المرأة العربية في ألمانيا

تحدّيات الاغتراب والإبداع

 تحدّيات كثيرة تقف في طريق المرأة العربية في ألمانيا، أقلّها على صعيد العمل والإبداع.

 توجهنا بالسؤال التالي لعددٍ من النساء العربيّات المقيمات هنا ومن بلدان عربيّة مختلفة، هنّ بالتأكيد فاعلات في المجتمع المُضيف، ولكلّ منهنّ وجهة نظرها وتجربتها الخاصّة، تسردها هنا ..مع الشكر الجزيل لتفاعلهن .  

 ثمّة فكرةٍ سائدةٍ، أنّ الهجرة أو المنفى أو بلد اللجوء يخلقُ للمرأة آفاقاً جديدةً من حيثُ الرؤى والموضوعات وطريقة التفكير أو أساليب تقديم هذا الإبداع.

هل تنطبق هذه المقولة على تجربتكِ الشخصيّة أم جزئياً أم تختلف عنها؟

أسماء بنت محمد البكر: دبلوماسيّة / قطر

من خلالِ التجارب التي مررتُ بها سابقاً والتي أمرّ بها حالياً، خاصّة وأنّها ليست المرّة الأولى التي اغترب فيها عن وطني، بسبب العمل أو الدراسة، فقد كان لي عدّت تجارب، صقلتْ شخصيتي وبَنتْ مستقبلي الدراسيّ والمهنيّ.

أوافق تماماً على أن الغربةَ توفّر للمغترب إعادة بناءٍ عقليّ وتجريبي، حيثُ اختلافُ الثقافاتِ والشعوب وأساليبِ وأنماط الحياة والتفكير، يحتّم على المُغترب تقبّل الآخر، وثقافتهِ مما يتيحُ لهُ\لها توسيعَ مداركهَ ومعارفه وخاصّة أننا نعيشُ في عصرِ العولمةِ أو القريةِ الصغيرة. ومما يُستفاد في الاغتراب أيضاً أنّه ومن خلال تجربتي الخاصة في مجال العمل الدبلوماسي تعلمت أنّه من أساسيات نجاح الدبلوماسي هو القُدرة على التأثير في الآخر وتقريبِ وجهاتِ النّظر بين البلدين.

آمنة الأمين الشفيع أستاذة جامعية / السودان

المعرفة هي أساس الإبداع والإبداع هو ناتج المعرفة، فإذا لم تتوج المعرفة بالإبداع، تصبح خاملة وقابلة للاندثار.

بالنسبة للمرأة فإنّ الحياة في بلاد المغترب تفتح لها مجالاً واسعاً للمعرفة والعمل، حيث هنالك الفرص والخيارات وبالتأكيد المعوقات، في واقع الأمر الهجرة تتيح للمرأة أسلوب وطريقة جديدة في طرح إبداعها ليرى النور.

أمّا أهم الأسباب التي تتيح للمرأة ذلك هنا فهي حريّة التفكير في مجتمع منفتح على تقبّل الرأي والرأي الآخر والتحرر من المجتمع التقليدي والذي يرسم للمرأة صورة نمطيّة للمرأة وخاصة داخل المجتمع الذي تعيش فيه في مجال العمل وغيره مع الأخذ بالاعتبار الحفاظ على الهويّة والتعاليم الدينية السمحة.

من تجربتي الشخصيّة لم تتح لي الفرصة للالتحاق بالعمل في مجال تخصصي في مجال الاقتصاد الزراعي (التسويق والتمويل) في البلد المُضيف على الرغم من مؤهلاتي المُعتبرة والخبرة في مجال العمل الأكاديمي، باعتقادي يُعزى ذلك لعدّة أسباب، منها مُتعلّق بالتحفّظ على توزيع الفرص للأجانب خاصّة إذا كان المشرف الأكاديمي له نظرةٌ مُخالفة في مكوث الأكاديميين في الدولة التي تمت فيها الدراسة بعد إكمال دراستهم وتشجيعه لهم بالعودة للخدمة في البلد الأم. على الرغم من ذلك لم تثنني هذه المعوقات للالتحاق بمجال مقارب للعمل في مجال دراستي حيث سعيت جاهدة للعمل في مجال المحاسبة المالية في إحدى السفارات في برلين. أما على صعيد العمل العام والطوعي فلي مشاركاتي الدائمة في أنشطة وفعاليات الجالية التي أنتمي إليها كما أنني عضو في مجموعة المرأة السودانية في برلين والتي انشأت منذُ عدّة سنوات لعكس الأنشطة المختلفة للمرأة والطفل من خلال الفعاليات المقامة سنوياً.

سارة شحرور: طالبة دراسات عليا/ لبنان

تخرّجت من الجامعة الحرّة في برلين ثم درست ماجستير في علوم الشرق الأوسط.

الغربة تخلقُ في بلاد الهجرة آفاقاً جديدةً من حيث الرؤية العلميّة والنظرة البعيدة للشعوب العربيّة وثقافتها.

كانت الأساليب التي تقام بها الأبحاث العلميّة بالنسبة لي هي الدافع الأكبر للتمسّك بالثقافة العربية.

كنتُ أشعرُ بالاستفزاز حينما يتكلّم البعض عن الثقافة العربية بشكلٍ يسيء لها أو من خلال عدم فهمه لهذ الثقافة، لكنني في نفس الوقت كنتُ أحياناً أشعرُ بالخجل بسبب عدمِ إمكانيّة الدفاع عن ثقافتي العربيّة.

هذه الأسباب وغيرها جعلتني اتخذ القرار لأصبحَ باحثةً في المجالات الأدبيّة، الدينيّة والثقافيّة.

 في برلين ففتحتِ الجامعة لي آفاقها الواسعة لتناول الموضوعات المختلفة والمتنوعة، حيث أنّ الاختلاف بالآراء يعطي النقاش الجامعي سياقاً جديداً ويفتح المجال للتقارب بين الأفكار الشرقيّة والغربيّة، بالنسبة لي لا أعتقد أنّ الغربة هي التي سهلت مصيري في الجامعة كامرأة عربيّة، حيث أنّ النظرة الغربيّة للمرأة لا تختلف عن النظرة الشرقيّة في غالب الأحيان، بالتأكيد هناك الكثير من الأبحاث والنقاشات حول حقوق المرأة ودورها في المجتمعات، ولكن لا يتمّ تطبيقها بشكل فعلي.

بالتأكيد تخلق الغربة للمبدع آفاقا واسعة من حيث الموضوعات وطريقة التفكير المختلفة، وهذا ما يجعله يغوص في آفاق ثقافته الأصلية من زاوية جديدة و رؤيا مختلفة.

 سارية المرزوق: أستاذة جامعية وباحثة في وراثة الخيول /سوريا

أردتُ دائماً دراسة علوم الخيول، والتجوّل حول العالم، لهذا حزمت حقائبي عام 2007، وغادرتُ دمشق إلى برلين. كنتُ مساعدةَ باحث في أحد المراكز البحثيّة السورية، والتي يزيد مبتعثوها الرجال على النساء، كما أنّ اهتمامي بالخيول أثارَ حفيظة الكثيرين ممن يعتبرون هذا الميدان حكراً على الرجال. أيّاً يكن، لم يكن الأمر هيّناً هنا في ألمانيا، حتى مع منحة دراسيّة سخيّة، لأكتشف لاحقاً أنّ أقل من عشرة بالمائة من جميع الذين ترسلهم الشركات والجامعات إلى الخارج هم من النساء.

بالطبع، وعن تجربتي الشخصيّة أتحدّث هنا، من يريد الاستمرار في القيام بعملٍ مثيرٍ واستثنائي، سينتهي به الأمرُ حتماً في الخارج. ولا بدّ أن الإقامة في الخارج أضافت لي الكثير، وهيئت لي ظروف تقدّمي العمليّ، لأنّ السقف الزجاجيّ لم يعد موجوداً ببساطة، أو لم يعد قوياً كما كان، ويكفي قيامي ببعض الجهد لتهشيمه.

ولكن التقدم العملي، لا يعني النجاح بالضرورة، فالنجاح في الخارج أمرٌ صعبٌ.

شققتُ طريقي تدريجياً مع مجموعة واسعة من الأنشطة، ومررتُ بتجارب مريرة بسبب علوّ الجدار غير المرئي للغرباء، المبني بأحجار الاختلافات الثقافيّة المتطرّفة، والحواجز اللغويّة العالية. اكتشفتُ أن ّالجوانب العلمية، والتقنية لا تلعب دوراً رئيسياً في النجاح كما كنت أعتقد، بل كان لا بدّ من تطوير المهارات التي تساعدني على التنقل برشاقة بين الثقافات، واللغات. ساعدتني المصادر المتاحة، والمكتبات، والفعاليّات، والمؤتمرات، والأنشطة المفتوحة على اختراق الجدار في كثير من الأحيان، غير أنّي لم أغفل أنّ للجدار قدرةً على التوالد….

في كلّ الأحوال، لا زلتُ أتلمّس طريقي، وأحاولُ اكتشافَ المزيد من الأدوات التي تعينني على استيعاب المنظومة وهضمها بالطريقة التي لا تجعلني أشعر بخيبة الأمل، أو تدفعني للانزواء. أملأ وقتي بالعمل، و لا أحاول كثيراً العودة إلى الماضي، والتفكير بمزايا أن أكون “باحثة في علوم الخيل” في بلدي. هناك الكثير لاكتشافه وتعلّمه، والمزيد من الجدران لاختراقها.

سلمى مصطفى: اختصاصية اجتماعية / السودان

منذ سنة 1994 درستُ في ألمانيا في الكلية العليا للعلوم الاجتماعية في برلين وتخصصت في العمل الاجتماعي وعملت في عددٍ مختلفٍ من الأعمال قبل تخرّجي وبعد، هذه الغربة صقلت شخصيتي من خلال الدراسة والعمل والتواصل مع المجتمع الألماني و القادمين من بلدان أخرى والذين عملت معهم بشكل مباشر، بالتأكيد بعد أن عشت هنا سنين طويلة تغيّرت شخصيتي وصقلت مهنياً ومعرفياً من خلال الدورات الموازية لعملي ومن خلال ورشات العمل والتي ترفدُ دائماً بما هو جديد في مجال الاختصاص، من جهتي حاولت نقل هذه المعرفة إلى بلدي السودان وتواصلت مع وزارة الأسرة من أجل افتتاح مركز يُعنى بالأسرة، لكن العوائق الكثيرة هناك منعت ذلك.

على العموم لي نشاطي المكثف والدائم مع الجالية السودانية في برلين.

على الصعيد الشخصي ولدت في بيئة حرّة وأسرة منفتحة فمنذ صغري مارستُ الأنشطة الشبابيّة من خلال رحلات الكشّافة وغيرها ربما لذلك لم أشعر أنّ حياتي تبدّلت كثيراً في ألمانيا، بمعنى أخر لم أشعر بهذا الانتقال المفاجئ إلى الضّفة الأخرى من العالم الحرّ كما يُقال.

على صعيد العمل بالتأكيد قضايا الضمان بشكلٍ عامٍ تشعر الفرد إلى حدّ ما بالطمأنينة وهو بحدّ ذاته دافع لمواصلة العمل والإبداع.

في الآونة الأخيرة عندما أسافر إلى السودان بدأت أشعر “بالاغتراب” بعض الشيء ربما بسبب عامل الزمن أو التغيرات السياسية والاجتماعية الحاصلة هناك.  

نجاة عبد الصمد: طبيبة وروائيّة / سوريا

حتى اللحظة الحاضرة: لا أعرف الجواب، فإقامتي في ألمانيا لأربع سنوات لا تكفي بعد لجوابٍ أكيد.. كنتُ أؤمن أنّ عالمي الداخليّ هو مناخي اللصيق، وهو الذي يصنع طريقة عقلي في التفكير ويبقى معي في أية أرضٍ كنتُ وفي أيّ فضاء. واختلف الأمر منذ أول وصولي، أقله أنني أتعذّبُ في تحديد الجهات من حولي، بغياب الشمس لا أستطيع رصد مكان الشروق، والشمس هنا شحيحةُ الظهور بخيلةُ الحضور، كأنها ليست هي نفسها التي تمنح النهار في بلدي قوّة الضياء المفقودة هنا في نهارات برلين الكابية.. قدرٌ ملعون أن تكون مشطوراً بين الهنا، المنفى، والهناك، البلد، كعينين أختين في كامل صحوهما، مرميّتين كلٍّ في قارّة.. تشتهي الأولى كفايتها من الضوء وتشتهي الثانية حقها في الأمان. هذا المكان الجديد الذي أعطاني الأمان اللوجستيّ، لم يصر بعد أحد ينابيع الكتابة، فقد حرمني، بالمقابل، من أرضي التي خبرت تضاريسها واستجلب الألم إليّ كلي من عمق روحي حتى أطراف أصابعي، وما أزال أمشي عليها بقدمين متألمتين رغم السلامة الجسدية، ما أزال أجرّب وأحاول الخطو الحثيث على الأرضٍ الغريبة، وأستعين على ألمي بالنظر إلى أمام وفوق، ولا إلى سواهما من جهات.. وبالمقابل؛ أدين لهذا المنفى بأنّه رحلتي إلى اكتشاف ذاتي، فقد عايشتُ اختباراتي الحقيقية أمام نفسي والحياة هنا وليس في بلدي، وما أزال أتعلم فيه كيف أُحيل السراب والماء والهلام صخراً حتى تستقيم وقفتي، وأكتب في القضايا التي شغلتني وما تزال بصرف النظر عن مكاني. ما تغيّر حقاً هو طريقتي في النظر إلى الأشياء! ربما هو الاغتراب في المكان والاقتراب أكثر من الذات، أو هو النضج الذي يحكون عنه، وما يزال في طوره التجريبي، ويحتاج إلى وقت.. وإلى حينه أستسلم لهذا التغيّير ولا أفكّر بمقاومته ..

وعد محفوظ: فنّانة ورياضيّة/ سوريا

الاغتراب هو نتيجة للظلم الاجتماعي، والمبدعون عادة في هذا الاغتراب يلتقطون العوامل المُحيطة والناتجة عن هذا الظلم بحساسيّة عالية وبطرقٍ مختلفةٍ أكثر من غيرهم وبالتالي هم قادرون على رصد التغيرات المحيطة بهم من هنا يختلف المبدعون في درجة إبداعاتهم نظراً لدرجة حساسيتهم وقدراتهم ومهاراتهم في التقاط الحدث وتجسيده فنيّاً وإبداعياً.

فالمبدع المغترب يرسم لوحات الوجود كما يحلم أن يراه، ومن خلال أحلامه وتطلعاته

وهذه الحرب أضافت إلى اغتراب الذات اغتراب المكان والأهل أيضاً، هذا الاغتراب يجعل منك في البداية كائناً صغيراً دون معنى، لكن هذا البؤس سيصنعُ منك محارباً شرساً في لحظة ما، تشعر وكأن الزمن قطار مسرعٌ أمامك و المطلوب منك أن تلحقه راكضاً، كلّ ذلك يجعلك تتخيل نفسك نجماً وقد اخترق الكثير من الطبقات في زمن قياسيّ ليصير في مرحلة الألماس، كلّ هذه التجارب التي مررتُ بها في المحصلة جعلتني أقوى.

 في الأصل أنا رياضيّة وبطلة جمهوريّة في سباق الدراجات وحاصلة على الحزام الأسود في الكارتيه في بلدي مارستُ عدّة أعمال مختلفة، فقد عملت مُحاسبة ومساعد صيدلي، هنا أحاول هنا كسر هذا الاغتراب بتكثيف الصور والمشاهد المكانيّة الثقافية لبلدي من خلال عملي على الفنون السوريّة القديمة مثل فنّ الموزاييك و فنّ “إيبرو” وهو لوحات فنية خلفيتها مائية.

فهذه الفنون لا يدركها إلاّ من ذاق وعرف نشوتها وحرارتها في وطنه، فهي التي تقود إلى السكينة والنشوة الروحيّة.

فالرسم انعكاس فنّي للنبض الداخلي ونبضي هو أرضي وتراثي لهذا أفضل شيء يكسر ثلج هذه الاغترابات دفء هذه الفنون التي تعيد عبق الماضي معشّقة بنكهة الحاضر.

على العموم أنا في ألمانيا منذ سنتين ونصف تقريباً، مازلت أتعلم اللغة الألمانية وأعمل على معرضي في المنزل وراسلت الكثير من المؤسسات وأنا في انتظار الإجابة و كذلك أنوي الانضمام إلى نادي (باد زاور) الرياضي ورغم ذلك لم أهمل تدريبي الرياضي اليومي، على صعيد الحريّة الشخصية أعتقد أنني عشت كلّ ما أتمناه في بلدي.

.