٍ خالٍ من التعقيد يستطيع القارئ فهم المطلوب مباشرة، وقد أخذ القسم الثاني من الكتاب من الصفحة 84 حتى الصفحة 156.

يقول المحامي أمين حول مضمون الدليل هناك إشكالين أساسيين يصادفان القادم الجديد إلى ألمانيا في بداية حياته بدأً من تقديمه أوراق لجوئه، وهذين الإشكالين..

 الأوّل: إشكال يتعلّق باللغة أو الفهم اللغوي لمحتوى الرسائل الواردة من الدوائر الحكومية في ألمانيا والتي تخاطب فيها الفرد مباشرة بما هو مطلوب منه.

 والإشكال الثاني: يتجلّى في الفهم القانونيّ و الإداريّ و نوعيّة الردّ على هذه الرسائل.

وعليه كانت المراجعات تأتي إلينا في المراكز الاستشارية بشكلٍ كبيرٍ وعادة يحمل أصحابها مجموعة من الرسائل والطلبات الواردة  إليهم من الدوائر الحكومية، هذه الرسائل ليست مفهومة لغويّاً بالنسبة لهم وكذلك حتى لو تمّت قراءتها تبقى غامضة بعض الشيء، تحتاج إلى تفسير قانونيّ وفهم المطلوب منها بشكلٍ صحيحٍ، لذلك يستهلكون وقتاً في الانتظار وأحياناً  لا تحتاج هذه الرسائل، إلى ردٍّ مباشرٍ أو إجابة عليها أو ربّما تكون الإجابة فقط بالموافقة أو الرّفض أو التأكيد عل قضية ما .

 في كثيرٍ من الأحيان يحتاج الشخص إلى الانتظار لساعتين تقريباً لنقول له: هذه الرسالة هامّة أو غير هامّة أو تصرّف على النّحوي التّالي أو هي مجرّد رسالة معلومات.

 من هنا جاءت فكرة ترجمة نماذج من الوثائق البريديّة، ونقصد بها وثائق المُراسلات القادمة إلى الشخص المقيم في ألمانيا، هذه النماذج تمت ترجمتها إلى العربيّة مع تبيان أهميتها، والغاية منها وما تحويه وكيفية الردّ عليها، وإن كانت تتضمّن كلمات مفتاحيّه كالموافقة أو الرفض أو المنع أو السماح أو غير ذلك…من هذه النماذج مثلاً ( استجواب خطّي من قبل الشرطة، نموذج مذكرة دعوى لشخصٍ كشاهدٍ أمام قسم الشرطة والتعليمات الخاصّة بالشهادة، قرار توقيف الملاحقة،نموذج قرار ترحيل، قرار نزع الطفل عن والديه، تحذير للأولياء من تغيب أولادهم عن المدرسة في مرحلة التعليم الإلزامي ، إبلاغ من الجوب سنتر بوقف المساعدات في حال عدم التجديد..) وغيرها من الوثائق الهامّة والمُتكررة في المُراسلات  

 وحول سؤال السيد أمين هل يصلح هذا الدليل خارج برلين؟ فمن المعروف أنّ ثمّة اختلاف بين مقاطعة ألمانية وأخرى في قضايا اللجوء والإقامة وغيرها يقول: من المعروف أنّ ألمانيا دولة فيدرالية لكنّ القوانين موحّدة فيها؛ أي القوانين العامّة واحدةُ في كلّ ألمانيا كالقانون الجزائي والقانون المدني وبالتالي حوالي 95 بالمئة منها واحدة في عموم ألمانيا.

 فيما يتعلّق ببرلين تحدثنا في الدليل عن قضيّة لمّ الشمل ومقدار الكفالة، بعض الإجراءات التنفيذيّة عند دائرة الأجانب نعم هناك بعض الاختلافات بين مقاطعة وأخرى لكن هذه الاختلافات بسيطة جداً ولا ننسى أنّ الدليل يتحدّث عن القوانين عام 2019 أي يراعي القوانين الحديثة والمُعدّلة حتى سنة صدور الدليل.

 بالعودة إلى القسم الأوّل من الدّليل قسم المقالات، بجد أنّ بعض الموضوعات الهامة التي وردت في الدليل تعالج عدد من القضايا التي تشغل بالَ الكثيرين أوّل هذه القضايا:

 قضيّة الطلاق: الإشكاليات القانونيّة في حالات طلاق السوريين وما يتفرع عنه

 اعتبر المحامي جلال أمين قضيّة الطلاق من القضايا الهامّة و”الشاغلة” حسب توصيفه، لما لها ارتباط بقضايا أخرى، قضايا اجتماعيّة واقتصاديّة ودينيّة وغيرها، فكلنا يعرف أنّ نسبة الطلاق بين السوريين في ألمانيا وصلت إلى أرقام لافتة، وقد تحدّث عن أسباب هذه الظاهرة الكثير من المُختصين.

 الإشكال الكبير: يتجلّى أيضاً من خلال تنازع القوانين في الموضوع و عدم تطبيق القانون السوريّ وإشكاليّة التبليغ ووجود أحد طرفي الدعوى في سوريا أو لبنان مثلاً. ما هو موقف القانون الألمانيّ من هذه القضية؟ ما هي الإجراءات القانونيّة المُتبعة في سير عملية الطلاق في البلد المضيف؟  “إذ أنّ القانون الألمانيّ يعتبر نفسه صاحب الولاية الشخصيّة على كلّ من يقيم على أرض ألمانيا، وبالتالي يطبّق القانون الألمانيّ على كافّة السوريين سواء حصلوا على الإقامة أو الجنسيّة”  كما يتطرّق الموضوع إلى الإجراءات القانونيّة المتعلّقة بالطّلاق، كنفقة الأولاد والحضانة وغيرها.

 في مكان آخر: من الدليل  يشرح المحامي أمين ما ذا يحصل للإقامة بعد الانفصال أو الطلاق، طريق لمّ الشمل في الصفحة 32 وكذلك في الصفحة 40 يتحدث الدليل عن مراحل وإجراءات الطلاق بالتفصيل.

من الموضوعات الهامّة التي يتطرّق إليها الدليل قضيّة

 “اليوغندأمت jugendamt” ورعاية الأطفال والقاصرين حقيقةً هذه القضيّة من القضايا التي تداولتها الشائعات، وكثيراً ما نسمع عن بعض الأُسر التي هي بحاجة إلى رعاية ومساعدة اجتماعية من أجل الاستقرار  وخاصةً إذا كان للأسرة طفلٌ من ذوي الاحتياجات الخاصّة، أو أنّ هناك بعض المشاكل الأسريّة بين الوالدين، هنا نجد خوف الأهل من التواصل مع”اليوغندأمت jugendamt”  بحجّة أنّهم يأخذون الأطفال من أهاليهم  فكثيراً ما انتشرت مقاطع فيديو تؤكد هذه الحالة وتثير خوف الأسر من ذلك. حسب تجربتي الشخصية التقيتُ بأكثر من أسرة ترفض التواصل مع هذه الدائرة بحجّة أنّها تأخذ الأطفال منهم، أو أنّ هذه الأسر لا تريد أن تتدخل هذه الدائرة في شؤونها الخاصّة. يتحدّث المحامي أمين عن اختصاصات هذه الدائرة في رعايتها للأسرة ودعمها للقاصرين من خلال تخصيص موازنة ضخمة لدعم الأطفال، ومن خلال التوجيه والنُصح وتقديم المشورة لهم، وكيف ومتى تقوم بأخذ الأطفال ونزعهم من ذويهم، وإجراءات نقل الحضانة، وما تقدمه هذه الدائرة من رعاية اجتماعية من خلال تعيين شخص مختصّ من قبلها لمساعدة الأسرة على تجاوز عقبات الاندماج في المجتمع المُضيف.

 معاداة الساميّة في ألمانيا نظرة على مواد الدستور وقانون العقوبات الألمانيّ   

  تطرّق الدليل إلى قضيّة ذات حساسيّة بالغة لم تكن موجودة في ثقافة بلدان الوافدين الجدد، البلدان العربيّة عامة، وهي قضيّة معاداة الساميّة، يعتقد البعض أنّها من الموضوعات العاديّة، لكن في حقيقة الأمر لها نصّ قانونيّ يُعاقب المرء عليه في حال مخالفةِ بنودِ هذا القانون، إذ ينصّ الدستور الألمانيّ  في المادة 4 من الفقرة 1 ” لا تنتهك حريّة العقيدة وحريّة الضمير ولا حريّة اعتناق أي عقيدة دينيّة أو فلسفيّة ” أحياناً تصل  العقوبة من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات.

 يقول أمين: في بلداننا لا نميّز بين الدين والسُلطة السياسيّة، وعليه فالكثير ممن يكتبون عبر الميديا، وخاصّة الفيسبوك، كتابات تندرج في إطار معاداة الساميّة دون أن يعلموا، وبالتالي: كُثر مَنْ يجهلون الفرق بين الديانة اليهودية والصهيونيّة ككيان محتلّ لفلسطين، هذه الكتابات قد تعرّضهم للمساءلة القانونيّة، لكنهم يجهلون ذلك وعليه كان لابدّ من شرح تبعاتِ هذا القانون.

 و للسفارة السورية حصّتها من دليل جلال أمين وهي من القضايا الهامة  فقضية مراجعة السفارة السوريّة، أثارت الكثير من الجدل في الآونة الأخيرة بين رافضٍ لها، وبين مَن يلوم الحكومة الألمانيّة على طلبها بعض الوثائق من السّفارة السّورية، لما ترتبط هذه السفارة بالتجربة والسمعة السيئة لدى القادمين الجُدد، والحساسية من زيارتها.

وبالتالي يسعى الدليل |بحيادٍ| إلى شرح القضايا التي تُوجبُ مراجعة السفارة، أو دور السفارة فيها، وبصيغة قانونيّة يفسر الدليل ما هي الإجراءات التي تتّبعها السفارة حسب نوع الإقامة ويجيب عن التساؤلات الكثيرة حول خطورة مراجعة السفارة السوريّة في ألمانيا فمن الضروري الإشارة  إلى ” أنّ هناك ارتباطٌ أساسيّ بين شكل الإقامة التي يحملها القادم السوريّ، وبين قيام الدولة الألمانية بسحب الإقامة من حاملها ” ص18.

في الدليل: عددٌ كبيرٌ من القضايا التي كانت ومازالت محلّ تساؤلات كبيرة، يتداولها البعض بين الفينة والأخرى شرحها المحامي جلال أمين بأسلوب بسيط ولغة سهلة تساعد القارئ على تجاوز عقبة فهم المطلوب منه وعقبة اللغة إذ أنّ الموضوعات طرحت باللغة الأم للقادمين وتساعدهم أيضاً على فهم آلية سير الحياة في البلد المُضيف من خلال القوانين العامة والاجتماعيّة وغيرها  وقد حاول المؤلف جاهداً الابتعاد عن اللغة الإشكاليّة، فجاءت شروحاته بما يتوافق مع نوعية وطبيعة الأسئلة ونلحظ  أن أغلب الموضوعات التي تمّت معالجتها في الدليل هي موضوعات تماسيّة ومباشرة بل تكاد تكون يوميّة يقذف بها صندوق البريد اليومي، ما إن  تفتح صندوقك البريدي في الصباح حتى وتشعر أنّك أمام مشكلة لابد لك من البحث عن سبيل لحلها، من هذه القضايا التي عالجها الدليل على سبيل المثال ” قضيّة حماية المرأة من العنف، قضيّة الذّم والقدح في القانون الألمانيّ،من القضايا الجديدة  التي لا يهتم بها البعض قضية شتائم الفيسبوك، موضوع  التهرّب الضريبي وهو من الموضوعات الجديدة التي بدأت في التداول بعد أن بدأ عددٌ كبيرُ في العمل في ألمانيا كقضية العمل بالأسود أو مخالفات السير  وحيازة الأسلحة واستعمال وسائل النقل دون تذكرة  بالإضافة إلى موضوع المساعدات من مكتب العمل “الجوب سنتر ” وكذلك بيع وشراء المواد المسروقة وغيرها حتى نصل إلى موضوعات الساعة مثل موضوع قرب حصول عدد كبير من المقيمين الجدد على الإقامة المفتوحة أو الجنسية أيضاً يشرحها ويحدد الوثائق المطلوبة وغيرها لدى الدائرة المختصة.

يأتي الدليل ضمن سلسلة خدميّة، الهدف منها مساعدة القادمين الجدد على تجاوز عقبات الاندماج في البلد المضيف وقد يكون مرجعاً منزلياً يعود إليه من يحتاج إلى استفسار بيسر وسهولة.

 إلا أنني كنت أتمنّى على واضع الدليل مراعاة قضيتين لم ألحظ وجودهما تكثر الأسئلة حولهما، قضية ذوي الاحتياجات الخاصّة وقضية التقاعد المبكر، في المحصّلة الدليل القانوني جهدٌ يُشكر المحامي جلال أمين عليه.   

.