ملاحظات في العلاقة بين الجاليات والسفارات العربية في ألمانيا

د. نزار محمود //

تعيش في ألمانيا جاليات عربية يقدر عددها بما يزيد عن المليون ممن يتوزعون في أجيال متعددة، سواء ممن انحدر من بلداننا العربية، كرهاً أو طوعاً، على مدى العقود الماضية أو ممن ولد في هذا البلد. وحيث أن معدلات الخصوبة والولادات لدى الجاليات العربية عالية نسبياً فإن نسبة التواجد العربي في تزايد مستمر في ألمانيا، إضافة إلى حملات اللجوء والهجرة الجارية.

وفي هذا الشأن تشكل السفارات العربية، التي تزيد عن عشرين سفارة، وممثلية بعثة جامعة الدول العربية طرفاً مهماً في التعامل مع هذ التواجد إنسانياً وسياسياً وثقافياً واقتصادياً، يقتضي القاء الضوء عليه في دوره وواقعه وعلاقاته.

أسباب وظروف التواجد العربي في ألمانيا:

تعود جذور التواجد العربي في ألمانيا، مع بعض الاستثناءات، إلى منتصف القرن الماضي، والتي شكلت دوافع الدراسة والعمل في بداياتها أهم عوامل وأسباب ذلك التواجد. في حين شكلت الأسباب السياسية والأمنية والاقتصادية جل أسبابها في العقود الستة الماضية.

وعلى العموم يمكننا تصنيف تلك الأسباب إلى مجموعتين رئيسيتين:

1ـ مجموعة العوامل الطاردة، التي تتمثل بالظروف الأمنية من حروب واحتلالات ونزاعات (فلسطين وسورية والعراق واليمن وليبيا والسودان على وجه الخصوص) وسياسية واقتصادية وثقافية.

2ـ مجموعة العوامل الجاذبة، والتي تتمثل في ظروف السلام والأمان وفرص العمل والتعليم والحريات وحقوق الإنسان النسبية.

وبالطبع، يشكل الفلسطينيون المهجرون والمهاجرون بسبب ظروف الاحتلال، النسبة الأكبر في التواجد العربي في ألمانيا يليهم السوريون والعراقيون واليمنيون والليبيون بسبب الاحتلالات والتدخلات الخارجية والحروب والنزاعات السياسية الداخلية التي تدور منذ ما يقرب من عقدين من الزمان في بلدانهم.

إن استقراءً سريعاً لهذه الظروف والعوامل يقف على حقيقة أن الغالبية من ابناء الجاليات العربية لم يكن قد أتى طوعاً وإرادة إلى ألمانيا، وإنما جاء بفعل العوامل الطاردة التي أكملها فعل العوامل الجاذبة في ألمانيا، ناهيك عن من ولد في هذا البلد من أبناء هذه الجاليات لم يكن لهم الإرادة والخيرة في ذلك.

واقع الجاليات العربية في المانيا:

أشرت الى ان تواجد الجاليات العربية في المانيا كان قد تم بناءً على أسباب ودوافع مختلفة. وإذا كان يتمنى البعض أن نتحدث، مثالياً، عن جالية وليست جاليات عربية، فإن تلك الجالية أو الجاليات تعيش حالة تشتت وعدم اتحاد ورؤية واحدة في تعاملها مع واقعها وظروفها ودورها، وهي مسألة فرضتها تشتت البلدان العربية التي انحدرت عنها تلك الجاليات في انظمتها وأشكال تعاونها واختلاف رؤاها وتعدد سفاراتها، من ناحية، وتشظيها السياسي والثقافي من ناحية أخرى.

في ألمانيا تعيش الجاليات العربية سياسياً في جميع اشكال تنظيماتنا السياسية في بلداننا العربية، وهي غالباً ما تكون على عدم وداد وتعاون في ما بينها. وفي هذا لا يختلف الفلسطينيون، رغم خصوصية قضية تواجدهم في دول الخارج، ومنها ألمانيا. فالفلسطينيون مهجرون وليسوا مهاجرين، وفي ذلك خصوصية كبيرة.

كما تختلف الجاليات العربية في أساليب عيشها حسب تعليمها وقدراتها المالية والعملية وأجيالها المحتلفة، وكذلك في ثقافاتها ونظرتها للحياة ومستقبلها.

علاقة الجاليات العربية بسفاراتها:

لكل دولة عربية تقريباً سفارة تعمل على بناء علاقتها السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدولة المضيفة وتتولى مهام رعاية مواطنيها ممن لا زالوا يحملون جنسيات بلدانهم بالدرجة الأساس، إضافة إلى بعثة جامعة الدول العربية. ومعروف أنه تحكم عمل السفارات قوانين وأعراف دولية، واتفاقات ثنائية، تتقيد بحرفية نصوص تلك القوانين والأعراف والاتفاقات وتبتعد عنها بعض الشيء في مرونة مرهونة ومحسوبة.

ولكن هل يجب أن تنتهي علاقة السفارات العربية ومجلس سفرائها مع جالياتها العربية عند حدود النصوص القانونية وأعرافها الدولية وبتفسيرات يمكن أن تحدد كثيراً من تلك العلاقة، أم أن هناك مساحات مشروعة ومسموحة للتعامل مع ذلك التواجد العربي في بعده السياسي والثقافي والاقتصادي تستوجب استعداداً ومبادرة، لا سيما ونحن قد شهدنا على مدى عقود ماضية كيف تختلف تلك العلاقة في أبعادها بحسب القائمين على تلك السفارات وبعثة جامعة دولهم العربية؟

ولست طوباوياً لكي أدعي أن المسألة بهذه السهولة وتلك البساطة. فإذا كانت الجالية الواحدة جاليات، والجاليات ألوان وأطياف في رؤاها وواقعها، يصعب أمر التعامل الجمعي معها مسألة ليست بالسهلة على الإطلاق.

كما أنه لا زالت تقوم خنادق سياسية بين بعض السفارات، أو على الأقل الشعور بذلك، وجالياتها التي ربما هربت من أنظمة ذات البلدان التي انحدرت عنها.

رؤى ومقترحات في تفعيل العلاقة بين السفارات والجاليات العربية:

اعتقد أن كثيراً من دولنا العربية تتبنى نصيحة لكل مواطن لها يعيش في بلاد الغربة، وتقول له: أنت سفير بلدك في هذه البلاد! طبعاً سفير بلاده في التعريف بثقافة بلده وحضارته ومصالحه وقيمه وأعرافه ومساهماته في تطوير علاقات بلده وغيرها مما يدخل، بصورة غير مباشرة، في مهام السفارات كذلك.

ان تسهيل ودعم مهمات ابناء الجاليات العربية في هذه الاتجاهات من قبل السفارات العربية وممثلية بعثة جامعة الدول العربية، لا يساهم فقط في تحقيق أهداف تواجد السفارات العربية التي تكلف مئات الملايين من اليوروات سنوياً، وإنما يساعدها على رفع أداء مهامها، من ناحية، ويعبر عن حرص تلك السفارات على مواطنيها، الذين لا يزالون، أو هم من الذين يحملون الآن أوراقاً أخرى لا تخفي بلدان انحداراتهم.

وختاماً أود طرح التساؤلات التالية:

ـ هل ستكون المساهمة الخالصة في إيجاد مؤسسة وقفية للتعاون العربي الألماني تتسامى على التسييس والنخبوية الانتهازية، تعمل على تطوير العلاقات العربية الألمانية، وترعى مشاريع الجاليات العربية أمراً غريباً أو هدفاً لا يمكن تحقيقه؟

ـ هل هناك من مسموحات قانونية وأعراف دولية تتيح لسفارات دولنا العربية وبعثة جامعتنا من المشاركة في تحسين الأوضاع االحياتية لجالياتنا العربية في بلد الاغتراب أو المهجر عبر المؤسسات الألمانية المختصة دون الوقوع في مطب التدخل في الشؤون الداخلية للبد المضيف وعبر مشاريع دولية اقتصادية أو ثقافية مشتركة؟

ـ كيف، ومتى تحصل القناعة التامة لدى سفاراتنا العربية بأن جاليات عربية نشيطة ومرتبطة وجدانياً كذلك ببلدانها الأم، هي حالة ايجابية لها ولعلاقاتها مع ألمانيا؟

.