الزيجات العربية في حقل التوتر بين قانون الأسرة العربي والقانون الألماني

المحاميان : نسرين كريمي وفيليب كوخ

قانونا الأسرة والميراث بخلاف أي عمل قانوني آخر يعكسان التقليد الاجتماعي تماما كما يعايشه الناس بالحياة اليومية كما يعكسان أيضا القيم الخاصة بالمجتمع والدولة والتي تنقلها وتوصلها الديانة.  وهكذا فإن قانون الأسرة الخاص بالدول العربية يعرف عددا كبيرا من خصائص متميزة للحضارة والثقافة العدلية رسخت متأصلة فيه بعمق بعيد ، ولكنها  بالنسبة للقانون الألماني بالغة الغرابة.  والاختلافات كبيرة بين اللوائح والتنظيمات في قانون الأسرة الألماني ونظيراتها الخاصة بالدول العربية .  وهنا نذكر على وجه المثل: أسباب الطلاق التي تتسم بالطابع القانوني الإسلامي، الطلاق الشرعي ، وعقد الزواج وفسخه أمام المحاكم الشرعية، إضافة إلى النظام الشرعي الإسلامي الخاص بالمهر.

والمتزوجون المقيمون في ألمانيا، كألمان – عرب أو عرب فقط ، والذين قد عقدوا زواجهم تبعا لإجراءات قوانين الزواج الخاصة في الدول العربية ويريدون الآن أن يطلقوا،  يقفون دائما أمام السؤال، تحت أي قانون تخضع تلك الزوجية، ومعها المسائل المترتبة والمرتبطة بالزوجية أيضا (النفقة ، قانون المتاع والأغراض التابعة للزوجية، وعند وجود أطفال، فقانون حق الرعاية والتربية وقانون حق الاتصال والعلاقة) إضافة إلى الطلاق أيضا؟ 

وفضلا عن ذلك فإن هذا السؤال يطرح نفسه دوما: “هل المحاكم الألمانية هي المختصة قانونيا؟” وإن كان محل الإقامة الاعتيادية لأحد الزوجين هو في ألمانيا، فإن المحاكم الألمانية تعتبر هي المختصة قانونيا في المنازعات الأسرية،  إلا إذا كان هناك إجراء جار بالفعل لغرض الطلاق في دولة المنشأ العربية.

وما لا يدري به الكثير من المواطنين،  هو حقيقة أنه في كثير من القضايا، التي يتم رفعها نظرا لحدوث منازعات أسرية عربية، فإن المحاكم الألمانية للأسرة تحكم تبعا لقانون الأسرة الخاص بتلك الدول العربية، وبذلك فإنه قد يتم استخدام وتنفيذ قوانين عدلية إسلامية (شرعية) في ألمانيا.  فمثلا إذا كان هناك زوجان جزائريان أو لبنانيان يعيشان في ألمانيا، كانا قد عقدا زواجهما في الجزائر أو في لبنان،  ويقدمان للطلاق في ألمانيا ،فإن محكمة شئون الأسرة الألمانية تستخدم قانون الأسرة الجزائري أو اللبناني في ذلك الأمر.

أما موضوع تطبيق محاكم الأسرة الألمانية للقانون الأسري الألماني أو قانون الأسرة الخاص بالدول العربية المعنية والمتعلقة بالقضية ، فذلك ما ينظمه القانون الدولي الخاص.  وهو يحدد لأي لائحة قانونية استخدامها الخاص في القضايا ذات العلاقة المرتبطة بالخارج. والمصادر العدلية للقانون الدولي الخاص هي الاتفاقيات الدولية بين دولتين (الثنائية) أو بين دول عديدة (متعددة الأطراف) إضافة إلى قانون المدخل للقانون المدني (EGBGB). وبخلاف ما هو عليه الحال مع الجيران الأوربيين ومع جمهورية إيران الإسلامية، فإنه لا توجد هناك اتفاقات قانونية دولية بين جمهورية ألمانيا الاتحادية من ناحية ومصر أو الجزائر والعراق والأردن وليبيا والمغرب وسوريا وتونس لتنظيم القانون الذي يجب إعماله في مثل تلك القضايا.  ونظرا إلى عدم وجود اتفاقات قانونية دولية (في ذلك الأمر) مع الدول العربية فإن قواعد القانون الدولي الخاص  ولقانون المدخل للقانون المدني (EGBGB) ، هي التي تحدد إذا ما كانت المحاكم الألمانية تطبق القانون الألماني أم القانون العربي المختص في كل حالة بعينها.

عند تطبيق القانون الأجنبي فإن القاضي الألماني عليه أن يباشر رسميا وبحكم وظيفته بحث القضية والنظر إليها تحت ضوء نصوص القوانين العربية ومجموعة الأحكام العدلية للدول العربية المختصة.  وأثناء تحري القضية مع استخدام القانون الأجنبي فإن على المحكمة الألمانية الأخذ بمصادر المعلومات المتاحة له إلى آخر الحدود.  وفي التطبيق يأخذ القاضي في ذلك عائدا إلى ترجمات النصوص الألمانية للأعمال المتخصصة في القانون الأجنبي المختص.  وفي الحالات المستعصية تستجلب المحكمة تقرير خبير علمي لدى المؤسسات الجامعية ، وآراء السفارات الألمانية في التطبيقات العدلية للدول المختصة. ويمكن لتجنيس الزوجين أن تكون له أيضا أهمية كبيرة عند وجود نزاعات عائلية قانونية.  وفيما يلي أمثلة توضح للصعوبة الخاصة في هذه الحالات:

ـ زوجان سوريان يعيشان في ألمانيا كانا قد عقدا زواجهما في سوريا.  وفي وقت عقد الزواج كان الزوجان مواطنين سوريين الجنسية فحسب. وفي تلك الأثناء وبعد أن كان الزوجان قد حصلا على الجنسية الألمانية أيضا بجانب جنسيتهما السورية.  قام الزوج بنطق لفظ الطلاق من زوجته أمام المحكمة الشرعية السورية وقدم في ألمانيا طلبا للاعتراف بالطلاق. ورفضت محكمة الدولة العليا في “براون شفايك” الاعتراف بهذا الطلاق، إذ أنه بناءا على الجنسية الألمانية للزوجين كان من الواجب العمل بالقانون الأسري الألماني ، وكان هذا يستوجب بالضرورة لإمكانية الاعتراف بالطلاق أن يتم لفظ الطلاق عن طريق محكمة (وضعية) للدولة (وليست دينية).  وأن نطق الطلاق أمام المحكمة الشرعية السورية لا يسد بكفاية متطلبات القانون الألماني،  إذ أن تلك المحكمة ليست  (وضعية) تابعة للدولة.

وأخفق الاعتراف بالطلاق إذن وفشل، نظرا لأن المحكمة الألمانية طبقت القانون الألماني وليس القانون السوري، وذلك كنتيجة لتجنيس كلا من الزوجين.  ولو أن واحدا فقط من الزوجين كان قد تم تجنيسه فقط ، لاضطرت المحاكم الألمانية إلى تطبيق قانون (الأحوال الشخصية) الأسرة السوري.

ـ رجل ألماني، لا يعتنق الدين الإسلامي، قد عقد زواجه في عام 1987 في ألمانيا على امرأة مصرية تعتنق الإسلام.  وينتقل الزوجان بعد عقد الزواج إلى مصر، حيث يؤسسا مركز حياتهما الاعتيادي هناك.  ثم تنفرط العلاقة الزوجية.  ويعود الزوج إلى ألمانيا ويقدم طلبا للطلاق في عام 1995.

والطلاق في هذه الزوجية كان سيتم بحكم خضوعه للقانون المصري، الذي كان سيستوجب على محكمة الأسرة الألمانية العمل به، طبقا للمادة 17 ، الفقرة 1 ، والمادة 14 ، الفقرة 1 ، رقم 2 من قانون المدخل (EGBGB) ،  إذ أن الزوجين كانا يتخذان في مصر مقرهما المشترك الأخير للإقامة.

لكن الطلاق لما تم تقديمه، لم يمكن تحصيله بناءا على القانون المصري،  إذ أن عقد الزواج الموجود يعتبر غير نافذ الفعول،  تبعا للقانون المصري.  فإن قانون (الأحوال الشخصية) الأسرة المصري ينص على أن المصرية التابعة للديانة الإسلامية لا يمكنها أن تعقد زواجا نافذ المفعول على زوج غير مسلم.  والمانع في عقد الزواج المستند إلى اختلاف الديانة يتأتى من نص الآية رقم 10 للسورة  رقم 60 في القرآن الكريم.  وتعتبر الزوجية لهذا السبب محدودة في نفوذيتها في المجال الألماني، ولذلك قامت المحكمة الألمانية من جانب التسهيل بتطبيق القانون الألماني بالنسبة لهذا الطلاق.

ـ يقــيم زوجان مغربيان في ألمانيا.  والزوجة مولودة (أي مزدادة) في ألمانيا في حين انتقل الزوج في عام 1990 إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية بعد إتمام عقد الزواج في المغرب.  ومن ثم تتقدم الزوجة بطلب الطلاق أمام المحكمة الألمانية، بسبب أن الزوج قد أخل بواجبه في الإنفاق على المعاش اليومي.

وطبقت محكمة الأسرة الألمانية على هذه الحالة قانون الأسرة المغربي،  وبالتحديد هنا :

المادة 35 المدونة بقانون الأحوال الشخصية (Code du statut personnel et des successions) . ويكون الزوج بموجبها مسؤولا بأن يتحمل تكاليف المعيشة الزوجية، للطعام والملبس والعلاج الطبي والسكن، وذلك حتى لو كانت الزوجة تزاول عمل بمقابل مالي.  وأنه إذا ما أخل بهذه الالتزامات فإن للزوجة أن تطالب بتطليق الزوجية.  وأصدرت المحكمة الألمانية للأسرة حكمها بالطلاق استنادا لهذا السبب.

وكما تبين هذه الأمثلة ، فإن التساؤل عن أي نوع من القوانين ستعتمد عليه المحاكم الألمانية للأسرة في إصدار أحكامها وقراراتها،  يعتمد على عوامل متعددة، مثل الجنـسية ، محل سكن وإقامة الزوجين ، ومكان عقد الزواج .. إلى آخره..

ولكن استخدام القانون الأجنبي يمكن أن يؤدي إلى أن تكون المحاكم الألمانية مرغمة على أحكام وقرارات ، تكون في نتيجتها متضادة مع الرؤية العدلية الألمانية الأساسية.  وفي هذه الحالات يتم تولي قاعدة التحفظ “Ordre Public” استنادا للمادة 6 من قانون (EGBGB )  وبناءا على ذلك فإن النطق العدلي لأحكام تتبع لوائح قانون أجنبي لا يتم الأخذ بها في ألمانيا ، إذا أدت باستخدامها في حالة معينة إلى نتيجة عدم تطابقها مع الأساسيات الأولية للقانون الألماني بوضوح .   وفي هذا مثلا ، لا يتفق الزواج المتعدد (بأكثر من زوجة) بل يعارض النظرة العدلية الألمانية الأساسية.

أما القضايا العدلية التي تكون غالبا معقدة ، والتي يتعلق الأمر فيها بتنظيم شؤون أسرية قانونية لزيجات عربية فإنها تعكس مجال التوتر بطريقة واضحة. كما يلم به تعايش مواطنين من خلفيات متباينة ثقافية – اجتماعية ودينية تحت صلاحية القانون الألماني.  ويأخذ القانون الدولي الخاص الألماني في الاعتبار مصلحة تعددية الأشكال المتباينة لمعيشة هؤلاء المواطنين الذين يعيشون في ألمانيا،  من واقع نظرته إلى حالات عديدة من القضايا عن طريق استخدام قانون الأسرة الأجنبي التابع لدول المنشأ الخاصة بهؤلاء المواطنين. ولكن فقط في تلك المواضع بعينها ، حيث تكون نتيجة استخدام القانون الأجنبي غير متطابقة مع معطيات القانون الأساسي الألماني  (الدستور)،  فإن السمو النهائي في الصلاحية بالتطبيق يكون من حق النظام العدلي الألماني. وهكذا وكما توضحه أحكام القانون الأسري الألماني ، فإن تنظيم قيم القانون الأساسي (الدستور) ، هو الذي يحدد الأسس النهائية لتعايش جميع المواطنين المقيمين في ألمانيا.

.