حول فعاليّات معرض الكتاب العربي في البيت الثقافي ” الديوان”في برلين

 ضمن فعاليات البيت الثقافي العربي في العاصمة الألمانية برلين أقيم معرض الكتاب العربي الأوّل، وقد استمر في الأيام الثلاثة الأولى من شهر أيلول لهذا العام والذي نظمه ” الديوان الثقافي ” والذي تشرف عليه السفارة القطرية في برلين.

ثلاثة أيام ثقافيّة غنية ببرامجها وحضورها وتنوعها عاشتها العاصمة الألمانية برلين ضمن أحداث وفعاليات مكثفةفي برنامج المعرض والذي شكّل إضافة نوعيةجديدة في الحياة الثقافية والفكريّة والاجتماعية في ألمانيا.

افتتح المعرض يوم الجمعة في الأول من أيلول واستمر لغاية يوم الأحد في الثالث منه ضمن برنامج يومي طويل يشمل عدداً من الفعاليات والندوات والأنشطة الموازية.

وضع منظمو المعرض في أولويّات برنامجهم ربطَ الثقافة العربية المعاصرة بالثقافة الألمانية من خلال محاضرات وندوات باللغتين العربية والألمانية وطرح مشروعات الترجمة من وإلى اللغتين .

 بداية افتتح المعرض بكلمة السيّد سفير دولة قطر في ألمانياسعادة الشيخ عبد الله بن محمد بن سعود آل ثاني، ورئيس مجلس أمناء الديوان والذي رحّب بالضيوف وأكد على أهمية مثل هكذا حدث في قلب أوربا وخاصة لما للثقافة من أهمية في مدّ جسور التواصل والتفاهم الأولية بين الشرق والغرب ثم أعلن عن مبادرة الديوان من أجل ترجمة الكتاب العربي إلى الألمانية ووعد بأنالكتب المترجمة سوف تتنوع بينالأدب و الفنّ والفلسفة والسياسة، هذه المبادرة تحمل في طياتّها الكثير التبادل الفكري والثقافي الذي يعوّل عليه في المستقبل من خلال شراكة  واتفاقيات تم توقيعها مع دور نشر ألمانية.

شارك في الافتتاح عدد من السفراء العرب في ألمانيا و السيد الدكتور ميخائيل مولر، النائب في البرلمان الألماني، وعضو اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية،و السيد رالف بيسته، رئيس قسم الثقافة والاتصال في وزارة الخارجية الألمانية، والسيد بشار شبارو، الأمين العام لاتحاد الناشرين العرب..

هذا وتأتي أهميّة المعرض من خلال المشاركة الكبيرة لدور النشر العربية والألمانية فقد شارك فيه 66 دار نشر معروفة فيالعالم العربي وأوربا.

المعرض فرصة  للتواصل الثقافي والإنساني بين العرب وأوربا

 كان من ضمنفعاليّات المعرض اطلاق كتاب «جسور لا أسوار»  للدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري، وزير الدولة رئيس مكتبة قطر الوطنية، ثمّ تم توقيع النسخة الألمانية ووزعّت نسخ مجانية على عدد كبير من الحاضرين ثم تلا ذلك قراءة في الكتاب للمؤلف وكلمة ممثل  دار النشر الألمانية ” ليت”

بعد ذلك تتالت النشاطات والفعّاليات التي كانت تترجم مباشرةإلى العربية و الألمانية.

ضمن برنامج يومي حفلَ بالأنشطة والندوات الحوارية  بالغتين العربية والألمانية ضمتها الخيمة العربية والتي أقيمت وسط الحديقة في ساحة المعرض والتي كان لرمزيتها دلالة كبيرة عن  كسر الصورة النمطية  المترسبة في الذهنية الغربية عن العادات والتقاليد العربية.

فمن الخيمة انطلقَ شعاع الفِكر العربي وراية السلام والمحبة والتآخي الانساني،وهنا وفي خيمة الديوان الثقافي في برلين، راحت شعلةُ الفكر المعاصر، تنتقل نحو الغرب من خلال تشاركية اللغة والفكروالمعرفة والإرادة بين المتحاورين ومن خلال محاولة جادة لإعادة اكتشاف الآخر المعاصر.  

فكان لطرابلس المدينة اللبنانية النصيب من ندوة اليوم الأول من خلال تقديم كتال “طرابلسفي عيون أبنائها والجوار” شارك فيها الأساتذة ناصر جروس وكلاوس بيتر هازه، وأدار الندوة الإعلامي عسان الأدهمي

 الثوم الثاني من المعرض شهد جلسة روائية مميزة حيث شاركت عدد من الأديبات العربيات  المقيمات في ألمانيا حيث أدارت الحوار معهن الكاتبة المصرية أماني الصيفي وهن الروائية الدكتورة هدى النعيمي والدكتورة نجاة عبد الصمد والدكتورة إشراقة مصطفى والأستاذة رزان نعيم المغربي والإعلامية ريم نجمي  والدكتورة إيمان العُذري والأستاذة خلود شرف والفنانة يارا وهبي والآنسة ديما سكران.

 وكذلكالمؤسسات الأكاديمية الألمانية حاضرة وبقوة من خلال المشاركة في ندوة اليوم الثاني وقد تم الحديث عن دور المؤسسات الأكاديمية  في “تعزيز التفاهم الثقافي بين المجتمعات الألمانية والعربية” شارك في الندوة الدكتورة ليسلي ترامونتيني مديرة مركز دراسات الشرق الأوسط مع نيلز فيشر من الأكاديمية الكاثوليكية للتبادل الدولي.

كما طُرحت قضية المخطوطات العربية في برلين من خلال مُحاضرة قدّمها كلّ من البروفيسورة هيلاري كيليابتريك أستاذة الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة لوزان في سويسرا وكريستوف راوخ  رئيس قسم الاستشراق والمخطوطات في المكتبة الوطنية في برلين.

 أما قضية الترجمة من العربية وأليها همومها وأشجانها  فقد شارك فيها الأساتذة سمير جريس ومصطفى السليمان وساندا هيتسل وأدار الندوة أيضا شتيفان فايدنر.

اليوم الأخير من أيّام المعرض كان أيضاً حافلاً بالأنشطة والندوات وشهد حضوراً كثيفاً.

وقد تميّز هذا اليوم بندوة للكتّاب العرب المقيمين في ألمانيا وهم الروائي السوداني الدكتور أمير حمد، الذي تحدّث عن روايته” نانجور”  الصادرة حديثاًبينما تحدّث الكاتب والصحفي اللبناني ناجي طاهر عن عمله الفلسفي والفكري “جسور متأرجحة” الذي يبحث في  قضايا التعايش وتعريز التواصل الحضاري بين الشرق والغرب و دعم قضايا التواصل بين العرب وألمانيا

أمّا الروائي السوري ناجي حنافي العلي فقد تحدّث عن روايته “قارئة الفنجان” التي تعالج قضية المكان من خلال فنان هاجر إلىألمانيا لكنه يحمل في وجدانه جرح وطنه.

وكذلك قرأ الشاعر العراقي فارس مطر قصائد وجدانيّة مطّولة من ديوانه الجديد” الفرح المتأخّر يغمرني”  التي أثارت إعجاب الحاضرين.

 في حين أدار الندوة الكاتب “موسى الزعيم” الذي تحدّث عن عمله القصصي الصادر حديثا “قمر الليلة الثالثة”.

بعدها انتقل الكتّاب إلى خيمةٍ خاصّة بهم، وتبادلوا الحديث مع الزوار ووقعّوا لهم الكتب.

كما كان اللغة العربية وطرائق تعليمها همومها وأشجانها  ضمن أولويات المشاركين في فعاليات اليوم الأخير “كيف يسهم تعلم العربية في  نشر الكتاب العربي”

وفي إطار أعمال المعرض  قام المنظمون أيضا بتكريم “دار صادر” للطباعة والنشر، لما تحمله من سمعة طيبة وتاريخ طويل في نشر التراث العربي وذلك  بمناسبة مرور مئة وستين عاماً على تأسيسها حيث ألقى السيد نبيل صار كلمة تحدث فيها عن أهم المحطات في تاريخ الدار.

من الندوات التي لاقت حضوراً جيداً أيضا ندوة ” كيف يسهم تلم العربية في انتشار الكتاب العربي ” شارك فيها الدكتور محمد اغراقجا  خبير طرائق تدريس اللغة العربية، والدكتور بيتر كونردينغ  والاستاذة زيندت كوستر أدارة الندوة الأستاذة عواطف حسون

هذا وقد ختم المعرض  بنوة بعنوان”عن نشأة الكتاب العربي”

كما رافقت أعمال المعرض أنشطة موسيقية تراثية وورشة للخط العربي للفنان محمد خير

تأتي أهمية المعرض ليس كحالة تسويقية  ترويجية فحسب، وإنما من خلال انشغال الزوار والمشاركين في البحث عن الأليات والسّبل التي توصِل الكاتبَ العربي في ألمانيا بالناشر مباشرةوفي العالم العربي وسوق الكتاب، وقد شكّل المعرض بأيامه الثلاثة حلقة وصل لها أهميتها من خلال تواجد عددٍ كبيرٍ من الكتّاب والمؤلفين العرب والألمان والناشرينومدراء المواقع الالكترونية والفنانين وغيرهم وقد كان لافتاً حضور عدد من المستشرقين الألمان المعاصرين لأيام المعرض وفعالياته.

 كلّ ذلك شكل فرصة جيدة لبداية حواربين عددٍ كبيرٍ من الأطراف، ساهمت في خلق جوّ من التعاون ورسمت طريق مشاريعَ مستقبلية واعدةٍ، سواء على صعيد الأفراد أو المجموعات والمؤسسات العامة والهيئات الأكاديمية، من جهة أخرى يأتي المعرض بصيغة عربية تعدّدية المشارب فقد جاء من شارك ومن زار من عدّة بلدان عربية وأجنبية، ما شكّل فرصة جديدة للتواصل بين أبناء العروبة وغيرهم.

كذلك كانت أيام المعرض فرصة طيبة للتعارف وتبادل الكتب وخطط المشاريع المستقبلية  وبين الأفراد وقد  شكل ذلك حلقة إضافية جديدة في حلقات التواصل، خاصة وأّن هناك رغبة في الدوائر الجامعية الألمانية التي تعنى  بالأدب العربي وما يكتب في ألمانيا خاصة. في الانفتاح على ما هو معاصر وجديد في الابداع والفكر العربي، هذه المراكز البحثية وجدت أنّ هناك نقصاً في معرفتهابما يُكتب عربياً في الساحة الألمانية وبما ينتج فكريا على الساحة العربية عامة.

 تجربة أثرتِ الساحة الثقافيّة العربية في ألمانيا وشكلت علامة فارقة في تنظيم هذا حدث ثقافي، وهو بداية مبشرة لقادم الأيام لأن هناك جيلاً عربياً جديداً من الشباب هو بحاجة اليوم  لتأسيس أرضية ثقافية عربية يبني عليها يوما ما وقد شكّل عدا المعرض بفعالياته تلك اللّبنة الأولى، من جهة ثانية شهد المعرض حضوراً وتمثيلاً دبلوماسياً مختلفاً، مما يعكس الإرادة العربية في دعم الثقافة العربية في أورباوهذا ما أكده عميد الدبلوماسية العربية السفير اللبناني مصطفى أديب في كلمته في حفل الافتتاح.

أعمال المعرض استهلكت وقتاً وجهداً تنظيماًعالياً وفريقاً متخصصاًفي تنظيم هكذا فعاليات  واختيار المحاضرين والمشاركين.خطوة نتمنى لها الاستمرار والدوام، ونأمل أنّ تأتي النسخة القادمة من المعرض وقد حملت بين طيّاتها فِكرة مسابقةٍ إبداعية أو فكريّة وتكريم شخصيّة عربية أو المانّية كان لها إسهامها وبصمتها الفكرية أو الإبداعية.

يُذكر أن البيت الثقافي العربي «الديوان» تأسس عام 2017 من قبل دولة قطر بهدف تعزيز التواصل والتفاهم الثقافي والفكري بين العرب والألمان، من خلال نشر الثقافة العربية، وإطلاع المتلقي الألماني على الدور الثقافي الحضاري والإنساني للعرب ومدّ جسور التفاهم الإنساني بين الشرق والغرب.