تسفيه العرب .. من يقف وراءه، ولماذا؟

د. نزار محمود/

لقد أنعم الله من خلال الإسلام على العرب توحدهم وهجرهم للتناحر وغزوات النهب والسلب التي كانت تشكل جوانب كثيرة من العلاقات القبائلية بين بطون العرب، والتي ساهمت في عدم استقرارهم وتفرغهم للبناء والإعمار وتشكيل الدول ومؤسساتها بما فيها الجيوش المدافعة عن أراضيها وسيادتها.

لكن الله عز وجل لم يكن ليخطىء، سبحانه وتعالى، في من يوكل اليهم ويكلفهم بنقل رسالته السماوية في هداية البشر. فالرسول الكريم محمد، عليه الصلاة والسلام، وآل بيته وأصحابه الأوائل كلهم من العرب الذين وجد الله فيهم من السجايا ما يعينهم على نشر الاسلام خاتم الديانات.

من هنا فإن العرب الذين كلفهم الله بحمل رسالته لم يكونوا اقواماً نكرة في أخلاقهم وفضائلهم، كما يحاول البعض وصفهم بذلك. فالله سبحانه وتعالى يقول على لسان نبيه: “انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

كما أن ما أنجزته الأقوام التي انحدرت من بطون العرب وظهرانيهم وانتشرت في بقاع الأرض المجاورة من حضارات مختلفة، وما أتموه في عهود الدولة الاسلامية الاموية والعباسية ودول قرطبة والأندلس في اوروبا وغيرها سيبقى الدليل الساطع على المنجزات الحضارية لإنسانية للعرب.

واذا كان ما يعانيه العرب منذ بعض القرون من مظاهر ضعف وجهل وتخلف وتفرق وبالتالي تبعية، إنما هي مراحل وقتية لا بد من أن يأتي اليوم وبفعل طليعة من أبنائهم لكي يعيدوا ألق العرب ودورهم الإنساني المشارك في تقدم البشرية.

من يقف وراء “تسفيه” العرب؟

هناك اطراف عديدة وجدت في ما تقوم به من “تسفيه” للعرب ضالتها وأداة ثأر وانتقام. أحاول عرض ذلك من خلال تبويبها الى المجموعات التالية:

١- الصهيونية العالمية:

انه ليس من باب الطرح ” الكلايشي” الذي تضمنته كثير من الكتابات حول تفسير وتبرير تخلف العرب وضعفهم. فالصهيونية العالمية باعتبارها حركة استعمارية ذات لبوس عنصرية مركبة دينياً وعرقياً، وما قامت به من أمر احتلال واغتصاب فلسطين القدس وتشريد شعبها واحتلال أول قبلة للإسلام وأقصاها ثالث مساجد  الاسلام المقدسة، قامت ولا تزال على نهجها في معاداة العرب حملة الإسلام الى البشرية، من خلال قمعهم ونهب ثرواتهم وتسفيه اخلاقياتهم وتشويه منجزاتهم الحضارية الإنسانية ومنع تعاونهم ناهيك عن وحدتهم. ولم تدخر الصهيونية من جهد ولا وسيلة الا ودعمتها من أجل تحقيق تلك الغاية بما فيها طرق ابتزاز ورشوة وشراء ذمم عدد من ساستنا ومفكرينا ومثقفينا وفنانينا، تعينهم في ذلك دوائر من الصليبية الحاقدة.

٢- الفارسية المجوسية:

انها الروح التي تسري في عقول ونفوس كثير ممن لازالت تحركهم كراهية العرب من الفرس المجوس الذين حررهم العرب المسلمون من عباداتهم الوثنية الغبية ولجموا فيهم العنجهية الفارغة. لكنهم عادوا ليتذكروا كبرياءهم ويسعوا لاعادة مجدهم الغابر وهيمنتهم على العرب من خلال ركوبهم موجة الإسلام الذي حمله لهم العرب هداية وإنسانية. لقد برعوا في حيلهم وخبثهم وراحوا يتاجرون بأحقية امامة آل البيت التي فصلوها على قياسات أئمة نسب فارسي، ليشرعنوا قيادتهم ومملكتهم الفارسية الجديدة بلباسها الأسود.

ومن أجل ذلك فقد كان تسفيه العرب والانتقاص من دورهم ومنجزاتهم، لا بل وتشويههم الاخلاقي اداة ماضية في يد الفارسية المجوسية في أخذ ثأرها من هؤلاء العرب.

٣- الطائفية:

لقد وجدت كل من الصهيونية العالمية والفارسية المجوسية في الطائفية المذهبية أداة فاعلة في تفريق العرب ومنع وحدتهم وهدم ما قام بينهم من تعاون. انها وباء العرب الجديد الذي أتى في بعض الدول على الأخضر واليابس، كما هو الحال في العراق وسورية ولبنان واليمن، وما يسببه من مشاكل وقلاقل في البحرين والسعودية وغيرها.

تقوم، وللأسف الشديد، اطراف طائفية بالمساهمة بتسفيه العرب من خلال فعاليات ونشاطات سياسية واعلامية وثقافية وفنية، بعملها الدؤوب وحتى المكلف مادياً ومالياً وبشرياً.

٤- الشيوعية المحتضرة:

لم يكن هناك من قوة في المنطقة العربية من وقفت ضد انتشار الشيوعية والمساهمة في اجهاض تجربتها مثل الاسلام وحملته العرب بالدرجة الاساسية. لقد بقي حقد الشيوعية الدفين على العرب يعتمل في نفوس المؤمنين بها، وهو ما دفعهم الى المشاركة في ” تسفيه” العرب للنيل منهم.

٥- الحركات القومية العربية المهلهلة:

واريد بها جميع الحركات ممن تاجرت بشعارات العروبة ومما لم تكن مؤهلة فكرياً وثقافياً وسياسياً لحمل هذه المهمة، فراحت تتخبط وتتعنتر وتبطش بمعارضيها بدل تفهمهم والتعامل معهم لكسبهم الى قضية انسانية نبيلة. لقد خلقت تلك الحركات من الأعداء والخصوم الكثير، كما أنها تركت انطباعاً سيئاً حول امكانية النهوض القومي الانساني الحضاري للعرب. وبهذا فقد ساهمت في دعم حملات “تسفيه” العرب بصورة غير مباشرة.

٦- الحركات والاحزاب الدينية الاسلامية:

لقد وجدت الاحزاب الدينية الاسلامية، سنية وشيعية، نفسها أمام خلاف عقائدي مع الدعوات القومية للعرب، وفهمت ان منهاج هذه الدعوات يتقاطع مع مناهجها الى الحد الذي راح بعضها يكفرها. هذا الموقف جاء ليدعم كل ” تسفيه” ألعرب وينتقص من قدرهم الثقافي والحضاري ودورهم الانساني.

٧- أطراف حاقدة أخرى:

هناك مجاميع ممن يجد في تسفيه العرب ضالة له، منهم عدد من أبناء اقليات عرقية يحركهم في ذلك وعيهم العنصري وطموحاتهم اللا مشروعة ناهيك عن الأصابع الخارجية الخفية.

كما ان هناك من العرب ممن اصابتهم خيبة أمل في ساستهم أو حتى مفكريهم أو مثقفيهم ممن اخفقوا في تحقيق طموحاتهم، ولم يجدوا في غير تسفيه العرب مداواة لجروحهم، بدلاً من المواقف والأفعال الايجابية وبعيداً عن السلبية.

وأخيراً فقد لعب، صراع الأجيال، غير الواعي أو المسؤول، دوراً سلبياً من خلال الرفض الأعمى لكل ما هو عربي بدعوى تخلفه وعدم حداثته وعجزه عن مواكبة الحداثة.

لماذا ” تسفيه” العرب؟

ان مراجعة واعية للأطراف التي تعمل ليل نهار على ” تسفيه” العرب يقود ويكشف أسباب ودوافع ذلك التسفيه.

فللصهيونية العالمية مصالحها الاقتصادية الاستعمارية في احتلالها لأراضينا واغتصابها، كما ان لها من الثأرات التاريخية ما تسعى للأخذ بها والانتقام منا.

في حين تسعى الفارسية المجوسية الى اعادة امجاد امبراطوريتها وهيمنتها على بلدان وشعوب غنية بمواردها ومواقعها الجغرافية، ناهيك عن دوافع ثاراتها التاريخية.

وفي خضم هذه الحالة تبقى الدول الاستعمارية تستفيد من حالات التسفيه والتناحر في المنطقة العربية، وتعمل على دعمها وترويجها.

وفي الختام أشير إلى أني اقتصرت في هذا المقال تقريباً على الجوانب والدوافع الخارجية دون التطرق الى ما تسببه العوامل الذاتية لإشكالية “تسفيه” العرب، وسيكون تناول ذلك في مقال مستقل.

.