المهاجرون ينصفون ميركل في النهاية

“اللاجئون أساس معجزة الاقتصاد الألماني القادمة”

ديتر زيتشه رئيس مجموعة دايملر الألمانية العملاقة في صناعة السيارات والمحركات

.

عادل فهمي

أثارت دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لاستئناف عمليات إنقاذ المهاجرين المهددين بالغرق أثناء محاولاتهم عبور البحر المتوسط إلى أوروبا، جدلاً محلياً واسعاً، هذا وقد دعت ميركل في ندوة بالعاصمة برلين إلى استئناف عمليات الإنقاذ الأوروبية في البحر ومشاركة سفن دول الاتحاد في ذلك.

وتحاول ميركل الدفاع عن سياستها التي انتهجتها مع اللاجئين من خلال هذه التصريحات، كما أنها تحاول أن تقطع الطريق على اليمين المتطرف المتنامي في أوروبا والذي يعادي المهاجرين بكل أطيافهم، ومن ثم تريد المستشارة حث الجهات والمنظمات الدولية على لعب دور هام وحيوي تجاه اللاجئين.

وقالت المستشارة إن ألمانيا لا يمكنها أن تهتم فقط برفاهيتها بل هي جزء من العالم، «ولا يمكننا أن نفكر في أنفسنا وحسب». ووصفت عمليات الإنقاذ البحري التي تقوم بها منظمات غير حكومية في البحر المتوسط بأنها «واجب الإنسانية». 

وتابعت المستشارة “سيبقى الموضوع (الهجرة) مطروحا، إذ لم تستقر الأوضاع في أفريقيا. فنحن مرتبطون ببعضنا، وسيبقى الأمر هكذا

شاهد من بلاد “بريكست”

من صحيفة التايمز ومقال بعنوان “مقامرة أنغيلا ميركل في الهجرة الكبيرة تؤتي ثمارها“، يشرح كيف أن ملايين المهاجرين الذين قدموا من بلدان عدة اندمجوا في المجتمع الألماني وعوضوا انخفاض معدل المواليد في ألمانيا.

ويشير الكاتب إلى أن أنغيلا ميركل في الوقت الحاضر تستعد للخروج من الحكومة، وربما يتوقع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه يلتقي مع ملكة أوروبا غير المتوجه في برلين، في الوقت الذي أصبحت فيه ميركل شخصية هامشية على نحو متزايد في عالم الاتحاد الأوروبي، وأنها باتت تنظر للوراء لكل ما حققته ولا تنظر إلى الأمام حيث تغادر عالم السياسة، بحسب وصفه.

لا أحد في برلين أو لندن أو بروكسل يعتقد حقًا أنها لا تزال تتمتع بالنفوذ، كما يقول كاتب المقال، أو ربما لديها القدرة على مساعدة بريطانيا في موضوع الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست”. فهي، بحسب منتقديها اليمينيين، مرتبكة من تعالي النبرة القومية حولها لكنها لا يجب أن تلوم سوى نفسها.

ويرجع الكاتب السبب في ذلك كلة إلى فتحها باب بلدها على مصراعيه لأكثر من مليون مهاجر ولاجئ قبل أربع سنوات، مغيرة بذلك الخريطة السياسية للهوية الوطنية في أوروبا وما بعدها.

يعتقد الكاتب أن تدفق اللاجئين لألمانيا، والشعور بالقلق الشديد بشأن عدم وجود ضمانات للقادمين الجدد كانا ضمن الدوافع الرئيسية لصعود اليمين المتشدد والشعبوية في أوروبا من السويد وحتى إيطاليا، كما كانت أحد مسببات البريكست وفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية.

المهاجرون ينصفون ميركل

وبالنسبة لميركل فإن الثمن السياسي الذي دفعته هو صعود حزب البديل اليميني المتطرف عام 2017، والذي من المتوقع أن يحصد أغلب المقاعد في شرق ألمانيا في الانتخابات البلدية هذا الخريف.

وبهذا يكون عهد ما بعد ميركل (انتخابات 2021) قد بدأ بالفعل، وأنها سوف تُلام على ألمانيا “المريضة” ذات الاقتصاد المتعثر وفقدان دورها الريادي في أوروبا لمصلحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإخفاقها في اختيار خلف لها، وعلى رأس ذلك كله دعوتها للهاربين من الحروب إلى بلادها.

لكن في الجهة المقابلة، يوضح المقال أن إحصاءات سوق العمل في ألمانيا لا تبرر الافتراضات السياسية للوبي المناهض للهجرة. إذ أن أكثر من ثلث المهاجرين، الذين قدموا من 7 دول أساسية هي العراق، وسوريا، والصومال، وإيران، وباكستان، وإرتيريا، وأفغانستان، لديهم وظائف رسمية ويدفعون الضرائب.

ويعتقد أرباب العمل أن عدد الموظفين من اللاجئين سيرتفع إذا لم يحصل ركود اقتصادي، ويشير المقال إلى أنه لا توجد أدلة تثبت أن القادمين الجدد يسرقون فرص العمل من المواطنين الألمان أو أنهم يمتصون الاقتصاد الألماني بالعيش على نظام التأمين الاجتماعي.

لكن على العكس، المهاجرين أصبحوا جزءا من القوة العاملة واندمجوا مع زملائهم الألمان، والسبب في ذلك يعود لثلاثة أمور، أولها: صغر سنهم وقدرتهم البدنية ومستوى تعليمهم الجيد، حيث أن 42 بالمئة منهم حاصلون على التعليم الإعدادي على الأقل.

ثاني هذه الأمور كما يورد المقال هو: أن نظام التعليم والتدريب واللغة الألمانية الذي اتبع جعلهم مؤهلين للخروج مباشرة إلى سوق العمل، وثالثها حاجة سوق العمل إليهم.

ويقول الكاتب إن إرث ميركل الحقيقي قد يكون “أنها وضعت معيارًا للاندماج الناجح”. وإذا أثبت نجاعته بالنسبة لها ولبلدها فإنها ستكون قد أجابت وبنجاح ولو جزئيا عن السؤال الذي يؤرق المشرع الألماني لعقود، وهو كيف يرفع معدل المواليد في هذا البلد.

وينقل الكاتب رئيس مجموعة دايملر الألمانية العملاقة في صناعة السيارات والمحركات قوله إن اللاجئين “أساس معجزة الاقتصاد الألماني القادمة”، ولعله كان مستعجلا في حكمه هذا، بحسب الكاتب، مع وجود مخاوف من أن يتسببون في إرباك الحياة العامة للألمان.

لكن هذا لم يحدث حتى الآن كما يشير المقال، ومقامرة ميركل بدأت تؤتي ثمارها.

لكن ماذا لو بدأ الاقتصاد الألماني يعاني من الركود وبدأ التنافس الوظيفي يأخذ حيزا كبيرا. يتساءل الكاتب هنا، هل ستعود عبارة “اللاجئين يسرقون وظائفنا”؟ وما هو الثمن الاجتماعي لذلك؟

.