حكومة ميركل .. و تحديات عديدة

د. أمير حمد

شغلت قضية تقلب المناخ ألمانيا في الآونة الأخيرة، إذ قررت صرف 42 مليار يورو في السنة القادمة لمكافحة تلوث البيئة بالانبعاث الحراري مما أدى إلى زيادة ذوبان الثلوج وارتفاع منسوب البحار والحرارة وحرائق الغابات.

تقول وزير البيئة حزب CSU  بأن ألمانيا ستزرع غابات شوكية تقاوم التغيير المناخي بدلا من الغابات الهشة العاجزة عن مواجهة تقلب المناخ.

هذه قضية واحدة من قضايا عدة كتدني النمو الاقتصادي ، أزمة المساكن وارتفاع أسعارها . كذلك تسببت الحرب الاقتصادية بين أمريكا والصين ومغادرة انجلترا الاتحاد الأوروبي وارتفاع الضرائب، هذا إلى جانب قضية اللاجئين المحور الأساسي الذي يحرك ويؤكد كل هذه القضايا والذي نحن بصدده في هذا المقال .

من الملاحظ أن هجرة اللاجئين إلى أوروبا ازدادت احتقانا الى درجة أن تُحرق مساكنهم لعدم مبالاة الدول المستقبلة لهم كاليونان مثلا والتي احترق فيها لاجئين وتأخرت قوات الاطفاء وفشل حراس الأمن في ضبط الفوضى وغضب اللاجئين إزاء احتراق لاجئة حامل!!!  ان مركز “موريا” لاستقبال للاجئين في اليونان صورة واضحة للأزمة.

ذكر رئيس وزراء اليونان مدافعا عن موقف حكومته انه قرر تسفير 10 آلاف لاجئ سوري إلى تركيا لصعوبة تقبلهم في الوضع الراهن ولطرح أردوغان مشروع توطين لاجئي سوريا في شمالها في شريط كلس، إذ ضاقت بلاده هو كذلك بلاجئي سوريا “ثلاثة ملايين لاجئ سوري”.

من جانب آخر اتفق وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا ومالطا وايطاليا بفتح موانئ مالطا وايطاليا للاجئين على أن يغادروا في غضون ثلاثة أيام الى دول الرابطة الأوروبية الأخرى، إذ أعلنت ألمانيا استقبال ربع اللاجئين كما أبدت فرنسا والبرتغال وبلجيكا تقبلها لاحتواء اللاجئين الجدد لتخفيف العبء على إيطاليا، اثر ان انفتحت على سياسة الرابطة الخاصة باللاجئين التي ظل يرفضها بكاملها (ماتيو سالفيني) وزير داخلية ايطاليا السابق المتطرف.

وقد ناقشت ألمانيا مؤخرا وضع اللاجئين وتدفقهم إلى أوروبا لاسيما إلى فرنسا وألمانيا، فاعترض الحزب الليبرالي fdp بأن استقطاب المانيا لنسبة كبيرة من اللاجئين اكثر من أي دولة اوروبية أخرى لا يصح. يقول ( ليندر) رئيس الحزب بأن المانيا تخاف من الهجرة الاقتصادية التي حولها اللجوء الى تجارة !!  وانتقد في المقابل تقلب منهج (زيهوفر) وزير الداخلية csu المسيحي الاشتراكي بتعاطفه مع اللاجئين، إذ انه صرح في اتفاق وزراء الأربعة (ألمانيا ـ فرنسا ـ مالطا وايطاليا) بالتزام ألمانيا باستقطاب ربع نسبة اللاجئين القادمين الجدد.

يقول(زيهوفر) بأنه لا يسمح أن يرى المستضعفين اللاجئين يغرقون أو يهيمون أسابيع وشهور في البحر دون أن يسمح لهم بالرسو، ودراسة طلبات لجوءهم، وقال مواصلاٌ أنه وزير داخلية منضبط ومتشدد كما عُرف عنه وما تساهله في استقطاب اللاجئين إلا بادرة أولى لتشجيع دول أوروبية أخرى للمشاركة الطوعية في استقطاب اللاجئين، وقال بأن سياسة ألمانيا الخاصة باللجوء ستظل تراقب الحدود وتُسفر غير المرغوب فيهم وتُراقب بشدة وجود اللاجئين للحفاظ على أمنها ومنظومتها الاجتماعية والدينية وتصعيد طاقات اللاجئين للعمل لدعم الاقتصاد الاساسي.

وقال (زيهوفر) إن شرق ألمانيا سيلحق مائة بالمائة بغربها بعد عشرة أعوام فقط لأن حكومة ميركل تسعى لرفع الأجور وإنعاش الاقتصاد بتوطيد عديد من الشركات في الشرق لتتوقف هجرة الألمان الشرقيين إلى غربها وخارج ألمانيا فيما تتنامى نسبة العجزة وتقل نسبة النمو الاقتصادي، الذي يبشر بصعود النازية من جديد وتدهور أحوال اللاجئين المنتشرين في الولايات الشرقية.

ها هو ترامب يعود على مسرح الأحداث ليؤكد محورية وتشابك وعالمية قضية اللاجئين، إذ ذكر أمام متابعيه من الحزب الجمهوري أنه سيدافع عن أمريكا لأجل الأمريكيين بالتخلص من أكبر عدد من الأجانب، لاسيما لاجئي جنوب أمريكا الغير شرعيين ، قال أن على اوروبا ألا تغالي في الدفاع عن اللاجئين وانه على استعداد لترحيل لاجئي جنوب امريكا وعصابات المخدرات والدعارة إليها وعلى رأسها ألمانيا، لم يكن غريبا أن يكرر ويتحدى ترامب سلطته الفردية الشبيهة بسلطة الملك فريدريش القائل “أنا الدولة”، ويظل ترامب رئيس متقلب المزاج وعنصري أساء إلى الأديان والأجانب وأصحاب البشرة الداكنة والإعلام .

لقد خسر ترامب أمام المحاكم في تطبيق إجرائه الخاص بسجن اللاجئين الجدد على الحدود لمدة شهر ونصف إلى أن تتم نتيجة فحص طلبات لجوئهم …لا يهم إن كان منهم أطفال أو نساء حاملات، وقد عجز في تطبيق إجرائه هذا لاعتراض الديمقراطيين عليه . كما يبدو أن ترامب يخاف خسارة ترشيحه للدورة الثانية نهاية عام 2020 لاتهام الحزب الديمقراطي له بالتورط في الضغط على رئيس اوكرانيا لإدانة ابن جون بايدن مرشح الحزب الديمقراطي المنافس له واستغلال نفوذه كرئيس لتخويف رؤساء استراليا وبعض دول جنوب امريكا اللاتينية وكذلك ايطاليا .

الحل خارج الحدود

نعم إن ملف قضية اللاجئين ملف ربط كثير من دول العالم ليس كقضية اتفاقية فحسب بل كقضية لأمر داخلي مهم بإمكانه تغيير منظومة الدول المضيفة رويدا رويداٌ. قال (زيهوفر) في زيارته لتركيا بأن ” تركيا لم تعد صمام أمان لأوروبا فقط بل للعالم كله بتبنيها لأكثر من 3 مليون لاجئ سوري” ووعد بأن تقف ألمانيا والرابطة الأوروبية جوارها لحل كثير من قضاياها الاقتصادية وفي الوقت ذاته اعترض على مشروع تركيا لإقامة مستوطنات آمنة شمال سوريا وهي وجهة نظر الرابطة الأوروبية كذلك ومنظمات اللاجئين وحقوق الإنسان.

إلى جانب أخر جاء في تقرير رسمي من منظمة اللاجئين العالمية ومنظمات إنسانية أخرى بأن 600.000 بلا هوية وجنسية من الرومان وبعض أقليات شرق أوروبا وكذلك من ولدوا من المهاجرين واللاجئين أثناء تشرد آبائهم طلبا للجوء في أوروبا مثلا

يقول مسؤول يوناني مختص باللاجئين في لقاء بإذاعة إنفو أن المشكلة الأساسية تكمن في تنظيم اللاجئين وهي ليست مشكلة مادية فميزانية اللاجئين لم تصرف بعد، قال مواصلا ً بأن 4000 طفل لاجئ موجود في جزر اليونان لم ينظر في طلبات لجوئهم وأن اليونان سيرحل في الفترة القادمة ما لا يقل عن 100 ألف لاجئ إلى تركيا .

من المعلوم بأن يونكه رئيس الرابطة الأوروبية قد انتقد دوره إذ وصف نفسه فاشلاً في حل قضية اللاجئين رغم كل جهوده لإقناع دول شرق أوروبا لاسيما بولندا والمجر لاستقطاب اللاجئين الأطفال والأمهات إذ لا تشكل هذه الشريحة خطراً واضحاً لاقتصاد هذه الدول المدعومة مباشرة من ميزانية الاتحاد الأوروبي، ومن جانب أخر انتقد ماكرون رئيس فرنسا وكذلك رئيس وزراء اليونان تركيا لتركها لآلاف اللاجئين للقدوم إلى اليونان بهم وتعاني من تضخم تعدادهم و وبطء الاتحاد الأوروبي لتخفيف وطأة اللاجئين،  أما ما يخص ألمانيا فقد صرح (زيهوفر) في زيارته الأخيرة لليونان بأن ألمانيا ستدعم اليونان بالتقنيات الحديثة والكمبيوترات ومنصة وقوارب بحرية لضبط وتسهيل إجراءات اللجوء وستدعم الموظفين المختصين بطاقم ألماني كبير لينظم معهم إجراءات اللجوء، وإلى جانب أخر أكد رئيس وزراء اليونان بعزم بلاده على تشديد إجراءات اللجوء وسرعة فحص طلباته ومن ثم تسفير اللاجئين، نعم قد توعدت اليونان إرجاع 100 ألف لاجئ حتى نهاية هذا العام لانفتاح هجرة اللاجئين على جزرها القريبة من تركيا.

لم تُختزل المستشارة ميركل من المشهد السياسي هذا إذ طالبت كعادتها بإدارة قوية والتماس الصبر والتمسك بقيم حزبها المسيحية لمؤازرة الأخر والمستضعف، هذا كما ذكرت في خطاب لها10 بهجرة وتشرد ولجوء الألمان من قبل وعيشهم تحت سلطة وهيمنة نظام المانيا الشرقية الشيوعي .

وذكر كثير من اليونانيين بأن اليونان ربما تشهد تحول سياسي يميني راديكالي كما حدث في ايطاليا لارتفاع نسبة اللاجئين فيها دون أن يسافروا بسرعة أو يتم توزيعهم على بقية دول الرابطة الأوروبية.

يقول بوريس جونسون رئيس وزراء انجلترا وصفاً أزمة اللاجئين بـ “اللاخيار” أو “المتاهة” فسر ذلك لأن اللاخيار هو الوضع الراهن في الحالتين فيما يخص اللاجئين، إما أن تتقبل اوروبا حشودهم الغفيرة أو تتركهم للغرق في البحر كسياسة سلفيني وزير داخلية ايطاليا السابق.

بهذا نطرح سؤال .. أين تكمن أزمة اللاجئين وما سببها؟؟

رد كثير من المهتمين بهذه القضية بأن نشوب الحروب في سوريا والعراق وأفغانستان هي السبب المباشر لنزوح اللاجئين إلى أوروبا، أما اللجوء الاقتصادي فسببه الفقر والبطالة وأزمة المناخ في غرب وشرق افريقيا.

وضعت الرابطة الأوروبية قضية اللاجئين في أولى اهتماماتها في هذه المرحلة وأكدت في اللقاء المشترك بين وزراء داخلية دولها على جهود ألمانيا وتوقعت ارتفاع عدد الدول الأوروبية لاستقطاب اللاجئين الجدد إثر ان التزمت ألمانيا بتقبل ربع النسبة. جاء هذا بعد أن أنجز (زيهوفر) رحلته إلى تركيا واليونان. قال مسؤول رفيع في الرابطة بأن موقف حزب CSU الذي ينتمي إليه (زيهوفر) هو الموقف الذي تسير عليه الدول المساهمة في تبني اللاجئين وقال بأن هذه المساهمة طوعية ويمكن لأي دولة الانسحاب من مسؤولية تبني اللاجئين الجدد كما أن استقطاب اللاجئين لا يعني دعم وتشجيع المهربين على الهجرة القسرية، التي ظلت وستظل الرابطة تقاومها بكل جهودها.

وكما ذكرنا سابقاً ان البرتغال  قد أبدت موافقتها على تبني اللاجئين إلى جانب ألمانيا وفرنسا وايطاليا و مالطا لاستقرارها الاقتصادي ونموها المطرد تحت الحكومة الاشتراكية واليسار التي أعيد انتخابها من جديد. إذ استطاعت الحكومة تقليص نسبة البطالة وتحسين وضع المواطنين. وصرح رئيس الوزراء البرتغالي أن فوزه للمرة الثانية يؤكد ثقة شعبه ببرامج حزبه الاشتراكي، إلا أن هذا الفوز لا يعني التوقف بل العمل قدماً لمشاريع عدة تجلب الاستثمار للبرتغال الى جانب السياحة هذا إلى جانب الالتزام بعضوية الرابطة الأوروبية.  

بهذا يعني رئيس الوزراء البرتغالي المساهمة الطوعية في تقبل نسبة من اللاجئين الجدد كما ذكر مؤخراً،  قال بأن بلاده بحاجة إلى أيد عاملة في المزارع وحقول الفاكهة والخضار والزيتون والليمون وكذلك رجال الإطفاء لكثرة الحرائق التي تنشب بفعل ارتفاع الحرارة وسرعة الرياح.

وأثنى زيهوفر على دعم البرتغال لتقبل اللاجئين أملاً في مزيد من دول الرابطة لدعم هذا الواجب الإنساني الاختياري الذي ظلت دول شرق اوروبا ونيوزيلندا والمجر ترفضه بشدة.

ختاماً لا تمثل قضية اللاجئين قضية محورية في السياسة الألمانية أو الشارع العام لوحدها فهناك قضايا أخرى كاتساع الهوة بين الفقراء والأثرياء بفعل تدني الأجور وارتفاع الضرائب وأزمة السكن والمحافظة على المناخ بالإضافة إلى تزايد خطر اليمين المتطرف.

.