الانتخابات البرلمانية الأوروبية .. ومصير المهاجرين

د/ أمير حمد

مع اقتراب انتخابات الرابطة الأوروبية في مايو القادم وانفصال انجلترا عنها وتوسع التيارات اليمينية الرافضة للاجئين والأجانب ومشروع الرابطة الأوروبية بذلته، تظل ألمانيا أكثر دول الرابطة عرضة للخطر والخسائر الاقتصادية لكونها المصدر الأكبر فيها.

قال هلموت كول مستشار ألمانيا الأسبق بأن مصير ألمانيا ومستقبلها مرتبط بالرابطة الأوروبية وأن ألمانيا استفادت في الأصل من اتحاد شعبيها الشرقي والغربي لتحقق نجاحها وتعلن وجودها في أوروبا كأكبر دولة اقتصادية.

نتطرق في هذا المقال لمستجدات عدة تخص قضية اللاجئين وقضايا أخرى ك “بريكست والجدار الأمريكي، فلنقرأ معا هذه التطورات حتى ولو بدت ضئيلة في محصلتها.

ـ هدد السفير الأمريكي ببرلين الاعلام والصحافة الألمانية باتخاذ اجراءات قانونية ضد تقريرهم الذي عكس صورة سيئة عن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، وقال السفير في لقاء إذاعي بأن على ألمانيا تكثيف الاهتمام بقضاياها الداخلية وألا تشوه صورة ترامب الرئيس الذي يحظى بقاعدة قوية وعريقة في أمريكا. وأضاف أن ألمانيا لا تتفق أصلا مع برنامج ترامب الاقتصادي المطالب بشراء أكبر نسبة ممكنة من المنتجات الأمريكية وتقليص نسبة صادراتها لاسيما السيارات، كما أن ألمانيا تشكل عجزاً واضحاً في دعم الناتو بدفعها أقل من 2% من ميزانيتها وتطالب بإيقاف اتفاقيات أوباما الخاصة بالناتو واتفاق إيران النووي.

أما القضية الأخيرة التي تزعج ألمانيا هي قضية تشويه ترامب لصورة ميركل وسياستها الخاصة باللاجئين… فكم من مرة اعتذر ترامب وتراجع  عن إعجابه بها كما كان في البدء ليصفها بأنها هاضمة لحقوق الألمان لصالح اللاجئين والأجانب وأنها رأس الأفعى في قيادة وتوسيع مشروع الاتحاد الأوروبي الذي ظل يرفضه ترامب لكونه لا يعترف إلا بالدول القُطرية لا الكتل الوهمية كالاتحاد الأوروبي كما يزعم.

ـ من أجل جدار ظل ترامب يحاول الحصول على ميزانية ستة ونصف مليار لتشييده بين المكسيك وأمريكا ليفي بوعده الانتخابي وليسهل له، من ثم الترشح للدورة الثانية.

بدأ جزء من برلمانيي حزبه رافضين للجدار لقناعتهم بأن الحواجز المقترحة من الديمقراطيين معقولة، كما أن ترامب  يبدو أنه سيقطع ميزانية الجدار من وزارة الدفاع وحماية البيئة والمناخ لاسيما في ولاية كاليفورنيا بغرب أمريكا.

نقول هذا ونذكر بأن الحكومة الألمانية الحالية تواجه تصريحات داخلية كذلك إلى جانب اهتزازها من الخارج، كارين كارنباور، رئيسة الحزب الحاكم CDU تُطالَب بالاعتذار عن سخريتها من “الجنس الثالث” وصرامتها الحادة مع اللاجئين الأجانب.

ـ وافق حزب CDU الحاكم مع حليفه حزب CSU على تصور هو سحب الجنسية الألمانية من كل من التحق بتنظيم دولة الاسلام والابقاء على سحبها إلى أن يتم التحقق من أمرهم. بهذا ظهر “زيهوفر” وزير داخلية ألمانيا من حزب CSU سعيداً وأعلن بأن ألمانيا استطاعت منذ عام 2017 إرجاع عدد كبير من اللاجئين لاسيما إلى دول المغرب العربي بعد الاتفاقيات والاعتراف بها كمنطقة آمنة.

يقول زيهوفر أيضاً بأن اتفاقية الرابطة مع تركيا ظلت قائمة إذ يلاحظ إرجاع اللاجئين إلى تركيا مقابل تبني دول الرابطة ومنهم ألمانيا لمعارضي تركيا السياسيين. ومن جانب آخر أعربت كارنباور رئيسة حزب CDU الحالية بأن حزبها في تحالف جديد مع حزب SPD الاشتراكي الحليف في الحكم وهو الحزب المتردد في نسبة تقليص اللاجئين وكذلك صفقات السلاح وتصديره، وتقول أود أن أعرف هل يؤيد حزب SPD تجارة السلاح وتصديره من ألمانيا وبالتالي تقليص نسبة البطالة وضمان ميزانية ألمانيا الضخمة لتصديره أم لا؟

ـ جاء هذا التصريح إثر تراجع ألمانيا عن برنامج أويرو “الطائرة أويرو الحربية” المشروع الثلاثي بينها وبين انجلترا وفرنسا فقد تراجعت ألمانيا عموماً عن تجارة السلاح وتصديره إلى الشرق لاسيما إلى السعودية بعد اغتيال الصحفي السعودي المشهور.

ـ يقول أوربان رئيس المجر بأن محور فرنسا وألمانيا قد انتهى عهده لرئاسة وتسيير الرابطة الأوروبية وحان الوقت للمعسكر الشرقي بقيادته مع بولندا، جاء هذا بعد أن طالب “يونكة” رئيس الرابطة الأوروبية وحزب CDU الحاكم بفصل حزب أوربان عن الأحزاب التقليدية الأوروبية وضمه إلى الأحزاب اليمينية الكارهة للأجانب والرافضة لسياسة الرابطة الأوروبية للاجئين، وكما نلاحظ توسعت التيارات اليمينية في أوروبا مع اقتراب انتخابات الرابطة الأوروبية في شهر مايو القادم ومثالنا على ذلك الحزب اليميني الاسلندي الرافض للرابطة والأجانب والحائز على المنصب الثالث في انتخابات اسكتلندا الأخيرة في مارس 2019.

رفض الحزب الليبرالي الفائز بأكبر نسبة وكذلك الاشتراكي التعامل السياسي معه وطالب بتشكيل اتحاد مع حزب أخر صغير معتدل لعدم تجاوز نسبة كل من الحزبين لـ 28% .

ـ إن أوروبا الآن في مفترق الطرق ومهب الريح في عالم بريكست وترامب العنصري ، كما وصفه “كون” محاميه أمام برلمانيي أمريكا وعلى مرآى ومسمع العالم كله.

هذا ومن الملاحظ أن الخارجية الألمانية بدأت تكثيف وهجها من جديد في اطار ريادة ألمانيا للرابطة الأوروبية بعد أن انطفأ بريقها في عهد “فستر فللة ” حزب FDP .

ـ في المقابل صرح “خان” عمدة لندن بعزمه على إبرام عقد أخاء وتبادل مع برلين، حاضرة ألمانيا في المجال التكنولوجي والثقافي والاقتصادي هذا إن تم إنجاز انسحاب إنجلترا بصورة سلبية من الرابطة الأوروبية. يقول لم يُفقد الأمل من بقاء إنجلترا في الرابطة الأوروبية والاقتراب منها أكثر مما اذا تم الانفصال على أسوأ الفروض.

ـ أما فرنسا فلا تزال تعاني كذلك من الهجرة السرية للاجئين لاسيما من الجزائر والمغرب وبعض دول غرب إفريقيا مما حرك “ماكرون” رئيسها الشاب إلى مناشدة الرابطة الأوروبية لتكوين شرطة أوروبية موحدة لتأمين حدود أوروبا و توحيد سياسة اللجوء إلى جانب ضبط الضرائب ومراقبة النمو الديموغرافي ومحاربة الغزو الالكتروني لاسيما في انتخابات الرابطة الأوروبية في مايو القادم.

يقول “ماكرون” أن الرابطة الأوروبية تواجه الخطر الآن أكثر من أي زمن مضى، خطر من التيارات اليمينية المستغلة لهجرة اللاجئين لتشعل البغضاء والكره لهم بين الأوروبيين، هذا إلى جانب التحدي الروسي العسكري، وحلف ترامب وضغطه وتخويفه بالحروب الاقتصادية ورفع الضرائب.

يقول تقرير BBC و CNN أن ترامب ذو قاعدة جماهيرية عريقة لتقليصه نسبة الfطالة وتخفيضه للضرائب على حساب مجابهة العالم برفعه للضرائب المفروضة على صادراتها تحت شعار “أمريكا أولاً” والتخلص من دعم بعض الدول اقتصادياً ومعاملتها بالتالي كدول غير نامية كالهند وتركيا.

نقول هذا ونذكر بأن أزمة اللجوء لا تتوقف ببناء الجدران أو تشييد الأسلاك الحادة المكهربة، وإنما بالبحث عن أسبابها وإيجاد حل لها كما طالبت بعض دول جنوب أمريكا مثلاً “ترامب” بمكافحة الفقر والجرائم وتجارة المخدرات في جنوب أمريكا حتى لا تشتد ويرتفع مد اللاجئين (176 ألف لاجئ من جنوب أمريكا يقفون على الحدود للتسلل سراً إلى أمريكا). أما ترامب فلا يرى أي ضرورة أو حاجة لحل مشكلة اللجوء من أصلها، فكل همه هو وضع أمريكا في المرتبة الأولى بشعار “أمريكا أولاً” والخروج من فضائحه الجنسية والاختلاسات والتشكك في تواطئه مع روسيا لتزوير الانتخابات الأمريكية باقصاء هيلري كلينتون من السباق وكذلك أن يحقق حلم نيل جائزة السلام العالمية بإنهاء تسلح كوريا الشمالية النووي بعد أن حاصرها اقتصاديا. 25 مليون كوري يعانون من الفقر والجوع جراء هذه المقاطعة الاقتصادية!!

تقاطعات:

ذكرت صحيفة غارديان الانجليزية بأن ميركل لم تعد القائد الفعلي للرابطة الأوروبية إثر تنازلها عن رئاسة حزبها الديمقراطي CDU  وإنما “ماكرون” هو القائد الجديد للرابطة رغم خروج الشارع الفرنسي ضده ـ أصحاب السترات الصفراء ـ  نقول أن برنامجه الأخير الذي بثه على كل دول الرابطة برنامج شامل وعسير تحقيقه لاختلاف رؤى بعض دول الرابطة أدى هذا إلى ملاحظة انسحاب ميركل تدريجياً من الوقوف معه في برنامجه ل سيما تشكيل ميزانية موحدة لدول الرابطة.

ـ أما إيطاليا فقد أكدت مجدداً بأن السفن الخيرية الناشطة لإنقاذ اللاجئين وسفينة صوفيا لا تقدمان أي تقدم لكبح أو تقليل الهجرة السرية بل تشجع المهربين على مواصلة تهريب اللاجئين لكفلها انقاذهم من الغرق إن لم يستطعوا وصول الساحل الجنوبي لأوروبا.

ليست إيطاليا وحدها وحزب لوبان في فرنسا وأوربان في المجر يقفون ضد سياسة الرابطة للجوء بل وكذلك

أندريه بابيش رئيس وزراء تشيكيا الذي اعتبر اللاجئين أكبر خطر يهدد أمن أوروبا وأن برنامج “ماكرون” رئيس فرنسا فاشل برمته وليست وحدها إجراءاته الخاصة باللجوء تقود أوروبا إلى الدرك الأسفل وتهدد أمن شعبها المسيحي وتفكك وحدتها.

وقد ناقشت CNN ملف اللجوء في أوروبا وقارنته بأمريكا وتطرقت إلى الخوف من الإسلام وأسباب وضحايا الحروب. يقول التقرير أن ترامب ألغى كل إجراءات أوباما السابقة ومنها السرد السنوي لعدد النقص جراء اصابات طائرات بلا طيار. لم ترد ادارة ترامب على حظر نشر عدد القتلى السلميين جراء طائرات بلا طيار والذي جعله أوباما سجلاً سنوياً مفتوحاً يطلع الإعلام عليه في شهر مارس ومايو كل سنة. لا نستغرب من سياسة ترامب التي لا يهمها أسباب الحروب أو عدد القتلى المسلمين ولا رفضه لاستقطاب اللاجئين فهمه الأول المواطن الأمريكي فوق كل شيء حتى ولو دمر العالم برمته.

انقضى “اربعاء الرماد” باتهامات ونقد كل حزب للآخر كما جرت العادة  وتلاه اليوم العالمي للمرأة اذ تصدرت كارنباور رئيسة الحزب الحاكم CDU التي رشحتها ميركل و أعربت عن انزعاجها من قلة نسبة النساء البرلمانيات التي تدخل حزبها، فقط 25% أي الربع، وقالت أن وجود المرأة في مهام حساسة وحياتية كالسياسة لا يتم تحقيقه على وجه كامل إلا بمناصفة المرأة هذه المهمة انطلاقاً من المبادئ الأساسية، الحرية، المساواة، العدل والكرامة.

وفي ختام هذا الجزء من مقالنا نعود لنذكر بأن زيهوفر وزير الداخلية/ حزب CSU انتقد الاتهامات التي وجهت له في مؤتمر وزراء داخلية دول الرابطة في بروكسل بشأن قلة تسفير اللاجئين المنسلين إلى ألمانيا من دول أوروبية أخرى، تم تسفير 21 لاجئ فحسب. يقول زيهوفر بأن الاتفاق الداخلي بين ألمانيا والنمسا قد مكن من تقليص تسرب عدد اللاجئين وهو في طريقه لإيقاف الهجرة السرية تماما. هذا وقد أشار سيهوفر إلى نجاح اتفاق الرابطة الأوروبية مع دول المغرب العربي لإعادة لاجئيها ونقص نسبة الجرائم كما هو الحال في ولاية براندنبورج وبايرن. أننا وقد نتحدث عن تطورات اللجوء والأجانب في ألمانيا نجدنا حذرين من القرار النهائي في أزمة اللجوء وإيجاد حلول ختامية لها فانتخابات الرابطة القادمة في شهر مايو ستخلط الأوراق من جديد فلا ضمان أن تعتلي الأحزاب اليمينية بقيادة أوربان مثلاً عرش الرابطة رغم الحملات القوية ضدها وتنوير المواطنين بمغبتها وتهديدها لأمن واستقرار الرابطة الأوروبية.

.

.