هل تمتلك ألمانيا السلاح النووي قريبًا؟

عاطف عبد العظيم /

نشر موقع «ناشونال إنترست» مقالًا لستيفان زابو، أستاذ مساعد في مركز «بي إم دبليو» للدراسات الأوروبية والألمانية؛ يقول إنَّ أحد النتائج الرئيسية لإعادة التوجيه الإستراتيجي في ألمانيا، إعادة تنشيط النقاش حول تطوير الرادع النووي.

ويذكر زابو أنَّه لا يريد أحد في ألمانيا مناقشة هذه القضية بسبب تاريخ ألمانيا ونفورها من كل ما هو نووي. ورغم ذلك؛ سيصبح السؤال النووي لا مفر منه أمام صناع السياسة الألمان على المدى المتوسط. وأوضحت حرب بوتين الطائشة في أوكرانيا، وتهديده المستمر باستخدام الأسلحة النووية، أنَّ الردع النووي أصبح في مقدمة السياسة الأمنية الأوروبية ومركزها.

التهديد الروسي وخيارات النووي

وأوضح أن الغزو الروسي لأوكرانيا يمثل نهاية الترتيبات الأمنية ما بعد الحرب الباردة مع توحيد ألمانيا في عام 1990. ووفقًا له فقد دُفنت الآن جميع الافتراضات والسياسات التي شُكلت حول تلك التسوية، بما في ذلك التزام ألمانيا بعدم إنتاج أسلحة دمار شامل أو امتلاكها.

ويوضح خطاب أخير للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي كان من دعاة العلاقات الوثيقة مع موسكو، أن برلين تنظر الآن إلى روسيا على أنها تهديد للمستقبل المنظور. وبناءً على ذلك، فإن هذا يعيد فتح التزام برلين بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واعتمادها على الرادع النووي الأمريكي بصفته حجر الأساس لسياستها الأمنية.

لقد أضحت العوامل الرئيسية التي تحول دون تطوير القوة النووية الألمانية أضعف بكثير الآن. وتشمل العوامل اتفاقيات الحد من التسلح، وموثوقية الردع النووي الأمريكي، وتراجع ألمانيا عن برنامج الطاقة النووية المدنية، والمقاومة المحلية للطاقة النووية، والخوف من أن ألمانيا المسلحة نوويًّا ستحيي «المسألة الألمانية» مع شركائها الأوروبيين.

ويشير الكاتب إلى أنَّه على المستوى الإستراتيجي كان هناك انعكاس واضح لدور الحرب الباردة عندما كان الناتو قلقًا بشأن التفوق التقليدي للاتحاد السوفيتي. واليوم، من الواضح تمامًا أن التهديد الرئيسي لأمن ألمانيا وأوروبا لا يأتي من القوة التقليدية الروسية، ولكن من الابتزاز النووي والحرب الهجينة.

وقد دفع فشل الجيش الروسي في المجال التقليدي موسكو الاعتماد على الابتزاز النووي في أوكرانيا. ومع ذلك، فهذا ليس تطورًا جديدًا، فقد أعلنت روسيا منذ سنوات سياسة الاستخدام الأول على أساس أن الأسلحة النووية ستمنع تصعيد الصراع التقليدي. كان يُنظر إلى هذا الأساس لنشر القوات النووية الوسيطة على الأراضي الألمانية في الثمانينيات على أنه وسيلة لمنع روسيا من استخدام الابتزاز النووي.

وتجلت تداعيات هذه التطورات بالفعل في واشنطن وباريس، مع سماح مراجعة الوضع النووي لعام 2022 بإمكانية الاستخدام النووي لأول مرة في العقيدة الأمريكية، وأوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا أن الردع الفرنسي موجود لحماية الأراضي الفرنسية والدفاع عنها، ولا يمتد إلى الشركاء الأوروبيين.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن لألمانيا الاعتماد بعد الآن على الولايات المتحدة لتكون شريكًا مستقرًّا نظرًا إلى الأزمة التي تمر بها الديمقراطية الأمريكية، والاتجاهات الانعزالية المتزايدة داخل الحزب الجمهوري، فضلًا عن التحول الإستراتيجي في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين.

يكشف الكاتب أنه قد جرت مناقشات في ألمانيا في أواخر الستينيات حول ما إذا كان ينبغي أن يكون لها قوة نووية، وهو الأمر الذي دعا إليه وزير الدفاع فرانز جوزيف شتراوس. ولكن الفكرة نُحيت من خلال اقتراح ما يسمى بالقوة متعددة الأطراف (MLF)، التي اقترحها الناتو بديلًا لقوة نووية ألمانية مستقلة، ومع ذلك، لم ير الاقتراح النور مطلقًا، ومنحت ألمانيا دورًا في مجموعة التخطيط النووي التابعة لحلف الناتو تعويضًا لها. ووافقت على توقيع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وتخلت عن إنتاج الأسلحة الذرية والبيولوجية والكيميائية.

تخلي الحليف الأمريكي عن تعهداته

و خلال رئاسة دونالد ترامب، أثير هذا النقاش مجددًا نظرًا إلى فقدان الثقة في السياسة الأمريكية. ففي عام 2018، نشر العالم السياسي المتميز كريستيان هاك مقالًا في صحيفة «Welt am Sonntag» يجادل فيه بأن «دور ألمانيا الجديد بصفتها العدو الأول للرئيس الأمريكي يجبرها على إعادة التفكير جذريًّا في سياستها الأمنية».

وأوضح أنه «لأول مرة منذ عام 1949 تكون ألمانيا بدون المظلة النووية للولايات المتحدة. فبرلين باتت لا حول لها ولا قوة في حالة حدوث أزمة شديدة». ولم يكن هاك وحده الذي أثارة هذه النقطة، فقد قدم رودريش كيزيوتر، الخبير الدفاعي البارز لحزب الديمقراطيين المسيحيين في البوندستاج، هذه القضية أيضًا.

ووافق ألكسندر جراف لامبسدورف، نائب رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار وخبير السياسة الخارجية البارز، على أن صناع السياسة الألمان يجب أن يناقشوا هذه القضية علانية، حين صرح: «لم تشكل نهاية الحرب الباردة بأي حال من الأحوال نهاية عصر الأسلحة الذرية، يمكن للمرء أن يأسف لذلك، ولكن هذا هو الواقع».

ويرى الكاتب أن ثمة عاملًا رئيسيًّا آخر يحد من الخيارات النووية لألمانيا يتعلق بإغلاق منشآتها النووية المدنية، الذي أعلنت عنه المستشارة أنجيلا ميركل لأول مرة عام 2011 ومن المقرر اكتماله هذا العام..

وبينما يمكن لليابان وإيران أن تصبحا نوويتين بسرعة كبيرة، فإن هذا لن يكون هو الحال بالنسبة لألمانيا. ومع ذلك، فإن قرار برلين إغلاق محطات الطاقة النووية، تأخر بسبب حرب بوتين في أوكرانيا وانقطاع الطاقة الناتج من ذلك. لهذا، ستتمتع ألمانيا قريبًا بالقدرة على استخدام خبرتها النووية المدنية للأغراض العسكرية في غضون مدة قصيرة.

بطبيعة الحال، سيكون من الصعب الترويج لهذه الفكرة في ألمانيا، وذلك ليس فقط بسبب حزب الخضر الذي يتمتع بحضور كبير والذي كان مناهضًا للأسلحة النووية منذ تأسيسه، ولكن هناك أيضًا ضغط سلمي قوي من اليسار، لاسيما في الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الخضر.

لكن ألمانيا مجبرة على إعادة النظر في موقفها النووي بالنظر إلى البيئة الجيوستراتيجية. لقد اضطر حزب الخضر، والحزب الاشتراكي الديمقراطي بالفعل لتعديل وجهات نظرهما بشأن السياسة العسكرية والمناخية. وسيؤدي المزيد من التدهور في البيئة الجيوستراتيجية الأوروبية إلى مزيد من التغييرات في الائتلافات الحاكمة المستقبلية.

يختتم المقال بأنَّ هناك قلقًا من أن القوة النووية ستعيد فتح المسألة الألمانية، وتحفز تنظيم تحالفات أوروبية مقابلة. ومع ذلك، أوضحت الأزمة الأوكرانية أن أوروبا قلقة أكثر من نقص القيادة الألمانية في الدفاع وليس تعزيز ردعها. فكما لاحظ شتاينماير، تواجه ألمانيا الآن بعض الخيارات الصعبة للغاية. كوريا الشمالية نووية، وإيران لديها فضول نووي، واحتمال أن تصبح اليابان وكوريا الجنوبية قوى نووية، ما يثير السؤال التالي: لماذا يجب أن تظل ألمانيا متأخرة بالنظر إلى قوتها ومركزيتها بالنسبة للأمن الأوروبي؟

.