اللاجئون، ألمانيا، أوروبا والعالم 2019

.

د. أمير حمد

بدأ عام 2019 بمراجعة أخطاء ما سبق، كتقليص عدد اللاجئين وتسريع مغادرة المجرمين والإرهابيين منهم، كما صمم زيهوفر  وزير داخلية ألمانيا. هذا كما تمت تهنئة ألمانيا بعضوية مجلس الأمن كدولة سادسة “عضو غير دائم” للمرة الثالثة بعد عام 2011 و 2012 وتمت تهنئة ميركل على ثباتها السياسي وتنازلها عن رئاسة الحزب حفاظا على حرية الرأي ودعم التغيير السياسي … كما أن الولايات الشرقية تقدم على انتخابات برلمانية تظهر نجاح الأحزاب الكبرى CDU و SPD أو فشلها الذريع لصالح حزب AFD والخضر واليسار، وهذا سبب آخر مباشر لرغبة ميركل في التنحي عن منصبها حتى لا ترتبط هزيمة الانتخابات باسمها، لاسيما وأن ناخبي هذه الولايات لا يؤيدونها نظرا لميولها للأجانب واللاجئين.

إلى أين تتجه ألمانيا في عام 2019 وهل سيظل منصب ميركل في مأمن التحديات الداخلية والسياسية الأوروبية؟

بهذا بدأ حزب CDU الحاكم وكذلك المعارضة بل والرابطة الأوروبية خطها السياسي بعد أن أصبحت رومانيا في رئاسة الرابطة الأوروبية لمدة نصف عام.

يقول رئيس الرابطة الأوروبية بأن رومانيا غير قادرة على أداء هذا الدور بعد النمسا، فرومانيا دولة يحيطها الفساد السياسي من ناحية والفقر وتدني مستواها الاقتصادي من ناحية ، ومضى مواصلا حديثه إذ خص ألمانيا بالثناء وميركل بالمقدرة السياسية وترويج اقتصاد الرابطة ومحاولة التوفيق بين دول جنوب أوروبا وغربها تحت ظروف تحدي هجرة اللاجئين السرية وتصاعد الأحزاب اليمينية المتطرفة الداعية إلى حل الرابطة، وازدياد والعنصرية وإبقاء الدول القُطرية في توازن مع الهوية الأوروبية الخالصة من أي عرق أجنبي.

شغلت الساحة السياسية والاجتماعية قضية اللاجئين والأجانب من جديد مما ألزم ميركل ووزير داخليتها زيهوفر CSU الحليف لاتخاذ موقف، يقول زيهوفر لا يكفي عقوبة اللاجئين المجرمين بإبعادهم إلى أي دولة من دول الرابطة، وتركهم دون مراقبة دقيقة مما مهد لحدوث جرائم في فرنسا على أيدي فرنسيين بأصول أجنبية يقيمون في الدولتين. رد الألمان على حوادث اغتيال الأبرياء بالسيارات كما فعل “عمري” التونسي، بأن دهس شخص ألماني بالقرب من مدينة اسن في رأس السنة بعض اللاجئين السوريين والأفغان والأتراك وأصيب البعض منهم بجروح بليغة.

يرى أكثر من محلل سياسي بل ومراكز دراسات جادة بألمانيا وانجلترا بأن تكرر حوادث الاعتداء على الأجانب كرد فعل على هجوم إرهابي أو غيره من أسباب تعني التحدي والتنافس على العمل، ليست هي الدوافع الحقيقية وإنما العنصرية والاعتداد بالنازية والانتماء إلى الآرية كجنس خالص هي المحرك الأساسي والخفي للاعتداء على الأجانب بل وقتلهم.

انتقدت رئيسة حزب SPD وزير الداخلية كذلك لأنه يأتي مجددا بإجراءات وقوانين صارمة جديدة لضبط اللاجئين. تقول بأن القوانين والإجراءات الخاصة باللجوء والهجرة كافية وكثيرة جدا وليسنا بحاجة لتوسيعها وإضافة قوانين جديدة عليها، وإنما الأولى تفعيل هذه القوانين الموجودة، كما انتقدت زيهوفر لأنه سريع الاستجابة حين يرتكب اللاجئون جريمة ما، وبطيء جدا وأقرب إلى التسامح عندما يرتكب الألمان النازيون والتيارات الراديكالية جرائم ضد اللاجئين والأجانب. جاء هذا التصريح ليواكب حدوث جريمتين، واحدة اعتدى فيها ألماني راديكالي على اللاجئين في مدينة اسن كما ذكرنا والثانية جريمة اعتدى فيها مجموعة من اللاجئين على أشخاص ألمان في جنوب ألمانيا.

في لقاء اذاعي تحدث أحد برلمانيي حزب البديل عن نشاط حزبه وبرنامجه السياسي في الانتخابات البرلمانية القادمة في الولايات الشرقية، ذكر بأن هذه الانتخابات ستحقق نجاحا منقطع النظير لحزبه وخسارة حزب CDU الحاكم نتيجة تعاطف ميركل مع اللاجئين وغياب فعالية الجناح اليميني في حزبها وتحوله بالتالي إلى حزب اشتراكي. يقول بأن تولي كارنباور رئاسة حزب  cduيتيح لحزب AFD نجاحا أكبر لأنها تمثل سياسة ميركل.

تحدث ترامب عن ألمانيا وأنجيلا ميركل في البرلمان الأمريكي، اذ ذكر بأن ألمانيا لا تعامل أمريكا بإنصاف لأنها لا تود رفع ميزانية اشتراكها في حلف الأطلسي لأكثر من 1% ولكنها على استعداد لرفع ميزانيتها الخاصة باللاجئين ـ ذكر ترامب حديثه هذا لينعطف عن محاولة فشله لإقناع الحزب الديمقراطي الأمريكي بدفع 5 مليار يورو من الضرائب لتشييد جدار بين أمريكا والمكسيك علما بأن الديمقراطيون الأمريكان انتقدوا هجومه على ألمانيا وصمموا على عدم دفع أية مبالغ  لتشييد سلك فاصل، وليس جدارا كما يرغب ترامب وفقا لوعده السياسي أثناء الانتحابات.

ناقشت الأحزاب الألمانية قضية اعتداء اللاجئين المخمورين على الألمان في ولاية بايرن اذ طالب حزب CSU باقتطاع جزء كبير من مساعدتهم المالية وتقصير مدة اقامتهم والتسريع في تسفيرهم، وأن ينطبق هذا الاجراء على اللاجئين المجرمين. اعترض حزب اليسار المعارض على هذا الاجراء اذ لا يرى أي ضمان لحياة اللاجئين المطرودين لاحتمال تعذيبهم في دولهم، هذا إلى عدم استتباب أمنها ـ مثل سوريا وأفغانستان ـ ويواصل متحدث الحزب نقده، اذ ذكر بأن حكومة ميركل تعجل في ابرام اتفاقيات مع دول شمال المغرب لترجيع لاجئيها إليها انطلاقا من أنها دول آمنة والواقع غير ذلك فدول شمال المغرب تعذب سجنائها وتضطهد حقوق مواطنيها وحرية الرأي.

بطلب من المعارضة البرلمانية  ـ حزب الخضر واليسارـ تم التحقق من وضع اللاجئين السجناء، اتضح بأن معظمهم من غامبيا والجزائر وأنهم عرضة لتقبل الارهاب الاسلاموي، لأنهم بلا اهداف حياتية وبمستوى تعليمي متدني.

إلى جانب هذا هدد كثير من اللاجئين السجناء بالانتحار، وذلك كضغط منهم لإتاحة فرصة جديدة لهم للتواصل مع الواقع الجديد بألمانيا.

في جو كهذا يبرز حزب AFD المتطرف ليؤكد بأن سجن اللاجئين وطردهم هو الحل الأمثل للتخلص منهم وأن سياسة ترامب الهمجية والعنصرية المناشدة بتشييد جدار لكبح هجرة اللاجئين السرية هي الخطة القادمة التي يجب أن تتخذها الرابطة الأوروبية. يقول برلماني بهذا الحزب بدلا من صرف ميزانية ضخمة لتأمين عيش وأسر اللاجئين المهددين لأمن ومنظومة ألمانيا وأوروبا الدينية والاجتماعية يستوجب تشييد القلاع الأوروبية وتأمين الحدود حتى لا تنفذ ذبابة واحدة غيرها كما قال ترامب !!!

نعم أن ألمانيا تعاني بعد من أزمة اللاجئين وهجرتهم بالآلاف إليها دون اعتراض واضح بحجة حوجة ألمانيا إلى مواطنين لسد النقص الديموغرافي وجذب الكوادر المؤهلة والتزام ألمانيا بواجبها الاخلاقي لاحتواء لاجئي الحروب وأصحاب الحاجات.

ذكرت صحيفة “بيلد” الذائعة الصيت بأن بعض اللاجئين السوريين يتاجرون بجوازاتهم الحاملة لإقامة بألمانيا اذ يبيعوها لآخرين. ذكر رئيس وزراء ولاية  “نيدر ساكسن” بأنه حان الوقت لحزب الخضر واليسار ايقاف ميولهم اللامنطقي إلى جانب اللاجئين لأن هذا يعطل تسريع تسفير اللاجئين المجرمين وتقليل مدة اقامتهم. وكما جدر الذكر سابقا بأن ألمانيا لم تعد القبلة الأولى للاجئين لاكتظاظها بهم، وإنما الدول لاسكندنافية وانجلترا حيث يدفع المهربين باللاجئين الايرانيين وفقا لمسارعة دخولهم عبر قناة “كالية” الممتدة من فرنسا لسهولة الدخول الآن قبل خروج انجلترا من الرابطة الأوروبية في شهر مارس القادم.

في لقاء بإذاعة انفو ذكر برلماني من حزب الخضر بأنه ليس اللاجئين وحدهم يعانون من مأساة اللجوء وصعوبة وتعقيد اجراءها في ألمانيا بل شريحة ضامنيهم من الألمان وغيرهم، يقول بأن 120 مليون يورو أموال ضمان للاجئين دفعها ضامنون لهم معظمهم ألمان هزتهم مأساة الحروب ووضع اللاجئين. طالبت بعض البنوك هؤلاء الضامنين بتسديد ديونهم فلم يستطيعوا لأن شروط ضمان اللجوء تغيرت اذ لم يعد ضمان اللاجئ ماديا ينتهي بدخوله ألمانيا وإنما يتجاوز ذلك إلى أن يحصل على حق اللجوء أو الرفض. بهذا يتأكد أن شروط اللجوء في مرحلة بكر بعد تتحدث وتحذف كما هو حال اختلاف الولايات الألمانية في قضية الضمان المذكور هنا.

بالعودة إلى وضع اللاجئين الطالبين للحرية وتأمين العيش في أوروبا كهؤلاء مواطني دول جنوب أمريكا على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، يواجهنا تقرير منظمة اللاجئين العالمية UHSR مأساة احصائية الغرقى من اللاجئين في البحر المتوسط فيذكر بأن 2000 لاجئ غرقوا في العام الماضي أما عام 2016 فقد وصل عدد اللاجئين الغرقى إلى 3000، علما بأن هجرة اللاجئين السرية تحولت من التوجه إلى سواحل اليونان وايطاليا إلى اسبانيا لقربها من ساحل المغرب.

نقول هذا ونذكر بأن الجدران الاصطناعية لن تفصل بين الشعوب لاسيما الجيران كما هو حال المكسيك وأمريكا فكم من حائط سقط كحائط برلين وظل أثرا تاريخيا يباع فتاته رمزا لقدرة الشعوب على تجاوز الهوة والفواصل بينها.

ذكرت قناة CNN الناقدة بشدة لترامب بأن هدم حائط برلين تم برغبة ريعان الرئيس الأسبق من حزب ترامب الجمهوري. غير أن ترامب يصر على تنفيذ وعوده الانتخابية لينقذ نفسه من مأزق وقوعه في فضائح كثيرة يحقق فيها المدعي العام ليعزله من منصبه الرئاسي.

يقول متحدث حزب البديل AFD اليميني بأن حزبه لا يرغب أصلا في فكرة تكوين الرابطة الأوروبية كحزب، لذا فإن حزب AFD وضع في أجندته خروج ألمانيا من الرابطة الأوروبية عام 2024 لتكون ثاني دولة مهمة من الاتحاد الاوروبي بعد انجلترا في مارس 2019.

ويقول كونت رئيس وزراء إيطاليا اليميني بأن إيطاليا ومالطا لا تزالان تعانيان من هجرة اللاجئين بحرا لوضعها في مأزق الالتزام الانساني لإنقاذهم وبين الزام الرابطة لهم بتبني لجوئهم لكونها أول دول الرابطة اللتين يصلهما اللاجئين.

من جانب آخر أكد الرئيس الفرنسي بأن بلاده ستظل ساعية لحل هجرة اللاجئين السرية بدءً بتأمين وضبط قناة كالية ـ الرابطة بين فرنسا وانجلترا ـ التى تسرب عبرها عدد كبير من لاجئي إيران وأفغانستان إلى إنجلترا قبل أن تخرج من الرابطة، ومضى مؤكدا أن القوات الفرنسية في غرب أفريقيا المستعمرات الفرنسية في تعاون مشترك مع الحكومات المحلية لإيقاف الهجرة السرية، هذا إلى جانب الاتفاقية المبرمة بين بلاده والرابطة مع هذه الدول كمالي والنيجر لإيقاف الهجرة السرية وتشييد مشاريع للقضاء على البطالة وتكثيف التدريب المهني ودورات محو الأمية.

يرى أكثر من محلل سياسي بأن تصريحات الرئيس الفرنسي هذه جاءت لتصرف الشعب الفرنسي المطالب بتنحيه عن الحكم لوقوفه مع الليبرالية الجديدة المناهضة للطبقة الوسطى والفقيرة.

لم تخلص أوروبا من مأساة ومأزق الهجرة السرية حتى بعد الاتفاقات المبرمة مع دول اللاجئين ومحاولة ايقاف الحروب في بلادهم كأفغانستان. يقول هيرمان وزير داخلية بايرن بأن ولايته استطاعت إلى حد كبير حل قضية اللاجئين التي وصلت إلى خلاف سياسي مميت بين ميركل وزيهوفر وزير الداخلية حتى كاد أن ينفرط التحالف التاريخي المبرم بين الحزبين الشقيقين. بارحت طائرة تسفير لاجئين ولاية بايرن متجهة إلى أفغانستان من ميونخ محملة بـ 36 لاجئ افغاني من بينهم مجرمين وأفغاني اعتنق المسيحية.

تمثل هذه السفرية رحلة رقم 20 لتسفير اللاجئين الافغان وذلك بدءً من عام 2016، اعترض برلمانيين من حزب CSU الاشتراكي ببايرن على تسفير اللاجئ المسيحي المذكور لاحتمال قتله هناك بأفغانستان لاعتناقه المسيحية، أما حزب الخضر فظل معترضا بشكل عام على تسفير لاجئ أفغانستان لعدم استتباب الأمن فيها واشتداد هجمات داعش وطالبان وفلول تنظيم القاعدة، هذا كما طالب حزب اليسار بدفع التعويضات التي تمنح للاجئين المسفرين للانتظام في سلك الحياة من جديد وعدم حصرها على لاجئين مطرودين بعينهم.

كان قد صرح الرئيس أردوغان بأن تركيا لم تزل تعاني من اجحاف الرابطة الأوروبية على صعيد عدم ادراجها لبلاده ضمن الرابطة الاوروبية وكذلك عدم الوفاء بدفع 9 مليار يورو الخاصة بترجيع اللاجئين إلى تركيا، وذكر في البرلمان بأن تركيا أصبحت في عَهده دولة كبرى يعتمد عليها في الشرق الأوسط كمحور أساسي لحل الأزمات، هذا كما أن تركيا لا تقبل أي تدخل أوروبي في جزيرة شمال قبرص ـ الجزء التركي ـ التابعة لبلاده، نقول هذا ونذكر بأن عدد اللاجئين الأتراك والأكراد في ألمانيا شريحة لاجئين كبرى تنافس السورين والأفغان وذلك لضغط أردوغان على الأكراد ومطاردته للأتراك المتورطين مع ما يسمى الانقلاب المنتفض عليه. أخيرا خطب الرئيس الألماني “شتاينماير” مودعا العام السابق ومرحبا بالجديد وخص بالذكر اعتماد ألمانيا على دول الجوار وأمريكا، لاسيما في الحرب العالمية الثانية بمدها للألمان بالغذاء عبر الجسر الهوائي وتشييد الأتراك لمنشآتها المحطمة كأيدي عاملة. قال بأن ألمانيا لا تزال بحوجة للأجانب والرابطة الأوروبية فألمانيا المستفيد الأول.