حول أهمية تفعيل العمل الجماعي لدى الجاليات العربية في المانيا

 

د. نزار محمود / المعهد الثقافي العربي

 

في معنى وأهمية العمل الجماعي:
يعني العمل الجماعي، كما توحي التسمية، أن يقوم مجموعة من الأشخاص من الذين يتشاركون خصوصيات زمانية أو مكانية أو خصائص سياسية أو إقتصادية أو ثقافية أو إجتماعية، وبالتالي أحلاماً وأهدافاً وظروفاً متشابهة أو متقاربة بالقيام بعمل جماعي يتطلب من أعضائه إيماناً بضرورته ونتائجه المفيدة المتوقعة، وإستعداداً ايجابياً للمساهمة بمتطلباته من معرفية ومهارية ومادية وزمنية وغيرها، وبروح عمل فريق متجانس ومتعاون.
وقد اتخذ العمل الجماعي صوراً وأشكالاً متعددة، ومن أمثلتها القريبة والمعروفة الجمعيات والإتحادات والاحزاب والتجمعات وحتى التحالفات وشبكات التعاون وما شابه.
ولقد اثبتت نتائج تلك الأعمال الجماعية، عند توفر شروطها وتحقق نجاحاتها، أهميتها ودورها وتأثيرها وما حققته من أهداف يصعب أو حتى يستحيل على الفرد لوحده بلوغها.
ومن الطبيعي أن يكون لنجاح العمل الجماعي من إشتراطات، جرى التنويه عن بعضها، وهي:
أولاً: الايمان والقناعة المطلقة بضرورة العمل وجدواه.
ثانياً: الإستعداد النفسي والأخلاقي للمساهمة في تحقيق أهداف العمل الجماعي.
ثالثاً: الإستعداد للمساهمة المادية أو المعرفية أو الزمنية الضرورية والمطلوبة الممكنة لتحقيق تلك الأهداف.
رابعاً: التنازل عن نزعات القيادة والرئاسة والهيمنة عندما يتبين أنها غير المناسبة أو ليست  الأفضل لتحقيق أهداف العمل الجماعي.
خامساً: إعتماد الأسس العقلانية والموضوعية في تحديد أهداف العمل الجماعي واحتياجاته بالدرجة الأساس دون إهمال تام للدوافع العاطفية لمجموعات هدف ذلك  العمل.
سادساً: الإلمام بالاشتراطات القانونية والإدارية في وضع دستور العمل الجماعي ولوائحه الداخلية وتحديد مسارات وعلاقات ومسؤوليات الأعمال المختلفة لتحقيق أهداف العمل الجماعي ومواصفات شاغلي مفاصله وقياداته.
من هنا نجد أن مئات منظمات العمل الجماعي المدني وفي جميع المجالات من سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية واجتماعية في الدول والمجتمعات المتقدمة تساهم بدرجة كبيرة وفعالة في تحقيق أهداف المنتمين لها والمنتفعين منها وداعميها.

واقع الجاليات العربية وعملها الجماعي:
تعيش الجاليات العربية في ألمانيا، في ما يخص منظمات العمل الجماعي، ظاهرة جديرة بالدراسة من حيث عدم فاعليتها أو تأثيرها، لأسباب سنأتي على ذكرها وتحليلها. فللجاليات العربية عشرات منظمات العمل الجماعي لكن الغالبية العظمى منها ليست بالفاعلة لابل والشكلية او النائمة. ولعل جل الأسباب تكمن في دوافع تأسيسها وضعف قابلية إداراتها المهيمنة.
وعلى الرغم من أن للأكثرية من أعضاء الجاليات العربية في ألمانيا ذات الخصوصيات والحاجات والمشكلات الحياتية، إلا أنها لم تتمكن من تأسيس لعمل جماعي مؤثر خلال عمرها الممتد لأكثر من سبعين عاماً.
كما لعب ويلعب العامل السياسي المتخندق والمتعاشق مع النزعات النفسية المتأصلة في حب الرئاسة والهيمنة للقائمين على كثير من منظمات العمل الجماعي العربي وما يصاحبها من قصور في الإمكانات والرؤى، دوراً حاسماً في تردي ذلك العمل لابل وفشله في تحقيق نجاحات واقعية وملموسة.
نحن نعلم، كما يعرف الكثيرون، أن للتواجد العربي خصوصياته في دوافعه وأسبابه. وكم كنا مع آخرين وفي مناسبات عديدة قد شاركنا بالتنويه عن تلك الخصوصيات وأخذها بنظر الإعتبار عندما يدور الحوار حول الاندماج لا سيما بمعناه الإنصهاري. لكن ذلك لا يعني البتة تغافل متطلبات الحياة في المجتمع الألماني ومؤسساته وإغفال حاجاته وظروفه الموضوعية والواقعية، إذا ما أردنا نجاحاً لعملنا الاجتماعي في تحقيق أهدافنا ذات المشتركات والخصوصيات في آن واحد. إن هذه الأمنية قد دفعت بنا، في المعهد الثقافي العربي في برلين، إلى تبني شعار: الإندماج المحافظ على الهوية، والهوية القابلة للاندماج، في جميع رؤانا وفعالياتنا الثقافية ومواقفنا.
فوضوح الرؤية للعمل الجماعي العربي في مثاليتها وواقعيتها والقفز على الأنا المتعصبة من أجل غاية سامية هو السبيل لنجاح ذلك العمل، الذي لم نوفق به للأسف لحد الآن لما ألمحت له من أسباب.
ان نظرة إلى واقع العمل الجماعي العربي في برلين مثلاً تدلل على ماذهبت اليه وأشرت له. هناك العشرات من الجمعيات والإتحادات والروابط العربية تأسست بالدرجة الأساس لأسباب سياسية وشخصية وبدوافع عاطفية وإنفعالية. وليس في ذلك عيب أو إنتقاص. لكن ما نحتاجه من عمل جماعي منظم ومؤثر في نتائجه يتطلب:
– أن يقوم ذلك العمل الواعي على أساس منهجي ذو أهداف مثالية وواقعية في آن واحد كما جرت الاشارة له.
– أن يتولى العمل من هو مؤمن بأهميته، قادراً على القيام بأعبائه بإعتباره مسؤولية وأمانة.
– أن يراعي العمل الجماعي العربي حاجات البيئة المزدوجة التي يتحرك فيها وحاجات أجياله وفق مرحلية تأخذ إشتراطات الزمان والمكان.
إن مراجعة سريعة لواقع جمعياتنا وإتحاداتنا العربية في المانيا يؤكد حاجتنا الماسة إلى ما ذهبت إليه من إشتراطات.
من هنا فان الرؤى في تفعيل العمل الجماعي لدى الجاليات العربية يجب أن تنطلق من واقع ونتائج عملنا الجماعي غير الموفق وما جرت الإشارة له.
نحن نعلم كم هي مهمة الدوافع السياسية والشخصية لدى كثير من المبادرين في تأسيس الجمعيات والاتحادات العربية. فتعدد الانتماءات السياسية والرؤى الحياتية هي حالات ومظاهر إختلافات لا تستقيم الحياة وتتطور بدونها، وعلينا أن نعيش ونتعايش معها بصورة إيجابية وأن لا نسمح لها أن تتحول إلى خلافات، لا سيما الشخصية منها، تهدم ما نصبو له من عمل جماعي فعال.

إن قناعاتنا وميولنا السياسية وانتماءاتنا هي حقوق مشروعة، لكنها لا ينبغي لها أن تشكل خنادق وتحزبات من شأنها تقزيم أو نحر العمل الجماعي الواعي والفاعل. كما أنه ليس هناك من إكراه لأحد على المشاركة في أي عمل جماعي لا يرتقي إلى قناعاته وميوله.

ولا يفوتني في الختام أن أشير إلى أن النجاحات الفردية التي تتحقق هنا وهناك، ربما لأسباب عدم نجاح العمل الجماعي، أن تكون بديلاً عن ذلك العمل الناجح الذي نطمح له ونصبو إليه ونتمناه.

 

اترك تعليقاً