اليمن السعيد .. القادم اخطر

إبراهيم بدوي

تحدثت الأوساط السياسية والإعلامية الإقليمية والدولية، منذ فترة طويلة، عن الخلافات بين السعودية والإمارات في اليمن، مع ذلك وحتى بعد إعلان الإمارات انسحابها من الحرب، يؤكد الطرفان على الوحدة والوئام الكامل بينهما فيما يتعلق بأهداف الحرب، لكن الاستيلاء على القصر الرئاسي في عدن من قبل الانفصاليين الموالين للإمارات، وهروب ممثلي منصور هادي المدعوم من الرياض، قد أثبتا حقيقة الفجوة الخطيرة ونهاية التحالف السعودي الإماراتي.

والآن بالنظر إلى هذه الحقيقة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه بعد انسحاب الإمارات وطرد حكومة منصور هادي المستقيلة من الجنوب، ما هي الخطة التي ستعتمدها الرياض لمستقبل الحرب اليمنية؟ وبشكل أساسي، ما هي الخيارات التي يراها السعوديون أمامهم؟ في هذا السياق، وبالنظر إلى التحركات الأخيرة للسعوديين، يمكننا أن نتحدث عن ثلاثة سيناريوهات مختلفة.

معركة الجنوب ونهاية سريعة للحرب

أول سيناريو محتمل يمكن أن يفسر نهج السعودية تجاه مستقبل الحرب اليمنية، هو إمكانية وضع حدّ فوري للحرب من خلال إجبار السعودية على التعامل مع ما يحدث في البلاد، أي تقسيم اليمن إلى الشمالي والجنوبي، ولوحظ خلال الشهر الماضي أن هناك مؤشرات مختلفة على تقييم الرياض لكيفية الخروج من مأزق الحرب في اليمن بشكل مشرّف.

وفي الشهر الماضي، قال مندوب السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة “عبد الله المعلمي”، في كلمة ألقاها في مقر المنظمة في نيويورك، إن بلاده لا تسعى إلى الحرب مع إيران، وقد حان الوقت لتنتهي الحرب في اليمن. وأضاف إن السعودية لا تريد الحرب مع إيران لا في اليمن ولا في أي مكان آخر.

يمكن فهم هذه التصريحات على أنها علامة على محاولات الرياض الخروج بسرعة من مستنقع اليمن، عندما ننظر إلى مسار سيطرة أنصار الله على التطورات الحربية، وحتى قدرتها على مهاجمة المنشآت النفطية السعودية في الأشهر الأخيرة.

وفي الحقيقة، هدف السعودية الآن ليس الانتصار على اليمنيين، بل الحدّ من الهجمات ومن ناحية أخرى، لا ينبغي تجاهل الضغط الدولي المتزايد ضد الحرب في اليمن، حيث بدأت بعض الدول في حظر بيع الأسلحة إلى الرياض، وفي هذه الأثناء فإن القضية الرئيسة هي عدم قدرة الرياض على إعادة ما تسميه الحكومة الشرعية إلى صنعاء،.

في هذه الظروف، يرى البعض أن زيارة ولي عهد الإمارات إلى السعودية، والتي تركّز على التطورات في عدن، يمكن أن تشير إلى توافقات بين الرياض وأبو ظبي وراء الكواليس لتقسيم اليمن، ومن ثم البدء بعملية إنهاء الحرب مع أنصار الله.

على الرغم من أن هذا السيناريو يتضمّن أدلةً معقولةً وواقعيةً، إلا أن ما تم تجاهله فيه هو المصالح الحتمية للسعودية في منع تشكيل حكومة شمالية مستقلة بقيادة أنصار الله مع صعود نجم الانفصاليين المقرّبين من الإمارات.

إيجاد بديل للإمارات وفتح جبهة جديدة

الانتقال من سيناريو النهاية السريعة للحرب بعد مغادرة الإمارات للتحالف، يعزز محاولات الرياض في إيجاد قوات بديلة للإمارات ومواصلة دعم حكومة عبد ربه منصور هادي.

في المقام الأول، وبعد الإعلان عن محاولات الإمارات للخروج من الحرب بسرعة، أرسلت أمريكا قواتها إلى السعودية بدفعات متعددة كمستشاريين، وفي واقع الأمر لأخذ زمام المبادرة على الأرض.

وفي الأيام الأخيرة أيضاً، زار وفد من السعودية بقيادة اللواء فهد بن تركي بن عبد العزيز، قائد التحالف ضد الإرهاب وقائد قوات التحالف العربي المشتركة في اليمن، إريتريا والتقى برئيسها “أسياس أفورقي”، وفي هذا السياق، أثار أحد نشطاء المعارضة الإريترية احتمالية أن يكون الهدف من هذه الزيارة هو أن السعودية تخطط لاستخدام قوات إريترية في تحالفها ضد اليمن بعد مغادرة الإمارات.

في مثل هذه الظروف، من المحتمل بالنسبة إلى السعودية وفي حال لم تمتثل الإمارات لمطلب انسحاب قواتها من عدن، من المحتمل أن تدعم جيش منصور هادي، وتفتح من خلال ذلك جبهةً أخرى ضد الانفصاليين المواليين للإمارات، وهذا يعني بطبيعة الحال تشديد الخلافات مع الإمارات.

على الرغم من أن هذا السيناريو له أدلة وقرائن مختلفة، إلا أن هناك شكوكاً خطيرةً حول ما إذا كانت السعودية قادرةً ومستعدةً لفتح جبهة جديدة ضد الانفصاليين في الجنوب، وفي الواقع مواجهة حليفها الرئيس في سنوات الحرب اليمنية، أي الإمارات.

كما أن هذا النزاع يصبّ في مصلحة أنصار الله، ومن ناحية أخرى فمن الطبيعي أن يعارض المجتمع الدولي أيضاً تدخلاً سعودياً جديداً في اليمن يزيد من الفوضى في هذا البلد.

التخلي عن الجنوب واستمرار الحرب 

في ظل هذه الظروف، يأتي سيناريو آخر إلى خانة الاحتمالات، وهو رضوخ السعودية للأمر الواقع في الجنوب من ناحية، مع التأكيد على ضرورة إجراء الحوار بين حكومة منصور هادي المستقيلة والانفصاليين في المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، ومن ناحية أخرى استمرار الحصار والحرب ضد قوات أنصار الله من خلال إيجاد قوات سودانية وإريترية بديلة، وكذلك الاستعانة بالأمريكيين في صدّ خطر صواريخ أنصار الله وضربات الطائرات من دون طيار.

يبدو أن هذا السيناريو يتماشى بشكل أكبر مع سلوك الرياض في الحرب وأيضاً مع مصالح الرياض الرئيسة في تطورات اليمن.

خلال زيارة ولي عهد أبوظبي إلى جدة، طالب السعوديون بإجراء محادثات في الرياض بين ممثلي حكومة هادي ومتمردي المجلس الانتقالي، وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس الانتقالي “عيدروس الزبيدي” يوم الأحد 20 أغسطس/آب إن الانفصاليين الجنوبيين ملتزمون بوقف إطلاق النار في عدن، وهم على استعداد للعمل مع التحالف بقيادة السعودية. إن بيان التحالف ودعوة المجلس الانتقالي إلى الرياض لإجراء محادثات مع حكومة منصور هادي، اعتراف بالانقلاب وإضفاء الشرعية عليه من قبل السعودية.

.