اللبنانيون .. وأحلام التغيير

الدليل ـ برلين

يعيش العرب حالة واضحة من التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتختلف الآراء حول أسباب هذا التخلف. فهل العرب مسؤولون عن تخلفهم أم أن ـ كالعادة ـ اعداءهم في اسرائيل وأمريكا وأوروبا وغيرها من مناطق العالم يتحملون مسؤولية مشاكل التخلف العربي؟

قد تكون هناك بعض الاسباب الدولية الخارجية التي ساعدت وتساعد على تعميق مشكلة التخلف في العالم العربي، ولكن حتى لو أردنا تحميل مسؤولية تخلفنا العربي للقوى الخارجية وفي مقدمتها الامبريالية الامريكية الجديدة والصهيونية العالمية والجمهورية الإيرانية، فإن هذه القوى لم تكن لتتمكن من تحقيق أهدافها، لولا وجود أسباب وعناصر عربية تساعد على تأسيس التخلف وعلى توثيق أوتاده في الأرض العربية.

فمنذ عشرات السنين والعرب يتحدثون عن اصلاح مناهج تعليمهم وتطوير أريافهم وتحسين خدماتهم الصحية والقضاء على فسادهم السياسي والإداري والمالي والعسكري والقضائي وعن تطوير وضع المرأة العربية، ويدعون الى تقوية تضامنهم وتعاونهم الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني والإعلامي على صعيد عربي أوصعيد إسلامي، ولكنهم لم يتمكنوا إلا من تحقيق القليل النادر في جميع هذه المجالات وغيرها.

“الكثير من الجعجعة والقليل من الطحين”.  

فالعرب يعرفون جيدا نوعية وطبيعة مشاكل التخلف التي تواجههم وعوضا عن دراسة أسباب فشلهم في معالجة هذه المشاكل فإن الكثيرين منهم يعتقدون بدون أي تردد بأن الآخرين هم المسؤولون عن مشكلة التخلف.

وهناك من يعتقد بأن أسباب التخلف العربي هي أسباب ثقافية، ولكني اعتقد ان للتخلف اسبابا فكرية جوهرية ترتبط بالفكر العربي في مجمله. فالفكر العربي بصفة عامة هو فكر شمولي فلسفي عاطفي وغير واقعي. وبالتالي فإنه ليس فكرا تنمويا بطبيعته. وهذا لا يعني ان الفكر العربي كله يدعو الى التخلف. فهناك الكثيرون من المفكرين العرب من دعاة التقدم والتطور، ولكن الفكر العربي غير مؤهل لمواجهة تحديات ومشاكل التنمية. فالفكر العربي لم يساعد ـ للأسف ـ على بناء وتكوين الأرضية العقلانية والواقعية والتحليلية القادرة على التصدي لمشاكل التخلف.

لقد فشل الفكر العربي في مواجهة التخلف ومحاربته، كما فشل في تحقيق التنمية. فلقد عمل الفكر العربي بطريقة مباشرة وغير مباشرة على تجسيد المفاهيم الخاطئة التي تلوم الآخرين وتحملهم مسؤولية التخلف. وهناك بعض أطروحات الفكر العربي التي تعارض وترفض التنمية من منطلقات تقليدية منسوبة الى الدين دون توثيق شرعي واضح.

من مجمل هذه المشاهد نستطيع ان نتلمس جذور تخلفنا فى ثقافة لا تعتنى ولا تحترم حرية الإنسان فكراً وسلوكاً .. ثقافة عشنا فى ظلالها نتجرع المهانة حتى وصل بنا الحال إلى عدم إدراك المهانة .. ثقافة تكلست وتشرنقت وتحصنت لتمنحنا الخوف والجبن والعجز، فلا نستطيع إزاحتها أو تطويرها أو تخفيف وطأتها، لقد أصبحنا عبيد ثقافتنا التليدة .

لبنان العنيد

شكلت المؤسسات الطائفية ركيزة أساسية صلبة من ركائز المجتمع الأهلي اللبناني التي تهتم بشؤون أبناء الطائفة أو الملة الصحية منها والسكنية والتعليمية والخيرية والدينية والاقتصادية وغيرها. وبسبب فشل بناء الدولة الوطنية في لبنان استمر عمل المؤسسات الطائفية بعد الاستقلال مما ساعد على تعميق النزعة الطائفية لدى اللبنانيين وتحولها إلى مذهبية أضعفت كل أشكال الانتماء الوطني في لبنان وباتت عقبة حقيقية تمنع استمرار الدولة اللبنانية وتجددها على أسس ديمقراطية ووطنية سليمة.

بعد حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاماً (1975 ـ 1989) وما زالت تداعياتها السلبية مستمرة حتى الآن، رجع اللبنانيون إلى مرحلة ما قبل الدولة الحديثة في لبنان. فانتقلوا من مجتمع الحرب إلى مجتمع السلم بقيادة زعماء الحرب أنفسهم.

وهيمنت ذهنية الميليشيات الطائفية والمذهبية على مؤسسات الدولة اللبنانية وأعاقت عملها وإعادة تجددها على أسس وطنية سليمة. فبات اللبناني عاجزاً عن امتلاك وعي وطني في ظل ممارسات طائفية مدمرة. ولم يعد بمقدوره ممارسة حريته في ظل أحزاب ومنظمات طائفية ومذهبية تغلب الوعي الطائفي على الوعي الوطني.

ويفتقر لبنان اليوم إلى المواطنة الجامعة وممارسة الحد الأدنى من احترام مبادئ المساواة بين اللبنانيين بصفتهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

وبعد أن سدت أبواب العمل بصورة شبه تامة أمام الشباب اللبناني، اختار طريق الهجرة إلى الخارج من دون رغبة بالعودة إلى وطن يحكمه زعماء الطوائف والميليشيات، ولا يتركون لشعبه القدرة على تأمين مقومات الحياة الكريمة وبناء عائلة مستقرة.

لقد عادت مشكلة بناء الدولة العصرية في لبنان ودول عربية أخرى بشكل حاد، وعلى أسس وطنية غير طائفية.

فهل إلغاء الطائفية السياسية هو أفضل الحلول للأزمة الطائفية في لبنان؟

لا خيار أمام اللبنانيين غير القيام بمحاولة جديدة.

أن يتبادلوا التنازلات وأن يتخلوا عن أوهام الانتصار عبر التحالف مع أقوياء في الإقليم. الخلاصة هي أن يعودوا إلى لغة منتصف الطريق أو إلى أقرب نقطة منه. الوضع بالغ الخطورة هناك من يعتقد أن عودة العراق إلى ما كان عليه مستحيلة. والأمر نفسه بالنسبة الى سوريا. تركيبة لبنان تجعل الطلاق مستحيلا لهذا لا بد من العودة الى ترميم التعايش وهي مهمة لا تنفصل عن بناء الدولة”.

تحية لشعب لبنان، الذي عرف الطريق إلى الحرية الحقيقية، بعيدا عن الطوائف. 

.