أزمة اللاجئين .. محور انتخابات ألمانيا البرلمانية

د/ أمير حمد

 

جاءت انتخابات ألمانيا البرلمانية هذه المرة 2017 تحت شعار “أزمة اللاجئين” وبذلك تقلصت القضايا الاقتصادية والاجتماعية بألمانيا أمامها. يقول أكثر من محلل سياسي بأن قضية اللاجئين لا تمثل هجرة الأجانب فقط وإنما خوف الألمان من التدهور الاقتصادي وتغير هوية ألمانيا الاجتماعية والدينية. تفاوتت الأحزاب في تحليلها لهذه الأزمة والإتيان بحلول معقولة ما عدا حزب AFD ، الذي لا يرى حلا سوى إيقاف هجرتهم وترحيل أكبر عدد منهم وحظر لم شملهم.

فلنقرأ معا قضية اللاجئين بعيدا عن الصورة النمطية أو تزكيتهم، طالما ظلت هي المحور الأساسي الراهن لتنافس الأحزاب والزعامات السياسية والمنظمات.

ظلت قضية اللاجئين المحور الأساسي والفارق النوعي بسبب برامج الأحزاب السياسية الألمانية. نقول هذا استنادا إلى التحدي وتميز كل حزب عن الآخر، لاسيما قبيل الانتخابات البرلمانية إذ اتفق معظم المحللين السياسيين أن قضية اللاجئين والمساعدات الاجتماعية هي الفاصل والمميز لأحزاب الوسط الصغرى كحزب الخضر واليسار والحزب الليبرالي وحزب البديل.

أكثر من 15 ألف لاجئ غرقوا في البحر المتوسط غضون السنوات الثلاث السابقة أو ما سميت برحلات الموت إلى أوروبا. وما أن عقدت قمة اللاجئين المصغرة في باريس نهاية شهر أغسطس إلا واشتد النقاش والنقد واتهام دول الرابطة الأوروبية لبعضها البعض في نسبة تقبل اللاجئين ورفضهم، كما تفعل المجر وبولندا والتوجه إلى إقامة حصون وجدر في وجه الهجرات السرية. خلصت هذه القمة بزعامة فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان إلى البحث والبت في طلبات اللاجئين الأفارقة في تشاد والنيجر وليبيا، هذا كما سيتم دعم هذه الدول برعاية منظمة اللاجئين العالمية  وقوات الرابطة الأوروبية الموجودة هناك كالقوات الفرنسية والألمانية في مالي. وأخيرا أخيرا توصلت هذه القمة إلى فتح الهجرة المشروعة لإيقاف الهجرة السرية وإيقاف تجارة المهربين اللاإنسانية التي  عصفت بكل مدخرات اللاجئين الفقراء واضطهدتهم وعذبتهم بل واغتصبت فتياتهم في رحلتهن المأساوية ، وفي ليبيا الدولة  “رأس الأفعى” في الوقت الراهن إذ تمثل مسرح الفوضى لتهريب اللاجئين دولة بلا قيادة سياسية وبلا أمن ومركز للحروب القبلية.

اتهم حزب الخضر دي ميزير وزير الداخلية بالتنصل من المسؤولية ومحاولة كسب أصوات الناخبين عن طريق رقابة وتقليص هجرة اللاجئين إلى ألمانيا. حدث هذا بالرغم من تصريح ميركل برغبة ألمانيا في الأيدي العاملة من اللاجئين في مجالات الرعاية الطبية وزراعة الحقول والمهن اليدوية، واختلفت الأحزاب الصغرى في قضية اللاجئين فحزب الخضر مثلا والحزب الليبرالي دعا إلى ضغط وإلزام حكومات دول اللاجئين بإيقاف هجرتهم وتوظيف الدعم المالي المبذول من قبل الرابطة الأوروبية في مكافحة بطالة الشباب ونشر التدريب المهني.

يقول متحدث حزب الخضر بأن ألمانيا والرابطة الأوروبية تتعامل مع أفريقيا كقارة مستعمرة، يسهل استخلاص وجلب معادنها وخيراتها ولا تقبل التدخل المباشر لحل مشاكلها كانتشار الفقر والأمية وانتشار الجرائم والمخدرات وفوق كل شيء فساد الحكام وهشاشة الأنظمة السياسية الحاكمة فيها. أما حزب البديل الرافض للاجئين فلم يحتفل بتصريح دي ميزير قبيل الانتخابات البرلمانية بضرورة تعديل لوائح اللاجئين وإيقاف لم الشمل مثلا. إذ صرح رئيس الحزب ان حزبه هو ضمير الشعب الألماني وأن سياسة التعامل مع أفريقيا يجب أن تكون علاقة منفعة لاغير وان نظام النقاط الكندي المستند إلى مؤهلات المهاجرين هو النظام الأمثل لتقبل اللاجئين، وليس أن تكون ألمانيا خزينة مساعدات  لدعم اللاجئين وأسرهم. ولم يعتذر رئيس حزب البديل عن إساءته لمسئولة الاندماج التركية من حزب SPD باتهامه لها بالجهل وأنها غير خليقة بهذا المنصب ويجب التخلص منها بإبعادها إلى تركيا، ولم تصمت ميركل والحزب الاشتراكي على هذا الاتهام إذ وصف بالعنصرية، فجاء اعتذار رئيس حزب البديل اعتذارا لسوء استخدام الألفاظ وليس لفحوى ما ذكره.

من المعلوم بأن انتشار هذا الحزب الكاره للأجانب والذي يمجد الهوية والثقافة الألمانية الرائدة وجد إقبالا  من بعض الألمان، لاسيما الشرقيين منهم، كما في ولاية “ساكسن أنهالت” إذ صوت له كل رابع مواطن هناك. جمع حزب البديل قضايا اللاجئين والألمان والإسلام في بوتقة واحدة مذيلة “لا للأجانب والإسلام ونعم لألمانيا الأولية الخالصة”. وبالعودة إلى تصور “الإجراء القانوني” الذي أتى به “دي ميزير” وزير الداخلية الخاص بإيقاف لم شمل عائلات اللاجئين، لاسيما السوريين بدءً من شهر مارس القادم، نجد نقدا حادا من قبل أحزاب المعارضة وكذلك الحزب الاشتراكي SPD الحليف في الحكم. تمثل هذا النقد والاعتراض في رمي دي ميزير بالنفاق السياسي وسرعة التقلب وتعديل الإجراءات القانونية لصالح توسيع وفوز حزبه الحاكم CDU.

هل يريد دي ميزير سحب البساط من تحت أقدام حزب البديل AFD منذ البدء. يقول حزب البديل الصاعد أن تطبيق قرار لم الشمل لأسر اللاجئين والمقصود هنا أطفالهم ، فإن ألمانيا ستستقطب اللاجئين العرب كما تعج الغابة بالناموس. وتتحول ألمانيا إلى شرق أوسط جديد أوروبا. كسب حزب البديل صوت المخدوعين، لاسيما في الشرق لإتيانه بالشعارات الجاهزة وإشعال حماس الناخب ضد الأجانب كقوة دخيلة تود استعمار ألمانيا وتغير منظومتها الاجتماعية وأسلمتها رويدا رويدا.

 

المحور والقضية

لم تهدأ ألمانيا ولا الرابطة الأوروبية من هجرة اللاجئين الضخمة منذ عام 2015 ، فالرابطة اهتزت بشدة حينما أعلنت إنجلترا خروجها ولم تقدم حلولا معقولة لخروجها، السبب أصلا من فتح إنجلترا لحدودها كدولة ضمن دول الرابطة. أكثر من 3 مليون مواطن أوروبي معظمهم أوروبيين دخلوا واستوطنوا في إنجلترا ولم يتم دمجهم لاستغلالهم للمساعدات الاجتماعية وعملهم بالأسود، لم تبث إنجلترا بعد عن مصير هؤلاء النازحين الأوروبيين الجدد ولا عن الحدود الفاصلة بين ايرلندا الراغبة في الانضمام للرابطة الأوروبية وبينها وكذلك الميزانية المفروضة عليها 25مليار يورو لخروجها من الرابطة. شجع دون شك خروج إنجلترا من الرابطة الأوروبية وصعود التيارات اليمينية المتطرفة المطالبة بهيمنة البرلمانات القُطرية بعيدا عن تدخل البرلمان الأوروبي على إيقاف هجرة اللاجئين وإغلاق الحدود في وجههم كما فعلت بولندا والمجر بزعامة أوربان، لم تصمت الأخيرة بعد إقامة جدار لإيقاف هجرة اللاجئين بل طالبت مؤخرا الرابطة الأوروبية ب 400 مليون يورو تعويضا لبناء هذا الجدار الذي أنقذ ـ كما زعم أوربان ـ دول وسط وشمال أوروبا من تدفق هجرة اللاجئين السرية. رد متحدث الرابطة الأوروبية على مطلب أوربان هذا بسخرية ـ يقول أن أوربان والمجر يرفضا تقبل نسبة معينة من اللاجئين كما تفرض شروط الرابطة الأوروبية على كل الدول أعضائها وتطالب في ذات الوقت بتعويضها لبناء جدار لاإنساني وسياسة ترفض تقبل اللاجئين المطبقة على كل دول الرابطة.

وكما ذكرنا فإن قضية اللاجئين والهجرة هي المحور الأساسي والموضوع الأول بين القضايا الرئيسية الأربع “الهجرة، الأمن، العدالة الاجتماعية والسياسة الخارجية” التي تشغل الناخب والإعلام والأحزاب السياسية وبؤرة الانتخابات البرلمانية.

صرح الرئيس الفرنسي بأن بلاده سترنو نحو ألمانيا في مجابهة البطالة إذ تم تقليصها إلى 5% فيما وصلت نسبتها إلى 8.5% في فرنسا. احتفى الحزب الاشتراكي بهذا التصريح واعتبره نصر لسياسة الحزب الاشتراكي الذي قلص نسبة العطالة في عهد شرودر المستشار الاشتراكي السابق وذلك بتطبيق أجندة 2010، التي قلصت نسبة المؤيدين له بسبب تدني الأجور وتخفيض المساعدات الاجتماعية.

ما يهمنا هنا هو أن الإعلام الفرنسي انتقد رئيسه لتقليصه نشاط نقابات العمال وتوسيعه سلطة الشركات ” تطبيق النظام الرأسمالي المتوحش،  لذا دفع بقضية اللاجئين “قمة باريس” الصغرى ليغطي على توجهه الرأسمالي هذا.

نعم توسعت قضية اللاجئين والهجرة السرية لتشمل دول الرابطة الأوروبية وتوقع المحللون السياسيون أن توحد دول الرابطة أكثر لاتفاقها على تقليص وإيقاف الهجرة هذه، غير أن الواقع سيغير ذلك أن برزت المجر وبولندا وبعض دول شرق أوروبا والنمسا كتحدي من نوع جديد للسياسة الألمانية والفرنسية التي تسعى إلى حل الهجرة السرية بهدوء وتريث بدءً بتجفيف منبعها في الدول الأم بأفريقيا ومحاربة المهربين وليس بناء الجسور ونشر الأسلاك والاسوار على الحدود كما تفعل دول التحدي المذكورة. كان وقد

 

ترامب، بوتين، اردوغان و أنجيلا

وصف ترامب أنجيلا ميركل بالمستشارة القوية بل واعتبرها “نموذجا نوعيا” للسياسة، وها هو الآن يواجه نقدا حادا من الرابطة الأوروبية والأمريكان أنفسهم بعد سيول وطوفان نهاية أغسطس الذي حطم وأغرق مدن جنوب أمريكا. يقول عمدة مدينة واشنطن بأن الخط الجسيم الذي وقع فيه ترامب هو خروجه من اتفاقية البيئة بباريس وتوجه إلى إيقاف هجرة اللاجئين والأجانب إلى أمريكا ـ قارة الهجرة. فليدفع ترامب ملياراته المذكورة لتشييد الجدار الفاصل بين المكسيك وأمريكا لإنقاذ أمريكا من تلوث البيئة ومغباتها كالطوفان فليدفعها لحماية البيئة بدلا من إيقاف هجرة هؤلاء المهاجرين المستضعفين.

يمثل ترامب وبوتين وأوردغان مثلثا شيطاني في منظور الإعلام والسياسة الألمانية، يرمزوا للاستبداد والقومية وتسلط السلطة الحاكمة، علما بأن الأخير متهم هو الشغل الشاغل والعبء الأكبر على كاهل السياسة الخارجية لألمانيا. نقول هذا استنادا إلى أن أردوغان سجن في الوقت الراهن 12 ألمانيا من بينهم صحفي ومصلح اجتماعي ورفض بقاء القاعدة العسكرية الألمانية الموجهة ضد تنظيم داعش على الأراضي التركية مما حمل ألمانيا لتحويلها إلى الأردن، هذا كما دعا أردوغان الجالية التركية الضخمة بألمانيا بألا تصوت للحزبين الحاكمين. ما يهمنا هنا هو أن تركيا ـ اليد اليمنى ـ لإيقاف هجرة اللاجئين إلى أوروبا وفقا للاتفاقية المبرمة معها، يقول متحدث حزب CDU بأن أردوغان يحاول جادا أن تنضم تركيا إلى الرابطة الأوروبية وأن يتم دمج قبرص (القسم الجنوبي التابع لليونان والشمالي التابع لتركيا) لصالح تركيا، كما أنه يحلم بإعادة الإمبراطورية العثمانية. و كرد على تصدي أردوغان المذكور هنا شددت الرقابة على المساجد التركية في ألمانيا ومنعت الدعم الخارجي عن حكومة أردوغان كما تنوي ألمانيا والرابطة الأوروبية معا تشديد وفرض الضرائب على المنتجات التركية.

تقول منظمة الدفاع عن اللاجئين وكذلك منظمة حقوق الإنسان بأنه رغم الاتفاقية المشتركة بين تركيا والرابطة الأوروبية لم تزل هجرة اللاجئين تزداد، وأن قوات الرابطة البحرية تحظر من الاقتراب إلى السواحل الليبية بتهمة مشاركتها مع المهربين لتسفير اللاجئين إلى أوروبا. نعلم تماما بأن هذه السفن الأوروبية تنقذ اللاجئين من الغرق وتنقلهم من ثم إلى ليبيا رغم النقد اللاذع والمبرر لمعسكراتهم هناك، التي يعذبون فيها ويضربون وتؤخذ أموالهم عنوة… أما أردوغان فيظهر في الإعلام التركي كمحرر لتركيا من ربقة الغرب استنادا إلى النهضة الاقتصادية والعسكرية التي حققتها تركيا سابقا. يقول بأن قواته المسلحة لن تترك اللاجئين للغرق وأن بلاده ستحمي من يصل إليها من اللاجئين بالرغم من عدم التزام الرابطة الأوروبية بتسديد 9 مليار يورو لتركيا مقابل إيقاف هجرتهم، باستقطابهم وإرجاع من وصلوا إلى اليونان على أيدي المهربين.

نعم أن فتح باب الهجرة الشرعية وحل مشاكل اللاجئين كمحاربة البطالة والفقر في بلادهم هو الحل الأمثل الذي أكدته قمة باريس المصغرة.

 

خاتمة

أكد باحث إنجليزي آراء مركز الدراسات السياسية بأمريكا وألمانيا بأن الأخيرة ستكسب كثيرا من استقطاب اللاجئين اثر تدريبهم ودمجهم كأيدي عاملة في مجال الرعاية والأعمال اليدوية وفوق كل شيء سد العجز الديموغرافي…

تفاوتت الأحزاب الألمانية في مسألة حل أزمة اللاجئين وذلك من الناحية الأمنية فبعضها يطالب بنشر الكاميرات في المناطق العامة والمحطات وزيادة رجال الشرطة والبعض يطالب بتشديد القوانين وسحب إقامة المجرمين منهم فورا وإيقاف لم الشمل وبعض الأحزاب كالخضر يرفض التشديد ويسعى إلى دمجهم والاعتراف بهم.

لكي لا نبعد كثيرا عن قضية اللاجئين، نذكر القارئ بأن ميركل راغبة في لم شمل اللاجئين ما أن وجدوا عملا هنا بعد تدريبهم مهنيا ودمجهم في المجتمع. كما أنها أكدت مجددا بأن فتح الحدود عام 2015 للاجئين لم يكن خطأ ارتكبته وإنما لم يكن هناك خيارا آخر،  كما أن تبنيهم إنسانيا صعد من سمعة ألمانيا، هذا كما أن دخول قرابة مليون لاجئ سيفيد ألمانيا بسد النقص الديموغرافي وخانات العمل الشاغرة التي يرفض كثيرا من الألمان سدها كرعاية العجزة، إلى جانب هذا وضحت ميركل بأن ما ذكره كرستيان فولف رئيس ألمانيا سابقا بأن الإسلام  جزء من ألمانيا حقيقة، إذا أخدنا بالاعتبار المسلمين في ألمانيا جزء منها وهذا شعار مشجع لدعم دمج اللاجئين في منظومتها الاجتماعية.

أخيرا خلصت الأحزاب السياسية الصغرى إلى نتيجة شبه خاتمة فيما يخص قضية اللاجئين: يرى حزب الخضر واليسار ألا يرجع اللاجئين لأسباب إنسانية طالما ظلت ألمانيا دولة تحترم الهاربين من الحروب والظلم، وأن يوقف مد الدول الإفريقية بالسلاح وتحل مشكلة اللاجئين من الجذر في مواطنهم الأم كي لا يغامروا بهجرة الموت غرقا في البحر ورفض أوروبا لهم. أما حزب البديل والحزب الليبرالي اتفقا على ضرورة إرجاع اللاجئين غير الشرعيين بلا اقامات صالحة فورا.

أما شولتس رئيس الحزب الاشتراكي فطالب بإبعاد اللاجئين الرافضين لليهود .. يقول “ألمانيا دولة تدعم إسرائيل” بصوت هادئ ونزعة مسيحية. وقالت ميركل بأن صورة الإسلام شوهت بأعمال الإرهاب وهو ما لا ينطبق على الإسلام والمسلمين واللاجئين المشردين الطالبين العيش في كرامة وأمن وديمقراطية في الغرب.

وكما حذرت رئيسة حزب اليسار من تهميش قضايا إنسانية كهذه ومن مد دول العالم الثالث بالسلاح والاعتراف بها في ذات الوقت كدولة آمنة لتسهل وتصحيح شريعة إرجاع أبنائها اللاجئين إليها.

اترك تعليقاً