ما زلنا في انتظار الحكومة ..

د/ أمير حمد

 

نقرأ في هذا المقال التطورات السياسية الأخيرة بألمانيا بعد فشل تحالف جامايكا “الزواج قسري” مسلطين الضوء على قضية اللاجئين.

لم يهدأ المشهد السياسي الألماني حتى في غياب حكومته، إذ ترى تصاعد القوى اليمينية المتطرفة في البرلمان الألماني كحزب AFD بل وإصدار قانون مشجع لمغادرة اللاجئين ألمانيا ـ 3000 يورو لكل لاجئ مفترض مغادرته البلاد ـ ، لم تهدأ الساحة السياسية فحزب CSU يطالب برحيل زي هوفر رئيسه، الذي لم يستطع فرض برنامج حزبه السياسي بتقليص عدد اللاجئين 200 ألف، إلا مؤخرا ، هذا كما أن ألمانيا والرابطة الأوروبية دخلتا في المفاوضة الأخيرة مع إنجلترا لتثبيت حقوق أبناء الرابطة الأوروبية بداخلها. كان متوقعا فشل المفاوضات بين أحزاب cdu, csu, fdp, grünen لاختلاف برنامج هذه الأحزاب، مما جلب معه الشقاق، لاسيما في قضية الأجانب واللاجئين، فحزب FDP الليبرالي وكذلك حزب CSU المسيحي الاجتماعي متطرفان في قضية الأجانب واللاجئين فالحزب الليبرالي يطالب بإصدار قانون للاجئين والمهاجرين يقوم على مقدرات ومؤهلات هؤلاء النازحين الجدد، وحزب CSU المتحفظ تجاه الأجانب يحذر من تذويب هوية ألمانيا الثقافية والدينية والاجتماعية، وفوق كل شيء يحذر من انفتاح ألمانيا على الأجانب لكونهم خطر على أمن ألمانيا، كما يرى ويروج في شعاراته وبرنامجه السياسي. وحده حزب الخضر الإنساني الداعي للحفاظ على البيئة، تبنى برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD لاحتواء اللاجئين ورفض تسفيرهم إلى بلادهم كأفغانستان وسوريا لاشتعال الحرب بعد في مواطنهم هذه، بل وطالب كذلك بلم شمل أسر اللاجئين فاندماجهم في المجتمع الألماني وانفتاحهم على الحياة الجديدة لا يتم إلا بلم شملهم، هذا ما يخص تحالف جامايكا الذي فشل في حكم ألمانيا.

 

ما زلنا في حالة الانتظار

نقول هذا ونحن بصدد الخوض في اختلاف الحزبين الكبيرين CDU، SPD لإنقاذ ألمانيا من فترة دولة بلا حكومة.

كان وقد رفض حزب SPD المشاركة في الحكومة لسوء نتيجة انتخابه 20% إذ تمثل هذه النتيجة رفض ألمانيا لحكمه أما الحزب الاتحادي فتدنت نسبته كذلك إلى 30% بهذا يمثل تحالف هذين الحزبين تحالف قوى صغيرة كبيرة.

وفي غضون غياب حكومة ألمانية أجريت إحصائيات هامة أكدت على تقبل الشعب الألماني لهذه الفترة الحرجة بل وشعورهم بأن لا اختلاف كبير بين وجود حكومة فعالة وبين غيابها. هذا وقد قررت ألمانيا التكريس لحل أزمة اللاجئين داخل حدودها والتي أصبحت تهدد سقوط ميركل وتضخم نسبة حزب AFD المتطرف بعد دخوله إلى البرلمان كقوة ثالثة.

نعم كرست ألمانيا جهودها لحل أزمة اللاجئين ولتوقف تدفقهم إليها، لذا قررت دعم ليبيا بمبلغ 150 مليون يورو لتحسين وضع اللاجئين المحتجزين بداخلها ،ما يزيد عن 100 ألف لاجئ، وكي يتم إيقاف العنف والعنصرية والاستعباد الممارس ضدهم في المعسكرات والملأ العام.

لا يخفى على المتابعين صعود النازية والتيارات المضادة لها بسبب ازدياد تعداد الأجانب واللاجئين وموقف الجالية اليهودية بألمانيا ـ ما بين مؤيد ومتعاطف مع اللاجئين الجدد انطلاقا من تجربتهم هم بين التشرد والاستيطان في شتى بلدان العالم جراء الحرب العالمية الثانية ـ ورافض لتضخم تعداد اللاجئين إذ يعتبرهم غير قادرين على الاندماج وكارهين لليهود وسبب مباشر لتهديد أمن ألمانيا.

يقول متحدث الجالية اليهودية بأن اليهود استطاعوا بسرعة وانسيابية الاندماج في المجتمع الألماني في تسعينيات القرن المنصرم بعد أن فتحت ألمانيا لهم باب الهجرة لاسيما من روسيا وشرق أوروبا، ويواصل قائلا بأن اندماجهم كان مبنيا في الأصل على استقلالهم ماديا وعدم الحوجة لدعم الخزانة الاجتماعية الألمانية كما هو حال معظم اللاجئين الآن. هذا إلى جانب أن اليهود كانوا متعلمين أو أرباب تجارة استطاعوا خلق سوق تجاري كبير. هذا ما لا يملكه اللاجئون الآن بل وأن معظمهم غير راغب في تغيير تفكيره وذهنه والاستفادة من الخبرات والتأهيل العلمي في ألمانيا وتعلم اللغة ومعرفة تاريخ البلد المضيف.

ربما اتفق البعض وزكى وجهة نظر الجالية اليهودية هذه،  ومن ينتقدها استنادا إلى تسلط الصهاينة وقمعهم للفلسطينيين ومحاولة تغيير وضع القدس كما يجري الآن. لكن لابد من لفت النظر أن الجالية اليهودية هنا لا شأن لها بما تفعله إسرائيل.

كان وقد ادعى نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الحسيني مفتي الشام قابل هتلر ليحثه على حرق وقتل اليهود، غير أن ميركل ردت عليه قائلة بأننا نعرف تاريخنا جيدا، فمقابلة الحسيني لهتلر لم تكن سببا في محرقة اليهود وإنما هناك عوامل ودوافع وطنية وحب السيطرة واستغلال عواطف وحماس الشعب الألماني ساهمت في تحرك وانتشار شر هتلر.

هذا تماما ما يفعله حزب AFD الآن إذ يستغل حماس وعواطف الشعب الألماني لإيقاد الحسد وكره الأجانب ورسمهم كقوى شر تود غزو ألمانيا وتحطم حضارتها وتذوب منظومتها في الإسلام  بل وتستنزف مال الخزانة الاجتماعية بلا مقابل عمل أو جهودها لخدمة ألمانيا، فهذه القوى المتطرفة الصاعدة عدو لكل الجاليات الأجنبية اليهودية منها والإسلامية .

 

ألمانيا ـ ترامب

كان وقد انتقد غابريل وزير خارجية ألمانيا “ترامب” في سياسته عموما لاسيما الخاصة بالبيئة وفرض الضرائب على المنتجات الألمانية واعتبار ألمانيا غول يفترس دول الرابطة بل وساهم في تكوينها لتكون غذاءا له. أما الأهم هنا والذي يهمنا في هذا السياق هو نقده لسياسته الخاصة بالأجانب ووضع 6 دول تحت قائمة الإرهاب وحظر أبنائها بالتالي من دخول أمريكا. يقول محلل سياسي أمريكي في “نيوريك تايمز” بأن ترامب كاره للأجانب وللإسلام وما يفعله ليس حرصا على حفظ أمن أمريكا من الإرهابيين. فالإرهاب الذي يحدث فيها إرهاب من قبل الأمريكان أنفسهم أو هو إرهاب من الداخل وليس الخارج، ويذهب مقارنا وضع ألمانيا الأمني بأمريكا إذ يصف  فتح تجارة السلاح وتسليح الشعب الأمريكي هو الدليل الواضح على اهتزاز الأمن، فيما تظل ألمانيا آمنة في منأى عن تسليح شعبها بل وتفتح الأبواب للاجئين وتساهم في دعم الدول الفقيرة والتدريب المهني للشباب لاسيما في غرب أفريقيا وتفتح أبواب الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية واستنباط المياه الجوفية، كل هذا للقضاء على عطالة الشباب وإبقائهم في دولهم لتعميرها وتجنب رحلة الموت غرقا إلى أوروبا والمآزق التي تواكبها من ضياع وتشرد وقتل بل واستعباد القراصنة لهم وضربهم واستنزاف ما ادخره هؤلاء اللاجئين المستضعفين. نعم أن ألمانيا بحوجة لسد النقص الديمجرافي داخلها ومراعاة نسبة العجزة المزدادة ، لذا منحت الأيدي العاملة ـ اللاجئين ـ القادمة إليها فرص التدريب والتعليم وإجادة اللغة والاعتراف باللجوء.

 

أحزاب ومواقف

فيما تطالب ولاية بايرن بترحيل أكبر عدد من اللاجئين لاسيما الأفغان إلى بلادهم، ظل حزب اليسار المعارض معترضا على سياسة ولاية بايرن هذه استنادا إلى تفشي الحرب بعد في أفغانستان وملاحقة اللاجئين العائدين. إلى جانب الانتقاد هذا احتدم انتقاد آخر للاعتراف بدول شمال أفريقيا كدول آمنة سياسيا يمكن إرجاع اللاجئين إليها. يقول متحدث هذا الحزب بأن حكومة ميركل لا تحل المشاكل السياسية بإتيان حل معقول ومناسب، كل ما تفعله هو إدارة الحوارات وتبني وجهة نظر الآخرين مثل حزب SPD الاشتراكي الديمقراطي الذي موهت ودبلجت سياسته كامتداد لسياسة الحزب الديمقراطي CDU حزب ميركل، الأمر الذي أدى إلى اختيار الشعب الألماني للحزب الأصلي CDU وليس للحزب الاشتراكي SPD المتجه باستطراد ملحوظ نحو سياسة حزب CDU الحاكم.

ما يهمنا هنا هو الحد الفاصل بين هذين الحزبين الكبيرين CDU, SPD يبرز دائما في قضية اللاجئين والأجانب فحزبي CDU و CSU  المسيحي المحالف له يرون في تدفق الأجانب تهديد لأمن ألمانيا وتذويب لهويتها الدينية والثقافية وهدر للميزانية الاجتماعية لذا طالب هيرمان وزير داخلية بايرن حزب CSU بألا يتجاوز عدد اللاجئين 200 ألف لاجئ سنويا كما طالب رئيسه زيهوفر ، وأن تطبق الثقافة الرائدة المؤشر لسيادة الثقافة الألمانية والنموذج المتوجب على الأجانب واللاجئين إتباعه.

أما الحزب الليبرالي FDP فهو حزب يطالب بحرية رأس المال ـ الليبرالية الجديدة ـ وعجلة الإنتاج والمجهود الفردي مما دفع هذا الحزب بالمطالبة بإصدار قانون للأجانب لإدراجهم في سوق العمل وإبعاده عن البطالة والتكسب من الخزينة الاجتماعية. هذا كما طالب بدخول اللاجئين وفق نظام النقاط الكندي القائم على المؤهلات والكوادر العلمية وصغر السن وإجادة اللغة وسرعة الاندماج. كان متوقعا أن يفشل هذا الحزب في إقامة تحالف حكومي لعدم توافقه مع برنامج حزب الخضر الحليف الإنساني المنفتح على اللاجئين الذي أرغم على تقبل 200 ألف لاجئ سنويا.

يقول هيرمان ـ وزير داخلية بايرن ـ مخاطب الحزب الاشتراكي SPD بأن طلب لم شمل اللاجئين مطلب مرفوض من قبل حزبه CSU وتم إقناع ميركل به . ظلت حجة حزب الخضر والحزب الاشتراكي وكذلك اليسار في ربط نجاح الاندماج بلم الشمل بل وذهب اليسار والخضر أكثر، إذ أن الإنفاق على اللاجئين هو واجب وضريبة لأن الحكومة تشجع تجارة السلاح الدولية وتتسبب بالتالي في تشريد واستضعاف اللاجئين.

 

في انتظار الحكومة .. وكثير من الجدل

هل سينجح تكوين تحالف من جديد مع الحزب الاشتراكي الذي وضع أجندة للاجئين وتكوين ضمان صحي للمواطنين بدلا من الضمان الخاص وتشييد مساكن اجتماعية جديدة للطبقات الفقيرة والمتوسطة واللاجئين؟

نعم تمركزت أنظار العالم إلى المستشارة ميركل كسيدة فولاذية تحاول بعد حكم ألمانيا للدورة الرابعة 16 عاما  فيما يستقيل أو يفشل أو يبدل رؤساء دول العالم تباعا أو يهددوا بالفشل الذريع بل والاغتيالات كما جرى في محاولات اغتيال تيريزا مي رئيسة وزراء إنجلترا. ومثلما كرمت ميركل عالميا واحتفت بها المنظمات الإنسانية ومنظمة حقوق الإنسان واللاجئين تسببت في ظهور عدو لحزبها وللديمقراطية ومشروع الاتحاد الأوروبي، بهذا العدو نقصد AFD الحزب الألماني البديل الذي ظهر بادئ ذي بدء كمظاهرات وحشد الشارع العام في شرق ألمانيا. نقول هذا ولا نستثني الطقس العام حول ألمانيا في الرابطة الأوروبية الذي ظهر فيه العداء لميركل بسبب فتحها الحدود للاجئين وفرضها لسياسة التقشف على دول جنوب أوروبا أثناء الأزمة الاقتصادية. إن الخطوة الراهنة لا تتمثل في ظهور هذا الحزب المعادي للأجانب كحزب احتجاجي فقط وإنما تعدد أهمية أجندته لاسيما الرأسمالية واستقطابه للعديد من سياسيي حزب ميركل والحزب الليبرالي، هذا إلى جانب ظهوره كمنافس جديد لحزب CSU في ولاية بايرن الثرية.

يقول محلل سياسي في إذاعة انفوا بأن انتقاد اللاجئين من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة والألمان بمثابة ” شرارة ” أوقدت كل التراكمات العنصرية والإثنية الهتلرية في أذهان الألمان. وسط كل الحملات العشوائية والمتهافتة ضد اللاجئين صرح . وزير مالية ولاية بايرن والمرشح لقيادة حزب CSU الحاكم في بايرن بأنه معترض على سياسة ميركل الخاصة باللاجئين ولا يكفي تحديد نسبة 200 ألف لاجئ سنويا، يقول أحس أني غريب عندما أدخل محطة ميونخ الرئيسية.

هذا هو نقد واضح للأجانب وعدم رغبة الشعبويون في وجود الأجانب وسطهم. هذه هي النعرة نفسها التي حاول أن يكسب بها تيلو سارستين وزير مالية برلين سابقا، وكذلك سياسة رونالد كوخ حاكم ولاية هيسن سابقا، الذي رأى بأن اختلاط أبناء الأجانب والألمان عموما وبالأخص في المدارس يهبط مستواهم ويؤثر سلبيا على تفكيرهم وتعاملهم مع الحياة وتعلم اللغة.

 

لا تزال قضية اللاجئين محور أساسي وراهن في السياسة والإعلام الألماني والأوروبي لاسيما بعد أن اشتد النقد الموجه لبولندا والمجر لرفضهما تقبل نسبة من لاجئين اليونان لتخفيف العبء عنها وتساوي الحصص والواجبات بين دول الرابطة الأوروبية.

نذكر هنا مشيرين إلى أن سلوفاكيا قبلت 12 لاجئ فقط بعد رأي ونقد شديد من ألمانيا ومجلس الرابطة الأوروبية، 12 لاجئ فقط من مجموع 120 ألف لاجئ ينتظرون توزيعهم واستقطابهم في دول الرابطة الأوروبية، أما المجر بقيادة أوربان وبولندا فلا توافق على توزيع اللاجئين فقد أغلقتا أبوابهما دون اكتراث.

أخيرا تظل ألمانيا وأوروبا في انتظار تشكيل حكومة جديدة ناجحة، يقول شولتس زعيم الحزب الاشتراكي بأن تحالف حزبه من جديد مع حزب CDU لن يتم إلا بتطبيق مطالب حزبه الاشتراكية المدافعة عن اللاجئين والفقراء والعمال وأرباب المعاشات، وإلا فإن مكانة حزبه في المعارضة البرلمانية.

اترك تعليقاً