الهجرة .. الحدود وتجارة السلاح

د/ أمير حمد

يتطرق هذا المقال لمحاور عدة عالقة بقضية اللجوء داخل ألمانيا وبعد صعود الشعبوي جونسون لرئاسة وزراء انجلترا، وكذلك في تركيا التي أصبحت تطرد اللاجئين السوريون.

لا يمكن استثناء ترامب من ملفنا هذا لإجراءاته التعسفية ضد لاجئين جنوب أمريكا واعترافه ببعض دولها كدول آمنة رغم تفشي العنف والجرائم فيها فقط ليحول هجرة اللاجئين إليها وليس لأمريكا، التي بدأت في بناء الجدار من ميزانية الدفاع وضرائب الأمريكان وليس من ميزانية المكسيك كما وعد ترامب الفوضوي. هذا كما لا تفوتنا إيطاليا ووزير خارجيتها الذي خرج عن السيطرة، فلنتابع معا.

اللهث وراء أصوات الناخبين

من الملاحظ في ألمانيا ارتفاع نسبة العداء للاجئين، الأمر الذي مهد لحزب AFD اليميني منافسة حزب CDU الحاكم بل وتفوق نسبيا عليه في ولاية ساكسن وبراندنبورج. يقول الناطق بهذا الحزب بأن حكم ولاية ساكسن وبراندنبورج لن يتم إلا تحت سلطة حزب AFD  عن طريق تنصيبه الرئاسة أو مقاسمته للسلطة استجابة لإرادة منتخبيه.

نقول هذا ونذكر بأن ضعف نسبة حزب SPD الاشتراكي في ساكسن لن يسمح بتكوين حكومة اشتراكية مع الخضر واليسار. يقول الناطق لحركة مستقبل ألمانيا اليمينية الكارهة للاجئين بأن حزب AFD هو الخيار الوحيد والأمثل لتمثيل وتلبية متطلبات الشعب لاسيما في شرق ألمانيا ـ حيث زعزع أمنها أكثر بدخول اللاجئين وانتشار الاسلامويين، وعدم استتباب الأمن وارتفاع نسبة البطالة لاسيما الشباب الألمان. يقول استنادا إلى برنامج حزب AFD بأن شعار التحول بعد سقوط الجدار يعني مساواة حقوق شرق ألمانيا بالألمان الغربيين، لاسيما على صعيد المرتبات والمعاشات والتنمية ومكافحة البطالة والاهتمام بالألمان بادئ ذي بدء قبل الأجانب وليس العكس كما تقول ميركل وحكومتها.

وتمثل الفترة القادمة “انتخابات الولايات الشرقية” ساكسن وبراندنبورج وتورنجن في شهر سبتمبر وأكتوبر منعطفا خطيرا في السياسة الألمانية، اذ هدد حزب SPD الحليف في الحكم بحل التحالف ان خسر هذه الانتخابات ويعزي هذا إلى تبني حزب CDU لبرنامجه وإضعافه بالتالي ولا يمكن اعادة نجاح هذا الحزب لتواجده في المعارضة. يقول أكثر من برلماني في حزب SPD بأن تواجده في الحكم مهد له تحقيق مطالبه على النقيض من وجوده كمعارض محتج فقط لا يُستجاب لمطالبه.

وعلى صعيد آخر قالت “فون ديلاين” رئيسة المفوضية الأوروبية وزيرة الدفاع الألماني سابقا اثر لقاءها للرئيس الإيطالي بأنه على الرابطة اعادة النظر في اتفاقية دبلن الخاصة بتقديم اللاجئين طلباتهم واستقطابهم في أول دولة أوروبية يصلونها وهي في الغالب الأعم دول جنوب أوروبا.

وجد هذا التصريح ارتياحا وتشجيعا من قبل سلفيني ـ وزير داخلية ايطاليا اليميني ـ اذ قال أن ألمانيا لم تعد الدولة الآمرة المتدخلة في شؤون ايطاليا الداخلية وتحويلها إلى وكر اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين.

وافق هذه اللقاء أحداث فرانكفورت الأليمة اذ دفع لاجئ ارتريي مقيم في سويسرا أم وطفل أمام القطار في محكمة قطارات فرانكفورت الرئيسية مما أدى إلى وفاة الطفل.

انتقد زيهوفر وزير داخلية ألمانيا السلطات السويسرية لعدم نشرها طلب القبض عليه، وعليه فقد قرر تكثيف مراقبة الحدود بين ولاية “بادن فورتمبيرغ” المتاخمة لسويسرا وتوسيع مراقبة حدود ألمانيا مع كل دول الجوار.

الهجرة و الحدود

لم يهدأ الاتحاد الأوروبي وألمانيا من التوتر السياسي بشأن قضية اللاجئين، لاسيما بعد تولي حزب Liga الايطالي اليميني لمقاليد سلطة وزارة الداخلية برئاسة “سلفيني” اليميني المتشدد. يقول متحدث الرابطة الأوروبية بأن هجرة الأجانب السرية ليست قضية تخص الاتحاد الأوروبي كما يزعم ترامب وإنما هي قضية عالمية بدءً بأمريكا نفسها المهددة بهجرة مواطني جنوب امريكا وهجرة اللاجئين السرية داخل افريقيا نفسها وإلى أوروبا.

يقول أن تركيا مثلا وصلت أقصى حد لتحدي هجرة اللاجئين السوريين مثلا، اذ اعتقلت أكثر من 30 ألف سوري بلا اذن اقامة”. من المعلوم أن هجرة لاجئي سوريا داخل تركيا منوطة بتحركهم من ولاية تركية إلى أخرى بحثا عن العمل لاسيما في اسطنبول. كان وقد ذكر أردوغان بأنه على اللاجئ السوري البقاء في الولاية التركية التي قدم فيها طلبه وألا يهاجر إلى ولاية أخرى بحثا عن العمل أو لمنشد آخر. هذا كما قرر طرد السوري المشتبه في علاقته بداعش والمجرمين منهم إلى سوريا. بهذا حاول أردوغان ارضاء الشعب التركي الذي يرى في ميزانية اللاجئين عبئا كبيرا على الضرائب التركية المسددة من قبلهم.

لا يمثل في الواقع اقدام أردوغان على هذا الاجراء رغبة في استجابة مطالب الشعب بقدر ما يحاول تغطية خسارة حزبه في انتخابات اسطنبول للمرة الثانية علما بأنه كان عمدتها، وشاع القول في تركيا بأنه من يحكم اسطنبول يحكم تركيا ومن خسر فيها، كحزب اردوغان الحاكم، خسر تركيا برمتها.

تجارة السلاح وراء الهجرة

ذكر لافونتين رئيس حزب اليسار السابق بأنه على ألمانيا والاتحاد الأوروبي ايجاد حلول داخلية لحل أزمة اللاجئين وألا تتهرب من مأساة اللجوء برفع اصبع الاتهام في وجه روسيا المعروفة قبل أكثر من 40 عاما بعقدها لتحالف مع سوريا ويضيف بأن تصحيح اتفاقية دبلن الخاصة باللجوء ومسعى فون دير لاين ربما يقودان إلى حل مباشر إلى جانب عقد الاتفاقيات مع دول اللاجئين والتمويل المباشر لمشاريع تكفل لهم حياتهم في موطنهم الأم، وليس تمويل يصب في ميزانية الأنظمة الفاسدة وقادتها المغتنمين الفرص.

كان وقد انتقد تصريح لافونتين السابق من قبل FDP الليبرالي، اذ يرى في بوتين زعيم عسكري مستبد يمد الأنظمة العسكرية في كل افريقيا بالأسلحة والخبراء العسكريين ورجال الأمن وذهب أقصى ما يكون برفضه لاتفاقية NPF الخاصة بإيقاف التسلح النووي بالصواريخ متوسطة المدى المبرمة عام 1987 بين رونالد ريجن وجورباتشوف. لا يستثني هذا النقد سياسته الخاصة بدعم حرب سوريا وتشريد السوريين وتفاقم أزمة اللاجئين في أوروبا وتركيا.

أما ترامب فهو الرأس الثاني لأفعى الحرب، اذ قال صراحة أن نقضه لهذه الاتفاقية ليست لتحدي روسيا عسكريا وإنما لرفع أسهم شركات السلاح الأمريكي اذ قرر اقامة ترسانة في آسيا للصواريخ متوسطة المدة ولم يكترث لرفض الاتحاد الأوروبي لإقامة هذه الترسانات في أوروبا خيفة تصعيد الحرب بين روسيا وأوروبا… نقول هذا ونذكر بأن رفض الاتحاد الأوروبي رفض بمثابة “قبول على مضض” لأن دول شرق أوروبا مثل بولندا تشجع التدخل الأمريكي العسكري لمجابهة روسيا وتخالف كثيرا كالمجر اجراءات الاتحاد كرفضها لقبول اي لاجئ فيما أصبحت ألمانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال دولا منفردة باستقطاب أكبر عدد من لاجئي الحروب في سوريا والعراق وأفغانستان.

ما يهمنا هنا هو أن أسباب تشرد اللاجئين منوط مباشرة بهذا الهاجس الشيطاني “تجارة السلاح” وفرض السيطرة على دول العالم الثالث النامية بإقامة وتثبيت أنظمة دكتاتورية فاسدة.

وفي محاضرة رائعة تحدثت فيها بعض أساتذة جامعة برلين الحرة عبر علاقة ومنهج الأحزاب اليسارية بروسيا ومدى تطورها لتصبح أشبه بعلاقة استعمارية بعد أن كانت علاقة ايدلوجية وتاريخية، تطرق المحاضرون إلى زعزعة روسيا اليوم لأمن أوروبا تدفع اللاجئين إليها وتشويه صورتها كقارة وكرا للاجئين المجرمين والإرهابيين. هذا كما نوقش مفهوم الوطن والقومية في ألمانيا منذ العهد الروسي وتحويل حديقة الحيوانات إلى حديقة لعرض أبناء المستعمرات وتحوير مفهوم الوطن والقومية في العهد الهتلري إلى إقصاء كل من لا ينتمي إلى الجنس الآري دما وتاريخا كما تفعل حركة ال “الهوية الألمانية” اليمينية الآن.

البحث عن حلول

قالت ميركل في لقاء بأن ألمانيا تواجه تحديا اقتصاديا وأيدلوجيا من داخلها وخارجها ولا حل لهذا إلا بالانفتاح على العالم والتمسك بالقيم الانسانية والمسيحية الكريمة التي لا تقصي أحدا.  ومن جانب آخر ذكر زيهوفر وزير الداخلية بأن ثمة اشاعات كثيرة روجها مهربو اللاجئين والمتورطون معهم بأن ألمانيا ترغب في أكبر عدد من اللاجئين للنقص السكاني والأيدي العاملة الذي تعاني منه، وأن وصول اللاجئين إلى أوروبا مضمون. ومضى في تصريحه بأن مثل هذه الشائعات لا تختلف كثيرا عن التعاطف اللامنطقي لليسار والمنظمات الكنسية التي تمنع بالقوة تسفير اللاجئين الأفغان إلا بلادهم بحجة أن ألمانيا تود التخفيف من نسبة اللاجئين بأي شكل كان وإن كان تسفيرهم يعني موتهم أو تعذيبهم في بلادهم.

هذا كما أوردت وزارة الداخلية الألمانية بأن قرابة 80 حالة اعتداء على بوليس تسفير الأجانب قد حدثت وأكثر من 18 حالة تهديد بالقتل لبعض السياسيين والاعتداء على أسرهم لوقوفهم مع اللاجئين ” حادثة قتل عمدة مدينة كاسل الأخيرة نموذجا”. ومن الملاحظ أن سفينة إلان كودي الناشطة في البحر المتوسط لإنقاذ اللاجئين من الغرق قد أصبحت ضمن سفن إنقاذ أخرى سلاحا بحدين: من جانب تنقذ أرواح اللاجئين وتحظى بدعم وتقدير المنظمات الانسانية والكنائس مثلا ومن جانب آخر تروج ـ دون قصد ـ لاستمرار الهجرة السرية، اذ يجب حل هجرة اللاجئين من جذورها بتأمين ومراقبة شواطئ ليبيا وشمال افريقيا… أو نذهب أكثر حل ملف القضية الليبية المتنازع بين اللواء حفنتر والدول الداعمة له المدعومة من الاتحاد الأوروبي.

كان وقد عرضت قناة آرت فلما قصيرا عن الهجرة السرية ووضع اللاجئات والأطفال في ليبيا صورة مأساوية تجسد أخذ أموال اللاجئين بالقوة والاحتيال عليهم وتهديدهم وضربهم بل واغتصاب الفتيات مما حمل الكثير منهم على العودة الطوعية لبلادهم.

من الملاحظ ان حل ملف الهجرة السرية بمحور في تأمين شواطئ شمال أفريقيا/ ليبيا، وإعادة صياغة اتفاقية دبلن الخاصة باللجوء وفتح باب الهجرة الشرعية وتشديد العقوبات على دول اللاجئين وإبرام الاتفاقيات معها لإيقاف تسلل مواطنيها ربما تكون هذه الحلول مفعولة وسريعة التنفيذ إلا أن الواقع يفرض شروطه بدءا باستغلال دول اللاجئين ملف الهجرة السرية لابتزاز الاتحاد الأوروبي وانتهاء بعدم اتفاق دول الاتحاد الأوروبي على قبول اللاجئين ووصفهم بشريحة المجرمين والإرهابيين ووباء على المنظومة المسيحية وعبء على الميزانية الاجتماعية.

متناقضات

هنا نشير إلى تقرير منظمة اللاجئين العالمية المنتقد لظاهرة اعتداء فونتكس حراس حدود أوروبا وكذلك بعض السفن المنقذة للاجئين على اللاجئين بضربهم أو إكراههم. يقول التقرير أن حراس حدود أوربا في بلغاريا يمارسون طرق عنيفة لإبعاد اللاجئين من دخول حدود أوروبا كالضرب والتهديد بالاعتقال الفوري.

من جانب آخر تلاحظ الغرفة التجارية الألمانية ان دخول اللاجئين في سوق العمل غطى ثغرات أعمال عدة،  ذكر متحدث الغرفة التجارية أن انفتاح أوروبا على افريقيا سينافس بشدة النشاط الاقتصادي للصين فيها، لاسيما وقد أدركت أفريقيا مغبة مأزق الديون التي تقرضها الصين بسرعة هذا إلى جانب اساءة سمعة النظام الصيني الداعم لاضطهاد المسلمين الصينيين.

ويقول متحدث حزب CDU الحاكم بأنه على ألمانيا الاتجاه أكثر إلى قضايا أخرى غير قضية اللاجئين كوقف تدين ألمانيا لأول مرة بسبب دعم ميزانية اللاجئين هذا العام علما بأن ديون ألمانيا تبلغ 188 مليار يورو، وأن تكثف سياستها الخارجية في قضايا أخرى أهم كملف مضيق هرمز بالأزمة الراهنة في كشمير المتنازعة بين الهند التي تريد احتلالها وباكستان ومعالجة النقص في ميزانية التصدير الألماني بعد الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا واحتمال اخراج جونسون/ انجلترا من الرابطة الأوروبية بدون اتفاق.

.