أنجيلا ميركل … التي لا نعرفها

عادل فهمي

تتكرر الحالة الصحية الغامضة للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل (65 سنةً). ثلاث مرات في غضون ثلاثة أسابيع تعرضت، أمام الكاميرات، لارتعاش وعدم استقرار.

اهتمام عالمي

وفي الحالات الثلاث، يستمر الارتعاش لنحو دقيقتين. وفيما تبدو عليها ملامح السعي إلى السيطرة على الموقف وحركة جسدها، تضم ذراعيها إلى صدرها وتحرص على الالتزام بالخطوات البروتوكولية.

وأكدت كرامب ـ كارينباور، رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه ميركل، أن الحالة الصحية للمستشارة جيدة.

وعلقت كرامب ـ كارينباور على الاهتمام العالمي الذي حظيت به الحالة الصحية للمستشارة الألمانية بالقول إن ذلك دليل على “الدور المهم الذي تلعبه ميركل في العالم” وأضافت: “فالأضواء مسلطة عليها”.

وسبق أن أصيبت المستشارة بوعكة في نهاية 2014. وعانت من انخفاض في ضغط الدم خلال مقابلة تلفزيونية مباشرة. وأوضح مقربون منها آنذاك أيضاً أن ذلك حدث بسبب الجفاف.

وتعتزم ميركل التي تتولى منصبها منذ 2005 (أربع ولايات) اعتزال العمل السياسي في نهاية ولايتها الحالية، أي في 2021 على أبعد تقدير.  وتوصف ميركل بأنها أقوى الزعماء في أوروبا وأقوى امرأة في العالم.

رغبة سرية

تحمل ميركل شهادة دكتوراه في الفيزياء من جامعة ليبزيغ في 1978. وقد اختارت هذا الاختصاص، كما تقول، “لأن الحكومة الشيوعية في ألمانيا الشرقية وقتها، كانت تتدخل في كل شيء باستثناء قوانين الطبيعة”. وعملت في المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية من 1978 إلى 1990.

تتقن ميركل اللغة الروسية، وتهوى الشعر الغنائي والطبخ، وشغوفة بكرة القدم، لاسيما فرق بلادها التي يشاهد العالم تعبيرها عن فرحتها عندما تحقق أهدافاً. وفيما يُعرف عنها أنها قليلة الكلام، تُعرف أيضاً بأنها نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وكثيرا ما تُلاحظ عاكفة على هاتفها وتمطر مساعديها والمسؤولين في حكومتها بالرسائل النصية وشغوفة بالتكنولوجيا المتطورة.

وفي العام 2017، اعترفت ميركل بأن لديها رغبة سرية في أن يكون لها برنامج حواري تلفزيوني خاص بها، إلى جانب العمل مستشارة.

قصص مثيرة

يروي كتاب “ميركل… السلطة… السياسة” للصحافية الألمانية باتريشيا ليسنير كراوس (2006)، أنها عملت أثناء دراستها الفيزياء نادلة في إحدى الحانات. وكانت ميركل خلال مرحلة المراهقة طالبة متفوقة ترغب في أن تصبح معلمة، لكن هذا الحلم تبدد بعدما اعتبرت الحكومة الشيوعية أسرتها مشتبهاً فيها.

ومن القصص المثيرة من ماضي ميركل، أن ابنة القس الذي كان يتنقل بين غرب البلاد وشرقها، تعلمت النطق والكلام باكراً، ولكنها استغرقت وقتا أطول لتعلم المشي. وكانت متسلطة على أخيها الأصغر، الذي حولته، وفق الكتاب، “إلى ساع، تصدر له الأوامر، ويأتي لها بما تطلبه”.

لكن هذه “الطفلة المستبدة” كانت تخشى هبوط الدرج والمنحدرات. وتروي ميركل “كنت أتحول إلى حمقاء للغاية عندما يتعلق الأمر بالتحرك… اضطر والداي إلى أن يشرحا لي كيف أهبط منحدراً… وكان علي أن أفكر في داخلي في الأشياء التي يمكن للشخص العادي أن يفعلها بشكل تلقائي وأتمرن عليها”.

البداية السياسية

دخلت ميركل عالم السياسة في العام 1989، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل بين برلين. وهي ولدت في العام 1954 في القسم الغربي ونشأت في ألمانيا الشرقية حيث أمضت حياتها إلى أن اتّحدتِ البلاد.

أوائل مهماتها الرسمية، وزيرة للمرأة والشباب، ثم وزيرة للبيئة والسلامة النووية، أيام المستشار هلموت كول.

وبعد هزيمة هلموت كول في الانتخابات البرلمانية، عيّنت ميركل أمينة عامة للحزب، ثم زعيمة للحزب عام 2000، ولكنها خسرت المنافسة لتولي منصب المستشار، أمام إدموند ستويبر عام 2002.

وفي انتخابات 2005، فازت ميركل بفارق ضئيل على المستشار، غيرهارت شرويدر، وبعد التحالف بين “المسيحي الديمقراطي” و”الاجتماعي الديمقراطي”، عينت ميركل أول مستشارة في تاريخ ألمانيا، وهي أيضاً أول مواطنة من ألمانيا الشرقية تقود البلاد بعد الوحدة. وأعيد انتخابها فترة ثانية عام 2009، ثم ثالثة عام 2013، ورابعة في 2017.

امرأة حديدية أو أم؟

أطلق عليها الإعلام العديد من الألقاب منها السيدة الحديدية، لمواقفها الصارمة ومنهجها العلمي الجاف مقارنة بالعمل السياسي التقليدي. ويطلق عليها الألمان لقب “الأم”.

وصنّفتها مجلة فوربس الأميركية أقوى امرأة في العالم نظراً لبقائها في الحكم مدة طويلة ولنجاحها الاقتصادي وصمود ألمانيا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية، التي أصابت أغلب دول أوروبا بالركود، وكادت أن تودي بأخرى إلى الإفلاس.

وفاجأت المستشارة الألمانية العالم عندما فتحت حدود بلادها لجميع اللاجئين عندما اشتدت أزمة المهاجرين الهاربين من الحروب والمجاعة نحو أوروبا، ومقتل الآلاف منهم في البحر الأبيض المتوسط.

وواجهت ميركل معارضة كبيرة في بلادها بعد دخول أكثر من مليون لاجئ ومهاجر إلى ألمانيا، وتراجعت شعبيتها في الانتخابات، لكنها تمسكت بموقفها من اللاجئين، وكان يتوقع أن تفوز بجائزة نوبل للسلام.

ولكن صورة ميركل مختلفة في دول مثل اليونان وإسبانيا وإيطاليا، إذ تصفها وسائل الإعلام هناك بالشدة والتجبر، لأنها فرضت، من خلال الاتحاد الأوروبي، على هذه الدول إجراءات تقشف صارمة، عانت منها طبقات اجتماعية واسعة. واتهمت ميركل في 2013 أجهزة المخابرات الأميركية بالتنصت على مكالماتها الهاتفية، وقالت في مؤتمر لقادة الدول الأوروبية إن “التجسس بين الأصدقاء أمر غير مقبول”.

.