اللاجئون والمسلمون .. ورقة رابحة لصعود اليمين المتطرف

د/ أمير حمد

لم يكن تكريم ومنح ميركل الدكتوراه الشرفية من جامعة هارفادر النخبوية الأمريكية مفاجأة لها وللرأي العام، فبروز صورة ميركل كنقيض لترامب أهل لتقديمها كآخر سياسية رشيدة، داعية إلى الانفتاح والحفاظ على البيئة ودعم اللاجئين.

كوفئت ميركل على سياستها البرغماتية والانسانية معا، هذا إلى جانب دفاعها عن استقطاب اللاجئين المشردين بفعل الحرب، وإن تعسر ذلك على الأوروبيين المضيفين كما وضح ذلك.

يقول مراقبو هذا التكريم المهم أن شعار ميركل المشهور ” بمقدورنا ذلك، سنتجاوز الأزمة” هذا امتداد لشعار أوباما الرئيس السابق القائل “نعم نستطيع”.

على النقيض صرح ترامب ساخرا من ميركل بأنه سيتوسط لنقل لاجئين جنوب أمريكا إلى ألمانيا فهي دولة مرحبة باللاجئين!! وذهب أكثر اذ هدد المكسيك برفع نسبة الضرائب على صادراتها لاسيما وأن تسلل المهاجرين/ اللاجئين تجاوز 30 الف.

لن ننته من ترامب في أمريكا الذي يحاول انعاش اقتصادها بكل السبل وبأي تجارة كصفقات السلاح مع السعودية التي تجاوزت 300 مليار دولار. لن ننته منه اذ قدم إلى انجلترا في زيارة لثلاثة أيام هاجم فيها عمدة لندن صادق خان ووصفه بالأحمق والفاشل وتدخل في السياسة الانجليزية بدعمه لترشح بورس جونسون وزير الخارجية السابق، والمطالب بخروج انجلترا من الرابطة بأسرع وقت.

لم يكسب ترامب من هذه الزيارة إلا صور له وأسرته مع الملكة، التي أثنت على المؤسسات العالمية المنشأة بعد الحرب العالمية الثانية والتي انتقدها ترامب بشدة، وقد جمعه اللقاء مع الأمير تشارلز داعم وراعي البيئة التي يعتبر ترامب الدفاع عنها تضييع للوقت اذ لا يوجد تغير مناخي في زعمه!!!

خرج أكثر من 250 ألف متظاهر في انجلترا ضد ترامب كرئيس متعالي و صاحب سياسة خاطئ لا تحافظ على البيئة وداعية للانغلاق وتجارة السلاح وكراهية الأجانب واللاجئين والعنصرية، هذا إلى جانب تحقيره للمثليين والمعوقين والنساء أيضاً.

يقول متابع لهذه المظاهرة الضخمة أن اللافتات تعددت كالهتافات نفسها لاسيما من قبل النساء. ما يهمنا من هذه الزيارة هو وقوف ترامب على شهداء النورماندي اللذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية وتواجد ميركل هناك.

من جديد تظهر ميركل كصورة مثالية ضد ترامب ففي جامعة هارفارد مثلت ميركل الوجه الحضاري المنفتح وترامب الرجعية والتحوصل. أما هنا فكانت ميركل المستفيد من دروس التاريخ وأخطاء الحرب وعليه الداعية إلى السلام وتقليص تجارة السلاح أو إيقافها تم أمكن ذلك أصلا، أما ترامب فهو صورة لتاجر سلاح كبير متحفز لشن الحروب علنا كما فعل بإغلاقه على اللاجئين ومحاولة ايقاف هجرة المسلمين إلى أمريكا والحرب ضد إيران وتغير خارطة الشرق الأوسط، إثر اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل ودعمها لاحتلال الجولان.

ضعف الاحزاب التقليدية

يقول محلل انجليزي في “بي بي سي” أن وقوف ميركل جوار تريزا مي مثل صورة انهيار الأحزاب المحافظة، تريزا مي بارحت منصبها بعد أن تمزق حزبها، وميركل موعودة كذلك بضعف حزبها أكثر أو ربما حل حكومتها بعد ان اعتزلت “نالس” رئاسة حزب SPD المشارك في الحكم. 

ولكي نوضح أكثر نذكر بأن الحزب الاشتراكي SPD قد قبل التحالف عن كره “زواج قسري” مما أدى إلى فقدان نهجه وتخلف برامجه واحتوائها على أفكار من أفكار الحزب المسيحي CDU ، حزب ميركل.

لهذا طالب برلمانيين من الحزب الاشتراكي بعودته كحزب معارض ليوضح برنامجه وتعلو نسبة الناخبين، التي تدنت في انتخابات الرابطة الأوروبية وفي الانتخابات البرلمانية في ولاية بريمن الأخيرة.

عرفت نالس، زعيمة الحزب الاشتراكي، بدعوتها إلى تشكيل تحالف مع الحزب المسيحي CDU، اذ ترى بأن الفرصة أوسع لتحقيق مطالب حزبها من داخل الحكومة وليس من خارجها كمعارضة، ومن ناحية أخرى خسرت نالس كرئيسة لأسباب عدة من ضمنها وقوفها مع سياسة تنجيم الفحم الحجري للإبقاء على الأيدي العاملة وأهملت في المقابل الدعوة إلى الحفاظ إلى البيئة مثل قيادة حزب الخضر ورواد المنصات الاجتماعية الشباب.

يرى أكثر من محلل ألماني بأن لعبة الكراسي قد بدأت في السر للتنافس على منصب ميركل وذلك بعد أن هوجمت كارنباور الزعيمة الحالية لحزب CDU الحاكم لدعوتها بمراقبة حرية الانترنت، الهجوم الذي شنه منظمي البيئة على حزبها اضافة إلى احتمال فك حكومة ميركل ورفضها للحكم بحكومة أقلية. 

أما حزب SPD الحليف فموعد تقرير مصيره لن يتجاوز شهر سبتمبر القادم حيث الانتخابات البرلمانية لأربع ولايات مهمة شرق ألمانيا يتوقع فوز حزب البديل المتطرف AFD الرافض للأجانب، أي أن خسارة SPD المتوقعة في سبتمبر تعني بالضرورة خروجه من الحكومة وبالتالي نهاية حكم ميركل.

كان وقد تناولت CNN  مستقبل الحكومات المحافظة في أوروبا وإعجاب أوباما بها لاسيما ميركل.

نقول CNN أن أمريكا هي الدولة الأولى في قائمة التجارة والاستثمار، فيما تقع انجلترا في مرتبة الدولة السابعة في قائمة التجارة وربما تنحدر أكثر لضعفها ورغبتها بالدرجة الأساسية في المنافسة بتصدير السلاح إلى دول الخليج والتدريب على التجسس الحربي. يقول ترامب أن ميركل وتريزا مي لا يتفقان البتة مع سياسته ومنظوره إلى العالم. وربما ناسبته “مارغريت تاتشر” رئيسة وزراء إنجلترا الليبرالية المتطرفة سابقا التي قضت على أحزاب العمال ونقاباتهم في انجلترا وحولت لندن إلى مدينة مصرفية وقلصت النظام الاجتماعي اذ وصفته بالتطفل.

في ملف اللجوء والهجرة والمسلمين

طالب رئيس اسبانيا الاتحاد الأوروبي بدعم المغرب ب 120 مليون يورو لمكافحة الهجرة السرية، اذ اعتبر جهود المغرب لإيقاف قدوم اللاجئين إلى أوروبا جهد عظيم يستحق تثمينا اعتناء الرابطة. هذا وقد ذكر وزير داخلية المغرب بأن أكثر من 30 ألف لاجئ من افريقيا وآسيا ثم توقيفهم من الهجرة إلى أوروبا تفاديا للغرق وتهميشهم هناك في ساحل أوروبا الجنوبي. يقول بأن أكثر من 60 شبكة سرية لتهريب اللاجئين تم كشفها وتعطيل نشاط المهربين وأتيح لكثير من اللاجئين فرصة البقاء في المغرب للعمل وتأمين حياتهم من الحروب والتشرد وقهر واستغلال المهربين وتجار البشر. أثنى المغرب على طلب اسبانيا لدعمها واعتبرها شريك معه في استقطاب اللاجئين لقربها من شمال المغرب.

هذا وفي الوقت نفسه اعترض سلفيني وزير داخلية ايطاليا على منح المغرب دعما ماليا وإقصاء ايطاليا من كعكة اللاجئين، اذ اعتبر ايطاليا الوكر الاساسي لقدوم اللاجئين، وانتقد بشدة تحذير الرابطة لتجاوز ايطاليا سقف الديون 60 مليار، اذ وصلت إلى أكثر من 120 مليار يورو، علما بأن معظم هذه الديون للدعم الاجتماعي وليست للدعم الاقتصادي الايطالي.

لا تقلق ايطاليا وحدها الاتحاد الأوروبي، ولا خروج انجلترا من الاتحاد، انما اليونان كذلك بازدياد شكواها من ارتفاع نسبة البطالة فيها وتدني فرص الاستثمار إلا في مجال السياحة. نقول هذا ونذكر بأن اليونان استطاعت باتخاذ سياسة التقشف المملية عليها من قبل الرابطة، لاسيما ألمانيا، الخروج من الأزمة الاقتصادية. وكما ذكرنا سابقا فأن جنوب أوروبا لا تزال تقلق الاتحاد الأوروبي فاليونان مثلا لا يفتأ يطالب ألمانيا ب 300 مليار يورو كتعويض للخسائر التي سببتها النازية الألمانية في غضون احتلالها لليونان، مما أخر تطورها وانتعاشها الاقتصادي.

حذر متحدث حزب SPD الاشتراكي من محاولة اتباع سياسة الحزب الاشتراكي الحاكم في الدنمرك الخاصة بسياسة اللاجئين المتشددة، القائمة على الزامهم على العمل ومنح الأولوية لاستقطاب وقبول طلبات مهاجرين ومطاردين من دول أوروبية. يقول المتحدث أن أي حزب اشتراكي يقوم على سياسة انسانية واجتماعية منفتحة على الألمان والأجانب، وان فوز الحزب الاشتراكي الدنمركي فوز ارتبط بسياسة يمينية لا تنسجم مع الأحزاب الاشتراكية.

من المعلوم أن الحكومة الألمانية بقيادة حزب CSU الحليف المتشدد قد وافقت على تشديد اجراءات تسريع تسفير اللاجئين المرفوضين وتقليص المساعداتهم  المالية لغير الملتزمين بالقوانين الألمانية والسماح لقوات الشرطة بتفتيش منازلهم في حالة الاشتباه.

يقول زيهوفر وزير داخلية ألمانيا أن تشديد الاجراءات يأتي في وقت واحد مع تعديل فتح باب الهجرة للاجئين المؤهلين ليعملوا في ألمانيا إن أتيحت لهم فرصة عمل. أما  الحزب الليبرالي FDP فقد رحب بقدوم الكفاءات الأجنبية لإحياء الاقتصاد الألماني، وقال  إلا أنه يستوجب اتاحة هجرة العاملين إلى ألمانيا وفق قوانين هجرة عمل وألا يصبح اللجوء طريق للهجرة إلى ألمانيا لأجل العمل فيها. هذا وقد أكد حزب FDP وحزب الخضر على ضرورة ابقاء اللاجئين المؤهلين ليعملوا في ألمانيا.

يقول حزب FDP بأن مثل هذا الاجراء لا ينفي أن تتبع ألمانيا نظام النقاط الكندي القائمة على المؤهلات وإجادة اللغة والعمر كشرط لفتح باب الهجرة، أما حزب CSU فلا يوافق البتة على مبدأ أن تتحول ألمانيا إلى دولة هجرة، رغم أن الواقع يؤكد النقيض، إذ أن هجرة الأجانب واللاجئين واتحاد أوروبا برهان على تحول ألمانيا إلى دولة هجرة، لاسيما وهي الدولة الاقتصادية الأولى في الاتحاد الأوروبي مما يجعلها أكثر جاذبية لهجرة الأجانب واللاجئين على حد سواء.

يقول محلل سياسي في تلفزيون فونكس بأن غياب ميركل عن الساحة السياسية بشكل واضح وجهودها في السياسة الخارجية على أحسن الفروض وضع كارنباور رئيسة حزب CDU بعد ميركل في منصب مسؤولية اخراج الحزب من تدني شعبيته. لأول مرة يحصد حزب الخضر المركز الأول في شعبية الأحزاب، رغم بتبنيه لقضايا البيئة ودعم العائلات واللاجئين ومجابهة التسلح واحترام الحرية الفردية. إن كل ما سعى إليه حزب CDU في الوقت الراهن هو تسفير أكبر عدد من اللاجئين وفتح باب الهجرة للكوادر المؤهلة وفي الوقت ذاته قانون الهجرة الجديد.

ذكرت صحيفة “دي فيلت” بأن الأحزاب الحاكمة مرت بتدهور كبير وخلافات هددت ولا تزال تهدد بحل التحالف الحاكم، أما تحقيق قانون الهجرة الجديد هذا على أرض الواقع سيؤكد قوتها وتماسك التحالف.

ذكر سكرتير عام الحزب المسيحي الأسابق بأن فكرة مؤتمر الإسلام الألماني كانت محاولة جادة لتوحيد صفوف المسلمين عبر ممثليهم، إلا أنها فشلت كما يبدو ـ علما بأن هناك أكثر من 600 ألف اتحاد في ألمانيا من بينها كم هائل من الاتحادات الاسلامية الموالية لقضايا الأجانب لم تؤثر على إنجاح مشروع اسلامي متطور متفائل مع ديمقراطية الغرب كما نجح المسلمون في انجلترا. أما حزب AFD اليميني فلا يرى أية دعوة لإنجاح مشروع اسلامي في ألمانيا، اذ يرى الاسلام رأس الداء يليه حشد اللاجئين. كان وقد تحاور هذا الحزب مع أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، لاسيما الايطالية، عن طريقة طرد اللاجئين بل وإقامة جدار عازل ضخم كما يسعى دونالد ترامب.

في لقاء رائع أجرته اذاعة أنفو مع السكرتير العام لحزب CDU الحاكم حول تحولات العالم الراهن، قال بأن قضية اللاجئين شكلت محورا رئيسيا إلى جانب تطرق ترامب لسياسة إحياء الدولة القُطرية والتحوصل، وتركه العالم بالتالي للقوى الأخرى كروسيا التي تُسير الآن سياسات العالم. قال أن اشهار ترامب للسلاح الاقتصادي بتهديده رفع الضرائب وقطع تعامل أمريكا مع الدول الأخرى تشجع في المقابل لتماسك أوروبا وتوجهها إلى السوق الآسيوي وروسيا.

قال وحدها المكسيك التي خضعت لسياسة ترامب هذه، اذ استجابت لمراقبة حدودها ومحاربة الهجرة السرية بنشر 60 ألف جندي على حدود المكسيك مع الخط شمالا لمنع اللاجئين لدخول المكسيك ومن ثم هروبهم إلى أمريكا. لا أحد يعلم بمغبة تفاقم وانتشار مثل هؤلاء اللاجئين في دول أمريكا الجنوبية حيث يتعاظم العنف وتجارة المخدرات…!

أخيرا نشير إلى أن قضية اللاجئين هي الورقة الرابحة لتصعيد اليمين المتطرف وأحزابه مثل AFD  لكسب الانتخابات البرلمانية في الخريف القادم. أربع ولايات شرقية (ساكسن، ساكسن أنهالت، تورينجن وبراندنبورج) ستحدد نجاح الحزب الحاكم وحليفه الاشتراكي أم خسارتهما ومدى نجاح الأحزاب اليمينية.

لقد أصبحت ميركل أيقونة عالمية ارتبط اسمها بالدفاع عن اللاجئين وسياسية الوسط وسيكون سقوطها سقوطا لكفة عالمية كاملة، وتقف في وجه سياسة ترامب النرجسية القائمة على اقتصاد السلاح والتحوصل وأن تكون أمريكا الأولى لا غير …

.