الاقتصاد الألماني يتأثر بالنزاع التجاري .. انكماش أم ركود ؟

محمد رضا

بعد عقود من النمو وتراجع معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها وتحقيق أرقام هامة في التصدير وتسجيل ارتفاع منتظم في الأجور وفي نسب استهلاك العائلات، يطلق الاقتصاد الألماني صيحة فزع.

فقد أظهرت البيانات تراجع الصادرات وانكماش الاقتصاد الألماني في الربع الثاني من 2019، في ظل تضرر شركات الصناعات الأولية جراء تباطؤ الاقتصاد العالمي بسبب “بريكست” والحروب التجارية.

السبب الرئيسي لهذا التباطؤ يعود أساسا إلى انخفاض الصادرات التي تمثل ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا، ثالث أكبر مصدّر في العالم، وأكبر اقتصاد في أوروبا، حيث يشكل الناتج المحلي الإجمالي الألماني 20% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي.

ووفقا للمعهد الفيدرالي الألماني للإحصاء فقد “انخفضت الصادرات أكثر من الواردات”.

وعلق وزير الاقتصاد الألماني، بيتر التماير، على ذلك قائلا، إن البيانات التي تظهر أن أكبر اقتصاد في أوروبا تقلص بنسبة 0.1% في الربع الثاني هي “دعوة للاستيقاظ وإشارة تحذير”.

لا تفرطوا في التشاؤم

وحذر ينس فايدمان، محافظ البنك المركزي الألماني، من الإفراط في التقدير السلبي للوضع الاقتصادي في البلاد.

ودعا فايدمان في تصريحات لصحيفة “فرانكفورتر الجماينه إلى عدم السقوط في ” حالة من رد الفعل المحموم، أو التشاؤم”.

وأوضح فايدمان أن الحالة الحالية عبارة عن تباطؤ اقتصادي، مشيرا إلى أن الاقتصاد الألماني عائد من حالة انتعاش طويلة الأمد شهدت أرقاما قياسية في التوظيف واستنفاذا للطاقات الإنتاجية.

كما أعرب محافظ المركزي الألماني عن اعتقاده بأنه لا يوجد في الوقت الراهن سبب لوضع برنامج اقتصادي كبير وقال إنه في حال حدوث ركود حقيقي، سيكون ذلك بمثابة تحد للسياسة المالية للحكومة الألمانية.

تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الألماني الذي يعتمد على التصدير، سجل في الربع الثاني ركودا متأثرا بالصراعات التجارية الدولية وتراجع حالة الاقتصاد العالمي، فقد انكمش إجمالي الناتج المحلي لألمانيا، وفقا لبيانات المكتب الاتحادي للإحصاء، بنسبة 0.1% مقارنة بالربع الأول.

المتطرفون اليمينيون سعداء

يقول مارسيل فراتشير، الخبير الاقتصادي الألماني المرموق والأستاذ بجامعة «هومبولت» في برلين إن «التباطؤ الاقتصادي يصب في صالح حزب (البديل من أجل ألمانيا)». وأشار فراتشير إلى دراسة جديدة تُظهر أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» أقوى بكثير في المناطق المعوزة اقتصادياً وهيكلياً. وأضاف أن «عدم المساواة والاستقطاب الإقليميين يمثلان تهديداً للديمقراطية»، متابعاً أنه «مع التباطؤ الاقتصادي، ستتعرض المناطق الأضعف هيكلياً للهزات بشكل أكبر، مما سيزيد من التفاوتات الإقليمية ويزيد من محاولات الاستقطاب».

ومع تراجع معدلات الهجرة في نشرات الأخبار، شرع الحزب في البحث عن أزمة جديدة ليركّز عليها. «لقد أدت قضية اللاجئين إلى زيادة أعداد الناخبين لصالح حزب (البديل من أجل ألمانيا) حتى الآن، ولكن هذه القضية في تراجع. قد يكون التباطؤ أمراً مرحباً به المرة القادمة».

في المقابل، يرى بعض المراقبين أن الاقتصاد سيكون من الصعب استغلاله لصالح حزب «البديل من أجل ألمانيا» إذ إنه، على عكس الهجرة، ليست لديه استجابة سياسية جذرية ليقدمها للناخبين ليميزه عن الأحزاب التقليدية. وقال فراتشير في هذا الصدد إنه «فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، ليس لدى حزب (البديل من أجل ألمانيا) شخصية واضحة».

يلاحظ آخرون أن الصعوبات الاقتصادية في السنوات الأخيرة كانت تميل إلى مساعدة الشعبويين اليساريين مثل سيريزا في اليونان، أكثر من اليمين المتطرف في أوروبا.

وقال هولغر شميدينغ، كبير خبراء الاقتصاد في بنك «بيرنبرغ»، إن الشعبوية اليمينية المتطرفة، على النقيض من ذلك، «كثيراً ما ازدهرت في حال النمو الاقتصادي القوي». فقط «فكِّر في ترمب أو في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».

الاشتراكيون يتململون

وأطلق كوادر عدة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحكومي مع المحافظين بقيادة أنغيلا ميركل، مؤخرا الجدل حول اللجوء إلى الدين للتمويل وخصوصا لخطة مكافحة الاحترار. لكن المحافظين يعارضون ذلك ويريدون الإبقاء على السياسة نفسها التي تقضي بضمان ميزانية فدرالية متوازنة.

واعترفت ميركل بأن الاقتصاد الألماني يمر “بمرحلة صعبة” لكنها رفضت فكرة قبول العجز في الميزانية من أجل إطلاق أي خطة للإنعاش. وقالت أنها لا ترى اليوم “أي ضرورة من أجل حزمة” لتحسين الوضع.

وينص الدستور الألماني على تبني سياسة صارمة في الميزانية، بموجب آلية وقف الاستدانة التي تحد بشكل كبير من هامش أي مناورة في هذا المجال.

أرباب العمل يناشدون الحكومة

طالب الاتحاد الألماني لأرباب العمل الحكومة باتخاذ تدابير احترازية لمواجهة أزمة اقتصادية محتملة، يترقبها خبراء الاقتصاد، وفق المعطيات والبيانات الحالية للدوائر الصناعية.

وقال رئيس الاتحاد إنغو كرامر في تصريحات صحيفة “لا ينبغي لنا تجاهل إشارات الخفوت في النشاط الاقتصادي. القطاع الصناعي لا يزال منخرطا في تلبية الكثير من العقود القديمة، لكن هناك افتقار لدفعة جديدة من العقود”.

وطالب كرامر بالإسراع في تطبيق الاستثمارات العامة التي تم التخطيط لها بالفعل بدون إطالة مدة تنفيذها بسبب إجراءات منح التصاريح الطويلة المدى، مؤكدا ضرورة توفير مرونة للأوساط الاقتصادية بدلا من وضع قواعد بيروقراطية جديدة، وقال: “أطالب برفع الأعباء عن الاقتصاد الألماني”.

ودعا كرامر إلى الإعداد لتطبيق خفض دوام العمل، وقال: “آلية الخفض الموسع لدوام لعمل حافظت خلال الأزمة المالية قبل عشرة أعوام على مئات الآلاف من الوظائف، وأدت إلى استقرار اقتصادنا. يتعين على الائتلاف الحاكم الآن اتخاذ قرارات لتطبيق هذا الأمر، حتى لا يكون من الضروري اتخاذ إجراءات تشريعية طويلة المدى في أوقات الأزمات”.

.