العش الفارغ

لمياء مشعل

 

في صالة الانتظار عند الطبيب جلست سناء تنتظر نتيجه التحليل. الوقت يمر ببطء مدمر، الدقائق تتثاقل والساعة على الحائط أمامها بدت وكأنها تحجرت عقاربها تلسع قلبها المعذب المشتاق لكلمة ماما …

عشر سنوات مرت كأنها الدهر. زوجها بدا راضياً بالقدر والنصيب ولازال يسمعها كلمات الحب كأول يوم من حياتهما المشتركة. الإحساس الدائم بالعجز وقلة الحيلة أكل عشر سنوات من عمرها، نظرات الشفقة في عيون الأصدقاء والجيران كم أتعبتها، وكم أبكتها تعليقات حماتها ومطالبتها بحفيد … نظراتها لها المحملة بتحميلها مسؤولية إنقطاع سلالة إبنها لأنه يزرع أرضاً بوراً لا تطرح الثمر … بيتها الصغير لا ينقصه الا طفل واحد فقط  يملأ حياتها الفارغة، عشها الهادي الدافئ العامر بالحب مهدد في أي لحظة بالتداعي إذا لم يأتِ هذا الكائن الصغير ليبعث فيه حياة اللعب والصخب …

تنقلت كثيراً بين الأطباء والتحاليل والأدوية ولم يفلح أي منها في منحها شرف الأمومة. قلبها متعلق بطارق اللذي يحبها والذي تزوجها بعد قصة حب جارفة، تتعذب حين يطوقها بذراعيه ويعلن لها أن الأبوة لا تهمه كثيراً لكنها تلتفت فترى بئر الحرمان العميق في عينيه … كم غاص قلبها حزناً وهي ترى النساء حولها يلاعبن أطفالهن في الملاعب وكلمة ماما تترد في أذنيها تسمعها ولا تعرف معناها الحقيقي … تشتاقها بلهفة، يمزقها الحرمان إرباً يوماً وراء يوم.

توالت الشهور والسنوات ولا زالت تتعذب بالأمل أن تكون يوماً ما أماً، فهل تكون أفاقت من ذهولها على صوت الممرضة تنادي بإسمها، خفق قلبها إتجهت نحو غرفه الطبيب الذي قابلها بإبتسامته قائلاً: مبروك مدام أنت حامل…! لم تصدق أحست بالدوار، تداعت على الكرسي ليؤكد لها الطبيب الخبر السعيد… طارت إلى المنزل لتنتظرعودة طارق، لتزف له البشرى، تكاد الدنيا كلها لا تسعه فرحها، وكأن جدران البيت  ترقص معها والآثاث والسجاد أحست أنه يكاد يطير معها … تنقلت كالفراشة بين حجرات البيت وكأن الكون كله ملكها وأنها على وشك ان تضع  تاجاً مرصعاً على رأسها، فليس ثمة أحد من أهل الأرض يفوقها سعادة …

أعدت الطعام وهي تدندن ورتبت المنزل كنحلة إرتشفت رحيقاً، إرتدت أجمل ثوب في خزانتها وتزينت وجلست بانتظار طارق والسعادة تغمر كل خلية في جسمها والفرح يعزف لحن الحياة على أوتار قلبها، وروحها تهيم في أيام وردية قادمة …

رِن جرس الباب، قفزت كعصفور ملون فتحت الباب لتجد أمامها إمرأه تصغرها سناً ببضعة أعوام على الأغلب، تأملتها المرأة بنظرات غريبة، أنكرتها … طلبت أن تتحدث معها فدعتها للدخول. لم تطل عليها، أخرجت من حقيبتها ورقتين. تساءلت سناء عما تريد منها هذه الآن بحق السماء … ألقت المرأه قنبلة مدوية في وجهها … أخبرتها أنها زوجة طارق! لم تصدق سناء أذنيها … تمالكت نفسها، لم تصدق وهي ترى عقد الزواج وهي تقرأ إسم زوجها … أحست بالضياع فعاجلتها الأخرى بورقة شهادة ميلاد إبنها من طارق …!

أحست بلسعة سوط بين عينيها، فإنتفضت واقفة كمن مسه صاعق كهربائي … بدأت ترتجف وتهذي … صفقت المرأة الباب وراءها بعنف تاركة ورآها حطاماً…

 

اترك تعليقاً