المحجبات في الدولة الديمقراطية !!

محمد عبد المنعم

مع دخول الكثير من اللاجئين السوريين إلى ألمانيا وتواجد الآلاف من المسلمات اللاتي يرتدن الحجاب، ازدادت مشاكل صناع السياسية  فيما يتعلق بإدماج القادمين الجدد. لكن المهمة ليست سهلة بسبب رفض الكثير من أرباب العمل استقدام محجبات للغمل لديهم.

لا للنقاب   

في الفترة السابقة للانتخابات الفيدرالية عام 2017، أشار «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الذي تنتمي إليه ميركل – وهو أكبر أحزاب يمين الوسط في البلاد- إلى رفضه للنقاب الإسلامي الذي يغطي الوجه.

وقال توماس دي مايزير، وزير الداخلية آنذاك: «نحن لسنا ثقافة برقع»، متودداً بذلك إلى الأغلبية المحافظة في البلاد. ودعمت ميركل تعليقات وزيرها حين أيَّدت حظر النقاب «أينما كان ذلك ممكناً قانونياً».

وأظهر استفتاءٌ أجرته محطة تلفزيون ARD العامة أنَّ 81% من الألمان يدعمون حظر النقاب الإسلامي الكامل في المؤسسات الحكومية والمدارس. والآن، أصبح النقاب الكامل محظوراً في غالبية المؤسسات العامة، لكن ألمانيا لم تنجح في محاكاة الحظر الكامل المطبق لدى جارتها فرنسا.

وفي النهاية، كانت حصة السؤال المتعلق بالبرقع منخفضة نسبياً؛ لأن نسبةً ضئيلة فقط من المقيمات في ألمانيا يرتدينه. لكن الأمر ليس كذلك في حالة الحجاب الأكثر شيوعاً.

توظيف المحجبات

يتفق غالبية الألمان أنه لا يجب حظر الحجاب الذي يغطي شعر المرأة فقط في كل مكان، لكنهم منقسمون بشأن ما إذا كان يجب اعتباره شيئاً مقبولاً من الناحية الثقافية.

وفي حين يتقبله البعض دون تفكير، يعتبره البعض الآخر شيئاً غريباً ويتجنبون التعامل مع السيدات المحجبات. وأضحى هذا الأمر واضحاً بالنسبة لطالبات اللجوء المحجبات أنفسهن. لدرجة أن أكثر السيدات تعليماً من بين السوريات اللاتي يعشن في ألمانيا، يجدن الحصول على وظيفةٍ أمراً صعباً، وتزعم الكثير منهن إن هذا يرجع إلى كونهن محجبات.

ويُهدِّد هذا الأمر بتقويض سياسة الباب المفتوح التي تتبعها ميركل. إذ يمثل تدفق طالبي اللجوء إمكانيةً لتحقيق مكاسب اقتصادية، رغم أنَّه تسبَّب في توترات سياسية.

فقد قال عديد من الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي أن المسؤولين الألمان أعربوا عن تفاؤلهم بوجود اللاجئين، لأن ذلك سيدعم النمو المستقبلي لبلادهم الذي كان يشيخ قبل هذا بوتيرةٍ متسارعة. لكن هذا التحليل يفترض عدم وجود عقبات تمييزية أمام قدرة طالبي اللجوء على إيجاد عمل.

الأعراف الاجتماعية العربية

ولكن الاستبيان الأخير الذي أجراه «معهد بحوث التوظيف»، ومركز أبحاث «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين»، و»اللجنة الاجتماعية الاقتصادية»، كشف أنَّ اللاجئات في ألمانيا يشاركن في سوق العمل بمعدلات أقل كثيراً من أقرانهن الرجال. وحين أُجرِيَ الاستبيان في النصف الثاني من عام 2017، «كان 27% من اللاجئين الذكور و6% من اللاجئات الإناث قد حصلوا على وظيفة». في حين تتساوى مشاركة السيدات مع مشاركة الرجال من المواطنين الألمان في سوق العمل. وزعم التقرير أنَّ المهاجرات مُنعن بفعل الأعراف العائلية التي تتوقع منهن تربية عدد كبير من الأطفال.

وأشار التقرير أيضاً إلى أنَّ نسبة مشاركة السيدات اللاتي ليس لديهن أطفال كانت مشابهة، مع أن التقرير فشل هنا في تقديم أسباب محددة للفجوة بينهن وبين الرجال. وقال هيربرت براكر، أحد القائمين على الاستبيان، إنَّ أحد العوامل قد تتمثل في أنَّ اللاجئات السوريات لم تكن لديهن خبرات عمل كافية في بلادهن، وأنهن لم يلتحقن بدورات للغة بقدر الرجال في ألمانيا.

إهانات

وقال براكر، مؤلف الاستبيان، إن البحث الذي أجروه وجد أن أكثر من 80% من اللاجئات السوريات يرغبن في الحصول على وظيفة. وأضاف أن معظم اللاجئين يدعمون المثل الديمقراطية بمعدلات ربما أكبر من المواطنين الألمان.

لكن الأنماط الثقافية تؤدي دوراً في الحيلولة بين اللاجئات المسلمات وبين دخول سوق العمل. إذ أضاف باركر: «من الصعب أن تحصلي على غالبية الوظائف إن كنتِ ترتدين الحجاب. فالأنماط الثقافية تدخل في المشهد. وتتعرض السيدات لهذا بشكلٍ أكبر لأنهن يرتدين رموزاً واضحة تتعلق بالاختلافات الدينية أو الثقافية. ولهذا السبب، تؤثر الأنماط الثقافية على مشاركة السيدات بشكل أكبر، هذا إحساسي».

وأجرت رئيسة «معهد دراسات المرأة والجنس» في جامعة يوهانس كيبلر بمدينة لينز النمساوية، دراسةً في عام 2016 حول ذات الصعوبات التي تواجهها السيدات المحجبات ذوات الأسماء التركية داخل ألمانيا. وقالت إنَّ السيدات السوريات الآن يواجهن القيود ذاتها: «في دراستي، أرسلت متقدمة محجبة ذات اسم تركي طلبات توظيف أكثر بنسبة 4.5 مرة من المتقدمات الأخريات ذوات الأسماء الألمانية غير المحجبات.

وتُثني هذه المستويات المرتفعة من التمييز، المحجبات عن المشاركة في سوق العمل، وبالتالي تقتل رغبتهن في الحصول على التعليم. وهذا بدوره يجعل السيدات أكثر اعتماداً على الرجال، وعلى دعم الدولة».

وقال المتحدث الرسمي في مكتب «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» ببرلين، إنَّ الموقف الألماني من الحجاب لا ينتج بالضرورة عن الإسلاموفوبيا. وأضاف: «يعتقد الكثيرون في ألمانيا أن الحجاب هو أحد مظاهر عدم المساواة، والمساواة أمرٌ مهمٌ في ألمانيا». فإلى جانب هؤلاء الذين يرهبون الإسلام، هناك قطاعٌ من المثقفين الألمان الذين يرون الحجاب بوصفه رمزاً للقهر والتحامل على المرأة.

.