حكاية “الدفع بالروبل” مقابل الغاز الروسي

سامي عيد /

واجهت الحكومات الأوروبية معضلة كبيرة بعد أن قالت مذكرة داخلية للمفوضية الأوروبية الخميس إن قيام المشترين من الاتحاد الأوروبي بالدفع بالروبل مقابل الغاز الروسي من شأنه أن يمثل “خرقا” لمنظومة عقوبات الاتحاد الأوروبي على موسكو، معتبرة الآلية “انتهاكا للقيود الحالية التي يتبناها الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بروسيا وحكومتها والبنك المركزي في روسيا ووكلائهم”.

الغاز مقابل الروبل

وفي مارس آذار، اقترحت موسكو أن يفتح مشترو منتجات الطاقة حسابات في بنك غازبروم، حيث يتم تحويل المدفوعات باليورو أو الدولار إلى روبل. وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوروبا حينها من أنها “تخاطر بقطع إمدادات الغاز عنها إذا لم تدفع بالعملة الروسية”، في الوقت الذي يسعى فيه للانتقام بعد العقوبات الغربية بسبب غزو موسكو لأوكرانيا.

وهدّدت موسكو بقطع إمدادات الغاز عن الدول “غير الصديقة” التي ترفض الدفع بالروبل، وهي خطوة من شأنها أن تؤثر خصوصا على الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد بشدة على الغاز الروسي.

تحذير من التحايل

من الناحية العملية، يمكن للمشترين الدفع بالعملة الصعبة الأصلية المحددة في العقد، ولكن يتم تحويل عملات اليورو أو الدولار بعد ذلك إلى روبل قبل إتمام الدفع.

التحذير الذي أطلقته من بروكسل هو أن مخطط تبديل العملة هذا قد يتعارض مع العقوبات المفروضة بعد غزو روسيا لأوكرانيا. يعني أنه يجبر دول الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خيار صعب: يمكنها إما إخبار شركاتها التي تشتري الغاز برفض التوقيع على شروط بوتين ومواجهة توقف مفاجئ محتمل لإمدادات الغاز لديها أو المخاطرة بتحدي عقوباتها الخاصة.

وسارعت أوكرانيا إلى التنديد بالموقف الروسي الذي رأت فيه”حربا اقتصادية” على الاتحاد الأوروبي، وبمساعي روسيا لـ«تقوية عملتها». كما حذّرت ألمانيا من أن حصر الدفع لقاء ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا بالروبل يشكل خرقا للعقد. قبل الغزو الروسي لأوكرانيا كانت ألمانيا تستورد من روسيا 55 بالمئة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي.

مع رفض الدول الأوروبية الأخرى دفع أي مبلغ بالروبل لموسكو التي تسعى بهذه الطريقة لدعم عملتها، أعلن رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، في وقت سابق، أن بلاده مستعدّة للدفع لروسيا بالروبل مقابل واردات الغاز إذا لزم الأمر، ما يضع المجر في خلاف مع نظرائها في الاتحاد الأوروبي الذين استبعدوا القيام بذلك.

آلية الدفع بالروبل

ووفقاً لموسكو سيتعين على المشترين الأجانب للغاز الروسي استخدام حسابات خاصة في غازبروم بنك لدفع ثمن استيراد الغاز الروسي، وسيكون ملزماً الآن بتحويل العملة الأجنبية إلى حساب خاص واحد يسمى ( K)”. وجاء به أن غازبروم بنك ستشتري بعد ذلك الروبل نيابة عن مشتري الغاز لتحويل الروبل إلى حساب (K) خاص آخر.وبعد ذلك فإن غازبروم بنك ستحول أموال الروبل من حساب من النوع (K) لمشتري الغاز الأجنبي إلى حساباتها ويمكن لها فتح مثل هذه الحسابات من دون حضور ممثل المشتري الأجنبي.

ووفقًا لتقييم قانوني من المفوضية الأوروبية فإن نظام الدفع هذا يخاطر بخرق العقوبات من خلال منح روسيا السيطرة على توقيت ومعدل تحويل العملات الأجنبية. وقالت أيضا إن شركة غازبروم بنك ربما تكون قد انتهكت العقوبات المفروضة على “حيازة وإدارة العملات والأدوات المالية”.

قرار موسكو يهدف إلى تعزيز قيمة الروبل

تهدف عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى إعاقة البنك المركزي الروسي و عرقلة تمويل الحرب ضد أوكرانيا. كما يعد طلب موسكو على مدفوعات الغاز بالعملة المحلية أحد مجموعة من الإجراءات لتعزيز الروبل مثل ضوابط رأس المال وأسعار الفائدة المرتفعة للغاية. وكانت بروكسل اعلنت مؤخرا أنها تعتزم تقليص وارداتها من الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية العام، كما تبحث في فرض حظر على النفط الروسي.

وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إن 97 في المائة من عقود الغاز الأوروبية مع روسيا تحدد المدفوعات باليورو أو بالدولار، وأن “الشركات التي لديها مثل هذه العقود يجب ألا تستجيب للمطالب الروسية، نحن نحلل المرسوم الجديد ونحن على اتصال بشركات الطاقة في الاتحاد الأوروبي التي ستتأثر بالقرار وكذلك الدول الأعضاء “.

من جانبه، اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عددا من البنوك في الغرب بعدم سداد قيمة الغاز الروسي، وقال بوتين : “هناك تخلف عن السداد بشأن توريدات موارد طاقة روسية” موضحا “بنوك من تلك الدول غير الصديقة تماما تحجم عن تحويل المبالغ”.

ونصحت هولندا شركاتها بعدم توقيع العقود الجديدة مع غازبروم، وقالت إنها لن تسمح للشركات الهولندية بقبول طلب موسكو لدفع ثمن الغاز بالروبل.

وتعد تدفقات الغاز الروسي إلى هولندا منخفضة وفقاً للمعايير الإقليمية، لكن هذه الخطوة قد تزيد من الضغط على الدول الأوروبية الأخرى كي تلتزم بالنهج ذاته. تخطط هولندا لمضاعفة القدرة على استيراد الغاز الطبيعي المسال، وأطلقت حملة لتشجيع الشركات والهيئات الحكومية والأسر على تقليل استهلاك الطاقة.

الدول الغربية تجمد حوالى 300 مليار دولار من الاحتياطي الروسي الموجود في الخارج

وفرضت الدول الغربية عقوبات مشددة على موسكو منذ أن بدأت غزوها لأوكرانيا. وجمّد الغربيون حوالى 300 مليار دولار من الاحتياطي الروسي الموجود في الخارج، في خطوة وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بانها “سرقة”. كما قال بوتين، “من الواضح أن تسليم بضائعنا إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتلقي الدولار واليورو والعملات الأخرى، لم يعد له معنى بالنسبة لنا”.

.