تراجع قيمة اليورو والاحتضار السياسي

انخفاض سعر العملة الأوروبية المشتركة يحمل مخاطر كبيرة وقد يؤذن بانفراط عقد الاتحاد على ما نعرفه اليوم

محمد عبد المنعم /

انخفض سعر اليورو متأثراً بالتوقعات القاتمة للاقتصاد الأوروبي وباحتمال قطع إمدادات الغاز الروسي بالكامل، إلى ما دون عتبة الدولار الأميركي الرمزية والتي لم يتم تجاوزها منذ ديسمبر (كانون الأول) 2002.

وتراجعت الأسهم الأوروبية مبكراً حيث هبط المؤشر “ستوكس 600” الأوروبي 0.8 في المئة بعدما أغلق مرتفعاً في جلسة تعاملات مضطربة، وسجلت قطاعات البنوك والرعاية الصحية والتعدين أكبر انخفاضات، وهبطت أسهم البنوك وشركات الكهرباء الإسبانية بدرجة أكبر بعد أن أعلنت الحكومة أنها ستفرض ضريبة مؤقتة على الشركات، ووسط خلاف على الطاقة مع روسيا، حذرت هيئة الرقابة المالية الألمانية من أن القطاع يواجه مستقبلاً غامضاً في حين تعاني البنوك بالفعل من التخلف عن سداد القروض، ونزل المؤشر “داكس” الألماني 1.2 في المئة ليقود مؤشرات أوروبا للانخفاض.

دوامة أزمة

كتب المحلل في صحيفة “وول ستريت جورنال” جوزيف سي ستيرنبيرغ يقول، إن تراجع سعر صرف اليورو إلى مستوى يساوي الدولار أو يقل عنه قليلاً دليل على دخول العملة الأوروبية الموحدة مجدداً في دوامة أزمة. ولفت إلى أن هذا المستوى المتدني هو الأول منذ عام 2002 مقارنة بـ1.14 دولار مطلع العام الحالي. “لكن هذا مجرد عرض من أعراض مرض متضمن يتمثل في تغير الهدف الأساسي من اليورو أمام أعيننا”.

وذكر في تحليل نشرته الصحيفة أن العملة الموحدة ولدت لتسهيل التجارة عبر الحدود المفتوحة بين البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تعزيزاً للتنافسية الاقتصادية للكتلة، علماً بأن الهدف التجاري هذا لم يعد يذكر كثيراً في أيامنا هذه. “وتلخصت الفكرة في أن حرمان الحكومات الأوروبية من وسيلتها التقليدية، أي خفض قيم عملاتها لتجاوز التداعيات التي تترتب حين تتصلب أسواق العمل وتنعدم القدرة على تحمل تكاليف دول الرفاه الاجتماعي، سيضطر البلدان إلى تطبيق إصلاحات”.

أزمات منطقة اليورو

ووفق ستيرنبيرغ، تماسك هذا الاقتصاد السياسي خلال أصعب مراحل أزمات منطقة اليورو في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لكنه كان السبب وراء هذه الكوارث. “فقد دب الذعر في أسواق السندات الحكومية حين ظهرت علامات على تعطل في المالية العامة في اليونان وإيرلندا وإسبانيا والبرتغال، وذلك تحديداً خوفاً من أن يدفع انضباط اليورو الذي لا يرحم واحداً أو أكثر من هذه البلدان خارج كتلة العملة. وجاءت رزم الإنقاذ مشروطة بإصلاحات صارمة في السياسات”.

ولفت المحلل في مقاله في “وول ستريت جورنال” إلى أن تراجع اليورو في الأيام الأخيرة “يعود إلى كون منطقة اليورو على شفير التخلي التام عن ذلك التوافق السياسي، الذي تعرض إلى ضربات كثيرة، حول الإصلاح الاقتصادي”. وعزا السبب المباشر للتراجع إلى عدم مواكبة المصرف المركزي الأوروبي مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي على صعيد رفع معدلات الفائدة وتقليص مشتريات السندات الحكومية بحزم لمكافحة معدلات التضخم المتزايدة، فمعدل الفائدة الرئيس على اليورو لا يزال سلبياً وبرنامج شراء السندات قائماً في حين أن معدل التضخم في منطقة اليورو يسجل 7.4 في المئة.

وكتب يقول: “ليست [محافظة المصرف المركزي الأوروبي كريستين] لاغارد أقل أو أكثر تنبهاً إلى التضخم مقارنة بأي من نظرائها، لكن في ظل التحول السريع للاقتصاد السياسي الخاص بمنطقة اليورو، ربما لم تعد مكافحة التضخم الهدف الرئيس. فالانضباط الذي كان المبدأ المؤسس لمنطقة اليورو يتراجع، ومعه تأكيد فرض المصرف المركزي الأوروبي استقرار أسعار العملة [والفوائد]. فالمطلوب الآن التطلع إلى تماسك أوروبي مهما كلف الأمر. فإبقاء البلدان في الكتلة أهم للمصرف المركزي الأوروبي في فرانكفورت (وللمسؤولين الكبار في بروكسل) من ضمان إنفاق هذه البلدان واقتراضها في شكل أكثر مسؤولية وتنظيم أمورها في شكل منطقي”.

 معدلات الفائدة

ونبه ستيرنبيرغ إلى “الأوضاع المالية الهشة” في إيطاليا، واتساع الفارق بين معدلات الفائدة التي تدفعها ألمانيا، الاقتصاد الأوروبي القوي، على سنداتها، وتلك التي تدفعها إيطاليا. “ويبدو أن المصرف المركزي الأوروبي يخشى من أن يؤدي ذلك إلى تقويض جهوده على صعيد التحفيز الاقتصادي والأسوأ أن يطلق موجة جديدة من الذعر في الأسواق حول قدرة إيطاليا على البقاء في الكتلة”. وأضاف، “يبدو أن المصرف المركزي الأوروبي يوفر دعماً جديداً وعلنياً للديون الإيطالية وغيرها من الديون المتأخرة [عن الديون الألمانية] من خلال إبقاء عوائدها منخفضة… وفي هذا تراجع من قبل المصرف [المركزي] عن ممارسته السابقة المتمثلة في دعم إيطاليا من خلال برنامجه لشراء السندات في مختلف أرجاء منطقة اليورو”.

وفيما يواصل معدل التضخم ارتفاعه في دول الاتحاد الأوروبي، لكن أزمة جديدة ربما تدفع أوروبا إلى خسارة معركتها في الحرب على التضخم وموجة ارتفاعات الأسعار التي تتسارع وتيرتها. حيث قال عضو المركزي الأوروبي ورئيس البنك المركزي الفرنسي إن الضعف الحالي لليورو في أسواق الصرف الأجنبي قد يؤدي إلى تعقيد جهود البنك المركزي الأوروبي لتحقيق هدفه فى السيطرة على التضخم.

وقال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، إن حرب أوكرانيا أظهرت أن هيمنة الغرب تشهد نهايتها في ظل صعود الصين لتكون قوة عظمى بالشراكة مع روسيا في أوضح نقاط التغير في المشهد العالمي منذ قرون.

وأضاف بلير، أن العالم في مرحلة تحول في التاريخ يمكن مقارنتها بنهاية الحرب العالمية الثانية أو انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن هذه المرة وبوضوح الغرب ليس في الكفة الراجحة.

وأشار بلير، الذي شغل منصب رئيس وزراء بريطانيا في الفترة من 1997 وحتى 2007، إلى أن حرب أوكرانيا أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أن الغرب لا يمكنه الاعتماد على الصين “لتتصرف بطريقة نعتبرها عقلانية”.

وقال، “مكان الصين كقوة عظمى طبيعي ومبرر. إنها ليست الاتحاد السوفياتي”، لكنه قال إن على الغرب ألا يسمح لبكين بالتفوق عسكرياً،

.