الانتخابات البرلمانية في بايرن: جدار جديد يشيد لإعاقة اللاجئين

 

د/ أمير حمد

 

إن قضية وأزمة اللاجئين هي الشغل الشاغل والمحور الأول المنفتح على السياسة الداخلية والخارجية بألمانيا ومعظم دول الرابطة كفرنسا واليونان والنمسا وإيطاليا واسبانيا.

أجج زيهوفر وزير الداخلية ورئيس حزب CSU الساحة السياسية بنقده لميركل لعدم تجاوبها معه لتسفير وإرجاع اللاجئين بحل ألماني منفرد في منآى عن حل الرابطة الأوروبية. يقول منتقدا بأن ميركل هذه المرأة لم تصل إلى منصب المستشارة للمرة الرابعة هذه ولم ينجح حزبها إلا لوجوده هو ودعمه لها، ولذا فأنه لن يقبل أن تنحيه عن منصبه وإذا دعا الأمر فأنه سيقدم استقالته بنفسه حفاظا على كرامته وصيت حزبه CSU الحاكم لأثرى وأقوى ولاية بألمانيا.

 

استراحة المحاربين !!

هدأت الضجة بأن اتفق زيهوفر وحزبه وميركل وحزبها بإقامة معسكرات على حدود ألمانيا الجنوبية/ ولاية بايرن وحدود النمسا لتجميع اللاجئين القادمين إلى ألمانيا وتسفير كل من قدم طلبه إلى دولة أخرى بالرابطة الأوروبية وتعجيل اجراءات الآخرين في هذه المعسكرات على الحدود وليس بداخلها. وتطلب هذا الحل موافقة النمسا غير أن كورتس رئيسها صرح في البرلمان الأوروبي بأن اقامة مثل هذه المعسكرات في حدود النمسا يقود بلاده بالتالي إلى اقامة معسكرات أخرى بين النمسا وإيطاليا لتأمين حدود بلاده وإرجاع اللاجئين .. يقول مواصلا بأن الحل الأسلم هو تأمين حدود أوروبا الجنوبية لإيقاف تدفق اللاجئين وانسيابية تحرك المواطنين الاوروبيين داخل الرابطة دون اعاقة لهم جراء المراقبة والتحري من هوياتهم، هذا كما أن الهدف الأساسي هو فتح حدود دول الرابطة فيما بينها لتسهيل التبادل التجاري والسياحة وتداخل المجتمعات والمواطنين بأوروبا وليس تحوصلها. هذا من جانب ومن جانب آخر فإن حزب SPD الاشتراكي الحليف في الحكم كان وقد رفض مثل هذه المعسكرات إلى جانب حزب الخضر الذي اعتبرها امتدادا لتجربة ترامب لإيقاف تدفق لاجئين المكسيك الاإنسانية اللامبالية بالنساء والأطفال وعلاجهم ووجودهم في جو آمن.

من المعلوم بأن حزب الخضر انتقد ميركل بشدة اذ اعتبرها خاضعة لزيهوفر وإجراءات حزبه لموافقتها على ابقاء أبناء اللاجئين بتركيا فيما ظل آبائهم بأوروبا، اثر أن أبرمت اتفاقية اللاجئين الرابطة وتركيا، هذا كما وافقت ميركل على تقليص عدد اللاجئين، وها هي الآن مجددا توافق على تشييد معسكرات اللاجئين استجابة لزيهوفر.

هذا هو الوضع السياسي المحزن للجميع والمفرح لحزب AFD ، الذي ظل يتهم زيهوفر وحزبه بسرقة وتبني برنامجه السياسي لإيقاف هجرة اللاجئين وترجيعهم.

يقول متحدث هذا الحزب بأن حزب CSU لن يفوز في انتخاباته البرلمانية القادمة إلا لسرقة زيهوفر وحزبه برنامج AFD . وفقا لاستطلاعات انتخابات بايرن القادمة فإن حزب CSU لن ينال الغالبية المطلقة ولن يجد من يتماشى مع برنامج حزبه المتشدد سوى حزب AFD الذي ظل يحقق نجاحا بعد نجاح لمطاردته ميركل والمطالبة بتنحيها وإجلاء اللاجئين من ألمانيا والاهتمام في المقابل بالألمان أولا قبل الأجانب.

 

كيف تُربح الانتخابات؟

عندما بدأ زيهوفر بتقلد منصب وزير الداخلية طالب بتغيير اسمها إلى “وزارة الوطن” وانطلق من ثم لتهميش دور الاسلام، إذ صرح بأن الاسلام ليس جزءا من ألمانيا المسيحية، وها هو الآن يخوض معركة حامية ضد اللاجئين بإغلاق حدود بايرن في وجههم وترجيعهم واعتبارهم عبئا على الميزانية الاجتماعية بألمانيا لا غير.

ان الاتفاق بين زيهوفر وميركل بإعادة اللاجئين إلى الدول التي قدموا فيها طلبات اللجوء، لم يرض النمسا لاسيما ارجاع اللاجئين الغير مسجلين والمرفوضين من قبل الدول التي قدموا فيها طلباتهم إليها كدول مجاورة لجنوب ألمانيا.

جاء في صحيفة “زود دويتشه” إن تأجيج زيهوفر لأزمة اللاجئين لن يأتي إلا بضرر بالغ لحزبه لأن ايقاف هجرة اللاجئين غير مأمون لضغط الرابطة على ميركل بعدم اتخاذ قرارات في اقامة معسكرات دون الأخذ برأيها، هذا كما ان حزبه مهدد من قبل حزب AFD الذي مهد ووضع حجر الأساس لإخراج اللاجئين من ألمانيا وتعزيز الألمان أولا وتحقيق مطالبهم.

إن خسارة زيهوفر تعني خسارة حزبه وبالتالي المطالبة بتنحيه إلا أنه لن يقدم نفسه ضحية لوحده وإنما سيسحب ميركل معه لإفشالها لمشروع معسكرات اللاجئين وانحيازها إلى صفوفهم. نقول هذا ونذكر بأن حزب SPD الحليف في الحكم لم يظل ناقدا لهذه المعسكرات، إلا أن الهجوم على زيهوفر وميركل هجوم يهدد استمرار حكم ميركل للدورة الرابعة وكذلك إنهاء الحكومة الائتلافية.

حاولت رئيسة حزب SPD إيجاد حلا يوافق برنامج حزبها الرافض لمعسكرات و ممرات اللاجئين، إذ صرحت بأن جزءا كبيرا من اللاجئين سيغادر ألمانيا لأنها لا تتسع لهم كلهم.

من المعروف أن الرابطة الاوروبية لا توافق على الاتفاقات الثنائية إلا لضرورة قصوى حفاظا على هيمنة البرلمان الاوروبي وليس قُطرية كل دول بالرابطة. وفي هذا الصدد صرح رئيس اليونان بأن ميركل وعدت بلم شمل لاجئين ألمانيا المقيمين في اليونان ما يفوق 1000 فرد، أي جلبهم إلى ألمانيا مقابل أن ترجع اللاجئين المقدمين طلباتهم في اليونان وما أكثرهم على حدود ألمانيا مع النمسا.

كان وقد طالب سيموند غابريل حزب SPD  ـ وزير خارجية ألمانيا الأسبق ـ بإقالة زيهوفر لخروجه على سياسة الرابطة الاوروبية ولشقه وتخريبه للسياسة الألمانية، يقول بأن ألمانيا والرابطة الاوروبية ليستا ولاية بايرن وأن زيهوفر وزير فحسب وليس مستشار لألمانيا وعليه أن يفعل منصبه ولا يتجاوزه قيد أنملة.

أخيرا تنتظر النمسا القرار الأخير من قبل ألمانيا بشأن أزمة اللاجئين الحالية التي أثارها زيهوفر، و جرثومة استيطان واستقبال اللاجئين على الحدود. يقول كورتس مستشار النمسا بأن بلاده لن تكون وطنا وواحة ايجابية لسياسة الترحيب بالأجانب ، وقصد بها ميركل، وأضاف بأن النمسا ستشدد رقابة حدودها مع إيطاليا لإيقاف دخول اللاجئين إذا أغلقت ألمانيا حدودها وشددت الرقابة لإيقاف هجرة اللاجئين.

يظل مشروع زيهوفر هذا المرتبط بنجاح حزبه في انتخابات ولاية بايرن والحفاظ على منصب له في حزب CSU وكذلك وزيرا للداخلية.

إلى الآن تراقب الرابطة الاوروبية هذا التحول بألمانيا الخاص بقضية اللاجئين بعين حذرة لان ميركل اتجهت بضغط زيهوفر إلى تشديد اجراءات اللجوء إلى درجة اقامة معسكرات لهم . نلاحظ أن اتخاذ أي اجراء ألماني بخصوص الأجانب يأتي بردود فعل سريعة من دول الرابطة لاسيما المجاورة لألمانيا كالنمسا وتشيكيا وسلوفاكيا وبولندا. وحده حزب SPD  الحليف في الحكم بوسعه داخليا ايقاف اجراءات زيهوفر هذه، إلا أن هذا الحزب يخاف انتخابات جديدة لتضائل نسبة نجاحه مؤخرا.  تقول نالس رئيسة حزب SPD بأن ألمانيا بحوجة ماسة لقانون واضح وجديد لضبط ملف اللاجئين والرجوع إليه ما ان اختلطت الأمور و”هرطق” زيهوفر عابثا بالمستشارة والرابطة لصالح حزبه كما يفعل الآن مع اللاجئين.

من الملاحظ أن عدد اللاجئين عند الحدود الألمانية بايرن لا يتجاوز لاجئين كل يوم وهي نسبة ضئيلة جدا بمقارنتها بعام 2015 ، اذ وصل عدد اللاجئين إلى 3000 لاجئ يوميا. يقول غابريل وزير خارجية ألمانيا الأسبق بأن زيهوفر لم يزل يعان من أحلام عام 2015 وأن محاولته لإقامة معسكرات و ممرات للاجئين لا تتناسب البتة مع نسبتهم في الوقت الراهن، ثم أن النمسا الدولة المجاورة لولاية بايرن ترفض إعادة اللاجئين إليها.

 

مشاكل عدة

بهذا يظل مشروع زيهوفر حلما وان تحقق فسيتسبب في ردود فعل دول كثيرة كالنمسا وتشيكيا وسلوفاكيا وايطاليا. نعم لا توجد دولة في الرابطة ترغب في اعادة اللاجئين إليها، حتى فرنسا شددت مراقبة حدودها مع ايطاليا إلى درجة اغلاق الطرق على الحدود.

ليست هذه أوروبا المفتوحة الحدود لمواطنيها كما أرادتها الرابطة، فمراقبة تحرك اللاجئين بداخلها من دولة إلى أخرى أدى إلى مراقبة الحدود وتعطيل السياحة والتبادل التجاري.

ومثلما شغلت الصحافة والإعلام تحدي زيهوفر لميركل وإلزامها بفترة معينة لإيقاف دخول اللاجئين إلى ولايتها بايرن شغلت الصحافة الايطالية بهذا التحدي اذ وصفته بالانتحار السياسي وضعف ميركل المستشارة المرموقة أمام وزير داخليتها.

تحدث برلماني بحزب SPD الاشتراكي الحليف في الحكم في اذاعة فنك الالمانية قائلاً: “شغل زيهوفر ألمانيا بقضية اللاجئين إلى درجة عطلت الحكومة اهتمامها لقضايا أخرى مهمة كتخفيض الايجارات وتشييد سكنات جديدة ورفع المعاشات ومجابهة البطالة والاهتمام برعاية العجزة”. يقول هذه ألمانيا من ناحية وهي صورة لا تختلف كثيرا عن بقية دول الرابطة التي تعاني من ارتفاع نسبة بطالة الشباب لاسيما في جنوبها.

لم يزل ترامب يتحدى ويجابه الرابطة الأوروبية بالحرب الاقتصادية ويكرهها على الرد، هذا إلى جانب تشويهه لصورة الاتحاد الاوروبي الذي وصفه بسوق اقتصادي صنعته ألمانيا لتسيطر وتتكسب منه، كما أنه لا يفتأ يأتي بصورة مشوهه لفتح ألمانيا حدودها للاجئين المجرمين والإرهابيين وفقا لقوله. يتابع ترامب مدافعا عن سياسة غلق حدود أمريكا أمام المكسيك، بأنه لا يريد أن تصبح أمريكا كألمانيا مسرحا للفوضى وعنف الأجانب واللاجئين.

وقد أجريت دراسة بإنجلترا بعد خروجها من الرابطة الأوروبية فوضح معظم الانجليز الرافضين للرابطة بأنهم يخافون تسرب اللاجئين والإرهابيين إلى إنجلترا وتحويلها بالتالي إلى وطن خوف وتخلف.

يقول غابريل وزير الخارجية مجددا على زيهوفر الانتباه إلى مثل هذه التحديات ومشكلة الاوروبيين أيرلندا وشمالها ورفض إنجلترا دفع رسوم مغادرتها للرابطة ـ قرابة 50 مليار يورو ـ لا حياة لمن تنادي فزيهوفر مشغول بإنجاح حزبه في الانتخابات البرلمانية القادمة. وما أسهل أن يقدم اللاجئين المستضعفين هبة لمرشحي حزبه ليصوتوا له.

 

التحايل الكبير على اللاجئين

تقول ميركل مدافعة وموضحة أن معسكرات و ممرات اللاجئين يظل بها اللاجئون ليومين أو ثلاثة فقط،  كما خصصت بها أماكن للنساء والأطفال. أما وجود مثل هذه المعسكرات على حدود ألمانيا يسهل تسفير اللاجئين المرفوضين اذ يمثل وجودهم في هذه المعسكرات وجودهم في منطقة محايدة وغير تابعة لألمانيا، مما يتوافق مع لوائح تسفير اللاجئين بالرابطة الأوروبية، بهذا يتم التحايل على وجود اللاجئين بألمانيا.

شهد البرلمان الألماني في الاسبوع الأول من شهر يوليو عراكا سياسيا حادا حول ملف اللاجئين بدءا بنقد زيهوفر وزير الداخلية في يوم عيد ميلاده 4 يوليو، اذ وصفه رئيس حزب اليسار بسياسي فاشل واقترح تنحيه أو طرده من منصبه جراء سياسته التجريبية لقضية اللاجئين. جلس زيهوفر 69 عاما مرتبكا حزينا في البرلمان ليسمع هذه الاتهامات في يوم عيد ميلاده، هذا كما تنوعت الخطب البرلمانية في استهداف قضية اللاجئين فمنهم من وصفه باللجوء السياحي وقدوم اللاجئين بملابس سياحية ومنهم من وصفه بالتلاعب واستغلال خزينة اللجوء و …!

طالبت ميركل بعد ان احتدت أزمة اللاجئين وضغط الأحزاب الألمانية ودول الرابطة عليها بإغلاق الحدود في الساحل الايطالي فيما رحبت به حكومة إيطاليا اليمينية المتطرفة. وها هي أوروبا تستعد لإغلاق حدودها وتحصينها في وجه اللاجئين كما بدأت فرنسا تفعل في حدودها الجنوبية صدا للهجمات والاعتداءات الارهابية المتوالية وتسلل اللاجئين.

يحدث هذا وبعض دول أفريقيا كالسنغال تعاني من أزمة الصيد البحري لاصطياد السفن الأوروبية في ساحلها بتقنيات عالية حديثة وكذلك الكاميرون المهدد بالحرب الأهلية والفقر باستعداد مواطنيها لهجرات ضخمة جديدة تجاه أوروبا. إن المعادلة واضحة فكلما استغلت أوروبا أفريقيا بعد استعمارها لها وأغلقت الحدود في وجه اللاجئين اشتدت الهجرة السرية واضطرب الوضع الأمني… فقط الهجرة الشرعية ومساعدة أفريقيا هما الحلان الناجحان لحل القضية.