مصائب قوم .. عند قوم .. “سياسة”

 

د/ أمير حمد

 

لا يفتأ ملف اللاجئين بأن يأتي بجديد ليمهد لحرب سياسية طاحنة، هذا هو الحال هنا في هذا المقال الذي يناقش مجددا قضية اللاجئين ومستجداتها المتوالية تباعا.

فلنقرأ معا مستجدات ملف اللاجئين في ولاية بريمن والضغط على ميركل  وتهور حزب AFD وتطورات السياسة الايطالية والأمريكية المعنية بألمانيا. قال بيتر شلاتور الصحفي الألماني المرموق أن فصل السياسة الداخلية عن الخارجية لا يختلف عن فصل المواطنين بالداخل عن الناس خارج حدودهم، مما يعني فشل مثل السياسات في عالم اليوم.

هذه مقالة جديدة ضمن سلسلة “عين على اللاجئين” تحاول عكس مستجدات السياسة الداخلية والخارجية الألمانية على حد سواء.

ما أن كشفت تفاصيل احتمال عدم التوفيق فيما يخص  طلبات اللجوء بولاية بريمن إلا وطولب زيهوفر وزير الداخلية بمحاسبة المسؤولين، هذا كما اتُهم بتقصيره عن متابعة ملفات اللاجئين. أكثر من 1200 طلب لجوء أُجيز دون تحقيق دقيق في مستندات وهوية اللاجئين وعما اذا كانوا قد قدموا سابقا طلبات لجوء ورفضت. اعتذر زيهوفر استنادا إلى توليه حديثا لمنصب وزير الداخلية هذا كما أنه أوقف تقديم وإجازة طلبات اللاجئين في ولاية بريمن. وقالت المسؤولة السابقة عن اجراءات اللاجئين أنها لم تخطئ في مراجعة طلبات اللاجئين وأشارت إلى كثرة الطلبات والضغط على العاملين وضيق الوقت. من المعلوم بأن أكثر الطلبات التي أجيزت في طلبات الأكراد واليزيديين والنازحين من شرق أفريقيا (أرتيريا). قالت المسؤولة السابقة بأنها لم ترفض طلب هذه الاقليات الملاحقة المضطهدة المحوجة إلى رعاية واحترام حقوقها لشدة ما عانته ولم تزل تعانيه في المنفى الأوروبي. 

تميزت ولاية بريمن وشمال ألمانيا عموماً بالانفتاح على الأجانب لكثرة الموانئ البحرية فيها وتداخلها من ثم بالأجانب القادمين وشغف التعرف على حضاراتهم وعاداتهم، هذا إلى انتشار الأحزاب اليسارية وحزب الخضر ذي الطابع الأيكلوجي والإنساني، نقول هذا ونشير إلى أن فقر ولايات الشمال مقارنة بالولايات الجنوبية الثرية الكارهة للأجانب ساهم بشكل مباشر في تقديم طلبات اللاجئين هناك لتسامح موظفي اللجوء كما حدث في مكتب PAMF  للاجئين في بريمن.

يرى أكثر من باحث بأن زيهوفر خرج من أزمة النقد والتقصير في عمله كوزير للداخلية لاعتذاره المهذب للحكومة الألمانية والشعب الألماني وإسراعه بغلق مكتب طلبات اللاجئين في بريمن والتحقيق في الطلبات المُجازة وتسفير من أجُيز طلبه خطأ أو التسامح معه لا يتفق البتة مع اجراءات اجازة طلبات اللجوء.

 

اللاجئون يغيرون قواعد اللعبة

كان خروج زيهوفر من فضيحة PAMF ببريمن مكسبا جيدا لحزبه CSU القادم على انتخابات برلمانية في الخريف القادم. يقول زيهوفر بأن أزمة اللاجئين ستجد حلا حاسما في فترة توليه لوزارة الداخلية وأن حزب AFD لن يحل محل حزبه بادعاءاته الكاذبة وشعاراته الفارغة من أي مضمون وبُعدها عن الواقع والإمكانيات السياسية.

عرف غاولاند رئيس حزب AFD بكرهه للمستشارة ميركل وتنكره لمشروع الرابطة الأوروبية، هذا إلى جانب كرهه للإسلام والأجانب، لاسيما اللاجئين المتكسبين من الخزانة الاجتماعية ـ وفقا لرأيه، أما حقده وكرهه الأكبر ضد اليهود فمعروف، اذ يرى بأنهم طامة كبرى ووباء خطير تفشى في ألمانيا.

قال في خطبة له بأن حقبة هتلر والنازية لا تتجاوز فراء طائر في تاريخ ألمانيا. لم يحبذ هذا التصريح إلا والردود الحاسمة السريعة الرافضة له ولحزبه. يقول متحدث حزب CDU الحاكم بأن هذا التصريح يكشف القناع عن نازية وتدني هذا الحزب والقائمين عليه، يقول كيف يكون هتلر والنازية عبء خفيف على كاهل ألمانيا وقد اغتالوا قرابة ستة مليون يهودي ولوثوا تاريخ ألمانيا إلى اليوم، اذ تظل تدفع وترمم ما قوضته الامبراطورية الثالثة الهتلرية.

اننا وإذ نناقش قضية اللاجئين والأجانب عموما تجدنا مساقين إلى ضم اليهود كجالية صغيرة في ألمانيا. يقول متحدث الجالية اليهودية بأن الدفاع عن الاقليات المضطهدة كاليهود في ألمانيا يتفق تماما مع الدفاع عن اللاجئين المشردين وجراء الحرب وهضم حقوق الانسان الاساسية.

كان وقد طالبت ألمانيا بدرج دول المغرب الثلاث المغرب تونس والجزائر ضمن الدول الآمنة حتى يتسنى لألمانيا إرجاع لاجئيها إلا أن اعتراض المعارضة الخضر واليسار استنادا إلى سيادة القمع في تلك الدول أوقف إدراج هذه الدول تحت قائمة الدول الآمنة، أما لاجئي أفغانستان فقد ارتأت حكومة ميركل في الوقت الراهن ترحيل اللاجئين المرفوضين إلى الأماكن الآمنة في أفغانستان وليس مناطق الحرب وسيطرة ونزاع الطالبان وداعش والقاعدة، ومثلما انتُقدت ألمانيا من أحزابها المعارضة بأنها جهلت أو استخفت بفحص طلبات اللاجئين  ـ أكثر من مليون لاجئ منذ عام 2015 ـ والتسبب بالتالي في عدم التحري عن هويات اللاجئين ومعرفة الأسباب الحقيقية للجوئهم، انتقدت كذلك من مكاتب اللاجئين بعدم دعمها للموظفين بتوسيع عددهم والتحري من أمانة المترجمين والمساعدين تجاه اللوائح والقوانين الألمانية، وليس اللاجئين أبناء جلدتهم أو معارفهم كما حدث في ولاية بريمن أعلاه.

جاء في أكثر من صحيفة ومجلة بأن ميركل كانت تعرف الفوضى في مكاتب اللاجئين منذ عام 2015 ورغم ذلك لم تساهم في حلها أو تقليص عدد اللاجئين!!  

 

نقاط ومحاور

يظل اتهام ميركل بعدم التجاوب وإيجاد حلولا للفوضى السائدة في مراكز تقديم طلبات اللاجئين، وكذلك نقد زيهوفر لاندماج اللاجئين وتصريحه بأن الاسلام ليس جزءا من ألمانيا، عقبتان وذلك خطر يقود إلى احتمال سقوطهما (ميركل و زيهوفر) أو جرهما ومحاسبتهما من قبل الأحزاب الأخرى واهتزاز مكانتهما في أعين الشعب على أحسن الفروض. يقول زيهوفر بأن اندماج اللاجئين في الوقت الراهن مشروعا فاشلا لعدم توفر إمكانيات كافية وخطة ألمانية حاسمة لتعليمهم احترام عادات وثقافة وتاريخ ألمانيا والمعيشة السلمية مع اليهود في منآى عن آثار وتراكمات العداء والصراع بين اسرائيل والشرق الأوسط.

أما ميركل فلم تجد اعتذارا واضحا لإهمالها لحل الفوضى التي حملت موظفين وعمال مكاتب اللجوء إلى العمل بالقرارات الفردية اللامسؤولة لمعاينة طلبات اللاجئين. نعم لم تجد اعتذارا لأنها وفق تصريحها لم تخطئ وتنجز وتتحرك وفق امكانياتها.

هل أخطأت ميركل بالفعل وتورطت في فوضى مكاتب PAMF للاجئين رغم معرفتها بذلك من العام الماضي 2017 أم أنها ضحية الالتزام بقوانين وإجراءات الرابطة الأوروبية المعنية بتوزيع حصص اللاجئين وبالتالي تدفقهم تباعا إلى ألمانيا لينظر في طلباتهم عدد موظفين قلة ومكاتب غير مؤهلة للبث في طلباتهم.

يلاحظ ارتفاع ونجاح الاحزاب اليمينية الرافضة للأجانب واللاجئين في أوروبا فها هي ايطاليا تُحكم من حزبين يمينيين وكذلك سلوفينيا أما ألمانيا فقد تمثلت أكبر معارضتها البرلمانية في حزب AFD المتطرف المنبوذ، نقول هذا ونذكر بأن هذه التيارات نفذت بالدرجة الأولى من رفض هجرة اللاجئين الضخمة بدءا بعام 2015 وبشعارات ترامب “أمريكا أولا ودعوته إلى استقلالية الدول ومحاولة تفتيته للرابطة الأوروبية كما يفعل بوتين كذلك. ها هي ولاية بايرن تؤكد على مبدأ الاستقلالية كذلك وتحاول اتخاذ قراراتها بمعزل عن الحكومة المركزية. يقول زيهوفر بأن ولاية بايرن ستُرحل اللاجئين بطائرات خاصة ما أن أكد رفض طلباتهم وستشدد حراسة الحدود.

يقول باحث سياسي في اذاعة “فونك” بأن شعار السرعة قبل الدقة الذي كانت تتبعه مكاتب BAMF لفحص طلبات اللاجئين الذي ورط المسؤولين بل وميركل في خطأ اجازة أكثر من 1200 طلب قد عاد من جديد متمثلا في تسريع سفر اللاجئين دون مراعاة الدقة في طلبات كثير من المتضررين حقا والعائلات. يتساءل هذا الباحث هل دول المغرب آمنة فعلا؟

دول لا تحترم حرية الرأي وحقوق الإنسان لقد أصبح تعجيل تسفير اللاجئين اجراء شبه دائم ومفروغ من أمره ليس في ولاية بايرن أو ألمانيا بشكل عام بل في كل دول الرابطة بدءً بإيطاليا والنمسا. فالأولى منهما فقد قررت حكومتها اليمينية الجديدة رفض حصتها تقسيم نسبة اللاجئين على دول الرابطة الأوروبية هذا كما أعلنت المبادرة بعقد اتفاقيات مع دول اللاجئين وإيقاف دخولهم إلى إيطاليا والمسارعة بتسفير المرفوضين منهم، وفوق كل هذا قررت حكومة إيطاليا الجديدة الالتزام ببرنامجها الانتخابي كما يفعل ترامب لتأكيد ولائها والتزامها للشعب والمرشحين لها، وسارعت ايطاليا باتهام ميركل بالدكتاتورة التي تفرض على ايطاليا شروط التقشف وتسفير اللاجئين وحراسة حدود أوروبا الجنوبية، بل ويرى 50% من الإيطاليين أن اللاجئين عبء وسبب مباشر في تفشي الجرائم والفوضى. كل رابع  ايطالي عاطل عن العمل مما حمل الحكومة الجديدة على مكافحة البطالة وتأمين الدعم الاجتماعي والمعاشات بميزانية ودين جديد، رفض البنك الاوروبي قرض إيطالي لأنها الدولة الأولى الأكثر ديونا في أوروبا إلى جانب اليونان. يقول متحدث الحكومة الجديدة بأن إيطاليا ستحصل على قرض لا يهم من أوروبا أو روسيا أو أمريكا لتحسين وضع مواطنيها والخروج من شروط  وأوامر الرابطة الأوروبية وهيمنة ميركل. لم ترد ميركل بحدة على هجوم إيطاليا عليها، بل أعلنت رغبة حكومتها في حل أزمة بطالة الشباب في ايطاليا. ربما تكون ورقة التهديد هذه ناجحة تفرض على البنك الأوروبي اقراض إيطاليا فدعمها من قبل روسيا أو أمريكا وترامب يعني أول وأخطر خطوة للخروج من الرابطة. ترامب والانجليز يراهنان لفك الرابطة الأوروبية وينتظران بشغف خروج نعشها.

يقول ترامب بأن ميركل حطمت أوروبا باللاجئين واستغلتها كسوق اقتصادي لتصدير منتجاتها، ليس غريبا أن يعلن ترامب حربا اقتصاديا على أوروبا لاسيما ألمانيا التي هدد بأنه لن يترك سيارة ألمانية واحدة تنافس سيارات أمريكية وأنه سيجر ألمانيا لرفع ميزانية الدفاع إلى 2% لدعم الناتو بدلا من 1,2%. لا يهم ترامب دعم ألمانيا لأفريقيا واستقطاب اللاجئين، فقط أن يدعم السلاح شركات السلاح NRA المروجة لحكمه، أما حربه الاقتصادية فقد مارستها أمريكا قبل 16 عاما في عهد بوش وفشلت.أما حفاظه على أمن أمريكا استنادا إلى الدستور الامريكي فمغلوط لأن الدستور الأمريكي لم يوضح أمن أمريكا، غير أن ترامب وضحه كما يرغب بالحفاظ على الشركات الامريكية بأي شكل وإقصاء المنافسة الخارجية وترهيب الدول المنافسة بسطوة أمريكا العسكرية …

لا غرابة أن يصرح سفير أمريكا الجديد بألمانيا بأنه سيدعم الأحزاب اليمينية في ألمانيا وأوربا والداعية إلى القومية والتحوصل والرافضة للانفتاح وهجرة الأجانب.

نقول هذا ونذكر بأن تصريح سفير أمريكا بألمانيا المشجع للأحزاب التقليدية المتشددة تجاه الانفتاح والأجانب قد وجد اعجابا كبيرا من كورتش مستشار النمسا الشاب الحاكم هناك والمتحالف مع الحزب اليميني الكاره للاجئين والأجانب، كورتش نفسه يقول معلقا على تصريح السفير الأمريكي  بمجلة بورتال  بأن السفير الأمريكي بألمانيا بمثابة نجم يسحق التقدير والاهتمام.

انتقد برلمانيون ألمان ريتشارد سفير أمريكا بألمانيا هذا حتى أن مارتن شولتس SPD وصفه بضابط مستعمرات يهدد ويخطف لمستعمريه.

 

هل تنجو ميركل؟

هل تخرج ميركل بل وألمانيا من أزمة وضغط أمريكا وروسيا لها بل وطمع بعض دول الرابطة كايطاليا بأن ينهار اقتصاديا وتعود دول جنوب أوروبا سيادتها الداخلية وليس القيادة بالعصا/ سياسة التقشف التي تفرضها حكومة ميركل. ومن جانب آخر تورطت ميركل في خضوعها لمسائلة برلمانية رسمية حادة عن ملف اللاجئين في ولاية بريمن السابق ذكره بل وطالب حزب AFD و FDP بالتحقيق عن كل طلبات اللاجئين المجازة في كل الولايات وموقف ميركل منها.

يقول لندر رئيس الحزب الليبرالي بأنه سيخضع ميركل لمسائلة عنيفة بدءً من لماذا فتحت حدود ألمانيا للاجئين عام 2015 ، ويذهب حزب AFD اكثر اذ يسأل ميركل بأي حق وإجراء قانوني أو دستوري فتحت الحدود ومسائلتها كذلك عن حوادث اللاجئين الارهابيين الذين اغتالوا بهويات مزورة مثل عمري في برلين. يقول متحدث AFD بأن كثيرا من الحوادث الارهابية وقعت في غضون فوضى فحص وإجازة طلبات اللاجئين. ليست ميركل وحدها التي ستخضع للمحاسبة بل وزارة الداخلية ودي ميزير وزيرها السابق.

لا يفوت على المتتبع لملف اللاجئين مدى أهميته بل وعالميته فنتنياهو رئيس وزراء إسرائيل مثلا لم يجد في زيارته لميركل في برلين محورا مهما يجذبها لمحاصرة ايران وإيقاف التخصيب النووي سوى الاشارة إلى تضخم القوة العسكرية الايرانية في الشرق الأوسط وحرب إسرائيل وبالتالي قدوم لاجئين تلك المناطق إلى أوروبا وألمانيا. سافر نتنياهو إلى فرنسا وإنجلترا ليجرهما إلى الوقوف معه ضد إيران مستندا إلى احتمال دخول هجرة لاجئين جديدة إلى أوروبا، ان لم تساند اسرائيل وأمريكا لحد العتاد العسكري وإيقاف تخصيب النووي بإيران.

وكما جدرت الاشارة سابقا بأن ملف اللاجئين سهل فتحه وتحريفه عن موضعه كما ينوي حزب AFD في مسائلة ميركل عنه.

أسئلة لا تود توضيح الأخطاء وإيجاد حلول وإنما استقالة ميركل وشق الشعب وإثارة الفوضى وشعور القومية النازية والحقد.

 

خاتمة

لم تبدأ انتخابات ولاية بايرن البرلمانية بعد، إلا أن مارتن سودة رئيس وزرائها يحشد لها بكل السبل لسحب البساط من تحت حزب البديل الرافض للأجانب واللاجئين. صرح سودة بأن ولايته ستوقف دعم اللاجئين نقداً وتحويل الدعم المالي إلى بضائع ومشتريات ضرورية ، هذا كما أكد على تأمين حدود بايرن لمنافستها للنمسا ولأنها الممر الأقرب إلى ألمانيا ودول غرب أوروبا. يظل سودة الذي شغل منصب وزير مالية بايرن شخصية تمثل الحزب التقليدي المتشدد، لاسيما وأنه تلميذ لشتراوس رئيس وزراء بايرن الأسبق الشعبوي الداعي إلى حوصلة بايرن ورسم صورة مخيفة ومنبوذة عن الأجانب.

يقول باحث سياسي بأن ولاية بايرن لا تطالب بالانفصال لأنها دولة مستقلة عن المركز برلين وأوضح مثال في ذلك اغلاقها لحدودها وتسفير اللاجئين بطائرات خاصة بها ومنعهم من الدعم المالي المباشر بل ومحاولة فرضها على الولايات الأخرى بتبني وتشييد مراكز تسفير كما في بايرن.

 

من كان يتوقع أن هجرة اللاجئين ستتضخم إلى هذا الحد لتكون أهم المحاور السياسة للدول الغربية؟؟