برلين تحتفل باليوم العالمي للغة العربية

د. طلال الجبوري/

بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية المصادف يوم 18 من شهر ديسمبر من كل عام والذي أقرته اليونسكو عام   2012، بعد جهود مضنية للدبلوماسية العربية وفي مقدمتها المغربية والسعودية، وبعد ان كانت قد نجحت في اعتماد اللغة العربية كواحدة من ستة لغات رسمية في أروقة الأمم المتحدة منذ العام 1973، أقام المعهد الثقافي العربي وبالتعاون مع منتدى بغداد للثقافة والفنون احتفالية أدبية وموسيقية شارك فيها عدد من الشعراء والكتاب والمهتمين بشؤون اللغة العربية والموسيقيين وجلهم من الشباب.

وكان قد افتتح الاحتفالية السيد الدكتور نزار محمود، رئيس المعهد، بكلمة موجزة حول اللغة العربية، جاء فيها:
 ليس لدي كلمة طويلة حول اللغة العربية بمناسبة يومها السنوي، وانما تذكير بأن هذه اللغة الثرية بمفرداتها التي تزيد عن ١٢ مليون مفردة ومعانيها، انما تنفرد بخصائص تميزت بها ورفعت من شأنها في عمق تعبيراتها عن الافكار والأحاسيس وخلجات النفس الإنسانية ووصفها الدقيق للأشياء والأحداث والظواهر المختلفة من أدبية وسياسية واجتماعية، الظاهرة منها والباطنة، وسبرت غور معانيها ومقاصدها بدقة متناهية وفق قواعدية محكمة.
إن طوافاً في ألوان ابداعات اللغة العربية في شعرها ونثرها، في روايتها وقصتها، وفي خطابها وبلاغتها، وفي سردها ونصها وموسيقيتها وغيرها ما يعجز العقول والأذواق في جماليته وبراعة تعبيره. فاللغة العربية كانت وستبقى الوعاء الثقافي لأمة كان لها من الانجازات الحضارية الكثير، والتي ينبغي أن تصحو ثانية لمعاودة مسيرتها وتأدية دورها الإنساني.

بيد أن هذه اللغة التي خصها الله لأن تكون لغة قرآنه، بحاجة الى من يحميها ويطورها ويغذيها ويرعاها لكي تستمر ككائن حي خالد. فهي شجرة دائمة الخضرة عند سقيها، أصلها ثابت وفرعها في السماء.
واذا كانت اوطاننا العربية تربي وتعلم وتستخدم اللغة العربية في تخاطباتها وتفاعلاتها الذهنية والحسية في تعليمها وعملها وحياتها اليومية، فإننا بحاجة، نحن الجاليات العربية في بلدان الغربة والمهجر ، الى نوع من الشعور بالمسؤولية والرعاية الخاصة في الحفاظ على لغتنا الجميلة، رغم الصعوبات الواقعية لذلك.
وهكذا فإن احتفالنا هذا المساء باليوم السنوي للغة العربية ينضوي تحت يافطة هذه الرعاية الخاصة.
تحية لكل شاعرة وشاعر وكاتبة وكاتب ومعلمة ومعلم، ولكل أب وأم حرص وحرصت على تعليم أبنائها اللغة العربية.”


لقد جاءت المشاركات وفي غالبيتها الشعرية، لتؤكد عظمة وعمق هذه اللغة وجماليتها ووقعها الساحر في معانيها وتركيباتها إضافة إلى تعبيراتها عن هواجس وإرهاصات وخلجات شخصية للشعراء الشباب المشاركين.

أما عن المشاركات والمشاركين في شعرهم وقصائدهم النثرية فهم:
الشاعرة خلود شرف، قراءة عربي/ الماني، والشاعر عمر الموصلي قراءة عربي /الماني، والأديبة هيفي قجو/ قراءة عربي، والشاعرة ندى الخوام/ قراءة عربي، وإيسلا سرياني (فتاة المانية من اصل سرياني)/ قراءة قصيدة عربية ألمانية، والشاعر والاعلامي محمد ذو الغني /قراءة قصيدة عربي، الشاعر سعد الأبطح/ قراءة عربي والشاعر ثائر أيوب/ قراءة عربي، والشاعر سعد الأبطح/ قراءة عربي

كما ألقى الدكتور الباحث عماد رحمة/ بحث مختصر حول تاريخ اللغة العربية، وكذلك الاساتذة عفاف عمورة/ بحث مختصر حول جماليات اللغة العربية.

وكانت للمساهمات والمقطوعات الموسيقية ما أضاف على الأمسية جمالية كبيرة ساهم فيها كل من:
عازف العود بكر خليفي، عازفة القانون الموسيقية الشابة ديما، عازف الناي الفنان محمود فيومي

هذا وكانت قد قدمت لفقرات الاحتفال السيدة المهندسة والأديبة عنان جاكيش، مثرية الاحتفال بأبيات شعرية جميلة الاختيار.

وبهذه المناسبة، كان الدكتور نزار محمود قد مهد بالكتابة لها بمقال حول حتمية انسانية الثقافة العربية ولغتها، جاء فيه:
عندما كلف الله العرب بحمل أمانة الإسلام واختيار الرسول وصحابته الأوائل من بينهم وتنزيل القرآن الكريم بلغتهم وفي أرضهم، لم يكن، حاشا لله، عملاً عبثياً أو خطأ ضل مسيره. كما ان هذا التكليف السماوي جاء ليؤكد ويذكر  العرب بسجاياهم الإنسانية طالما كانت تلك الرسالة للعالمين جميعاً، وبعكسها لم يكن للعرب من شرف في حمل رسالة هم ليسوا أهلاً لها، حتى أنه سبحانه وتعالى قد حذرهم من مغبة الأعراب فيهم، ومما يحملونه من عصبيات قبلية وعناد فارغ وجهل وشهوات نحو السلب والنهب.
وهكذا تغلبت صفات الخير في الامة التي شرفها الله بحمل رسالته، واينعت ثمار سجاياها الإنسانية الطيبة. فكان الصدق والاستعداد للتضحية واكرام الضيف ونبذ التعالي العنصري والانفتاح على الآخر والحكم بالعدل بين الناس على اختلاف مشاربهم قد شكلت الأساس لتقبل الشعوب والأمم الأخرى دعوتهم للإسلام والايمان برسالته وكتابه العزيز.

ان ما يدلل على ذلك كذلك هو كم الصحابة والتابعين من غير انحدارهم العربي ممن أخذنا عنهم تعاليم ديننا وسنتنا واطلقنا على ابنائنا اسماءهم واقمنا لهم ما يذكر باعمالهم ومواقفهم الصالحة.
ان ثقافتنا العربية لا يمكن ان يكتب لها الاحترام والتطور دون انسانية ما تحمله من قيم وممارسات وتقاليد تعامل بين الناس اجمع.
كما انها لم تكن لتثرى دون انفتاحها الانساني على ثقافات الشعوب والأمم الاخرى. فهذه لغتنا العربية التي الف فيها وكتب لها عمالقة الألسنة من غير “العرب” مكبرين فيها، ومساهمين في كبرها عبر قرون من الزمان.

بقي ان أشير الى أن إدارة الامسية وتنظيمها كان قد شارك فيها وبدور أساسي الشاعر فارس مطر، وقد توسط منصة التقديم عمل نحتي مبدع للفنان التشكيلي أحمد شما، وهو يظهر جمالية الحرف العربي..

وأخيراً فقد كان قد تولى الادارة التقنية والتوثيقية والاعلامية للاحتفالية، التي اكتظت بجمهور كبير ومثقف كل من المهندس محمد الوناس والدكتور طلال الجبوري.

.