الدولة التركية أصبحت شركة عائلية

إبراهيم بدوي

من المعروف ان تركيا تعيش هذا الاوان على وقع أزمة لم تعد صامتة داخل حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يبحث منذ أشهر عن حل يُنهي موجة من الاضطرابات المالية ناجمة عن هبوط لم يفارق الليرة إلا في مرّات نادرة، فنظرية المؤامرة الخارجية التي تستهدف ضرب الاقتصادي التركي والتي سوق لها أردوغان مرارا، لم تعد مقنعة وكان لابد من ستار آخر لمداراة حجم الاخفاقات الاقتصادية المتتالية باستثناء بعض القطاعات التي لم تطلها التدخلات السياسية.

وأصبح واضحا أن العلّة ليست في الأشخاص بقدر ما هي في السياسات، فإقالة محافظ البنك المركزي والتي تلتها استقالة وزير المالية بيرات البيرق وهو صهر أردوغان لم تأت من فراغ وإنما هي نتاج فشل منظومة كاملة حاول الرئيس ترسيخها وهي أيضا ليست حدثا معزولا عن تجارب سابقة انتهت كلها إلى الفشل.

وتحيل هذه التطورات إلى المعارك التي خاضها أردوغان مع البنك المركزي قبل سنوات قليلة حول سعر الفائدة مخالفا كل النظريات العلمية الاقتصادية وأراء الخبراء وهي المعركة التي انتهت بإقالة كل المعارضين داخل المركزي التركي لرأي الرئيس وتدخلاته في السياسة النقدية.

وسبق لأردوغان أن قدم نفسه علنا كخبير اقتصادي في تفصيل علل الاقتصاد التركي بداية بسعر الفائدة وصولا إلى المؤامرة الخارجية لضرب انجازاته الاقتصادية، وهي الذرائع التي سقطت مع تواصل الانهيار القياسي في قيمة العملة الوطنية.

قرارات ارتجالية

وعود على بدء كانت استقالة وزير المالية وهو من أقرب المقربين للرئيس لجهة المصاهرة والانتماء الحزبي، أوضح إشارة على حالة الانسداد السياسي والاقتصادي.

والوضع الراهن داخل حكومة أردوغان كان متوقعا على الأقل بين الأوساط السياسية التركية التي عايشت عشرية تميزت بطفرة من النمو الاقتصادي وتعايش اليوم بداية الانهيار.

وقد بدأت حالة الإرباك السياسي مع انشقاقات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم على خلفية النزعة التسلطية للرئيس التركي وعلى خلفية سوء الإدارة الاقتصادية والسياسية بما خلق مناخا طاردا للاستثمارات وبما سمم علاقات تركيا الخارجية حتى مع شركائها التجاريين.

وتنسجم هذه القراءات مع رأي المعارضة الرئيسية في تركيا التي اعتبرت أن استقالة وزير المالية بيرات البيرق كانت غير مسبوقة وتصل إلى حد “أزمة دولة”، منتقدة في الوقت ذاته العزل المفاجئ لمحافظ البنك المركزي.

ويذهب توصيف زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو للأزمة الراهنة إلى أبعد من مجرد قرارات ارتجالية، مشيرا إلى أن أردوغان المدفوع بطموحات سلطوية وتسلطية، كان “يدير البلاد مثل شركة عائلية” وأن إقالة محافظ البنك المركزي تُظهر أن المؤسسة المالية التي يفترض أنها المسؤولة عن السياسة النقدية “فقدت استقلاليتها”.

وكانت استقالة وزير المالية مثيرة للغرابة، حيث لم تُبلغ أي جهة إعلامية أو حزبية بقرار الاستقالة التي جاءت في بيان على منصة للتواصل الاجتماعي ولم تصدر عن أي جهة حكومية. وفي وضع بيرات البيرق فإن الأمر مثير بالفعل ويستدعي أكثر من سؤال فالرجل ليس شخصية سياسية عادية، فهو صهر الرئيس وهو مهندس السياسات المالية والاقتصادية وهو ظل الرئيس.

وقال كيليجدار أوغلو إنه من المخجل ألا تُبلغ أي وسيلة إعلامية تركية كبرى عن الاستقالة في غضون 24 ساعة تقريبا.

تركيا .. شركة عائلية

الوضع الراهن داخل حكومة أردوغان كان متوقعا على الأقل بين الأوساط السياسية التركية التي عايشت عشرية تميزت بطفرة من النمو الاقتصادي وتعايش اليوم بداية الانهيار

والاستقالة التي تم تسويقها تحت عنوان “أسباب صحية” بدت غير مقنعة للرأي العام التركي وللخبراء من متابعي الشؤون التركية منذ تولى حزب العدالة والتنمية الحكم ويبدو أنها ردّ فعل على تعيين أردوغان والد زوجته ناجي أغبال الذي تولى في السابق حقيبة المالية، ليحل محل محافظ البنك المركزي المقال مراد أويسال. وتكهنت وسائل إعلام تركية بأن البيرق عارض تعيين إقبال.

والمشهد الذي بدأ يتشكل لتوه يُظهر ملامح خلاف بين المقربين من أردوغان ربما لجهة التموقع السياسي والنفوذ سواء داخل العائلة أو في الحزب أو في الدولة، لكنه أيضا يُكّمل حلقة كانت مفقودة لفترة منذ اجتاحت الاستقالات حزب العدالة والتنمية ورسمت من بعيد خارطة سياسية في طور التشكل مع أحزاب وليدة من رحم العدالة والتنمية تسعى للتحالف أو التعاضد لعزل الرئيس أو أدناها إحداث توازن سياسي وكبح نزعة التفرد بالحكم.

النظام القبلي

وغير بعيد عن رأي حزب المعارضة الرئيسي، سلط رأي أحمد داوود أغلو زعيم حزب ‘المستقبل’ وهو من كبار المؤسسين المنشقين من حزب العدالة والتنمية وممن كانوا من صناع القرار السياسي في دولة أردوغان، ليؤكد وجاهة قيادة الأخير للبلاد بمنطق العائلة والقبيلة.

وقد اعتبر داوود أغلو الذي كان رئيسا للوزراء وقبلها وزيرا للاقتصاد وشغل مناصب حساسة في الدولة والحزب، طريقة إعلان وزير المالية بيرات البيرق عن استقالته من منصبه أنها تعيد تركيا إلى “النظام القبلي”.

وقال: “الأحداث التي شهدتها تركيا توجب عليها تغيير النظام السياسي القائم الذي يحول سياسة الدولة وأجهزتها إلى مفهوم قبلي”، مضيفا “ندعو إلى إقرار نظام برلماني قوي”.

وقد عانت تركيا، أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط من انكماشين حادين في عامين وفقدت عملتها نحو 45 بالمئة منذ تولي ألبيرق المنصب في منتصف 2018.

ورغم أن النمو الاقتصادي يتعافى من تداعيات فيروس كورونا، فإن التضخم عالق حول 12 بالمئة والبطالة مرتفعة، لاسيما بين الشباب ومن المتوقع أن تقفز مجددا عند رفع حظر على تسريح العاملين.

وقد باعت البنوك التركية التابعة للدولة هذا العام احتياطيات أجنبية تقدر بمئة مليار دولار لدعم الليرة المنكوبة، لكن بيانات حكومية تظهر أن مثل تلك التدخلات انحسرت في الشهور الأخيرة، فيما يتوقع محللون أن تزداد انحسارا في ظل القيادة الجديدة.

.