السعودية وإيران: محاولة الوصول لاتفاق

عاطف عبد العظيم /

يبدو أن الخصمين اللدودين في الشرق الأوسط، السعودية وإيران، يحرزان تقدماً مفاجئاً في إعادة بناء العلاقات بينهما. وهذا قد يساعد في إنهاء حرب اليمن، ويصبح الخطوة الأكثر إدهاشاً في موجة خفض التصعيد في المنطقة، كما تصف ذلك صحيفة The Washington Post الأمريكية.

إلى أين وصلت المفاوضات السعودية-الإيرانية؟

عام 2020، بدأت المفاوضات بين السعودية وإيران سراً بثلاثة اجتماعات جوهرية وإن كانت سرية شارك فيها كبار مسؤولي الأمن والاستخبارات من الرياض وطهران. وأفادت تقارير أن اجتماعاً رابعاً انعقد في 21 سبتمبر/أيلول في مطار بغداد الدولي، حيث استضاف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، ووزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير. ولاحقاً، وصفت السعودية- الطرف الأكثر حذراً- هذه الاجتماعات بأنها محادثات رسمية مباشرة.

وركزت هذه المفاوضات على إيجاد صيغة للرياض لإنهاء مشاركتها في حرب اليمن، التي تدور رحاها  بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة المدعومة من السعودية والمعترف بها دولياً. وبعد تدخل السعودية في الحرب عام 2015، علقت في ورطة من الواضح جلياً أن حلفاءها اليمنيين لن يخرجوا منها منتصرين.

وتبحث الرياض منذ أكثر من عام عن مخرج من هذه الحرب. وما تحتاجه السعودية من الحوثيين أن يلتزموا بوقف الهجمات الصاروخية على المدن السعودية والغارات عبر الحدود. وإيران، من جانبها، “استمتعت” بإرباك السعوديين في صراع تعلق عليه أهمية استراتيجية محدودة. لكنه قد يضعها في موقف محرج أيضاً. فحتى لو تعهدت إيران بالتزامات دبلوماسية، لا يزال يتعين عليها إثبات أن لها تأثيراً حقيقياً على الحوثيين، على الأقل بدرجة تكفي لحملهم على الانضمام إلى محادثات السلام، كما تقول “واشنطن بوست”.

هل تتغلب المصالح على العداوة بين الطرفين؟

تقول الصحيفة الأمريكية إن القيود والشكوك سيكون من الصعب التغلب عليها، على أن هذه الجهود موضع ترحيب في موجة خفض التصعيد في المنطقة التي بدأت في صيف عام 2020. وفي الواقع، تعد مشاركة بغداد رمزية. فالعراق يشجع الحوار لا لتهدئة الوضع في دول الجوار فحسب، وإنما لتأمين استقراره الداخلي أيضاً، الذي تمزقه خلافات الشيعة والسنة، التي تؤثر فيها إيران والسعودية.

ويساهم في هذه المحادثات عاملان مهمان: جميع القوى الرئيسية في المنطقة فعلياً- ربما باستثناء إسرائيل- مرهَقة ولم تعد قادرة على الاستمرار في مواجهاتها العسكرية.

فالحرب في ليبيا في مأزق دام. والنظام الذي ارتكب إبادات جماعية يخرج منتصراً في سوريا. وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) انهزم. وفي الأثناء، وصل العراق إلى حالة توازن لا تختلف عن الخاصة بلبنان، غير مستقرة ولكن واضحة. وفي جميع هذه الحالات وغيرها، لم يعد يتوفر الكثير أمام الأطراف الخارجية الساعية إلى النفوذ في المنطقة لتجنيه. ولم يعد أي قتال جديد بالوكالة ذا فائدة استراتيجية لها، كما تقول “واشنطن بوست”.

وثقة حلفاء الولايات المتحدة مثل السعودية في أن واشنطن ستدعم أمنهم في حالة نشوب حرب شاملة تتراجع يوماً بعد يوم. وفي الوقت نفسه، يزداد خصوم الولايات المتحدة مثل إيران وهناً، لا سيما بفعل الأزمات الاقتصادية المستمرة، وجائحة كوفيد-19، فضلاً عن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.

تسوية الخلافات في المنطقة

وهذه الظروف شجَّعت على التواصل الدبلوماسي بين قوى المنطقة؛ إذ إن التواصل السعودي-الإيراني تزامن مع انفراجات مفاجئة كثيراً مثل تحسن العلاقات بين مصر وتركيا وبين الإمارات والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى. والآن، حتى المحادثات بين السعودية وإيران- التي لم يكُن ممكناً تصورها قبل عامين- أصبحت ممكنة.

يتبقى أن نرى إن كانت المفاوضات ستساعد فعلاً في إنهاء الحرب في اليمن أم ستؤدي إلى عودة العلاقات بين السعودية وإيران، التي قُطعت إثر خلافات عميقة في يناير/كانون الثاني عام 2016. لكن الأمور بدأت تهدأ بالفعل، وعلى الأخص بين المجموعات المسلحة الموالية لإيران في العراق. وخففت وسائل الإعلام الخاصة بكل طرف من حدّتها في الحديث عن الطرف الآخر.

وتقول واشنطن بوست، لو أدى كل هذا إلى تقارب حقيقي، وإن كان محدوداً، بين طهران والرياض، فسيكون هذا خبراً جيداً لجزء مضطرب من العالم.

يقول ولي العهد السعودي في مقابله صحفية حول ضرورة تحسين العلاقة مع إيران: “لا نريد أن يكون وضع إيران صعباً، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار”، مضيفاً أن “إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران سواء من برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج صواريخها الباليستية”.

.