استراتيجية ألمانيا الجديدة

 

كشفت دراسة أجريت على ما يقرب من 200 شخص من كبار الشخصيات فى قطاع الدفاع الألماني أنهم لم يعودوا ينظرون للولايات المتحدة باعتبارها أهم حليف لهم، ويعتقدون أن برلين يجب أن تركز على آليات الاتحاد الأوربي بدلا من الناتو.

 

 

عبد الله سالم

 

وصدر حديثا كتاب عن استراتيجية الدفاع الألماني يقول أن اتجاهات التهديد التي تتوقعها برلين بدأت تتغير بسبب التهديدات الإرهابية والمخاوف من هجوم روسي.

كتاب “أوان الأزمة: فرنسا ومستقبل الدفاع الأوروبي” ، الذي يشير إلى أن القوة الاقتصادية في أوروبا كانت في الواقع “مسافراً مجانياً” على حساب شركائها عندما يتعلق الأمر بالدفاع ويحتاج إلى تصعيد.

يقول أيضاً إن عالم أنغيلا ميركل تغير إلى حد يصعب تشخيصه في السنوات القليلة الماضية، وإن المستشارة الألمانية بحاجة لمواكبة هذا التغيير.

وينظر تايلور في كتابه الجديد إلى رأي الشعب والنخبة  من الألمان موضحا كيف يجب على ميركل أن تمضي قدما في هذه الخطوة أيضا، وحثها على القيام بذلك إلى أقصى حد ممكن نظرا لصعوبات تشكيل الائتلاف التي تلوح في الأفق .

وقال تايلور لـ DW: “كانت هناك صدمتان كبيرتان أدتا إلى إيقاظ ميركل من حالة الرضا عن الدفاع وعن موقف ألمانيا المريح في وسط أوروبا، ويحيط بها حلفاء الناتو وشركائها في الاتحاد الأوروبي”، وكانت أول صدمة هي ضم روسيا للقرم في عام 2014، أما الثانية فهي أزمة المهاجرين في عام 2015. وأضاف تايلور” لقد اتخذت ميركل قرارات هددت مسيرتها المهنية ولكنها غيرت نطرتها للعالم وخريطتها الجغرافية لأوروبا”. وكشف تايلور عن أن المستشارة كانت لديها بالفعل خرائط وضعت خصيصا لها وتم تلوين منطقة شنغن حتى أصبح من الواضح تماما أن “الحدود” الألمانية كانت في الواقع روسيا وأوكرانيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.

ويؤكد تايلور أن ميركل أدركت أنها أضعفت قواتها المسلحة بسبب تخفيض الميزانية لعدة سنوات وكان ذلك واضحا في عام 2016. ومع ذلك فإن الأمر سيستغرق أعواما طويلة لإعادة إصلاح الوضع وهو ما يقدر بنحو 15 عاما فقط  حتى “يستوي سلاح الجو الألماني على قدميه مرة ثانية” على حد تعبيره.

ويشير تايلور في كتابه إلى إنها ليست مسألة مادية متعلقة بالمال فألمانيا لديها ” الحيز المالي” لإنفاق المزيد، ولكنها مسألة عقلية. وبالرغم من العبء التاريخي الثقيل لألمانيا فليس هناك مبرر لأن تترك” المهمات القذرة ” لدول أخرى. ويضيف تايلور : ” إنها ظلال التاريخ التي تجعل الأمر صعبا بالنسبة للألمان ولكنه في نفس الوقت أمر مريح ومناسب لهم بأن يقولوا إننا محكومون بالتاريخ ويتركوا المهمة لغيرهم للقيام بها” .

 

اعتماد أوروبا على نفسها يتطلب المال

وقد أشارت ميركل إلى أنها مستعدة للابتعاد عن ذلك، مع بيانها المشهور بشأن الأوروبيين يجب أن “نأخذ مصيرنا بأيدينا” بسبب الغموض الذي يكمن في ولاء الرئيس دونالد ترامب لحلف الناتو. ومع انفاق 1.2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي على الدفاع فانّ ألمانيا في نهاية أقل ميزانية ممنوحة للناتو والبالغ قيمتها 2 بالمائة من إجمالي الناتج القومي، ومن المستبعد بشكل كبير أن تقوم الولايات المتحدة بتوفير ميزانية لبرلين.

وتقول أولريكه فرانك المحللة السياسية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إنها فوجئت عندما رأت معارضة كبيرة للوفاء بمعيار حلف شمال الأطلسي في مؤتمر برلين للسياسة الخارجية. وأضافت أنها افترضت أن المؤسسة السياسية الألمانية التى تتفق مع احتياجات مكافحة الحرب التي تبدو لا نهاية لها فى أفغانستان وتنفيذ إجراءات مكافحة الإرهاب فى الداخل تؤيد بشكل عام إنفاق المزيد وعمل المزيد أيضا. وهي تعتقد أن الضغط الأمريكي يتأرجح ويدفع الألمان إلى دراسة خيارات الدفاع الأوروبي بشكل أكثر جدية.

وتضيف إنّ “إدارة ترامب تقوم الآن بتقويض تلك الرغبة المتزايدة لرفع نسبة الإنفاق على الدفاع الألماني ويفعل المزيد خاصة وأن ترامب يعتبر من دعاة الحرب مما يدفع الألمان للشعور بالقلق خوفا من أن تبدأ الولايات المتحدة في خوض حرب بقيادة ترامب وتسحب معها الناتو ومن ثم ألمانيا لخوض تلك الحرب”. وتعتقد فرانك أن الألمان مستعدون للقيام بدور أقوى، ولكن ينبغى أن يفهم ذلك في السياق. وأضافت “إنها مقارنة بمستوى الاستعداد المنخفض من قبل”، وأضافت ” مقارنة بدول أخرى فإن ألمانيا لا تزال عند مستوى منخفض جدا “.

 

“سلسلة من الفرص الضائعة”

أليس بيلون غالاند، الباحثة في شبكة القيادات الأوروبية (ELN) قالت إن تاريخ الدفاع الأوروبي هو “سلسلة من الفرص الضائعة”، لكنها نوهت إلى وجود مبادرات جديدة مشجعة. وإحدى تلك المبادرات هي “بيسكو”، أو التعاون الهيكلي الدائم، الذي يقوم على تقاسم الموارد وسد الثغرات في قدرات الاتحاد الأوروبي. ومع صندوق مارشال الألماني، قامت بيلون غالاند بتحليل آفاق بيسكو التي تدعم ألمانيا وفرنسا. وتقول: “هناك فكرة عامة بأن الوقت قد حان لاتخاذ خطوة فعلية “. وكان هناك بالفعل إعلان عن صفقة مشتركة بين ألمانيا وفرنسا لشراء طائرات مقاتلة.

ويعتقد تايلور أنه بغض النظر عن كيفية وتوقيت اختيار ميركل وشركائها الحكوميين الجدد للاستثمار في الدفاع، فإن الأمور تحتاج إلى تغيير. ويدعو إلى المضي قدما باقتراح لم يكتب له النجاح حتى الآن لاعتماد البرلمان مسبقا لبعض الأعمال العسكرية للجنود الألمان الذين يعملون فى الناتو أو القوات متعددة الجنسيات الأخرى. وفي الوقت الراهن، يجب أن يوافق البوندستاغ على جميع الأعمال العسكرية الألمانية. وتحسين الكفاءة على مستوى الاتحاد الأوروبي من خلال إرساء قواعد تصدير أسلحة مشتركة للاتحاد الأوروبي وتنفيذها. وتعد ألمانيا بالفعل واحدة من أكبر مصدري الأسلحة في العالم.

وفي هذا السياق أوضح تايلور أنه “خلال الاثني عشر شهرا التي تلت التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “البريكسيت “، حقق الاتحاد الأوروبي تقدما أكبر على الورق من أجل إقامة اتحاد دفاع أوربي عما حققه”. وفى الوقت الذى يلاحظ فيه أن إزالة “العوائق” البريطانية سوف تسهل عملية صنع القرار، فإنه يدعو أيضا برلين وباريس للحفاظ على التعاون مع المملكة المتحدة، والتي هي أكبر منفق على الدفاع فى أوروبا”.

 

إما الآن أو أبدا

ويسعى تايلور في كتابه إلى تحديد أوجه القصور في الهياكل الدفاعية في ألمانيا والتخلى عن التفكير القديم مؤكدا أنّ ذلك سيتطلب موافقة ألمانيا وفرنسا على أولويات التهديد وكيفية مكافحتها على أفضل وجه وقال بهذا الخصوص”إن الصفقة تحتاج الى ربط أولوية فرنسا للتدخلات “الأمنية الصعبة “مع تفضيل ألمانيا لإتباع نهج شامل يهدف الى منع الصراعات وتوفير أدوات تحقيق الاستقرار بعد انتهاء الصراع وبناء الدولة وإعادة الاعمار. وأنه ” إذا تمكن اثنان من كبار المؤسسين في أوروبا من التوصل إلى اتفاق، فإنّ معظم الدول الأعضاء الأخرى ستكون حريصة على المضي قدما “.

 

اترك تعليقاً